الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
أهلُ المعروفِ

العدد 1668 16 ذو القعدة 1446 هـ - الموافق 14 أيار 2025م

ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع القيّمين على شؤون الحجّكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع جمعٍ من العُمّالإعداد المجاهدين الثقافيّينموجِباتُ القُربمراقباتفَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِمراقباتمُؤَاخَاةُ اَلْأَتْقِيَاءِ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1668 16 ذو القعدة 1446 هـ - الموافق 14 أيار 2025م

ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي فطر النفوس على الإيمان، وغرس في القلوب حبّ الطمأنينة، وجعل في ذكره راحة الأرواح وسكينة القلوب، نحمده على آلائه، ونشكره على نعمائه، ونشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

صراع النفس بين العقل والشهوة
عباد الله،

نعيش اليوم في عالمٍ تتزاحم فيه المادّيّات وتتسارع فيه وتيرة الحياة، حتّى بات كثيرٌ من الناس يرزحون تحت وطأة ضغوطٍ متراكمة، وانشغالاتٍ لا تنتهي، وقلقٍ لا يهدأ. وقد أصبح الانزعاج الداخليّ والتوتّر النفسيّ من السمات الغالبة في حياة المعاصرين، بحيث لا ينجو منه غنِيٌّ بماله، ولا مثقَّفٌ بعِلمه، ولا صاحبُ وجاهةٍ أو منصب.

إنّ هذا الاضطراب الداخليّ لا يرتبط دوماً بالعوامل الخارجيّة، بل كثيراً ما يكون انعكاساً لصراعٍ داخليّ، يعصف بكيان الإنسان، ويمزّق استقراره النفسيّ من الداخل. ولقد كشف أمير المؤمنين (عليه السلام) عمق هذا الصراع، وبيّن سرّ اختلال التوازن في النفس الإنسانيّة، فقال (عليه السلام): «إنَّ اللهَ ركَّبَ فيِ الملائكةِ عقلاً بلا شهوةٍ، وركَّبَ فيِ البهائمِ شهوةً بلا عقلٍ، وركَّبَ فيِ بني آدمَ كلتيهِما، فمن غلَبَ عقلُه شهوتَه فهو خيرٌ من الملائكةِ، ومن غلبَت شهوتُه عقلَه، فهو شرٌّ من البهائمِ»[1].

تكشف هذه الرواية عن جوهر الصراع في باطن الإنسان؛ صراع بين نور العقل الذي يهديه إلى الحكمة والرشد، وبين نداء الشهوة الذي يدفعه إلى الغفلة والانحدار. فمتى تغلّب الإنسان بعقله على شهواته، حقّق التوازن النفسيّ، وساد في قلبه الاطمئنان والاستقرار، وارتقى إلى مقامٍ هو أرفع من مقام الملائكة؛ لأنّه اختار الخير عن وعيٍ وكابَدَ الهوى وانتصر عليه؛ أمّا إذا انساق خلف أهوائه، واستسلم لنزواته، وغفل عن صوت عقله، فقد هوى إلى دركٍ هو أدنى من البهائم؛ لأنّها تُسيَّر بغريزتها، وهو أُعطي العقل ليهتدي به، لكنّه عطّله واختار أن يعيش في فوضى الشهوات، ونتيجة ذلك هي القلق والحيرة والاضطراب.

الضغوط النفسيّة بين الداخل والخارج
عباد الله،

إنّ الطمأنينة الحقيقيّة لا تأتي من كثرة المال ولا من الجاه والسلطان، بل تأتي من التوازن الداخليّ، ومن انتصار العقل على نوازع الهوى، وهذا هو الطريق إلى السكينة، وهو مفتاح الراحة النفسيّة التي ينشدها كلّ إنسان.

وإنّ ما نسمّيه اليوم الضغط النفسيّ، هو في حقيقته حصيلةٌ لتزاحم المشكلات والهموم، سواء أكانت داخليّة ذاتيّة أو خارجيّة مجتمعيّة. فثمّة مشكلات نفسيّة من غضب مفرط أو كآبة أو سرعة انفعال، وثمّة مشاكل اقتصاديّة تعاني منها الطبقات الفقيرة التي ترزح تحت نير الحاجة والضيق، وثمّة أزمات عائليّة كغياب أحد الوالدين أو التفكّك الأسريّ أو الطلاق، فضلاً عن ضغوط اجتماعيّة كصعوبة تكوين العلاقات أو فشل التفاهم مع الآخرين.

بل إنّ بعض ملامح الحضارة الحديثة، وبرغم ما وفّرته من راحة وسرعة في الاتّصال، خلقت في المقابل أسباباً جديدة للقلق، من أسلحة الدمار، وحروب الإبادة، والتعصّب الأعمى، إلى الضغوط التي لم يكن يعرفها الإنسان في الأزمنة القديمة.

العلاج الإيمانيّ لأزمات النفس
أيّها الأحبّة

في هذا العصر الذي تتكاثر فيه التحدّيات، وتتعقّد فيه ضغوط الحياة، ويزداد فيه اضطراب النفوس، تغدو الحاجة ماسّة إلى العودة إلى المنبع الحقيقيّ للطمأنينة... إلى الإيمان بالله، وإلى القيم الروحيّة التي تَهب الإنسان توازناً داخليّاً، وسكينةً في القلب، وقوّةً على مجابهة المتغيّرات. فالقلق، حين لا يجد له متنفّساً في المعنى، يتحوّل إلى اختناق داخليّ؛ والهمّ إذا لم يُصبغ بصبغة اليقين، يُنتج الحيرة والتوَهان.

إنّ الإنسان عندما يشعر بأنّه غارق في الهموم، محاصر بالتوتّرات، فاقدٌ لبوصلة التوجيه، فإنّ الدين لا يعود ترفاً أو خياراً ثانويّاً، بل يصبح ضرورة وجوديّة ومصيريّة؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قد جعل في دينه العلاج والدواء، وفتح لعباده أبواباً من الرحمة والهداية، تعيدهم إلى التوازن والاستقرار.

وفي ذلك العلاج يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إذا كانت الأسس المعرفيّة لأيّ شاب، وخاصّة الطالب الجامعيّ الشابّ، متينة، فإنّ قلبه سيطمئنّ، وستغدو خطواته أكثر رسوخاً، وتستمرّ حركته، ولن يكون هناك كلل. اطمئنان القلب هذا يؤدّي إلى ازدياد إيمانه كذلك. الإيمان نفسه يمنح الاطمئنان، كما أنّ طمأنينة الفؤاد وسكينة القلب تزيدان الإيمان: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾[2]»[3].

ومن هذه المعالجات الإيمانيّة:

أوّلاً: ترشيد الغرائز وتوجيهها بالعقل والإيمان
إنّ منطلق الانحرافات الكبرى يبدأ غالباً من غرائز غير مضبوطة، وشهوات منفلتة، وهنا تتجلّى أهمّيّة العقل والإيمان في توجيه هذه الدوافع. فالإنسان إذا ملك زمام شهوته بعقله، ووجّهها بنور إيمانه، ارتقى في سُلّم الكمال حتّى فاق الملائكة؛ أمّا إذا استسلم لرغباته، صار عبداً لهواه، وفقد سيطرته على ذاته، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّكُمْ إِنْ مَلَّكْتُمْ شَهَوَاتِكُمْ نَزَتْ بِكُمْ إِلَى الْأَشَرِ وَالْغَوَايَةِ»[4].

ثانياً: الإيمان بالله تعالى
الإيمان بالله هو الجدار الذي تستند إليه النفس حين تميد بها الأرض، وهو مصدر الاستقرار الروحيّ والثقة بالرحمة الإلهيّة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ عَرَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، لَمْ يَشْقَ أَبَداً»[5]، وقال أيضاً: «بِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ»[6].

ويقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «هناك تقدّم مادّيّ وتقنيّ وعِلميّ، وتتمتّع المجتمعات بثرواتٍ هائلة، ولكن ليس ثمّةَ استقرار وطمأنينة. والسبب هو غياب هذا العنصر الأساسيّ في حياة الإنسان، ألا وهو الإيمان»[7].

ثالثاً: الإيمان بالثواب والعقاب
فهذا الإيمان يشكّل زماماً يضبط النفس، ويمنعها من الانفلات خلف اللذّات العاجلة. فمَن أيقن بالجزاء، خاف العقوبة، وسعى للثواب، فاستقامت جوارحه، وارتدع عن المعاصي، قال (عليه السلام): «مَنْ أَحَبَّ الدَّارَ الْبَاقِيَةَ، لَهَا عَنِ اللَّذَّاتِ»[8]، وقال أيضاً: «مَنْ خَافَ الْعِقَابَ، انْصَرَفَ عَنْ السَّيِّئَاتِ»[9].

رابعاً: ذكر الله تعالى
إنّ الذكر هو البلسم الذي ينعش القلب، ويجلو صدأ الروح، ويمنح الإنسان طمأنينةً وسط الزحام، قال تعالى: ﴿ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[10]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ذِكْرُ اللَّهِ دِعَامَةُ الْإِيمَانِ، وَعِصْمَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ»[11]، وقال أيضاً: «مَنْ عَمَرَ قَلْبَهُ بِدَوَامِ الذِّكْرِ، حَسُنَتْ أَفْعَالُهُ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ»[12].

خامساً: الاستغفار
ليس الاستغفار مجرّد ألفاظ تُردَّد، بل هو حالة وعي بالخطأ، واستعداد للتغيير، وعزم على العودة إلى طريق الله. وهو علاج فعّال للذنب، ودواء للقلق، وجسرٌ يوصل إلى السكينة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الذُّنُوبُ الدَّاءُ، وَالدَّوَاءُ الِاسْتِغْفَارُ، وَالشِّفَاءُ أَنْ لَا تَعُودَ»[13].

سادساً: الحياء
فالحياء خُلقٌ يمنح النفس مناعةً ضدّ الانزلاق، ويحثّ الإنسان على مراقبة نفسه في الخفاء والعلن. إنّه الحصن الذي يحفظ الكرامة، ويكبح الجوارح عن الفواحش، قال (عليه السلام): «الحياءُ لباسٌ سابغٌ، وحجابٌ مانعٌ، وسترٌ من المساوئ واقٍ، وحليفٌ للدين»[14]، وقال أيضاً: «الْحَيَاءُ يَصُدُّ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ»[15] و«ثَمَرَةُ الْحَيَاءِ الْعِفَّةُ»[16].

خاتمة
أيّها المؤمنون،

إنّ هذه القِيَم الروحيّة والضوابط الإيمانيّة، ليست فقط علاجاتٍ لمشكلة القلق والاضطراب، بل هي طريقٌ للإنسان لبلوغ أعلى مراتب الكمال والتوازن؛ فلنعمل على تحكيم العقل والإيمان في حياتنا اليوميّة، ولنتحكّم في نوازع النفس، ونستعين بالله تعالى في كلِّ خطوة، ونسأله أن يثبّتنا على طريق الاستقامة، وأن يرزقنا السكينة في الدنيا والآخرة.


[1] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص4.
[2] سورة الفتح، الآية 4.
[3] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 18/04/2023م.
[4] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص270.
[5] المصدر نفسه، ص650.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص186.
[7] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 20/03/2010م.
[8] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص459.
[9] المصدر نفسه، ص460.
[10] سورة الرعد، الآية 28.
[11] المصدر نفسه، ص256.
[12] المصدر نفسه، ص458.
[13] المصدر نفسه، ص56.
[14] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج20، ص272.
[15] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص74.
[16] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص257.

14-05-2025 | 12-08 د | 100 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net