الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
خطبة عيد الأضحى: إبراهيم العصر عوائل الشهداءمراقباتالمعنى الحقيقيّ لانتظار الفرجكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع وزير الداخليّة ومحافظي المحافظاتعليٌّ (عليه السلام) إمامُ الكلِّ في الكلّ

العدد 1671 08 ذو الحجة 1446 هـ - الموافق 04 حزيران 2025م

دلالات الحجّ في تهذيب النفس وبناء الأمّة

موجِباتُ القُربمراقباتفَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِمراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات
خطبة عيد الأضحى: إبراهيم العصر عوائل الشهداء
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة بحلول عيد الأضحى المبارك.


قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾[1].

عيد الفداء ومنهج الطاعة
يحلّ علينا عيد الأضحى في هذه الأيّام المباركة، بوصفه موسماً حيّاً للفداء والطاعة، يتجدّد في وجدان المؤمنين كلّ عام. فليس العيد حدثاً مضى نستعيده، بل هو زمنٌ إلهيٌّ حاضرٌ، يحمل في جوهره مدرسةً تربويّة عظيمة، تأسّست على يد خليل الله إبراهيم (عليه السلام)، يوم امتثل لأمر الله تعالى بذبح فلذة كبده إسماعيل (عليه السلام)، فقال له: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾، فأجابه إسماعيل: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾[2].

تتجلّى في هذا المشهد قِمّة الطاعة والتسليم لأمر الله تعالى، وانقطاع القلب عمّن سواه عزّ وجلّ، حين طُلِب منه أن يُقدّم أعزّ ما يملك؛ ابنه الذي رزقه إيّاه على كِبَر سنّه، بعد طول انتظار ولهفة، وقد عبّر النبيّ إبراهيم (عليه السلام) عن هذه النعمة بقوله تعالى على لسانه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾[3].

لم تكن التضحية هنا عاديّة، بل كانت تضحية بالأحبّة، وهي أحياناً أشدّ مرارةً من بذل النفس عينها. فقد طُلب من إبراهيم (عليه السلام) أن يذبح بيدَيه ابنه الشابّ، ثمرة قلبه وأمل عمره، فاستجاب (عليه السلام) بكلّ يقين، وامتثل إسماعيل بكلّ صبر، ليكون هذا المشهدُ مدرسةً خالدة في الفداء والإخلاص والتسليم المطلق لله تعالى.

ويُشير الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة إلى عمق هذه اللحظة الفاصلة، حين يقول: «وَمُمْسِكَ يَدَيْ إِبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ، بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ، وَفَناءِ عُمُرِهِ»[4].

 وهذا هو الدرس الجوهريّ والأساسيّ الذي ينبغي تعلّمه من هذا العيد؛ أن لا شيء يعدل أمرَ الله، ولا قيمة تعلو على التضحية في سبيله، وأنّ الفداء في مرضاته هو عينُ الكرامة والعزّة.

أيُّ معنى أعمق من هذا نستحضره في يوم الأضحى؟! وأيُّ درسٍ أوضح من هذا الفداء ينبغي أن يترسّخ في وجدان الأمّة؟!

إنّ روح عيد الأضحى لا تكتمل بالأضاحي وحدها، بل حين نكون مستعدّين للتضحية بأنفسنا، بملذّاتنا، براحتنا، بأعزّ ما نملك، إنْ كان في ذلك مرضاة لله ودفاعٌ عن دينه وكرامة عباده.

تجلّيات الفداء في عصر المقاومة
في هذا السياق، يؤكّد الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) رمزيّة هذا الأمر للمؤمنين في ما يرتبط بالتضحية والفداء في سبيل الله، فيقول: «هذا الإيثار، وهذا التجاوز، هو رمز للمؤمنين الذين يرومون السير في طريق الحقيقة والتعالي والعروج إلى المدارج العليا. الأمر غير ممكن من دون تضحية. هذه هي في الواقع النقطة الرئيسيّة في كلّ الامتحانات التي نمرّ بها... القضيّة قضيّة إيثار وتضحية»[5].

أيّها المؤمنون،
إنّ طريق الفداء في الزمن الذي نعيشه اليوم لم ينقطع، بل اتّسعت ساحته، حيث تُقدَّم أعظم أضحيات العصر، إسماعيل تلو إسماعيل، من أبناء هذا الشعب المقاوم، الذين لم يكونوا أبناء أنبياء، ولكنّهم أبناء مدرسة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، أبناء مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام)، أولئك الذين آمنوا بأنّ الدم هو السبيل إلى النصر، وأنّ العدوّ الصهيونيّ لا يُدحر إلّا بالتضحيات الكبرى.

وفي هذا المشهد، تبرز عوائل الشهداء بوصفها النماذج الأسمى لإبراهيم الزمان، كما يصفهم الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) بقوله: «هؤلاء هم إبراهيم العصر، الذين يصنعون هويّة الشعب، ويمنحونه العزّة والكرامة»[6]، لقد رأينا في زمننا هذا كيف يتكرّر مشهد الفداء في جبهات المقاومة، من فلسطين إلى لبنان واليمن والعراق، حيث يقدّم الآباء أبناءهم على مذبح الكرامة من دون تردّد، في سبيل الله، ودفاعاً عن الأرض والعقيدة.

ولقد تجلّى هذا المعنى بأرقى صوره في معركة «أولي البأس»، حين تقدّم سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) جبهاتِ المقاومة، ليكون القائد العظيم الذي يقدّم دمه الطاهر قرباناً لله، ووفاءً للأمّة التي آمن بها، وقادها لتكون ثابتةً على نهج الإمام الحسين (عليه السلام).

لقد كانت شهادته ترجمة صادقة لمسيرة طويلة من الإيثار والعطاء، وإنّها لن تكون فقداً، بل ستكون تجديداً لعهد الفداء في زمنٍ أراد له الطغاة أن يخضع، فإذا بصوته ودمه (رضوان الله عليه) يقولان: «هيهات منّا الذلّة».

الجهاد والمقاومة استمرارٌ لخطّ إبراهيم (عليه السلام)
أيّها الأحبّة،

إنّنا حين نحتفل بعيد الأضحى، فإنّنا نحتفل به لا بروح الترف والاستهلاك، بل بروح الجهاد والفداء والتكبير في وجه الطغيان. فالعيد عندنا هو استحضار للرسالة، واصطفاف في صفوف المقاومة، وتأكيد على أنّ راية الحقّ لن تُحفَظ إلّا بالتضحيات الكبرى.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَتَحَه اللَّه لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِه»[7]، وأيّ أولياء أخصّ من أولئك الذين يقفون على الثغور، يذبحون رغباتهم وشهواتهم على مذبح الواجب، ويقابلون رصاص العدوّ بالتكبير والثبات؟

هذا هو عيد الأضحى الذي نعيشه، عيد الفداء المتجدّد في كلّ شهيد يروي ثرى الوطن بدمه، وفي كلّ مقاوم يرابط على الحدود، وفي كلّ أمٍّ تقدّم ابنها في سبيل الله، وتكبّر كما كبّر إبراهيم الخليل (عليه السلام).

ليس من المبالغة القول إنّ كلّ مقاوم هو امتداد لإبراهيم، وكلّ شهيد هو امتداد لإسماعيل. لكن هذه المرّة، لم يَفدِهِ الله، بل قَبِلَ الله فداءه، ورفعه شهيداً حيّاً، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[8].

إنّ وقوفنا إلى جانب المقاومة، ومساندتنا لها ولمجاهديها وأبطالها، هو تعبيرٌ حيّ عن صدق انتمائنا لمنهج الأنبياء (عليهم السلام)، فمشروع الصهاينة لا يستهدف مجرّد أرض، بل يستهدف كرامة الأمّة، وعقيدتها، بل وجودها كلّه.

عيد الأضحى هو مناسبة لنعلن فيه أنّنا أهل الفداء والطاعة، وأنّنا لن نسمح للعدوّ أن يجعل أعيادنا مناسبات للغفلة والانفصال عن هَمِّ الأمة.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثمّ إنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قِوام الدين، والأجر فيه عظيم، مع العزَّة والمنعة، وهو الكَرَّةُ، فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشهادة»[9].

وفي هذا الزمان، لا عزّة لديننا ولا لكرامتنا إلّا مع المقاومة ضدّ العدوّ الصهيونيّ، وضدّ أدواته، من مطبِّعين وخاذلين ومُرجِفين...

أيّها المؤمنون،
لا بدّ لعيد الأضحى هذا العام، ونحن نعيش تحدّيات مصيريّة، من أن يكون مناسبة لتجديد البيعة مع الله، ومع رسوله، ومع أوليائه، ومع الشهداء، بأن نواصل السير على طريق التضحية، وأن لا نقبل بخذلان المقاومة، ولا السكوت على العدوان، ولا بالوقوف على الحياد بين معسكر الفداء ومعسكر الخيانة.

فلنكبِّر في هذا العيد، ولكن في وجه العدوّ، فلنذبح الأضاحي، ولكن لا ننسى أنّ هناك مَن يقدّم نفسه ودمه قرباناً عن الأمّة.

اللهمّ تقبّل شهداءنا، واحفظ مقاومينا، وثبّتنا على درب الفداء، إنّك على كلِّ شيء قدير.

أسعد الله أيّامكم، وتقبّل أعمالكم وطاعاتكم، وكلّ عامٍ وأنتم بخير.


 [1] سورة الصافّات، الآيات 103 - 107.
[2]  سورة الصافّات، الآية 102.
[3]  سورة إبراهيم، الآية 39.
 [4] الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان (دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة)، ص416.
[5]  من كلامٍ له (دام ظلّه) في عيد الأضحى المبارك، بتاريخ 17/11/2010م.
[6] المصدر نفسه.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص69، الخطبة 27.
[8] سورة آل عمران، الآية 169.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص37.

04-06-2025 | 09-59 د | 142 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net