الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
عروة وثقى
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

قال الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.[1]

مقدمة:
من الأمور التي ألصقها بعض المستشرقين ذوي النزعة الصليبية والإعلام الحاقد في هذا الزمن بالإسلام؛ زعمهم أن الإسلام انتشر بالسيف، ويجعلون دليلهم على ذلك مفهومهم الخاطىء للجهاد ويحاولون إثبات ذلك من بعض الأحداث التي حصلت في الحروب الإسلامية، أضف أنه في هذا الزمن ثمة من المسلمين من يقدم مفهوماً خاطئاً لفريضة الجهاد المقدسة، ويقدم معها ممارسات تؤكد للغرب مقولته وتعينه على ترويجها وتعطيه مادة من الواقع المعاش ما يثبت به هذه المقولة التي تعني أن الإسلام توسل سابقاً عند بدء انتشاره وفي هذا الزمن يتوسل العنف والقوة بأبشع مظاهرها لينتشر ويهيمن.

على أن هؤلاء يكفيهم رداً على مقولتهم مراجعة التاريخ الصحيح للإسلام رغم الشوائب التي حصلت من البعض، فالمسلمون إذا افتتحوا بلداً تركوا أتباع الأديان الأخرى أحراراً كالمسلمين، أما الجزية فكانت ثمناً صغيراً للحفاظ على أمنهم وما يتطلبه الأمن من نفقات، أضف إلى أنه قد جاء في بعض كتب التاريخ أن جمعاً من المسيحيين الذين كانوا قد زاروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) للتحقيق والاستفسار أقاموا قداساً في مسجد النبي في المدينة[2].

ويمكن لنا أن نستخرج جملة من الإستفادات من هذه الآية منها لا على سبيل الحصر:

1- الدين ليس إجبارياً:

إن هذه الآية تلت آية الكرسي، تلك الآية التي تتضمن مجموعة من صفات الله الجلالية منها والجمالية تشكل أساس الدين وكذلك أساس التوحيد، وهي قابلة للإستدلال، فكون الآية تنفي الإكراه في الدين تعني نفي كون الدين إجبارياً، لأن معارف الدين وعلومه أمور اعتقادية وإيمانية محلها القلب، والإكراه إنما يؤثر في الأعمال الظاهرية والحركات البدنية، أما الإعتقادات القلبية فلها مؤثرات أخرى لا تصل حد الجبر والإكراه؛ وقد جاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي في سبب نزول هذه الآية أنه: كان لرجل من المدينة اسمه "أبو الحصين" ولدان دعاهما إلى اعتناق المسيحية بعض التجار الذين كانوا يفدون على المدينة فتأثر هذان (أي الولدان) بما سمعا واعتنقا المسيحية، ورحلا مع أولئك التجار إلى الشام عند عودتهم. فأزعج ذلك "أبو الحصين" وأقبل يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما حدث، وطلب منه أن يعمل على إعادة ولديه إلى الإسلام، وسأله إن كان يجوز إجبارهما على الرجوع إلى الإسلام فنزلت الآية المذكورة. وفي تفسير المنار أن "أبو الحصين" كان يريد إكراه ولديه على الرجوع إلى أحضان الإسلام، فجاءا مع أبيهما لعرض الأمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال أبو الحصين: كيف أجيز لنفسي أن أنظر إلى ولدي يدخلان النار دون أن أفعل شيئاً، فنزلت الآية[3].
 
2- إن قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، رد حاسم على كل من اتهم أو يتهم الإسلام بأنه استعمل القوة لينتشر ويهيمن؛ فالآية موضوع الكلام إما أنها في مقام الإخبار عن أمر تكويني وهو أنه لا يمكن لأحد مهما بلغت قوته أن يفرض على القلوب اعتقاداً ما وايماناً ما بقوة بدنية أو عسكرية. أو أن الآية في مقام إنشاء حكم تشريعي بمعنى أنها تحرم على المسلمين أن يتوسلوا القوة لإجبار الناس على اعتناق الإسلام وهذا ما يؤيده أمران الأول ما عقبه تعالى بقوله: (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، فهذا نهي عن حمل الناس على الإيمان كرهاً وجبراً فالدين عندما ظهرت حقائقه واتضحت طريقه وذلك بالبيانات الإلهية والنبوية فقد تبين كون الدين رشداً أي كونه مصيباً لوجه الأمر ومحجة الطريق الموصل إلى الحق والواقع، في ما يقابله الغي الذي هو العدول عن الطريق مع نسيان الغاية.

والأمر الثاني هو مناسبة نزول الآية، إذ لو كان للإسلام أن يجيز لأحد أن يكره أحداً على الدين والإيمان لكان الأولى أن يجيز للأب ذلك، ولما لم يعطِ الإسلام الأب هذا الحق فلا حق لغيره مهما علا شأنه أن يكره الناس على الإيمان حتى ولو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله): ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ.[4]

فالدين القائم على أساس مجموعة من العقائد القلبية لا يمكن أن يفرض بالإكراه، فالقوة والسيف والقدرة العسكرية والجيوش الجرارة إنما تؤثر في الأجسام والبنيان لا في الأفكار والمعتقدات؛ وإن كانت تزلزل بعض ذوي النفوس الضعيفة.
 
3- الإسلام واثق من حقانيته:

فإن قول الآية لا إكراه في الدين، تتضمن أمرين الأول دعوة المسلمين إلى الثقة بدينهم وحقانية عقيدته وشريعته واستكشاف تلك الحقانية بالتدبر والتأمل في القرآن الكريم وما يقدمه وفي الكون والوجود. وأن لا يصابوا باليأس أو الشك إذا لم يتأثر الآخرون بما يقدمه الدعاة إلى الإسلام من أدلة وبراهين.

والأمر الآخر في المجال التربوي على المسلمين أن يبتعدوا عن التوسل بالقوة والعنف كما نهى الله تعالى ذلك الرجل وليبحثوا عن وسائل أخرى تستطيع النفاذ إلى القلوب.
 
4- من البيان السابق يتضح أنه لا يمكن قبول دعوى أن حكم هذه الآية منسوخ بالجهاد فإن قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ورد معللاً بقوله قد تبين الرشد من الغي فلو أراد الله تعالى أن ينسخ الحكم لكان نسخ علة الحكم، فإن الحكم باقٍ ببقاء سببه ومعلوم أن تبني الرشد من الغي في أمر الإسلام أمر غير قابل للإرتفاع بمثل آية السيف... وبعبارة أخرى، الآية تعلل قوله تعالى: لا إكراه في الدين بظهور الحق، وهو معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله فهو ثابت على كل حال فهو غير منسوخ[5].
 
5- إن الآية تقول أنه نتيجة لما سبق: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها...

فإن الطاغوت يؤول معناه إلى كل ما يحصل به الطغيان من معبودات وأئمة ضلال وكل متبوع لا يرضى الله باتباعه، وقد قدم الكفر به ذلك لأن الإستمساك بشيء إنما يكون بترك كل شيء والأخذ بعروة الشيء الذي يفترض الأخذ به والتمسك به، فقدم الله تعالى الكفر بالطاغوت لأنه ترك، على الإيمان الذي هو أخذ ليوافق ذلك، فالإستمساك هو الأخذ والإمساك بشدة وعروة الشيء ما يؤخذ به من الشيء، قال في الميزان: قوله: فقد استمسك بالعروة الوثقى، موضوع على الإستعارة للدلالة على أن الإيمان بالنسبة إلى السعادة بمنزلة عروة الإناء بالنسبة إلى الإناء وما فيه فكما لا يكون الأخذ أخذاً مطمئناً حتى يقبض على العروة كذلك السعادة الحقيقية لا يستقر أمرها ولا يرجى نيلها إلا أن يؤمن الإنسان بالله ويكفر بالطاغوت[6].
 
خاتمة:

إن الله تعالى قال عن الذين يتخذون من أولياء من دونه أن مثلهم كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن ما بنوه بيتاً هو واهن كبيت العنكبوت، في ما قال الله تعالى: إن من كان دينه عن اقتناع ودون جبر أو إكراه بل كان بتصديق القلب وبعد تخلية هذا القلب من مؤثرات الطواغيت ليتحرر ويصبح طليق اليدين ليتمسك القلب بعروة لا يمكن لأحد أن يفصمها وعندها تنقشع الظلمات وتنفتح للنور مساربه إلى القلوب مشرقة من يد العناية الإلهية التي تتولى تربية وتزكية تلك القلوب وتلك النفوس. كما عقب تعالى بقوله: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.[7]


[1]  سورة البقرة/256.
[2]  تفسير الأمثل، ج2، ص262.
[3]  تفسير الأمثل، ص258 و259 نقلاً عن مجمع البيان للطبرسي، تفسير المنار.
[4]  سورة يونس/99
[5]  تفسير الميزان للطبطبائي، ج2، ص344.
[6]  تفسير الميزان للطبطبائي، ج2، ص244 و245.
[7]  سورة البقرة/257

28-01-2016 | 16-36 د | 1421 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net