الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1511 10 شوال 1443 هـ - الموافق 12 أيار 2022م

معركة أحد وامتثال التكليف

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

أيّها الأحبّة،
في مثل هذه الأيّام، في الخامس عشر من شهر شوّال، كانت معركة أحد، التي حدثت بين المسلمين وقريش، والتي حملت في أحداثها عدداً من الدروس والعبر.

كان القرار في هذه المعركة أن يلاقي المسلمون المشركين خارج المدينة، ومع قلّة عدد جيش المسلمين وضعف عتادهم، إلّا أنّهم خرجوا بقوّة معنويّة عظيمة، قال فيها الباري سبحانه: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[1].

كانت خطّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في هذه المعركة، تقتضي حمايةَ ظهر المسلمين من أن يلتفّ عليهم القرشيّون؛ فأمر جماعةً من الرماة، يرأسهم عبد الله بن جبير، ليثبتوا عند مرتفعٍ يطلّ على ساحة المعركة، قائلاً لهم: «احموا لنا ظهورَنا، فإنّا نخاف أن نؤتى من ورائنا، والزموا مكانَكم، لا تبرحوا منه، وإن رأيتمونا نهزمهم حتّى ندخل عسكرهم، فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا نُقتَل، فلا تعينونا، ولا تدفعوا عنّا»[2].

ما إن شارفت المعركة على الانتهاء، وكان النصرُ حليفَ المسلمين، ترك أولئك الرماة أماكنهم التي أُمِروا بالثبات فيها، مخالفين أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يسمعوا نهيَ قائد فرقتهم عبدَ الله بن جبير، الأمر الذي أدّى ذلك إلى فتح ثغرة خطيرة، استغلّها خالد بن الوليد، فانقضّ على المسلمين من خلفهم، وانقلبت نتيجة المعركة!

سبب الهزيمة
حلّت الهزيمة بالمسلمين في تلك المعركة، وتركت بتفاصيلها وأحداثها دروساً وعبراً، لا بدّ من التأمّل فيها، خاصّة في ما يتعلّق بمسألة الالتزام بأوامر أصحاب الشأن، وهذا ينطبق على أيّ ميدان يخوض فيه المسلمون مواجهةً مع الأعداء، سواءٌ أكانت مواجهة عسكريّة أم ثقافيّة أم سياسيّة... فقد أثبتت التجربة أنّ عدم الالتزام وعدم الانصياع لأولياء الأمر، مآله الهزيمة والفشل.

يقول الله تعالى في كتابه مشيراً إلى مجريات هذه المعركة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾[3].

إنّ هذه الآية ناظرة «إلى وقائع معركة أحد، وتقرّر حقيقة أخرى للمسلمين، وهي أنّ الذنوب والانحرافات التي تصدر من الإنسان بسبب من وساوس الشيطان، تفرز آثاماً وذنوباً أخرى بسبب وجود القابليّة الحاصلة في النفس الإنسانيّة نتيجة الذنوب السابقة، والتي تمهّد لذنوب مماثلة وآثام أخرى، وإلّا فإنّ القلوب والنفوس التي خلت وطهرت من آثار الذنوب السالفة لا تؤثّر فيها الوساوس الشيطانيّة، ولا تتأثّر بها»[4].

وكذلك نتّخذ من معركة أحد عبرة، أنّه ينبغي للمؤمن دوماً، أن ينزع حبّ الدنيا من قلبه؛ ذلك أنّه رأس كلّ خطيئة، فقد فعل الرماة ما فعلوه ابتغاء بعضٍ من حطام هذه الدنيا، حتّى كان فعلهم هذا سبباً طبيعيّاً من أسباب الهزيمة التي حلّت بالمسلمين.
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «فوالله، ما الفقر أخشى عليكم، ولكنّي أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على مَن كان قبلكم، فتُنافِسوها كما تَنافَسوها، وتُهلِككم كما أهلكتهم»[5].

التسديد الإلهيّ للملتزمين
إنّ الله تعالى أيّد المضحّين في سبيله وسدّد خطاهم، ممّن حامى وقاتل والتزم بأوامر الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، حتّى بشّرهم بأنّهم الأعلَون: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[6].

وقال عزّ وجلّ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾[7].

الحمزة نموذج رائد في الطاعة والشجاعة
الحمزة بن عبد المطّلب، عمّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وأحد أبرز المحامين عنه والمجاهدين بين يديه، وقد شهد بدراً وأحداً، وكان خيرَ شجعان العرب وفرسانها، حتّى هابه المشركون لما يمتلكه من شجاعة وهيبة قلّ نظيرها في الجزيرة العربيّة.

وممّا كان يمتاز به الحمزة (عليه السلام)، صفة الطاعة والامتثال لأوامر الوليّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، فلم يكن يتفلّت عمّا يضعه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من خطط وأوامر وإرشادات، وهذا ما جعله من المقرّبين إليه والمحبّبين إلى قلبه (صلّى الله عليه وآله).

استشهاده
استشهد الحمزة (رضوان الله عليه) في معركة أحد، وكان قد قتل ما يقرب من ثلاثين مشركاً، وكان مقتله على يد وحشيّ بن حرب، وهو عبد حبشيّ يرمي بالحربة قلّما يخطئ، ولم تكن العرب تعرف ذلك، بل هو مخصوص بالحبشة.

وقد ذُكر في كتب السير والتاريخ أنّ وحشيّاً كان عبداً لابنة الحارث بن عامر، قالت له ابنة الحارث قبل خروجهم إلى أُحد: «إنّ أبي قُتِل يوم بدر، فإن أنت قتلتَ أحد الثلاثة، فأنت حرّ: محمّداً، أو عليّ بن أبي طالب، أو حمزة بن عبد المطّلب، فإنّي لا أرى في القوم كفؤاً لأبي غيرهم.

فقال وحشيّ: أمّا محمّد فقد علمتِ أنّي لا أقدر عليه، وإنّ أصحابه محيطون به ولن يُسلموه، وأمّا حمزة فوالله لو وجدته نائماً ما أيقظته من هيبته، وأمّا عليّ فألتمسه.

وقال: فكنتُ يوم أحد ألتمس عليّاً، فبينما أنا في طلبه إذ طلع عَليّ، فإذا هو رجلٌ حذِرٌ مرِسٌ كثيرُ الالتفات، فقلت: ما هذا بصاحبي الذي ألتمس. إذ رأيت حمزة يفري الناس فرياً، وما يلقى شيئاً يمرّ به إلّا قتله، فكمنتُ له إلى صخرة [...] فهززتُ حربتي حتّى رضيت منها فضربته بها في خاصرته [...] وكرّ عليه طائفة من أصحابه، فأسمعهم ينادونه ويقولون: أبا عمارة، أبا عمارة، فلا يجيبهم، فقلت: لقد مات الرجل...»[8].

وبعد أن ألقت الحرب أوزارها، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «التمسوا حمزة»، فبعث أحد أصحابه يلتمسه فلم يعد لمّا رأى حمزة بتلك الحالة من التمثيل، ثمّ بعث آخر وآخر، وكلُّ من يذهب ويشاهده بهذه الحالة لم يعد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليخبره، فلمّا استبطأهم قام وبحث عنه بنفسه، فلمّا شاهده وهو مطروح ببطن الوادي، وقد مُثّل به شرّ تمثيل، بكى (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ قال له مخاطباً: «والله، ما وقفت موقفاً قطّ أغيظ عليّ من هذا المكان[9]«.

ورثاه بقوله: «يا عمَّ رسول الله، أسد الله وأسد رسوله. يا حمزة، يا فاعل الخيرات. يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ، يا مانع عن وجه رسول الله»[10].

الثبات
أيّها الأحبّة،
إنّ أشكال الامتحانات التي تقع في طريق الموالين عديدة ومختلفة، قد تكون في الثقافة أو الجهاد العسكريّ، وقد تكون في العمل السياسيّ، وهنا لا بدّ للمرء من أن يكون على قدر المسؤوليّة، فإذا ما رأى في أيّ من هذه الميادين خطراً على النهج الذي يتبنّاه ويؤمن به في حياته، فلا بدّ حينها من أن يسعى في سبيل درء هذا الخطر، وأولى سبل ذلك، أن يلتزم بإرشاد القادة وأولياء الأمر.


[1]  سورة آل عمران، الآيتان 173-174.
[2]  ابن أبي الحديد المعتزليّ، شرح نهج البلاغة، ج14، ص235.
[3]  سورة آل عمران، الآية 155.
[4]  الشيخ ناصر مكارم الشيرزايّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج2، ص740.
[5]  النراقيّ، جامع السعادات، ج2، ص20.
[6]  سورة آل عمران، الآية 139.
[7]  سورة البقرة، الآية 214.
[8]  انظر: ابن أبي الحديد المعتزليّ، شرح نهج البلاغة، ج15، ص11.
[9]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج20، ص63.
[10]  الحلبيّ، السيرة الحلبيّة، ج2، ص534.

12-05-2022 | 13-43 د | 943 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net