الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1666 01 ذو القعدة 1446 هـ - الموافق 29 نيسان 2025م

مهلاً عن معاصي الله

كريمةُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في مراسم عزاء ذكرى استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام)بيان الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) إثر الحادثة التي تعرّض لها ميناء الشهيد رجائي في مدينة بندر عبّاساجتناب الذنوب أهمّ الأعمالمراقبات

العدد 1665 23 شوال 1446 هـ - الموافق 22 نيسان 2025م

هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ

فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع كبار مسؤولي السلطات الثلاث في البلادالبصيرة تحتاج إلى عزم وإرادة
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1666 01 ذو القعدة 1446 هـ - الموافق 29 نيسان 2025م

مهلاً عن معاصي الله

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمدُ للهِ الذي نهى عبادَه عن المعاصي، ووعد المتّقين جنّاتٍ ونعيما، أحمدُه وأستعينُه، وأستغفرُه وأستهديهِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

أوصيكم عبادَ الله ونفسيَ المقصِّرةَ بتقوى الله، فهي وصيّةُ الأنبياء (عليهم السلام)، ووصيّةُ الله لعباده المؤمنين، قال تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾[1].

أيُّها المؤمنون،
رُوي عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام) أنّ قال: «إِنَّ لِلَّه عَزَّ وجَلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ مُنَادِياً يُنَادِي: مَهْلاً مَهْلاً عِبَادَ اللَّه عَنْ مَعَاصِي اللَّه، فَلَوْلَا بَهَائِمُ رُتَّعٌ، وصِبْيَةٌ رُضَّعٌ، وشُيُوخٌ رُكَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبّاً، تُرَضُّونَ بِه رَضّاً»[2].

التحذير من المعصية والحثّ على التوبة
إنَّ الذنوبَ داءٌ عضال، والعجبُ كلُّ العجبِ ممَّن يحرص على طعامه وشرابه خشيةَ المرض، ثمّ لا يتحرَّز من الذنوب مخافةَ النار! فليعلمِ المؤمن أنَّ أوَّلَ الحقوق وأعظمَها هو حقُّ اللهِ عزّ وجلّ، فهو أَولى بالوفاء من حقوق الخلق أجمعين. فلا يجوز أن تحمله العاطفةُ على التفريطِ في طاعة الله، أو تجرَّه الشفقةُ إلى المعصية، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾[3].

طُوبى لعبدٍ أحسَّ من نفسه رقابةً باطنيّة، وزاجراً إيمانيّاً يمنعه من اقتراف الذنوب، ويحول بينه وبين التجرّؤ على معصية مولاه! فكم هو شريفٌ ذاك القلب الذي إذا هَمَّ بذنبٍ تذكَّر نظرَ الله إليه، وخاف مقام ربِّه، فكفَّ وارتدع!

فليحاسبِ المؤمنُ نفسَه، وليتأمَّل قولَ أمير المؤمنين (عليه السلام): «يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ، مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ؟ ومَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ؟ ومَا أَنَّسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ؟»[4].

إنّها كلماتٌ تهزُّ القلوب، وتبعث على التفكُّر والتوبة، فما الذي سوَّل للعبد أن يتجرّأ على الله، وهو يعلم أنّه تحت بصره وسمعه؟ ما الذي غرَّه بربٍّ رحيمٍ كريمٍ لا يعاجل بالعقوبة، وهو قادرٌ على أن يأخذه أخذ عزيزٍ مقتدر؟!

فليعلم العبد أنَّ من علامات التوفيق أن يجد في نفسه وازعاً إيمانيّاً يردعه عن الذنب، ويبعثه على الاستحياء من ربّه، وأن يخشى سوء العاقبة قبل أن يُغلق باب التوبة، ويُقال له: فات الأوان.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ العمل الأهمّ للسموّ المعنويّ والروحيّ هو اجتناب الذنب، فهو أهمّ الأعمال. اسعَوا لاجتناب الذنوب على اختلافها، حيث توجد ذنوب مختصّة باللسان وذنوب مختصّة بالعين وذنوب مختصّة باليد، ولها أنواع مختلفة. فتعرّفوا إلى الذنوب وراقبوا أنفسكم»[5].

العقل بين الطاعة والمعصية
أيُّها المؤمنون،
جاء عن الإمام الكاظم (عليه السلام) يوصي هشام بن الحكم: «يا هشام، إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا، فكيف الذنوب؟! وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض»[6].

إنّ العقل لا يجتمع مع الذنب، فإنّ الذنب في حقيقته تعطيل لوظيفة العقل، وانحراف عن مسار الفطرة السليمة. وقد بيَّنت الروايات الشريفة أنّ الإنسان إذا اقترف ذنباً، نُزع عنه نوره العقليّ، بحيث يفقد قدرته على إدراك الحقائق كما ينبغي؛ فالعقل ليس مجرّد قوّة راكدة في الإنسان، بل هو كالنور، يقوى بالطاعة ويضعف بالمعصية، حتّى يزول أثره كلّيّاً عند الإصرار عليها.

وقد أكّدت النصوص هذا الترابط الوثيق بين الطاعة والعقل، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «يا هشام، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عُبِد الله بشيء أفضل من العقل».

إنّ من استنارت بصيرته يجتنب الذنوب، لا بدافع الخوف من العقاب فحسب، بل بدافع الشكر لنعم الله، وبمعرفة حقيقيّة بخطورة الذنب وآثاره المُهلِكة. وهذا شبيه بمن أدرك أنّ السمّ قاتل، فلا يُقدِم عليه عاقل مهما اشتدّت رغبته فيه.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحالة من نقاء الفطرة، فقال تعالى: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ﴾[7].

فجعل الله تعالى كراهية الذنب من علامات الإيمان السليم، ومن ثمار النور العقليّ الذي ينمو في ظلّ الطاعة والورع. وفي المقابل، فإنّ الإصرار على الذنوب يُنتج قسوةً في القلب، ويُغلق منافذ العقل عن إدراك الحقّ، كما قال سبحانه: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[8].

اجتناب السيّئة أولى من اكتساب الحسنة
أيّها الأحبّة،
إنّ اجتناب السيِّئات مقدَّم على اكتساب الحسنات، من جهة ما ينطوي عليه فعل المعصية من مبادرة إراديّة وتصميم داخليّ على المخالفة، بخلاف ترك الحسنات، الذي قد يكون ناتجاً عن الغفلة أو قصور الهمّة أو غياب التصوّر الواضح لأهمّيّتها. فارتكاب الذنب يُعدّ فعلاً وجوديّاً، يدلّ على حضور إرادة المعصية، في حين أنّ فوات الطاعة -وإن كان خسارة- قد لا يكون مقصوداً على وجه التعمّد، بل قد يقع عن تقصير أو ضعف؛ ولهذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «اجتناب السيّئات أولى من اكتساب الحسنات»[9].

ويُفهَم من هذا الحديث أنّ البناء النفسيّ والروحيّ لا يقوم على تراكم الحسنات فحسب، بل يتطلّب قبل ذلك تطهير الساحة من الذنوب والمعاصي؛ لأنّ الذنب يُفسِد جوهر النفس، ويمنع من استفادة القلب من نور الطاعة.

ومن هنا، فإنّ التخلية مقدّمة على التحلية؛ لأنّ القلب الملوَّث لا تصلح فيه زينة الطاعات، كما لا تُثمر البذور في أرضٍ لم تُنقَّ من الشوك.

ومن التصويرات البليغة قولهم (عليهم السلام): «جدُّوا واجتهدوا، وإن لم تعملوا فلا تعصوا، فإنّ مَن يبني ولا يهدم يرتفع بناؤه، وإن كان يسيراً، وإنّ مَن يبني ويهدم يوشك أن لا يرتفع له بناء»[10].

ومن هنا تتّضح حقيقة أخرى، تُكمل الصورة، وهي تستند إلى أنّ الغاية لا تُبرِّر الوسيلة في ميزان الدين؛ فكما أنّ اجتناب السيئات مقدَّم على فعل الحسنات، فإنّ الوسيلة إلى الطاعة لا يجوز أن تكون من جنس المعصية؛ لأنّ فساد الطريق يُفسد الغاية نفسها. فلو أراد الإنسان الوصول إلى مصلحة شرعيّة أو مقصدٍ دينيّ، فلا يحقّ له أن يسلك سبيلاً محرَّماً بحجّة نُبل الغاية؛ لأنّ المعصية في ذاتها مفسدة، لا تُلغى بذريعة تحقيق المصلحة.

وقد بيَّنت النصوص هذا الأصل بوضوح، فعن الإمام الحسين (عليه السلام): «مَن حاول أمراً بمعصية الله، كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجيئ ما يحذر»[11]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الإِثْمُ بِه، والْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ»[12]، فحتّى إن بدا في الظاهر أنّه حقّق غرضه، فإنّ الإثم قد نال منه وجرّه إلى الخسران الحقيقيّ.

إنّ هذه القاعدة تشكّل امتداداً لما سبق من تقديم اجتناب المعاصي على نيل الطاعات؛ فالمؤمن لا يُقيم دينه على مفارقة العقل وارتكاب الإثم، مهما بدا له ذلك وسيلة فعّالة؛ لأنّ النقاء الأخلاقيّ شرطٌ في الطريق والمقصد معاً.

في الختام،
عباد الله، احذروا الذنوب، فإنّ الشيطان يتولّى تزيينها في أعين العاصين، حتّى يتلذّذوا بها، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن تلذّذ بمعاصي الله، أكسبته ذلّاً»[13].

وهكذا كان حال أهل النهروان، الذين أخرجهم الشيطان من ولاية الحقّ، وزيَّن لهم باطلهم، فقال عنهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد مرّ بقتلاهم: «بُؤْساً لَكُمْ! لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ»، فقيل له: مَن غرّهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: «الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ والأَنْفُسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بِالأَمَانِيِّ، وفَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِي، ووَعَدَتْهُمُ الإِظْهَارَ، فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ»[14].

اللهمّ جنّبنا المعاصي، ووفّقنا لطاعتك، وارزقنا بصيرةً تهدينا إليك، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، فاستغفروه، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.


 [1] سورة الأنعام، الآية 120.
[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص276.
[3]  سورة لقمان، الآية 33.
 [4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص344، الخطبة 223.
[5]  من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 11/07/2015م.
[6]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص17.
[7]  سورة الحجرات، الآية 7.
[8]  سورة المطفّفين، الآية 14.
[9]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص125.
 [10] ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص294.
[11]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص373.
[12]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص533، الحكمة 327.
[13]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص436.
[14]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص532، الحكمة 323.

29-04-2025 | 23-11 د | 31 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net