الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1500 22 رجب 1443 هـ - الموافق 24 شباط 2022 م

المبعث النبويّ الشريف

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[1].

عن أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام): «… بَعث اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ، وإِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُه، كَرِيماً مِيلَادُهُ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَة، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ؛ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، ثُمَّ اخْتَارَ -سُبْحَانَهُ- لِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله) لِقَاءَه، ورَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا، ورَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً (صلّى الله عليه وآله)، وخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا، إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ، وَلَا عَلَمٍ قَائِمٍ»[2].

أيّها الأحبّة،
من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في يوم المبعث النبويّ الشريف: «إنّ عيدَ المبعث هو عيد النهوض والانبعاث لإزالة الآلام والمحن عن البشر، وعليه فهو -حقّاً- يوم عيد. غالبيّة الآلام والشدائد التي تُعاني منها البشريّة على امتداد التاريخ، ما زالت مستمرّة إلى يومنا هذا بأشكال مختلفة، هي: عبوديّة غير الله، وانتشار الظلم والجور، والاختلاف الطبقيّ، ومصائب الضعفاء، وغطرسة المتسلّطين الأقوياء، هذه آلام تُعاني منها البشريّة باستمرار، وقد فرضها الجبابرة العُتاة على البشر دوماً بدوافع فاسدة ومُفسِدة. البعثة جاءت لإزالة هذه الآلام والقضاء عليها».

إنّ الله قد بعث نبيّه الأكرم وخاتم أنبيائه ورسله، ليُخرِج المجتمعَ البشريَّ من آلامه، وممّا يعانيه من ظلمٍ واستبداد، وسلّحه بنفس قويّة وروح أبيّة، حتّى تخلّق بأحسن الأخلاق، بالرحمة والرأفة والمحبّة وحبّ الخير والصلاح والإصلاح من دون تمييز وتفريق، وهذا ما نستشعره من الآية الكريمة، إذ يقول تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم﴾.

لقد كان النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) رؤوفاً بعباد الله، حريصاً على ما فيه خير لهم، لدينهم ودنياهم، ولهذا ما فتئ عن الدعوة إلى الحقّ وإرشاد أهله وقومه والناس كافّة، لاتّباع سبيل الحقّ.

البعثة وتحمّل الصعاب
أيّها الأحبّة،
كان أوَّل ما نزل على قلب الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، إذ خاطبه -سبحانه- قائلاً: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم﴾[3]، وهذا الرأي هو المشهور بين المفسِّرين[4] طبقاً للعديد من الأحاديث الواردة في هذا الشأن، ومنها ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أوّل ما نزل على رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، وآخره: ﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ‏﴾»[5].

وقد كان له عند البعثة من عمره الشريف أربعين عاماً، وأوّل مَن آمن به (صلّى الله عليه وآله) من الرجال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن النساء زوجه أمّ المؤمنين خديجة (عليها السلام)، ثمّ أمره -سبحانه- بأن يصدع بما أُوحي إليه، وينادي بالدعوة إلى اتّباع رسالة الحقّ، قال سبحانه: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾[6]، ثمّ قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾[7].

وقد تحمّل النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في سبيل نشر دعوته المباركة في بيئة صعبة للغاية، الصعابَ والأذى والآلام، حتّى قال هو في ذلك: «ما أُوذِيَ أحَدٌ مِثلَ ما أُوذيتُ فِي اللّهِ»[8].

ومن أشكال ما عانى منه (صلّى الله عليه وآله) تلك الملاحقة الدائمة له من قِبل رجالات قريش، أمثال أبي لهب وغيره، وممّا ورد في ذلك أنّه أقام «بِمَكَّةَ ثَلاثَ سِنينَ مِن أوَّلِ نُبُوَّتهِ مُستَخفِياً، ثُمَّ أعلَنَ فِي الرَّابِعَةِ، فَدَعَا النَّاسَ إلَى الإسلامِ عَشرَ سِنينَ... حَتَّى إنَّهُ لَيَسألُ عَنِ القَبائِلِ ومَنازِلِها قَبيلَةً قَبيلَةً، ويَقولُ: يا أيُّهَا النّاسُ، قُولوا: لا إلهَ إلَّا اللّهُ، تُفلِحوا، وتَملِكوا بِهَا العَرَبَ، وتَذِلَّ لَكُمُ العَجَمُ، وإذا آمَنتُم كُنتُم مُلوكا فِي الجَنَّةِ. وأبو لَهَبٍ وَراءَهُ يَقولُ: لا تُطيعوهُ؛ فَإنَّهُ صابِئٌ كاذِبٌ!»[9].

إنّ قراءة شخصيّته المباركة، والنظر في الواقع الذي واجهه (صلّى الله عليه وآله)، مع الأخذ بعين الاعتبار تلك النقلة النوعيّة التي حقّقها في غضون سنين معدودة، حتّى أصبح الملجأ والملاذ والقدوة والأسوة لأبناء الجزيرة العربيّة كافّة، وغيرها من أصقاع كثيرة من العالم، إنّ ذلك كلّه ينبئنا عن أنّ هذه الشخصيّة المباركة كانت تتحلّى بصفات عظيمة وجليلة، جعلت منه شخصيّة جاذبة للقلوب وأصحاب العقول، فسلّموا له وانقادوا لأوامره وآمنوا بما صدع به من أوامر وإرشادات وآيات إلهيّة.

ومن تلك الصفات الجليلة:
مكارم الأخلاق

امتازت شخصيّته (صلّى الله عليه وآله) بمكارم الأخلاق، فقد روى الإمام الحسن عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «كان رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) دائمَ البِشْر، سهلَ الخُلُق، ليّنَ الجانب، ولم يكن بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح»[10].

العلم
امتازت شخصيّةُ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بعلمه وحنكته وحكمته، وإنّ ذلك من الصفات الأولى التي ينبغي أن يتحلّى بها القائد والداعي إلى دين الله، ولهذا نجد شرطيّة العلم في مذهب الحقّ لازمةً في الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)، وبه يمتازون عن غيرهم، مضافاً إلى التقوى والورع والأخلاق الحسنة... وقد رُوي عنه (صلّى الله عليه وآله): «أنا أتقاكم لله، وأعلمكم لحدود الله»[11].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في محاورته أهل الأديان، قال في النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله): «ومن آياته أنّه كان يتيمًا، فقيرًا، راعيًا، أجيرًا، [...]، ثمّ جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء (عليهم السلام)، وأخبارهم حرفًا حرفًا، وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة»[12].

الصدق وأداء الأمانة
كان (صلّى الله عليه وآله) القدوة والأسوة في الصدق والأمانة، حتى لقّبته قريش بالصادق الأمين قبل البعثة.

الحلم
وكان من عظيم أخلاقه، أن بلغ (صلّى الله عليه وآله) غاية الحِلْم والعفو، وسيرته المباركة حافلة بمواقفه في ذلك، منها قصَّة الأعرابيّ الذي جذب النبيَّ (صلّى الله عليه) بردائه جَذبةً شديدةً، فعن أنس قال: كنتُ أمشي مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ، فأخذ بردائه، فجبذه (جذبه) جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أثّرت به حاشية الرداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد، مُر لي من مال الله الّذي عندك! فالتفت إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فضحك، وأمر له بعطاء[13].

التواضع
مع رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، كان (صلّى الله عليه وآله) متواضعاً، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ، فقد كان يخفض جناحه للمؤمنين، ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ فقد كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، عن أبي ذرّ -رضوان الله عليه- قال: «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يجلس بين ظهرانيّ أصحابه، فيجيء الغريب، فلا يدري أيّهم هو، حتّى يسأل. فطلبنا إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يجعل مجلسًا، يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكّانًا[14] من طين، وكان يجلس عليه، ونجلس بجانبيه»[15].


[1]  سورة التوبة، الآية 128.
[2]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (تحقيق صبحي صالح)، ص44.
[3]  سورة العلق، الآيات 1- 5.
[4]  الشيخ الطوسيّ، التبيان في تفسير القرآن، ج10، ص378.
[5]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص628.
[6]  سورة الحجر، الآية 94.
[7]  سورة الشعراء، الآيات 214، 215، 216.
[8]  المتّقي الهنديّ، كنز العمال، ج3، ص130.
[9] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3007.
[10] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص15.
[11] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، ج11، ص419.
[12] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج1، ص150.
[13] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص17.
[14] الدكان شيء كالمصطبة يُقعد عليه. والمصطبة مكان ممهّد قليل الارتفاع عن الأرض، يُجلس عليه.
[15] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص16.

23-02-2022 | 16-16 د | 1044 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net