الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
ولاية عهد الإمام الرضا عليه السلام وظروفها الموضوعية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


تعتبر مسألة ولاية العهد التي أوكلت للإمام الرضا عليه السلام، مسألة ذات دلالات كبيرة، وانعكاسات ضخمة لمجمل الظروف التي أحاطت آنذاك بالحكم العباسي من جهة، ومدى وعي الأمة وحركاتها من جهة أخرى، بحيث أدت إلى هذا التطور المهم، الذي لم يعهد بمثله لإمام آخر قبله أو بعده.

وقبل التوقف عند هذه المسألة التاريخية المهمة، لا بد من عودة إلى الوراء، لأخذ فكرة عامة عن إمامة الإمام الرضا عليه السلام والظروف التي أحاطت بها.

كان عمر الإمام يوم وفاة أبيه مسموما في سجون الرشيد ببغداد، خمسا وثلاثين عاما، وكانت مدة إمامته عشرين سنة في عهود الرشيد والأمين والمأمون.

استلم الإمام مهمة الإمامة الفعلية، في اشد الظروف حراجة ودموية وخوفا، كما عبر صفوان بن يحي:"وسيف الرشيد يقطر دما"، عاش خلالها محنة والده وهو يتكبد مرارة السجون والإرهاب في مواجهة انحراف السلطة، ويبذل نفسه الشريفة ثمنا للإصلاح والتصحيح. كما واجه الإمام الرضا عليه السلام مشكلة الواقفة الذين شكّلوا خطرا على قضية الإمامة بادعائهم توقفها عند الإمام الكاظم عليه السلام، فأنكروا إمامة الرضا عليه السلام، فكاتبهم فلم يرتدعوا، وكان السبب الحقيقي لاتخاذهم هذا الموقف هو طمعهم بالأموال الشرعية التي كانوا وكلاء عليها من قبل الإمام الكاظم عليه السلام ولذلك لم يلبس أن ظهرت حقيقتهم إلى العراء ورجع أكثرهم إلى الحق.

كان هارون الرشيد قد وصل إلى حد الإعياء ولم يفلح في احتواء الإمام الكاظم عليه السلام، لذلك قرّر تصفيته جسديا، هذا الإرهاب العباسي لم يمنع إمامنا الرضا عليه السلام من متابعة نهج والده الإصلاحي في مقاومة الفساد والظلم ونشر الإسلام وبث الوعي، فجلس مجلسا عاما، ولم يستعمل التقية كآبائه عليه السلام مما أثار خوف أتباعه وأتباع أبيه فجاءوا إليه مبدين تخوفهم واستغرابهم لموقف الإمام هذا. فكان يرد عليهم، بأنه اعرف بتغير الظروف وانه ظرف تحرك مناسب له. وكان يردد مقالة جده صلى الله عليه وآله وسلم حينما حذره المسلمون الأوائل من أبي جهل، فكان يقول:لقد جرأني قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن اخذ أبو جهل من رأسي شعرة، فاشهدوا أني لست بنبي، وأنا أقول: إن اخذ هارون من رأسي شعرة فأنا لست بإمام. ومات الرشيد دون أن يجرؤ على مس شعرة من رأس الإمام عليه السلام.

عاصر الإمام الرضا عليه السلام هارون الرشيد عشر سنوات ثم ابنه الأمين ثم المأمون، وقد اتسمت تلك الفترة بالقسوة والظلم والإرهاب وممارسة اشد أنواع التنكيل والتعذيب بحق أبناء البيت العلوي عليه السلام، ولكن ذلك لم يمنع من خروج الثورات العلوية المتلاحقة ضد الحكم العباسي الظالم.

جلس الإمام عليه السلام في مسجد جده صلى الله عليه وآله وسلم واستمر في الإشراف على مدرسة آبائه الطاهرين، وتلاميذها وعلمائها، حيث شدت إليه الرحال وقصده العلماء من أطراف الأرض.

وبدأ الإمام الرضا عليه السلام تحركا نوعيا جديدا، لم يؤلف من قبل بقية الأئمة عليه السلام. وهو انه قام بجولات ولقاءات جماهيرية مع الأمة، خارج المدينة. فكان قد أرسل إلى أهل البصرة، من يعلمهم بمقدم الإمام إليهم، فتهيأوا لاستقباله. وبعد أن أمضى بضعة أيام توجه إلى الكوفة، لنفس الغرض. بينما كان قد سبقه من يهيئ له أرضية استقباله والاحتفاء به، مستثمرا فترة الصراع بين الأمين والمأمون.

وبعد أن استقر الأمر للمأمون، وقتل الأمين، ودخل جيش المأمون بغداد، انتقلت الخلافة إلى مرو. ثم كانت فكرة استقدام الإمام عليه السلام إلى مرو. وأرسل المأمون الرجاء بن أبي الضحاك ومعه جماعة بلطف وعناية، أن يأتوا بالإمام عليه السلام ومن يحب من أهل بيته. ولمحاولة فهم أبعاد هذا التحرك، نحاول أن نعرف ما هي الأوضاع التي كانت تحيط بالخلافة العباسية آنذاك.

1- خارجيا: الثورات العلوية تلهب الأرض وتنبئ بوضع غير معروف النتائج للعباسيين، وهي كما يلي:
أ‌- تحرك الشيعة في خراسان في السنة التي استقل فيها المأمون بالخلافة،بقيادة محمد بن إبراهيم العلوي.
ب‌- حركة الكوفة بقيادة ابن طباطبا العلوي الحسني، وصاحبه أبي السرايا، وهو السري بن منصور.
ت‌- في اليمن حركة بقيادة إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر أخ الإمام الرضا عليه السلام.
ث‌- في مكة كان الحسين بن الحسن الأفطس الحسني.
ج‌- وفي البصرة قام زيد بن موسى بن جعفر عليه السلام بإحراق بيوت العباسيين حتى لقب بزيد النار.

2- داخليا: حيث قد تغلغل التمزق إلى أوساط البلاط العباسي، وتفرقت كلمتهم، وتركت أحداث قتل الأمين أثارا سيئة على العباسيين.
3- شعبيا: حيث التبرم العام من جهة، واحتقار ونظر بازدراء وصغار إلى ما آل إليه الحكم العباسي من جهة أخرى.

وبهذا السرد السريع لحالة الوضع آنذاك، يمكن أن نفهم لماذا سيعرض المأمون الخلافة أولا، ثم ولاية العهد بعد ذلك على الإمام عليه السلام.

يذكر العلماء أن الأسباب السياسية التالية كانت وراء اتخاذه مثل هذا الموقف:
1- كسب ولاء أهل خراسان الذين كانت لهم ميول شديدة باتجاه التشيع وموالاة أهل البيت عليه السلام.
2- محاولة إرضاء العلويين وتهدئتهم وسحب مبررات الثورة والتمرد من أيديهم، ولذلك قام المأمون بإصدار عفو عام عن جميع العلويين.
3- تجريد الإمام من سلاحه بإعطائه منصبا في النظام الحاكم وتشويه سمعته بذلك لإسقاطه من قلوب الموالين له.
4- استخدام الإمام كورقة ضغط بوجه العباسيين الذين وقفوا مع الأمين في حربه ضد المأمون.
5- الحصول على اعتراف ضمني من الإمام بشرعية تصرفات المأمون. ومن ورائه اعتراف العلويين بشرعية السلطة العباسية.
6- عزل الإمام عن قواعده الموالية والمتزايدة، ووضعه تحت المراقبة الدقيقة، والأمن من خطره.

لما وصلوا إلى مرو انزلوا الإمام عليه السلام في منزل أعدّ له مسبقا روعي فيه أن يكون ضمن قصور العباسيين، لأسباب عدة، منها متابعة الإمام عليه السلام ومعرفة مدى ارتباطه بالأمة، ومن الذي يقوم بذلك، ومحاولة لدمجه في البلاط العباسي وأهداف أخرى.

وحينما استقر الأمر بالإمام عليه السلام جاءه المأمون ذات يوم، وقال: بأنه قد نذر نذرا، إن أظفره الله بالمخلوع (أي الأمين) أن يجعل الخلافة في أحقها من بني هاشم، أي في الإمام، فاعترض الرضا عليه السلام على ذلك وقال: "أعيذك بالله من ذلك". وكان الإمام يعلم أن المأمون يريد اكتشاف رغبة الإمام في الخلافة وطموحه فيها، كما أن الإمام كان يعلم انه لا يستطيع أن يغير شيئا في الوضع الفاسد القائم آنذاك. ولهذا واجهه الرضا عليه السلام بهذه الحقيقة: "إن كانت الخلافة لك فكيف تخلع قميصا ألبسكه الله، وان كانت لغيرك فكيف تعطي ما لا تملكه؟". وإزاء رفض الإمام للخلافة جاءت المرحلة الثانية، وهي ولاية العهد، وكان موقفه عليه السلام كموقفه من مسألة الخلافة.

ولما رأى المأمون أن الإمام عليه السلام ملتفت إلى أبعاد خطته، غير لهجته، وأخذ يهدد الإمام إن لم يقبل بالولاية فلما رأى الإمام ذلك، قال: بشرط "على أن لا أولي أحدا ولا اعزل أحدا ولا انقض رسما ولا سنة وأكون في الأمر من بعيد مشيرا". وبذلك الشرط فوت الإمام على المأمون كل ما كان يريد، ولكي لا يجعل المأمون من ولاية العهد مشجبا يعلق عليه كل سلبيات الخلافة العباسية، ومحاولة جعل الإمام يتحمل بعض تلك السلبيات، أو يرجع إلى الخلافة بعضا من الهيبة والاحترام التي فقدتهما.

كان سلوك الإمام المثالي يمثل ضربة لكل خطط المأمون ومؤامراته حيث لم يتأثر بزخارف الحكم وبهارجه، بل كان يتصرف بطريقة مخالفة لتصرفات أصحاب الحكم والسلطان، وفي ذلك إدانة واضحة للمأمون وأتباعه، وبذلك استطاع الإمام أن يجعل من ولاية العهد ولاية صورية وشكلية، كما استطاع بما أوتي من حكمة من إفراغ المشروع العباسي من مضمونه، والحيلولة دون إسباغ الشرعية على خلافة المأمون عن طريق عدم المشاركة في الحكم، وأن لا يتحول إلى شاهد زور لتجاوزات الحكم.

ولم تفلح محاولات المأمون في النيل من مكانة الإمام عليه السلام فأخذ يجمع له العلماء من أقاصي البلاد ويأمرهم بتهيئة أصعب المسائل وأشكلها ليقطع حجة الإمام ويشوه سمعته بذلك. وفي هذا يقول أبو الصلت احد العلماء آنذاك: " فلما لم يظهر منه أي الإمام عليه السلام للناس إلا ما ازداد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له إلا قطعه وألزمه الحجة".

بعد أن فشلت جميع الأسلحة التي استخدمها المأمون لمحاربة الإمام عليه السلام، وظهرت النتائج على خلاف ما كان ينتظر ويؤمل، بل كان الإمام يزداد رفعة بين الناس، وكانت قواعده الموالية تزداد اتساعا وعددا. أدرك المأمون انه وقع في فخ الإمام. فهو لم يفلح في انتزاع الاعتراف بشرعية حكمه من الإمام، كما ناه لم يفلح في إخضاع الإمام لإرادته ومطالبه، فهو بالإضافة إلى ذلك لا يستطيع تنحيته عن ولاية العهد. لان الأمور سوف تزداد تعقيدا ولن يسكت العلويون والخراسانيون على ذلك. ومن جهة رابعة أصبح يرى نفسه مستحقا للتأنيب العنيف من قبل العباسيين الذين كانوا يتخوفون من انتقال السلطة إلى العلويين وخروجها من تحت أيديهم.

وإزاء كل ذلك لم يجد المأمون وسيلة للتخلص من الإمام إلا بتصفيته جسديا، فدس إليه السم، ومضى الإمام شهيدا صابرا محتسبا.

24-08-2010 | 05-53 د | 1800 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net