المحاضرة الأولى: أسرار اصطحاب النساء والأطفال

الهدف:
بيان علّة اصطحاب الإمام الحسين للنساء والأطفال وصولاً إلى عدم استعظام التضحيات في سبيل الحقّ.
 
تصدير الموضوع:
قال الإمام الحسين عليه السلام: "... إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا..."1.


69


مقدّمة: السبي كالقتل محتومان
إنّ جواب الإمام الحسين عليه السلام لمن سأله عن أسباب اصطحابه للأطفال والنساء إلى كربلاء خصوصاً بعدما قدم أنّه سوف يستشهد قائلاً: "شاء الله أن يراني قتيلاً"2.

بجواب على نفس النسق ناسباً الأمر إلى المشيئة الإلهيّة بالقول: "شاء الله أن يراهنّ سبايا".

تعني أنّه عليه السلام إنّما أقدم على ذلك وهو يعلم المصير علماً يقينياً، وهذا العلم من الغيب الذي أطلع الله عليه الإمام الحسين بطرق ليس منها فقط إخبارات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن أدلّ ما يستفاد من ذلك البيان الحسينيّ أنّ مسألة السبي كمسألة شهادته الموعودة قبل ولادته الميمونة أمر محتوم في علم الله ومشيئته وقضائه. وهذه العبارة فيما تعنيه أنّه عليه السلام وأهل بيته مسلّمون لأمر الله منقادون لمشيئته عرفوا العلّة أم لم يعرفوها. إذ يكفي للثقة بحسنها وجمالها والحكمة فيها أن تكون محلّ مشيئة الله وإرادته. وهذا من أرقى ألوان التعبّد لله تعالى لأنّه لون من ألوان إفناء إرادة العبد في إرادة الله النابع من الثقة اللامتناهيّة به تعالى ومن علوّ حسن الظنّ بربوبيّته وتدبيره.


70


محاور الموضوع:
ولكن يمكن لنا أن نورد بعض ما نحتمل أنّه من الأسرار وهي:
1- من أسرار اصطحاب النساء والأطفال:
أ- سرّ من الأسرار:

إنّ إسناد قرار أخذ النساء والأطفال إلى ساحة المعركة بتعليلها بالنتيجة وهي السبي يعني فيما يعني أنّها تدبير إلهيّ ليس فقط للحسين عليه السلام ولأهل بيته بل للدّين وللأمّة الإسلاميّة، وقد يكون ذلك أيضاً لأنّه لا حاجة لبيان هذه الأسرار لأنّها سوف تظهر جليّة, أو لأنّ بركات هذا الأمر أكبر من يتّسع لها المقام وأكثر من تحصى أو أعظم أن يحويها بيان ووصف.

ب- لحفظ الأطفال والنساء:

وذلك أنّ بني أميّة وجلاوزتهم لم يكونوا ليراعوا حرمة لأحد حتّى لو كان هذا الأحد هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبالتالي فإنّ بقاء العيال والأطفال لا يقلّ خطراً عليهم من أخذهم إلى كربلاء, بل إنّ بقاءهم قد يحولّهم إلى رهائن يضغط هؤلاء من خلالهم على الحسين عليه السلام وصحبه, وبالتالي فوجودهم في المدينة أو غيرها لا يجعلهم في مأمن من بطش بني أميّة وجلاوزتهم الذي لا دين ولا خلف لهم يمنعهم من اقتراف أبشع ما يمكن ارتكابه


71


واقترافه، لذا فإنّ من مقتضيات الحفاظ على الأطفال والنساء أن يتحمّل الحسين عليه السلام هذه المسؤوليّة طالما بقي حيّاً فإن استشهد كان لله ما بعد الشهادة المشيئة فلا يكون عليه السلام قد قصّر عن القيام بوظيفته, ولم يترك ما من شأنه رعايته وحفظه ليستفرد بهم الظلمة والمجرمون وحتّى لا يكونوا وسيلة ضغط وابتزاز بيد عدوّهم.

ونحن نرى من هم على نهج الأمويّين في هذا العصر كيف يفعلون بالأطفال والنساء والعجّز في العراق وسوريا.

ج- دليل على الجدّيّة والصدقيّة في الثورة:

لا شكّ إنّ أخذ الإمام الحسين عليه السلام لعياله وأطفاله له جهة شبه في ظروف آية المباهلة حيث أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يباهل نصارى نجران بنفسه وخاصّة أهل بيته معرّضاً لهم اللعن والإبادة فيما لو لم يكن صادقاً فيما ادّعاه فتعريض خاصّة الأهل للأخطار في قضيّة لها بعدها التوحيديّ كالمباهلة دلّ عند كبير نصارى نجران على صدق دعوى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. فكذلك أخذ الحسين عليه السلام نساءه وأطفاله إلى ساحات القتال وتعريضهم لأهوالها ومخاطرها وما يعقبها دليل من جهة على صدقه وجدّيّته وحزمه في الثورة والنهضة، ومن جهة أخرى هو إشارة إلى مستوى الخطر الذي يشكّله الحكم اليزيديّ بحيث يقدم


72


شخص غيور عطوف كالحسين عليه السلام باصطحاب نسائه وأطفاله إلى ساحات النزال، ومن جهة ثالثة ليضرب الحسين عليه السلام وأهل بيته النموذج الأرقى في التضحية والفداء لهذا الدّين وتلك المبادئ، بحيث لا يستعظم أبناء الأمّة فيما بعد وعلى طول التاريخ أيّ تضحية يقدّمونها في طريق إحقاق الحقّ ورفع الظلم.

د- الاصطحاب تدبير إلهيّ:

ومعنى ذلك أنّ ثمّة أموراً يمكن إيرادها لكونها نتائج لوجود الأطفال والنساء وسبيهم قد لا يصح كونها هدفاً للحسين عليه السلام وإنّما يجوز أن تكون متعلّقاً للمشيئة الإلهيّة ومن الحسين عليه السلام والآل يكون التسليم والرضا ومنها:
1- تكريس ريادة بيت النبوّة:
فحضور العيال تدبير قد يكون الله أراده لتبقى الأضواء متسلّطة على بيت النبوّة بل قل لإبقائهم قبلة أنظار وأفئدة النّاس ومنع طمس هذا البيت وإطفاء نوره على عكس ما أراده يزيد ومن قبله ومن بعده، وذلك من إظهار مستوى تفاني أهل البيت النبويّ في دين الله حيث لا يستعظمون تضحية حتّى لو مست أغلى بل أشرف ما يعتبره النّاس شريفاً وغالياً بل حتّى مقدّساً، فهذا التدبير كان ليفشل مسعى الطاغية بهدم بنيان هذا البيت ومحو معالمه وإخماد أنواره ولذا جاء الجواب الزينبيّ: "لا تمحو


73


ذكرنا ولا تميت وحينا"3. ومن جهة لتبقى أفئدة النّاس تهوى إليهم بل لتعزيز مكانتهم وإثبات ريادتهم وإمامة الأئمّة منهم.

2- إعطاء الحدث العاشورائيّ شحنة عاطفيّة:

إنّ للشهادة الحسينيّة جاذبيّة عظمى لعلّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عناها بقوله: "إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً"4. ومن مكامن قوّة جاذبيّتها ذاك البعد العاطفيّ والشعوريّ ولا شكّ أنّ وجود الأطفال والنساء هو أحد أركان تلك الشحنة العاطفيّة.

3- الإنذار الإلهيّ:

لا شكّ أنّ وجود النساء والأطفال مع ما سيتعرّضون له من الطاغية وأعوانه سواء في الطفّ أو في رحلة السبي له جهة الكشف عن مستوى بشاعة ووحشيّة هؤلاء. إلّا أنّ ثمّة أمراً قلّ ما يلحظ عند قراءة الحدث العاشورائيّ وهو أنّ فيه بياناً لسنّة إلهيّة اجتماعيّة وسياسيّة وهي أنّ التقاعس عن النهوض في وجه الظالم وخذلان الحقّ وأهله لا يجعل المتقاعسين والمتخاذلين والقاعدين في منأى من بطش وظلم الطغاة، بل إنّ ذلك سيغري الظالم بالإغراق أكثر في وحشيّته والاسراف أكثر في ظلمه وتجبّره، بل حتماً ستأخذه نشوة الانتصار بأن يرخى لوحشيّته


74


العنان مفترساً النّاس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ولن يجد عائقاً دون بلوغه المدى الأقصى في ذلك.

خاتمة: الحسين عليه السلام الأسوة:

إنّ حمل الإمام الحسين عليه السلام أطفاله وعياله إلى كربلاء درس لنا لنتأسّى به ونسير على خطاه ونقتفي أثره، فإن كان الخوف على البيوت والأموال يثقل خطانا إلى ساحات الجهاد فإنّ الحسين عليه السلام ترك كلّ ذلك وذهب إلى مصرعه، وإن كان لنا نساء وأخوات وأطفال نخشى أن يتعرّضوا للأخطار إذا ما قمنا بمواجهة الظالمين، فإنّ الحسين عليه السلام اصطحب خير النساء وخير الشبّان وخير الآل ليواجهوا معه وحوشاً مغرقة بوحشيّتها إلى درجة أن سماها الحسين عليه السلام: عسلان الفلوات.

فلنتخذ الحسين عليه السلام قدوة ولنجعل كلّ ما يصيبنا كما جعل الحسين عليه السلام ذلك كلّه في عين الله... ليهون علينا كما هان عليه ما نزل به.


75


هوامش
1- بحار الأنوار، ج 44، ص 364.
2- مقتل الحسين عليه السلام, للسيّد عبد الرزاق المقرّم: 65,
3- بحار الأنوار، ج 45، ص 135.
4- مستدرك الوسائل, ج 10، ص 318.