الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
الإسراف في القرآن
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف:31)

تعريف الإسراف:
الإسراف: الخروج عن حد الحق إلى الفساد[2] وهو مجاوزة الحد في العصيان[3].

وقال الراغب:
السَّرَفُ: تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر[4].

وقال الطوسي: وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح، وربما كان ذلك في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط يقال منه: أسرف يسرف إسرافاً، وإذا كان في التقصير يقال: سرف يسرف سرفاً، يقال: مررت بكم فسرفتكم، يريد: فسهوت عنكم، وأخطأتكم، كما قال الشاعر:
أعطوا هُنَيدَةَ يحدوها ثمانية ما في عطائهم مَنٌّ ولا سَرَفُ

يعني لا خطأ فيه، يريد أنهم يصيبون مواضع العطاء فلا يخطئونها[5]

قال المصطفوي حول الإسراف: والتحقيق‏ أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو عمل يتجاوز عن الحدّ الملحوظ فيه عقلا أو عرفا، كما في الأكل الزائد عن الحدّ، والإنفاق الخارج عن المعروف، والبناء زائدا عن شؤونه ومقامه، وجمع أثاث البيت متجاوزا عن الحدّ العرفيّ، والتوسعة في المعاش على خلاف العقل، وأعمال خارجة عن الحدّ والمعروف في المعيشة مطلقا.

وقلنا في البذر: إنّه عبارة عن التفريق بلا نظم.

وأمّا مفاهيم الجهل والخطأ والغفلة: فهي من أسباب الإسراف وعلله الموجبة لظهوره، فكأنّ الإسراف تجليها وظهورها.

- إلى أن قال -
قلنا إنّ الإسراف منشأه الجهل والغفلة ومورده الحياة الدنيا والمعيشة الدنيويّة المادّيّة، فالمسرف من توغّل في حبّ الدنيا، واشتدّ تعلّقه وتوجّهه إليها، وغفل عن الحقّ والآخرة، فهو محجوب بالدنيا عن الآخرة، ومشغول بالمادّة عن عالم النور، وقريب من الطبيعة وبعيد عن اللّه تعالى، فهو خارج عن صراط الهداية إلى طريق الضلالة، وعن محيط المحبّة والرحمة إلى منزل البغض والغواية.

فالإسراف مرتبة نازلة ظلمانيّة، ومنزل من علا في الأرض وطغى في الحياة الدنيا- وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ..... يُصرّح بالنهي عن الإسراف في موارد الأكل، والشرب، وإعطاء حقّ الصدقة من الثمر والزرع، وفي القتل، وفي الإنفاق، وفي مال اليتامى.[6]

الفرق بين التبذير والإسراف:
بعض اللغويين فسر التبذير بالإسراف في الإنفاق، وبعضهم فرق بينهما فالإسراف قد تقدم معناه أما التبذير فقال الراغب الأصفهاني:
التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلّ مضيّع لماله، فتبذير البذر: تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ‏ [الإسراء/ 27]، وقال تعالى: ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِير[الإسراء/ 26].[7] وعلى هذا فالتبذير يكون أعم وأشمل من التضييع في الإنفاق.

الحالة الوسطية حتى في الاقتصاد:
ففي الآية المتقدمة التي ابتدأنا حديثنا بها ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف:31) قال في مجمع البيان حول الأكل والشرب: (صورته صورة الأمر والمراد الإباحة وهو عام في جميع المباحات «وَلا تُسْرِفُوا» أي لا تجاوزوا الحلال إلى الحرام قال مجاهد لو أنفقت مثل أحد في طاعة الله لم تكن مسرفا ولو أنفقت درهما أو مدا في معصية الله لكان إسرافا وقيل معناه لا تخرجوا عن حد الاستواء في زيادة المقدار.

وقد حكي أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال ذات يوم لعلي بن الحسين بن واقد ليس في كتابكم من علم الطب شي‏ء والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال له علي قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه وهو قوله ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُو وجمع نبينا (ص) الطب في‏ قوله: (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته‏، فقال الطبيب ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً)[8] وفي الحالة الوسطية مدح القرآن الكريم من يلتزم بها من المؤمنين حيث وصفهم بقوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَام (الفرقان:67)

من أسباب السرف:
تتعدد أسباب الإسراف ولكن من أهمها أمور:
1- الجهل .
2- الخطأ .
3- الغفلة .
4- التكاثر والتباهي أمام الآخرين .

الإسراف في القرآن:
قال تعالى: ﴿وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأنعام: من الآية141) أي لا تجاوزوا الحد وهذا يقال تارة اعتبارا بالقدر، وتارة بالكيفيّة، ولهذا قال سفيان: (ما أنفقت في غير طاعة اللّه فهو سَرَفٌ، وإن كان قليلا)[9]
وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ غافر/ 43. أي المتعدون طور العبودية هم أصحاب النار.
وقال تعالى: ﴿وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الشعراء / 151. أي شرفاء القوم وعظماؤهم وهم منحرفون.
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ يونس/ 83.

قال في التبيان: اخبر تعالى أن فرعون كان عالياً من المسرفين أي متجبراً متكبراً من المسرفين في الأرض الذين يتجاوزون حد ما يجوز فعله إلى ما لا يجوز فعله استكباراً وعلواً وعتوّاً، يقال: أسرف يسرف إسرافاً فهو مسرف، ومثله الإفراط، وضده الإقتار، وإنما وصف المسرف بأنه عال، وإن كان وصف عال قد يكون صفة مدح، لأنه قيده بأنه عال في الإسراف، لان العالي في الإحسان ممدوح والعالي في الإسراف مذموم، وإطلاق صفة عال تعظيم، وإذا أطلق فالمدح به أولى.[10]

وقال الطبرسي: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ أي مستكبر باغ طاغ في أرض مصر ونواحيها ﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ أي من المجاوزين الحد في العصيان لأنه ادعى الربوبية وأسرف في القتل والظلم والإسراف التجاوز عن الحد في كل شي‏ء[11]
وفي آية أخرى حول فرعون قال تعالى: ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (الدخان:31)
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ غافر/ 28.
وقال تعالى: ﴿كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ غافر/ 34. أي كافر شاك.
وقال تعالى: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ يس / 19. أي متجاوزون الحد الموضوع لكم.
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (المائدة: من الآية32) يعني بني إسرائيل.
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (الانبياء:9)
وقال تعالى: ﴿كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يونس / 12.

وقد نهى القرآن الكريم عن الإسراف في موارد عديدة منها:
قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُو 7/ 31.
وقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُو 6/ 141.
وقوله تعالى: ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُور 17/ 33.
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُو 25/ 67. مدح حالة الوسطية بين الإسراف والتقتير وبين التبذير والبخل.
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوها إِسْراف النساء / 6.
وقوله تعالى: ﴿وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ
أي وكما ذكرنا نجزي من أشرك وجاوز الحد في العصيان ولم يؤمن بآيات ربه أي لم يصدق بحجج ربه وكتبه ورسله ﴿وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ من عذاب الدنيا وعذاب القبر ﴿وَأَبْقى‏ أي أدوم لأنه لا يزول وعذاب الدنيا وعذاب القبر يزول‏[12]

مجموع الآيات التي تعرض القرآن الكريم فيها للسرف ومشتقاته ينبئ عن وخامة الإسراف وخطره على مختلف الأصعدة:
1- الاقتصادية .
2- والعقائدية
3- والأخلاقية .
4- والسياسية .
5- والفقهية .

بل إن الإسراف يشكل جريمة على العالم كله ويدفع ثمنها الضعفاء والفقراء ومتوسطي الحال طيلة حياتهم ويرثها أجيالهم المستقبلية.

الأوضاع العالمية الغابرة:
في الحربين العالميتين الأولى والثانية عاش العالم وضعاً متردياً إلى أبعد حد فبما أن الحروب تقضي على البشر والحجر فمن الطبيعي أن يمر العالم بوضع اقتصادي متأزم وهذا ما حدث حتى اضطر الناس أن يأكلوا ما يحل أكله وما لا يستساغ.
ومنطقتنا العربية والإسلامية كان لها السهم الوافر في تردي الأوضاع الاقتصادية بالإضافة إلى الاستعمار الذي جثم على صدرها عشرات السنين.

الوعي الاقتصادي:
يجب أن يكون الإنسان واعيا في حياته كلها ومنها الوضع الاقتصادي فيجب أن يتنبه ويسلك جانب الاقتصاد في حياته ويجانب الإسراف والتبذير اللذين يوديان بحياته وبعد ذلك يصبح فقيراً.

إن السلوك المعيشي في الصرف لمنطقتنا وعاداتنا لا تبشر بخير في هذه الأوضاع بل في أي وقت كان.

إن الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب والملبس والمسكن ووسائل المواصلات والراحة مما يثقل كاهل رب الأسرة ويبقى طيلة حياته في حالة الفقر والإعواز.

لذلك حرص القرآن الكريم في أكثر من موطن أن يصف المسرف بقربه من الكفر حيث ابتعد عن الآخرة وانغمس في الدنيا. وأن المبذرين كانوا إخوان الشياطين فلا فرق بينهم.

الشيخ حسين الراضي - بتصرف


[1] الكافي ج: 3 ص: 422 في الصحيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
[2] التبيان في تفسير القرآن ج 4 ص 458 و مجمع البيان ج 4 ص 298 وفي طبع آخر ج 4 ص 684 .
[3] مجمع البيان ج 9 ص 67.
[4] المفردات في غريب القرآن، ص: 408
[5] التبيان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 118
[6] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج‏5، ص: 111
[7] المفردات في غريب القرآن، ص: 114
[8] مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏4، ص: 638
[9] انظر: البصائر 3/ 216.
[10] التبيان في تفسير القرآن، ج‏9، ص: 234
[11] مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 192
[12] مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏7، ص: 57

31-03-2016 | 15-34 د | 1429 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net