الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في مراسم إحياء ذكرى الشهيد السيد إبراهيم رئيسي وشهداء الخدمةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع المعلّمينخِصالٌ تَمنعُ الندمَالتقوى هي التي تقوّينا

العدد 1670 01 ذو الحجة 1446 هـ - الموافق 28 أيار 2025م

زواج النور من النور - قدوةٌ لبناء الأسرة المؤمنة

مراقباتتشكيل المجتمع القائم على أساس العدالة والقسطكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء لجنة إقامة المؤتمر الوطنيّ لتكريم المسعفين الشهداءالشكرُ على نِعَمِ اللهِ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1670 01 ذو الحجة 1446 هـ - الموافق 28 أيار 2025م

زواج النور من النور - قدوةٌ لبناء الأسرة المؤمنة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، وشرّع الزواج لبناء الأسرة والمجتمع القويم، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، ولا سيّما عليّ أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك بذكرى زواج أمير المؤمنين من السيّدة الزهراء (عليهما السلام)، في الأوّل من ذي الحجّة عام 2 للهجرة.

كما ونرفع أسمى آيات العزاء بذكرى شهادة الإمام الباقر (عليه السلام) في السابع من ذي الحجّة عام 114 للهجرة، ورحيل الإمام الخمينيّ العظيم (قُدِّس سرّه) في الرابع من حزيران عام 1989م.

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا خطب إليكم رجل، فرضيتُم دينه وأمانته، فزوّجوه، وإلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»[1].

أيّها المؤمنون،
إنّها مناسبةٌ عظيمةٌ في التاريخ الإسلاميّ، مناسبةٌ اجتمع فيها النور مع النور، والطهر مع الطهر، مناسبةُ زواجِ أمير المؤمنين (عليه السلام) من سيّدة نساء العالمين (عليها السلام). مناسبةٌ لم تكن مجرّد حَدَثٍ عابرٍ في تقويم الزمان، بل كانت مشهداً من مشاهد التجلّي الإلهيّ في الحياة الإنسانيّة؛ إذ تلاقت الفضائل في بيت واحد، واكتمل النقاء في رابطة واحدة، لتكون هذه الأسرة المباركة امتداداً لبيت النبوّة، ومنبعاً للإمامة والقدوة والهداية.

لقد شاءت الحكمة الإلهيّة أن تكون هذه العلاقة الزوجيّة نموذجاً ربّانيّاً يُحتذى به، ومصدرَ إشعاعٍ أخلاقيٍّ وتربويٍّ للأجيال، فليس الأمرُ زواجَ شخصٍ من شخص، بل هو التقاء مَن اختارهم الله لحمل نور الرسالة، وتجسيد قِيَم الإسلام، وترجمتها في السلوك اليوميّ والحياة الاجتماعيّة. إنّها ليست مجرّدَ ارتباطٍ اجتماعيّ، بل هي حدثٌ إلهيّ حمل دلالاتٍ عظيمةً ومضامينَ تربويّةً عميقة، وأرْسى نموذجاً فريداً للأسرة المسلمة في أسمى صورها، حيث تُبنى العلاقة الزوجيّة على أساس الإيمان، والتكافؤ في القُرب من الله، والاشتراك في تحمّل أعباء الرسالة، لا على المالِ أو الجاه أو المظاهر الزائلة.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي كفؤ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي هو بتلك العظمة، عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي لم ترَ عيون العالم شبيهاً له بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فاطمة الزهراء (ع) هي الزوجة الكفء لهذه الشخصيّة»[2].

الزواج النورانيّ: إرادةٌ إلهيّة
حين تقدَّم أميرُ المؤمنين (عليه السلام) لخطبة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، لم يكن ذلك مجرّدَ طلبِ زواجٍ بشريّ، بل كان جزءاً من مشيئةٍ إلهيةٍ ومسارٍ سماويٍّ، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لولا أنّ الله تعالى خلق فاطمة لعليّ، ما كان لها على وجه الأرض كفو، آدم فمَن دونه»[3]، وهذه شهادةٌ نبويّةٌ تنبع من الوحي، وتدلّ على مقام السيّدة فاطمة (عليها السلام) العظيم، حيثُ لم يكن في الخلقِ كُفءٌ لها سوى أمير المؤمنين (عليه السلام).

بل جاء في بعض الروايات أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «أبشّرك يا عليّ؛ فإنّ الله عزّ وجلّ قد زوّجكها في السماء من قبل أن أزوّجكها في الأرض»[4]، ممّا يدلّ على أنّ هذا الزواج كان أمراً ربّانيّاً، سبق أن تُوِّج في عالم الغيب، قبل أن يُعلَن في عالم الشهادة. لقد اجتمع في هذا الزواج الطُهرُ بالنقاء، والإيمانُ باليقين، والزهدُ بالعبادة، والعقلُ بالحكمة، ليُكوِّنا أسرةً هي محورُ الرسالةِ بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ومعدنُ الإمامة، ومثالُ الطُهرِ إلى يوم القيامة.

جهاز الزهراء (عليها السلام): دروسٌ في الزهد والبركة
أيُّها المؤمنون،

لقد كان جهاز السيّدة الزهراء (عليها السلام)؛ بسيطاً في ظاهره، عميقَ الدلالة في معناه ومضمونه. تنقل الروايات أنّ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) جهّز بيته المتواضع استعداداً لاستقبال الزهراء (عليها السلام)؛ ففرش الأرض برملٍ ليّن، ونصب خشبة من جدارٍ إلى جدار لتعليق الثياب، وبسط جلد كبشٍ على الأرض، وجعل وسادةً محشوّةً بالليف، هكذا كانت ملامح البيت الذي دخلته ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أعظمُ النساءِ بركةً، أيسرُهنَّ مؤونةً»[5]، فليس البذخ، أو مظاهر الثراء، أو كثرة الأثاث، معيارَ الكرامة أو أساسَ السعادة، بل إنّ التقوى والرضا وروح التفاهم هي القواعد والأسس التي تُبنى عليها البيوت المستقرّة.

لقد تحوّل الزواجُ اليوم في كثيرٍ من الحالات إلى ساحة تفاخرٍ وتكاثر، وارتفعت المهور، وتضخّمت التكاليف والمظاهر، حتّى غدا عبئاً يُثقِل كاهلَ الشباب، فتأخّر الإقدام عليه، وارتفعت نِسب الطلاق، وتزعزعت الكثير من القِيَم الأسريّة الأصيلة. وما أحوجنا للعودة إلى النموذج الذي قدّمه بيتُ الزهراءِ (عليها السلام) ليكون منطلقاً لبناء أُسرٍ يسودها الإيمان والمحبّة والاستقرار.

بيتُ عليٍّ وفاطمة: مدرسةُ القِيَم
لقد كان بيت الإمام عليّ والزهراء (عليهما السلام) بيتاً صغيراً في حجمه، عظيماً في شأنه، لا تزيد مساحته عن بضعةِ أذرع، لكنّه كان بيتَ النبوّة والإمامة، بيتَ العبادةِ والتقوى، بيتَ القرآن والصبر والصدق والرحمة.

في ذلك البيت المتواضع، كانت الزهراء (عليها السلام) تدير شؤونَ المنزل، تطحنُ بالرحى، وتُرَبِّي الحسنَ والحسينَ (عليهما السلام)، وتُعينُ زوجَها، وتقومُ الليلَ للعبادة وتتهجّد. وكان أميرُ المؤمنين (عليه السلام) يشاركُها ويُساعدُها، لا يتكبّرُ ولا يستنكف، بل يتقاسمُ معها أعباء الحياة، وقد سأل رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام): «كيف وجدت أهلَك؟» قال: «نِعْمَ العون على طاعة الله»، وسأل فاطمة، فقالت: «خير بعل»[6]، وهذا هو سرُّ النجاح في الحياة الزوجيّة: الشراكةُ في الطاعة، لا الشكوى من الأعباءِ، ولا تبادلُ اللوم، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنَّ فاطمةَ (عليها السَّلام) ضَمِنَت لِعليٍّ (عليه السَّلام) عَمَلَ البيتِ، والعَجِينَ، والخُبزَ، وقُمَّ البيتِ، وضَمِنَ لها عليٌّ (عليه السَّلام) ما كان خَلْفَ البابِ، مِن نَقْلِ الحَطَبِ وأنْ يَجيءَ بالطَّعامِ. فقال لها يوماً: يا فاطمةُ، هل عِندَكِ شيءٌ؟ قالت: لا، والذي عَظَّمَ حَقَّكَ، ما كانَ عِندَنا مُنذُ ثلاثةِ أيّامٍ شيءٌ نُقريكَ به. قال: أَفَلا أَخْبَرْتِني؟! قالت: كانَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) نَهاني أنْ أَسْأَلَكَ شيئاً، فقالَ: لا تَسْألي ابنَ عَمِّكِ شيئاً، إنْ جاءَكِ بشيءٍ عَفْوٍ[7]، وإلّا فلا تَسْأليهِ»[8].

الأسرة بين التفكّك الغربيّ والمقاومة الإيمانيّة
أيّها الأحبّة،

إنّ من أبرز مظاهر الانحدار الاجتماعيّ في الغرب ظاهرة التفكّك الأسريّ، حيث تفقد الأسرة هناك معناها الحقيقيّ شيئاً فشيئاً، وتتفكّك الروابط بين الآباء والأبناء، وتتفشّى ظواهر الانفصال، والعيش المنفرد، وغياب الرقابة التربويّة، ممّا يُولِّد أجيالاً تائهة تعاني من فراغ عاطفيّ وقيميّ. وقد حذّر الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) من هذا المسار بقوله: «إحدى المعضلات الكبرى التي تعاني منها البلدان الغربيّة اليوم كثيراً، وأودَت بها إلى الوقوع في منحدرات سلبيّة حادّة، هي مشكلة الأسرة... ولأنّ الأسرة فقدَت هناك -مع الأسف- موجبات الأمن والاستقرار لكلا الزوجين، وخاصّة المرأة، فتلاشى الكثير من الأسر»[9]. فحين تُهمَّش القِيَم الدينيّة، وتُستبدل القوانين الإلهيّة، لا يعود للأسرة حرمة، ولا للعلاقة بين الرجل والمرأة قداسة، فتشيع الفوضى الأخلاقيّة، وتفقد المجتمعات توازنها الداخليّ.

وفي مقابل هذا النموذج المنهار، نجد في مجتمعاتنا المؤمنة صورةً مشرقةً للأسرة المجاهدة، الأسرة التي صنعت المجاهدين وربّت الأبطال، وقدّمت فلذات أكبادها شهداء في سبيل الله، بقلوب صابرة محتسبة، لا تبيع دينها ولا وطنها بملذّات زائلة. إنّها الأسرة المقاومة التي لم تهتزّ أمام الفقر ولا الحصار، ولم تستسلم أمام الفقد ولا الجراح، بل كانت في ميدان التربية جبهةً من جبهات الجهاد، وفي ساحات الصبر مدرسةً لإعداد القادة والشهداء.

وقد قال شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) في هذه الأسر الكريمة: «نحن نعتقد بعد الله سبحانه وتعالى أنّ الفضل في وجود هؤلاء الشهداء واستمرار مسيرة الشهداء ‏يعود إلى الآباء والأمّهات، إلى العائلات الكريمة والشريفة والمؤمنة والمجاهدة، التي ربّت أبناءها ‏وبناتها على هذا الإيمان، وعلى هذه الثقافة، وعلى هذا الطريق، وعلى هذه الأهداف، وعلى هذه ‏الروحيّة»[10].

نعم، هذه هي الأسر التي تصنع التاريخ، وتكتب بالدم معادلة النصر، وتقدّم للأمّة أعظم برهان على أنّ الأسرة إذا صلحت، صلح بها المجتمع، وإذا كانت مقاومة، قاومت بها الأمّة كلّ أشكال الانحراف والتطبيع والتفكّك.

ولأنّ الأسرة المقاومة شكّلت عبر العقود عنصراً جوهريّاً من عناصر القوّة والثبات والانتصار في مجتمعاتنا، فإنّ عيون أعداء الأمّة كانت ولا زالت تتّجه إلى ضرب هذا الحصن من الداخل. فالغرب لم يكتفِ بانهيار أُسَره، بل يسعى بكلّ ما أوتي من أدوات ناعمة إلى نقل هذا الانهيار إلينا: عبر الإعلام، ومنصّات التواصل، والأفلام، والتشريعات الدخيلة، وحتّى المناهج التعليميّة، ليفكّك بناء الأسرة، ويُضعف موقع الأب، ويُلغِي دور الأم، ويُفسد فطرة الأبناء، ويزرع فيهم الشكّ في الدين، والانتماء، والهويّة.

وقد حذّر سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) من هذا الأمر، قائلاً: «ما يجري في مجتمعاتنا في العالم العربيّ ‏والإسلاميّ، ولبنان جزء منه، من مخطّطات لإفساد الشباب والشابّات ‏عبر ثقافة التفاهة وثقافة الميوعة والترويج للانفلات الأخلاقيّ والتحلّل ‏الأخلاقيّ والاجتماعيّ والتفكّك الأسريّ، والمثليّة التي تعمل الولايات ‏المحتّدة الأميركيّة مع كلّ دول العالم على إدخالها في المناهج ‏التربويّة... أنا أشير ‏إلى هذا الأمر لأقول يجب أن نتحمّل المسؤوليّة»[11].

إنّهم يعلمون أنّ أسرتنا ليست مجرّد كيان اجتماعيّ، بل هي خليّة مقاومة، تُنتج المجاهد، وتربّي الشهيد، وتحمي القِيَم، وتصون الثغور؛ ولذلك فإنّ استهداف الأسرة هو استهداف مباشر للمجتمع المقاوم، ولمشروع الأمّة الرساليّ، ولفكر الجهاد في سبيل الله. وهذه مسؤوليّة كبرى على عاتق المؤمنين والمؤمنات: أن نُحافظ على الأسرة حصناً للإيمان، ومدرسةً للجهاد، ومنطلقاً للنهوض، لا أن نسمح لأعدائنا أن يُفرِغوها من مضمونها، ويملؤوها بثقافة الترف والانحلال والأنانيّة.


[1]  الشيخ الصدوق، المقنع، ص306.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 03/02/2021م.
[3]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص393.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص127.
[5] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج14، ص162.
[6] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص131.
[7] عَفْو: مصدرٌ يُراد به ما يأتي بلا طلبٍ ولا سؤال، أي ما يأتي تطوّعاً وتبرّعاً.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج14، ص197.
[9] من كلامٍ له (دام ظلّه) بمناسبة ولادة الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) ويوم المرأة، بتاريخ بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
[10] من كلامٍ له (رضوان الله عليه) في يوم الشهيد، بتاريخ 11/11/2022م.
[11] المصدر نفسه.

28-05-2025 | 11-58 د | 51 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net