قال تعالى:
﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾[1].
وقال تعالى:
﴿ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾[2].
وقال تعالى:
﴿فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع
هواه﴾[3].
وقال تعالى:
﴿وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى﴾[4].
أقول: الهوى: ميل النفس إلى الشهوة، وقد يطلق على النفس المائلة إلى الشهوة أيضاً،
ولعله سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية،
فإن من معاني هذه المادة: السقوط، وقوله:
﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾ قدم المفعول
الثاني إعظاماً لذم اتباع الهوى وعناية لتعظيمه الهوى بحيث جعله إلهاً يعبد من دون
الله.
وفي الآيات الشريفة إشارة إلى أن اتباع هوى النفس عبادة لها وأنه سبب للضلالة عن
سبيل الله، وأنه لا ضلالة فوقه، وأنه يدعوا إلى عدم إجابة رسل الله وأن منع النفس
عن هواها سبب لدخول الجنة.
وهنا نصوص كثيرة موضحة لهذا المعنى. فقد ورد: أن الله أقسم بجلاله وجماله وبهائه
وعلاه أنه لا يؤثر عبد هوى الله تعالى على هواه إلا جعل غناه في نفسه وهمه في آخرته
وضمن رزقه[5].
وأنه لو آثر هواه على هوى الله شتت أمره، ولبس عليه دنياه وشغل قلبه بها[6].
وأن اتباع الهوى من أخوف ما كان يخاف منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والولي
عليه السلام على الأمة[7].
وأنه: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره[8].
وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرجوا النجاة لصاحب الهوى[9].
وأن أشجع الناس من غلب هواه[10].
وأن الهوى أقوى سلطان على الإنسان، وهو الذي يصده عن الحق[11].
وأن من أطاع هواه أعطى عدوه مناه[12].
وأن راكب الشهوات لا تستقال عثراته[13].
وأن من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته[14].
وأنه استرحم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرجل نزع عن شهوته وقمع هوى نفسه[15].
وأن الصادق عليه السلام قال: «إحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فإنه ليس شيء أعدى
للرجال من اتباع أهوائهم»[16]. وأنه قال: «لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها
وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهواه دواها[17].
تبصرة:
ينبغي أن يعلم أنه ليس كلما تهواه النفس وتشتهيه منهياً عنه من قبل الله تعالى
ومبغوضاً عنده، كما أنه ليس كلما لا تهواه وتبغضه محبوباً عنده، بل الحق أن ما
تهواه النفس على قسمين: محرّم ومبغوض، ومكروه مذموم. والأول ما تهواه وتشتهيه من
المحرمات التي حرمها الله وأبغضها. والثاني ما تهواه وتشتهيه مما كرهه الله ولم
يحرمه وكان ارتكاب الإنسان له لمجرد الشهوة النفسانية غير قاصد به نفعاً، حتى
تأثيره في إغناء النفس عن الحرام وعما لا يليق بحالها ولا ينبغي لها، فما يرتكبه
الإنسان من الملاذ التي تهواه النفس ولم يحرمه الشرع كالانتفاع بالأغذية والألبسة
المحللة والمساكن المجللة والنساء والبنين والأموال ونحوها ليس مشمولاً للنواهي
المذكورة، كيف والشرع الأنور قد حث على الزواج، بل على اختيار المرأة الحسناء
والأكل من الطيبات، وكثيراً ما يتلذذ بعض العلماء بعلمهم أكثر مما يتلذد الفساق
بفسقهم ويستلذ العباد بمناجاتهم أكثر من أهل اللهو بمعاصيهم، كما أنه ليس كل ما لا
تشتهيه النفس مرغوباً إليه في الشرع، وإلا لاستلزم وجوب تناول كل مالا تشتهيه من
الأطعمة والأشربة والزواج بمن لا يميل إليها الطبع من النساء ولا أقل من إستحبابه
مع أنه ليس كذلك. فما ورد من النواهي عن اتباع الهوى والتعابير الحاكية عن كراهته
ومبغوضيته خطابات إرشادية تهدي إلى وجود مضار ومفاسد في اتباع الهوى وارتكاب ما
تعلقت به النواهي التحريمية والتنزيهية وترتب عقوباتها الدنيوية والأخروية.
آية الله الشيخ علي المشكيني
[1] الجاثية: 23، الفرقان: 43.
[2] ص: 26.
[3] القصص: 50.
[4] النازعات: 40.
[5] بحار الأنوار: ج70، ص75.
[6] بحار الأنوار: ج70، ص85.
[7] بحار الأنوار: ج70، ص75 و 77.
[8] ثواب الأعمال: ص211 ـ الخصال: ص3 ـ الأمالي: ص51 ـ وسائل الشيعة: ج11، ص164 ـ
بحار الأنوار: ج14، ص327، وج70، ص74 و ج77، ص153 ـ مستدرك الوسائل: ج11، ص341.
[9] بحار الأنوار: ج70، ص76.
[10] بحار الأنوار: ج70، ص76 ـ مستدرك الوسائل: ج12، ص111.
[11] بحار الأنوار: ج 70، 76.
[12] نزهة الناظر: ص134 ـ أعلام الدين: ص309 ـ بحار الأنوار: ج78، ص364 ـ مستدرك
الوسائل: 12، ص112.
[13] بحار الأنوار: ج 70، ص78.
[14] غرر الحكم ودرر الكلم: ج5، ص365 ـ بحار الأنوار: ج70، ص78.
[15] بحار الأنوار: ج 70، ص78 ـ نهج البلاغة: الخطبة 176.
[16] الكافي: ج2، ص335 ـ الوافي: ج5، ص901 ـ وسائل الشيعة: ج11، ص346 ـ بحار
الأنوار: ج70، ص82.
[17] الكافي: ج2، ص336 ـ بحار الأنوار: ج 70، ص89.