الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
حال المجتمعين العراقي والشامي قبل الصلح الحسني
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

سبب وقوف العراقيين مع علي(ع):
ما سبب وقوف المجتمع العراقي إلى جانب علي(ع)، حتى باتوا محسوبين من شيعته ومواليه، وغدا اسم العراقيين قرينا لعلي(ع) وللتشيع، رغم ما تقدم من أنهم كانوا في الحقيقة من شيعة عمر بن الخطاب، ومن أتباع مدرسته وحزبه؟
إن من الواضح من أدنى ملاحظة للتاريخ، أنه عندما تولى الخلافة عثمان بن عفان، عمل بكل جد، على تقريب بني أمية، وتسليطهم على رقاب الناس، الأمر الذي أدى إلى تحريك العصبيات القبلية عند الآخرين، وإحساسهم بأن كل الإنجازات والامتيازات التي حصلوا عليها أيام عمر بن الخطاب، قد ضاعت سدى، فاندفع الناس إلى من يعمل على إعادة هذه المكاسب إليهم، فلم يجدوا غير علي(ع) قادرا على تحقيق هذه الآمال لهم.

ولما كان معاوية أقوى الولاة على الإطلاق، فإن من الطبيعي أن تتوجه أنظار بني أمية وحزبهم إليه، وهو ما ظهر جليا في سياسة عثمان، الذي كثيرا ما كان يلجأ إليه في ضرب المتمردين على سياساته، والسعي إلى القضاء على حركاتهم المناهضة له، حيث كان يوجه رؤوسهم إلى معاوية، ليعمل عقابه فيهم، من قبيل ما عاقب به أبا ذر الغفاري وسواه من المؤمنين، الذين لم يرتضوا سياسات عثمان.

إن تقريب أصحاب معاوية في إدارة دفة الحكم، نظرا لما تقدم من إعجاب العرب بالنظم التي كانت قائمة بينهم، إضافة إلى إعجابهم التاريخي بأهل الكتاب، هذا الإعجاب الذي تمتد جذوره إلى ما قبل الإسلام، إن هذا التقريب سيؤدي لا محالة إلى انقلاب العراقيين، وهم من العرب كما ذكرنا، ضد سياساته، فهو في الحقيقة عبارة عن موقف معارض لسياسات عثمان، أكثر منها انسجاما مع خط علي(ع) ومواقفه وأهدافه.

وهنا تتجلى عظمة علي(ع)، الذي استطاع أن يجعل منهم أنصارا له، يقاتل أعداءه بهم، رغم ما هم عليه من بعد عن خطه من الناحية الفكرية، ثم يصيرهم متعاطفين مع هذا الخط الفكري الأصيل، بل استطاع أن يجعل من بعض رجالهم أخلص أصحابه وأصدقهم، من أمثال صعصعة بن صوحان، ورشيد الهجري وأمثالهما، وشيئا فشيئا صاروا شيعة حقيقيين لأهل البيت عليهم السلام، ولكن ذلك لم يتجلى، إلا بعد استشهاد الحسين(ع) بأبهى صوره ومعانيه.

ويشير إلى هذه الحقيقة ما قاله عبد الله ابن عباس ومحمد بن الحنفية للإمام الحسين(ع) عندما أراد الخروج إلى كربلاء، ونصحهما له بعدم التوجه إلى العراق، لأنهم غدروا بأبيه وأخيه من قبل، ولا يؤمن أن يغدروا به أيضا، وإن عرف الحسين(ع) بثاقب بصره المؤيد بعلم الإمامة، أن قتله بينهم سيؤجج جذوة الخير فيهم، ويؤسس بذلك لزوال ملك بني أمية، وأنهم سيشكلون البذرة الأولى والأساسية لهذا التغيير في الأمة الإسلامية، وهو ما عمل عليه وأدركه كل من علي والحسن(ع)، ولذلك كان رهانهما على أهل العراق رغم ما لاقياه منهم.

طبيعة المجتمع الشامي:
على النقيض من صفات أهل العراق، كان أهل الشام يتمتعون بصفات تجعلهم في صف معاوية بشكل طبيعي، فقد تعرفوا على الإسلام أصلا، كما يريد معاوية، ذلك أنه ومنذ فتح الشام، في خلافة أبي بكر، ذهب واليا على بعض نواحيها، تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فلما مات يزيد في خلافة عمر ضمت نواحيه التي كان واليا عليها إلى إمرة معاوية، وأطلق عمر بن الخطاب يده في كل منطقة الشام يفعل ما يشاء، ويتصرف كما يحلو له، وقد اشتهر عنه أنه كان يصفه بأنه كسرى العرب، ويقول له لا آمرك ولا أنهاك، وهي طريقة مناقضة لطريقته في معاملة الولاة ومحاسبتهم حتى كان يضرب بعضهم، كما هو المعلوم من سيرته.

ويبقى هذا التأييد المطلق لمعاوية، غير مبرر من الناحية المنطقية، ذلك أن إطلاق يده، لا بد وأن يكون مستندا إلى إدراك معرفة معاوية الشديدة بالإسلام وخصائصه، ومعرفة مدى حرصه وإخلاصه على هذا الدين، وهو مخالف لما عليه معاوية، الذي أسلم كرها عام فتح مكة، ولم يعهد منه إخلاص أو نصح لهذا الدين بعد إسلامه، الأمر الذي يقتضي عكس ما جرت عليه سيرة عمر معه، لو كان عمر حريصا على مصلحة الإسلام والمسلمين.

واستمر معاوية في حكم أهل الشام، طيلة خلافة عثمان كذلك، فزادت إمارته عليهم عن العشرين سنة، اعتادوا عليه فيها، وألفوا طريقته في الحكم، فتربى صغارهم على الإسلام الذي يريده معاوية، وعليه شاخ كبارهم.

من ناحية ثانية استطاع معاوية أن يحيط بطريقة حياتهم، وأن يتعرف على طبائعهم، وطرائق تفكيرهم، ونظام مجتمعهم، المختلفة جذريا عن حياة أهل العراق وطبائعهم، بل وطريقة وطبائع العرب في شبه الجزيرة العربية عموما، ذلك أن أهل الشام قد اعتادوا على العيش في الدولة المنظمة، والارتباط بمركز الحكم، لأنهم عاشوا مدة طويلة تحت الحكم الروماني والبيزنطي، قبل أن يفتحها المسلمون، فاستفاد من ذلك كثيرا في إدارة أمورهم، وكسب ثقتهم والتفافهم حوله، وهو ما أظهره الإمام أمير المؤمنين(ع) حين قال مخاطبا أهل العراق: (عجبا والله! يميت القلب ويجلب الهم، اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم).

ويتجلى مدى وثوقهم به من خلال وصفه لهم حين أراد أن يخرج لحرب علي(ع) يوم صفين، فقال أنه يريد أن يقاتله بمائة ألف لا يفرقون بين الناقة والجمل، كناية عن شدة ثقتهم به، وتأثيره فيهم، حتى وإن كان ذلك بقلب الحقائق الواضحة لكل واحد، فإنهم لا يترددون في قبول قوله، والعمل وفق إرادته، لما في ذلك من تحقيق لمآربهم، وإشباع لرغباتهم ومصالحهم.

إن هذه الصفة وأمثالها، لا يمكن أن تتحقق، إلا في مجتمع متراص ومتماسك، من الناحية التنظيمية والإجرائية، ولهذا استعان معاوية بالكثير منهم في تنظيم شؤون مملكته من أمثال يوحنا الدمشقي وغيره، ممن لم يدخلوا الإسلام أصلا.

هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا على معرفة كبيرة بالكتاب المقدس بعهديه، لأن المسيحية كانت الديانة الرسمية للدولة الرومانية، التي كانوا منضوين تحت لوائها قبل الفتح، وهذا يعني أن الكثيرين منهم، إن لم يكن جميعهم، من معتنقي هذه الديانة، وبالتالي فإن دخولهم في الإسلام نتيجة الفتح الإسلامي، لن يكون ناتجا عن قناعة واعتقاد صحيح، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الفاتحين الجدد، ومدى معرفتهم وارتباطهم بالإسلام الصحيح، وحرصهم على تطبيق تعاليمه وتنفيذ أحكامه، وملاحظة الغاية التي يبتغونها من وراء الفتح، هل كانت لنشر الدين أم للغنائم والمتاع.

ومن الطبيعي، والحال هذه، أن يكون موقفهم من الدين الجديد سلبيا، أو حياديا في أقل الفروض، بمعنى أنه لا يهمهم سوى تحصيل المأمن في ظله، ما دام لم يدخل إلى نفوسهم وقلوبهم، بل يمكن القول أنهم سيعملون على القضاء عليه، من خلال اعتناقهم له، ما داموا لم يستطيعوا ذلك من الخارج.

وهذا ما يتماشى، في المحصلة النهائية، مع موقف معاوية نفسه، وأمثاله من العرب والقرشيين، الذين دخلوا الإسلام كرها، بحثا عن مغنم أو مقام يرجونه، أو مأمن يركنون إليه.

ويكفي أن نذكر في هذا المجال موقف خالد بن الوليد الذي كان أسر ابنة ملك الروم، في إحدى الغزوات، ثم أرجعها إلى أبيها معززة مكرمة، في الوقت الذي قتل مالك بن نويرة وأصحابه، وسبى نساءهم وذراريهم، واستولى على زوجة مالك ودخل بها من ليلته، وهؤلاء كانوا من المسلمين، لمجرد أنهم امتنعوا عن دفع الزكاة لأبي بكر، دون بحث عن سبب امتناعهم، بل دون قبول عذرهم في ذلك.

إن شعبا يتمتع بما يتمتع به أهل الشام، من خلفية ثقافية، وتاريخ حضاري، وبعد ديني، لن يكون قادرا على تقبل الوضع الجديد بسهولة، والذي يعني في أبسط صورة، أن يخضع لأمة لا تاريخ لها ولا تراث، وفضلا عن ذلك يرون أنفسهم مضطرين للدخول في الدين الجديد، خصوصا وأن الفاتحين الجدد لم يظهروا لهم محاسن هذا الدين، ومواطن القوة التي تخاطب الفطرة والوجدان، وتحرك العقل وتحثه على التأمل والتفكير، وكيف يفعلون ذلك وهم لا يرونه مشتملا على هذه الصفات والخصائص.

فمن الطبيعي إذن أن لا يكون هؤلاء القوم في صف علي(ع) والحق، خصوصا إذا استطاع الحاكم الجديد أن يصل بهم إلى أعلى المناصب والمقامات، وإن ظلوا على قناعاتهم السابقة، وديانتهم التي اعتادوا عليها، كما هو الحال بالنسبة ليوحنا الدمشقي.


* سماحة الشيخ حاتم اسماعيل – بتصرف يسير

31-10-2016 | 16-17 د | 1128 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net