الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1485 05 ربيع الثاني 1443 هـ - الموافق 11 تشرين الثاني2021م

الشهادة حياة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «فوق كلّ ذي برٍّ برّ، حتّى يُقتلَ الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله، فليس فوقه برّ»[1].

أيّها الأحبّة،
إنّ للشهادة في المفهوم الإسلاميّ عمقاً لا يدركه إلّا من فَقهَ الحياةَ والهدفَ الأساس من وجود الإنسان فيها، وأنّ ما بعد الدنيا إنّما هي الحياة الخالدة الّتي يُنعِم فيها الباري -سبحانه- على كلّ من اتّبع سبيل الحقّ والرشاد، وكان مصدرَ خيرٍ للبشريّة وعباد الله.
فالإنسان الذي يرى بأنّ الدنيا مرحلةٌ يعيشها لينتقل منها إلى عالم آخر أبديّ، وأنّ مقامَ الإنسان إنّما هو في حفظ كرامته وعزّته، وأن لا يعيشَ تحت الظلم والاستبداد، يجد في الشهادة حياةً حقيقيّة، سواءٌ أكان لمجتمعه الّذي دافع عنه وبذل نفسه ومهجته في سبيله، أم لنفسه، إذ يرى الشهادةَ انتقالاً إلى تلك الحياة الأبديّة الّتي لا غشّ فيها ولا خداع، والّتي ينال فيها رضوان الله.

أمّا ما يناله الشهيد لنفسه، فقد قال -سبحانه-: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَـاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[2]؛ وهذا يعني أنّ الموت للشهداء، ليس إلّا انتقالاً من الحياة الدنيا إلى حياة أخرى، ينعم فيها برضوان الله وكرمه.

ويكفي الشهيد فضلاً ما وُعِد به على لسان الرسول الأكرم (صلّى الله على وآله):
فقد قيل له (صلّى الله عليه وآله): ما بال الشهيد لا يُفتن في قبره؟! فقال [النبيّ] (صلّى الله عليه وآله): «كفى بالبارقة فوق رأسه فتنة»[3].

وعنه (صلّى الله عليه وآله): «من قُتِل في سبيل الله، لم يُعرِّفه الله شيئاً من سيّئاته»[4].

وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله): «كلّ حسنات بني آدم يحصيها الملائكة، إلّا حسنات المجاهدين، فإنّهم يعجزون عن إحصائها»[5].

أمّا بالنسبة لأثر الشهادة على المجتمع عامّة، فهو الحفظ والصون والأمن الّذي يؤمّن سبل العيش الكريم والعزيز، والّذي من خلاله يستطيع الارتقاء في جميع مناحي الحياة البشريّة، من علمٍ واقتصادٍ ورفاهٍ وسعادة...

وبهذا، فإنّ الموت في سبيل حماية الأرض وعباد الله، إنّما هو في الحقيقة حياةٌ للناس، وضمانٌ لأمنهم وأمانهم، وانتصارٌ على الظالمين والمعتدين، قال -سبحانه-: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُون﴾[6].

 وقد أشار الإمام عليّ (عليه السلام) إلى فلسفة الحياة بموت الشهادة، إذ قال: «فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ‏، وَالْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِين‏»[7].

صفات الشهيد
إنّ مقامَ الشهيد، لا يُقتصَر فيه على ما قدّمه واستشهد من أجله، إنّما في أصل إقدامه على الشهادة، والدلالات والعِبر التي لا بدّ لكلّ امرئ من أن يقرأها جيّداً ويستلهم منها الدروس؛ ومن ذلك فَهمُ حقيقة الدنيا وأنّها زائلة فانية، وما يلقاه مَن باع جمجمته لله من الكرامة بعدها، وفي ذلك حافز للتحلّي بالصفات الجليلة التي كان عليها الشهداء، والّتي دفعتهم للجود بأنفسهم، طمعاً بما هو خيرٌ وأبقى.

ومن تلك الصفات:

الإيثار
وهي صفة عظيمة يتحلّى بها الّذين لا يبتغون من الدنيا إلّا رضوان الله، ولا يرَون وجودَهم إلّا وجوداً ملازماً لخدمة عباد الله في صغائر الأمور وكبائرها؛ لذا فهم يتحلَّون بالإيثار وإن كان على حساب رفاههم، ويقدّمون ما يحبّون في سبيل تنعّم الآخرين، قال -سبحانه-: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾[8].

الجود والسخاء
إنّ الجودَ والسخاءَ من الخصال الحسنة الّتي تنظر إليها البشريّة بعين التوقير والتعظيم، وكلّما كانت قيمة السخاء أكبر، كان ذلك أعظمَ مكانة في نفوسهم، فكيف إذا كان الجود بالنفس؛ بأن يُنهي المرءُ حياتَه في سبيل الله -تعالى- ومرضاتِه، وسبيل حفظ الأرض والعرض والدين وحمايتها، وهذا ما هو عليه الشهيد، إذ يقدّم روحَه في سبيل ذلك، في الوقت الذي كان له أن يبقى كغيره من الناس يعيش رغدَ الحياة.

عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أجودُ الناس من جاد بنفسه»[9].

ولهذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام)، مع عظم ما قدّمه للرسالة وعباد الله، كان يرجو الشهادةَ بين يديه تعالى، فيقول: «إنّ أكرمَ الموت القتلُ، والذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألفُ ضربةٍ بالسيف أهونُ عليّ من ميتةٍ على الفراش في غير طاعة الله»[10].

وكذلك كلّ عاقلٍ يرى بعين قلبه مقامَ الشهادة في سبيل الله، كما كان الأنصار بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام)، ومنهم سعد بن عبد الله الحنفيّ، إذ قال: «والله، لو علمتُ أنّي أُقتل، ثمّ أحيى، ثمّ أُحرق حيّاً، ثمّ أُذرّ، يُفعل بي ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك، وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً»[11].


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص53.
[2] سورة آل عمران، الآيات 169 - 171.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص54.
[4] المصدر نفسه، ج5، ص54.
[5] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص13.
[6] سورة التوبة، الآية 52.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص85.
[8] سورة الحشر، الآية 9.
[9] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص8.
[10] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص180.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج98، ص272.

11-11-2021 | 09-48 د | 1131 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net