المحاضرة الأولى: أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر

الهدف:
بيان أهميّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والحثّ عليهما, وآثارهما في الدنيا والآخرة.

تصدير الموضوع:

قال الإمام الحسين عليه السلام: "وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"1.


43


مقدّمة:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجال وجلال وجمال.
من الواجبات التي كثيراً ما يهملها النّاس وينسون وجوبها عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولذا سمّاها البعض بالفريضة المنسيّة، مع أنّ وجودها كما يعبّر عنه في الرسائل العمليّة من ضرورات الدّين وقد جاء الأمر الإلهيّ بها في قوله تعالى:
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ2.

بل إنّ الله تعالى قال:
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ3.

فالآية تلفت إلى أنّ كون الأمّة الإسلاميّة خير الأمم موقوف على جملة أمور منها تعهّدها الدائم لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إذ أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حركة تطهير دائمة وتطوير دائمة، تعمل على حماية الأمّة ودينها وقيمها ومبادئها وعقائدها وشريعتها وتصون مقدّساتها وحرماتها، وتحفظ مقدّراتها وثرواتها وتبني عزّتها ومنعتها، إذ أنّ المعروف هو كلّ أمر ندب إليه الشرع وأمر به ورغّب به وكذلك كلّ أمر حسن بحسب


44


العقل والشرع، والمنكر هو كلّ أمر تنكره النفوس وينهى عنه الشرع والعقل وتأباه النفوس السويّة.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له جهتان: الأولى: لها علاقة ببناء وصيانة مناعة الأمّة وأبنائها بوجه الأمراض والآفات النفسيّة والخلقيّة والعقائديّة والسلوكيّة وغيرها فهو مقوٍّ لجهاز المناعة للأمّة وأبنائها.

وكذلك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علاقة بصورة المسلمين ومجتمعهم من حيث الجمال والبهاء والهيبة، فكما يبني المناعة ويرحمها كذلك يجمّل مظهر الأمّة بما يجعلها مهابة عزيزة. تجتذب بصورتها البهيّة الآمرين إليها.

ولعلّه لذلك كانت خيرتها للنّاس عامّة وليس لها فقط إذ قال تعالى:
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ4.

محاور الموضوع
آثار وبركات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من هذه الآثار:
1- سلامة الدنيا والآخرة:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من كانت فيه ثلاث سلمت له الدنيا والآخرة، يأمر بالمعروف ويأتمر به


45


وينهى عن المنكر وينتهي عنه ويحافظ على حدود الله عزَّ وجلَّ"5.

2- قوام الشريعة:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"6.

وذلك لأنّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدعو إلى الصلاة، والعبادات جميعاً، وإلى الجهاد، وصلة الأرحام وبرّ الوالدين، ووحدة الصفّ وإصلاح ذات البين وغير ذلك, فإنّك لا تجد فريضة إلّا وهي محتاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولذا فقد جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء, ومنهاج الصلحاء, فريضة عظيمة بها تقام الفرائض, وتأمن المذاهب, وتردّ المظالم, وتعمر الأرض, وينتصف من الظالم, ويستقيم الأمر"7.

3- الأجر العظيم:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحرٍ لجّي"8.


46


4- الجنّة: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ للجنّة باباً يقال له: باب المعروف فلا يدخله إلّا أهل المعروف, وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة"9.

آثار ترك الأمر والنهي:

1- تسلّط الأشرار: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم"10.

2- بغض الله:
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له, فقيل له: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر"11.

3- العذاب الإلهيّ:
عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليعمّكم عذاب الله"12.

4- نزع البركات:
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ والتقوى فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات, وسلّط بعضهم على


47


بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"13.

وهناك آثار أخرى لها علاقة بانقلاب النعيم وفقد الأمن واختلال نظام المعيشة وانتشار الفساد وشيوع الرذيلة وغيرها.

بماذا نأمر وعمّا ننهى في هذا الزمن:

علينا أن نلتفت إلى كلّ واجب تركه النّاس فنأمرهم به, وكلّ منكر أتاه النّاس فننهاهم عنه, لكن علينا أن نقدّر الأولويّات في ذلك وأن نعتمد الأساليب المفيدة والمؤثّرة، فمن الأولويّات التي لا تتغيّر مهما تغيّر الزمن مسألة حثّ تاركي الصلاة على الصلاة, وتاركي ارتياد المساجد على ارتيادها، ومن المسائل الحسّاسة في هذا الزمن وفي كلّ زمن مسألة العفّة والحجاب خصوصاً مع ما نرى من لباس عند بعض من يدّعين أنّهن محجّبات لكن في الواقع هذا الذي نراه هو سفور في هيئة حجاب, خصوصاً ما نراه من ملازمة ذلك للزينة من جهة وللتهتّك من جهة أخرى، ومن الأمور الحسّاسة والتي لها الأولويّة في هذا الزمن مسألة التعاطي بالربا، ومسألة عقوق الوالدين، وقطع الرحم وغيرها, لكن علينا أن نلتفت إلى أن نعتمد في ذلك الأساليب المشروعة والمؤثّرة ونعتمد التدريج, فلا يجوز لنا أن نقسو بالكلام ونوبّخ من نحتمل أن يتأثّر باللين والموعظة الحسنة. وعلينا أن نتعاطى في الأمر والنهي


48


بروحيّة الطبيب المحبّ الرحوم الذي لا غرض له إلّا شفاء مريضه, ومن جهة أخرى علينا أن نحصّن أنفسنا بأن لا نرى أنفسنا درجة على غيرنا وننظر إلى المبتلين بالمعاصي نظرة احتقار, ولا نرى أنّنا في مناعة من الوقوع بالمعصية بل علينا أن ندعو الله أن يرأف بنا ولا يبتلينا بالمعاصي.

خاتمة: نفس المعصوم قربان لإقامة الفريضة:

عندما نسمع قول الإمام الحسين عليه السلام: "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"14.

علينا أن نتأمّل عبارته هذه لنستفيد مجموعة أمور:

أوّلاً: القيمة والأهميّة العظمى التي تحوزها فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى الدرجة التي يقدّم معها الإمام الحسين عليه السلام بالخروج ثائراً بنفسه وخاصّة أهله وأصحابه إلى ساحات الجهاد والشهادة وإلى معاناة الأسر والسبي لأجل القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثانياً: إنّ الأمر بالمعروف وسيلة إصلاح الفساد في الأمّة حتّى لو كان رؤوسه أمثال يزيد وابن زياد وابن سعد وغيرهم.


49


ثالثاً: إنّ شهادة الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره وأهل بيته معاناة أهل بيته للأسر والسبي ومكابدة آلامهما هي بنفسها أسلوب من أساليب الأمر والنهي التي لم يجد الإمام الحسين عليه السلام لها بدّاً لتغيير الواقع الفاسد وإنقاذ الأمّة من غفلتها وسباتها.

وأخيراً علينا أن نأخذ من ذلك درساً بليغاً وهو أن نسترخص كلّ تضحية وكلّ عناء وكلّ جهد نبذله في سبيل القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأسيّاً بتضحيات الإمام الحسين عليه السلام وصحبه وآل بيته عليهم السلام.


50


هوامش

1- لواعج الأشجان, السيّد محسن الأمين, ج 4, ص 330.
2- بحار الأنوار، ج 44، ص 329.
3- سورة آل عمران, الآية: 110.
4- سورة آل عمران, الآية: 110.
5- بحار الأنوار, ج 4, ص 422.
6- ميزان الحكمة, ج 3, ص 1940.
7- الكافي, ج 5, ص 422.
8- بحار الأنوار, ج 67, ص 89.
9- الكافي, ج 4, ص 30.
10- وسائل الشيعة, ج 16, ص 118.
11- الكافي, ج 5, ص 97.
12- جواهر الكلام, ج 21, ص 359.
13- وسائل الشيعة, ج 11, ص 398.
14- لواعج الأشجان, ج 44, ص 330.