الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدينة المنورة
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

(1ربيع الأول/السنة 13 للبعثة)

قال الله تعالى: ﴿إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الّذِينَ كَفَرُواْ السّفْلَىَ وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ1.

كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعيش في مكة بمنعة عمه أبي طالب رحمه الله، وكانت لا تجترئ عليه قريش، ولا يمكنهم النيل منه ما دام أبو طالب إلى جانبه، وخوفاً من سيوف بني هاشم، غير أنه بعد رحيل أبي طالب فقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناصره ومعينه، وانكشف أمام قريش، فبدأت بحياكة المؤامرات لاغتياله، وبدأ بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرحلة جديدة في مواجهة قريش، وهي الخروج من مكة ليدعو إلى دينه بمعزل عن أولئك الذين كابدوه وعاندوه وأحاطوا به الدوائر، فاختار الرحيل إلى الطائف علّه يجد مناصراً لدينه في بني ثقيف، غير أنهم قابلوه بأن سلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة والأشواك وغيرها، فأيس صلى الله عليه وآله وسلم منهم وأقفل عائداً إلى مكة يترقّب مواسم الحج والعمرة ليلتقي بالقوافل فيعرض دينه عليها، لعلّه يجد من يدعو لنشره في بلادهم بعيداً عن مكة حيث لا أبو جهل ولا أبو سفيان ولا غيرهما من صناديد الشرك وفراعنته.

وبينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالساً في حِجر إسماعيل يذكر ربه ويناجيه، إذ مرّ به أسعد بن زرارة، وكان قد قدم من يثرب يطلب من قريش مؤازرته وقومه على الأوس، فتقدم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: إلى ما تدعو يا محمد؟!! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأني رسول الله، وأدعوكم إلى "ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً"2...

فلما سمع أسعد ذلك أسلم، وقال: بأبي أنت وأمي أنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك فلا أحد أعزّ منك، والله يا رسول الله لقد كنّا نسمع من اليهود، خبرك، وكانوا يبشّروننا بخروجك، ويخبروننا بصفتك، وأرجو أن نكون دار هجرتك وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقنا إليك، والله ما جئت إلاّ لأطلب الحلف على قومنا، وقد أتانا الله بأفضل مما أتيتُ له، ثم رجع إلى المدينة وأخبر بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشاع خبره فيها، ودخل في الإسلام عدد كبير3، حتى إذا كان في العام المقبل وافى الموسم من أهل يثرب اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقبة وبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه في معروف، وإنهم إن وفوا بذلك كان لهم الجنة، وإن غشوا في ذلك شيئاً، فأمرهم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر.

وقد طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن وأحكام الإسلام، ويفقههم في الدين، فأرسل معهم مصعب بن عمير4.

وكان مصعب حريصاً جداً على الدعوة إلى الإسلام، وعلى انتشاره في المدينة، فكان يدعو إلى الإسلام، ويعلّم من أسلم القرآن وأحكام الإسلام، حتى دخل في الإسلام خلق كثير، وفي العام المقبل أقبل مصعب في موسم الحج مع وفود المدينة تدعو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليهاجر إليهم، وبايعوه على النصرة، وعلى أن يمنعوه ما يمنعوا منه أولادهم وأهليهم، فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهجرة إليهم5.

وبعد ذلك أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة، فأخذ الرجل والرجلان والثلاثة، يركبون سواد الليل مهاجرين إلى المدينة، وكان ينتظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر الإلهي في هجرته.

قريش تتآمر لقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

لما علمت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى يثرب، وقد دخل أهلها الإسلام، قالوا: هذا شر شاغل لا يطاق. فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة معينة، وكانوا قد انتخبوا من كل قبيلة فارساً حتى بلغ عددهم خمسة عشر رجلاً ينتظرون خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصلاة الصبح فيغيرون عليه فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين العرب، ولا تطلب بنو هاشم بثأره فيقبلون بالدية، ويروى أن من دبر لهم هذه الحيلة إبليس الذي اجتمع معهم في دار الندوة بصفة رجل نجدي6.

وأمره الله أن يأمر علياً عليه السلام بالمبيت في فراشه، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فحمة العشاء والرصد من قريش قد أطافوا بداره‏ ينتظرون، وقد قرأ عليهم قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ7، وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم، ومرّ من بينهم، فما شعروا به، وأخذ طريقه إلى غار ثور8.

أدركت قريش الأمر، فركبوا في طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واقتفوا أثره، حتى وصل القافي إلى نقطة لحوق أبي بكر به، فأخبرهم أن من يطلبونه صار معه رجل آخر، فاستمروا يقتفون الأثر حتى وصلوا إلى باب الغار، فصرفهم الله عنه، حيث كانت العنكبوت قد نسجت على باب الغار وباضت في مدخله حمامة وحشية، فاستدلوا من ذلك على أن الغار مهجور ولم يدخله أحد، وإلا لتخرق النسج، وتكسّر البيض، ولم تستقر الحمامة الوحشية على بابه9.

ولما أمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطلب خرج من غار ثور متوجهاً وصاحبه إلى يثرب.

فوائد وغايات:

ولهذه الحادثة العظيمة الأثر البليغ في حياتنا، وينبغي أن نقتبس منها الدروس والعبر، ويمكن تلخيصها بما يلي:

الفائدة الأولى: أن العلاقة مع الدين والمبادئ الإلهية ليست علاقة مرهونة بمعايير الظروف والحالات، فإذا كان الإنسان يعيش في رخاء وطد علاقته مع دينه ومبادئه، فإذا ضُيّق عليه، وحورب كان هذا عذراً له في التنازل عما يؤمن به ويعتقد بمبدئيته، بل يجب أن يكون الارتباط مع الدين ارتباطاً أصيلاً يذلل من أجله كل الصعوبات، ويتحمل في سبيله كل الأخطار إلى أن يفتح الله عليه، ويعلي كلمته التي وعد الله تعالى بإعلائها، ولو استلزم الفرار بدينه من بلده، والخروج من ماله، والهجرة إلى بلد آخر، ولذا فلا يعذر يوم القيامة من يتخلى عن دينه نتيجة ما يجده من صعوبة وعناء في ممارسته في وطنه، قال تعالى: ﴿إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِيَ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً10.

وقال تعالى: ﴿مَا لَكُمْ مّن وَلاَيَتِهِم مّن شَيْءٍ حَتّىَ يُهَاجِرُواْ11.

الفائدة الثانية: أن على المبلغ لرسالات الله الثقة الكبيرة بالله تعالى في أن ينصره ويوفقه، ويحرسه بعينه رغم كل الصعاب، وعليه دائماً أن يتأمل في شدة ارتباط النبي صلى الله عليه وآله وسلم بربه، وفي قوله لصاحبه في الغار: "لا تحزن إن الله معنا"، فعليه دائماً أن يستشعر معية الله تعالى وهدايته وتسديده، وأن الله وعد الصادقين والصابرين والمجاهدين في سبيله بالكفاية والنصر والهداية، قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ12، وقال: ﴿وَالّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا13.

وقد نهج المسلمون - كسائر الأمم - أن يؤرخوا الحوادث والأيام وما في ذلك من مناسبات مهمة تشكّل الجزء الأكبر من حضارة المسلمين، فعمدوا إلى الهجرة المباركة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، في السنة الثالثة عشر من البعثة فجعلوها مبدءاً للتاريخ.

فإذا بنى هذا التاريخ وحسب على دوران القمر على الأرض يسمى التاريخ الهجري القمري وإذا بنى وحسب على دوران الأرض على الشمس يسمى التاريخ الهجري الشمسي.


1- سورة التوبة: الآية 40.
2- السيرة النبوية لابن هشام 2: 235.
3- البداية والنهاية 3: 158.
4- البداية والنهاية 3: 158، وتاريخ اليعقوبي 2: 37- 38، وتاريخ الخميس 1: 321.
5- البداية والنهاية 3: 158، وتاريخ اليعقوبي 2: 37- 38، وتاريخ الخميس 1: 321.
6- تاريخ اليعقوبي 2: 39.
7- سورة يس: الآية 9.
8- السيرة الحلبية 2: 280.
9- تاريخ الخميس 1: 328، والبداية والنهاية 3: 181– 182.
10- سورة النساء: الآية 97.
11- سورة الأنفال: الآية 72.
12- سورة الزمر: الآية 36.
13- سورة العنكبوت: الآية 69.

07-02-2011 | 07-35 د | 1560 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net