المحاضرة الثالثة: تنمية الشعور بإمامة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف

الهدف:
الحثّ على قراءة زيارة آل يس وإعداد النفس عقائديّاً ونفسيّاً وعباديّاً لنصرته عجل الله تعالى فرجه الشريف.

تصدير الموضوع:

عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: "إذا أردتم التوجّه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ1.


241


مقدّمة: معنى الشعور بالائتمام
عن الإمام عليّ عليه السلام: "مكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز، يجمعه ويضمّه، فإن انقطع النظام تفرّق وذهب، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً"2.

إنّ معنى الشعور بالائتمام، أنّ الله خطَّ خطّاً لصيانة دينه ورعاية الأمّة وحفظهما ورقيِّهما. هو أنّه بعد الإيمان بالإمامة والمعرفة بالأئمّة عليهم السلام الذين هم حجج الله تعالى- على المؤمن أن يكوِّن في نفسه شعوراً بالائتمام، أي أنّ له إماماً يرجع إليه، وعنه يأخذ معالم دينه ويقدّم له الطاعة والولاء، فلا يتأخّر عن دعوته إذا دعاه ولو كان ذلك بخوض اللُجج، وسفك المُهج، فالشعور بالائتمام ضروريّ لضبط الإنسان في فكره وعقائده وسلوكه على الصعيد الفرديّ والجماعيّ، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "نحن قومٌ فرَضَ الله طاعتنا، وإنّكم لتأتمُّون بمن لا يُعذر النّاس بجهالته"3.


242


محاور الموضوع
الشعور بالائتمام بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف:

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ4.
فهذه الآية تتحدّث عن حتميّة تماثل ما تميل إليه الفطرة البشريّة، وهذه الحتميّة هي حتميّة انتصار الحقّ، وأن لا تُختتم المسيرة البشريّة إلّا بعد النّصر الشامل، حيث يسود العدل بعد أن يكشح أبطالُه عن الأرض الظلم وآثاره، ويزيلوا دُولَه، ويتبِّروا علوَّ بنيانه. ولهذه العمليّة جنودٌ وقائد، والقائد هو الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بحسب النصوص وجنوده هم المؤتمّون بإمامته.

وإن كان الشعور بالائتمام بالنسبة إلى شيعة كلّ عصر من عصور الأئمّة لازماً لأنّه ميزان الإيمان فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّما يَعرف الله عزَّ وجلَّ ويعبده، من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت"5 وبدونه فالمِيتة مِيتةٌ جاهليّة.

فإمامنا هو إمام زماننا عليه السلامالذي نُسأل عن إمامته وهو الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعليه فعلينا أن نشعر بإمامته، كما كان يعرف أهل


243


 كلّ عصر إمامهم بصفاته وشخصه ودوره، ولكن بما أنّ الشخص مُغيّبٌ تبقى المعرفة بالصفات والدور والمهمّة، ولا بدَّ من محضه المحبّة والولاء.

فالإمام المهديّ عليه السلامهو المُدَّخر من الله تعالى لعمليّة التغيير الكبرى الشاملة نحو إقامة دولة العدل الإلهيّ على الأرض.

تنمية الشعور بإمامة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف:

لا بدَّ للمؤمن أن يَسعى لاكتساب هذا الشعور بالائتمام، ولكن أيضاً عليه أن يَسعى لتربية وتنمية هذا الشعور، بمعنى الإحساس بوجوده وقيادته والتواصل الشعوريّ معه.

في أفراحه وأحزانه ومن أهمّها: التواصل اليوميّ معه عجل الله تعالى فرجه الشريف بما يتيسّر من وسائل في زمن الغيبة, وأهمّها الأدعية ومنها دعائي الندبة والعهد. والزيارات وفي مقدّمها زيارة آل يس:

زيارة آل يس وتنمية الشعور بالائتمام بالحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف:

أورد الشيخ عبّاس القمّي في مفاتيح الجنان نقلاً عن الاحتجاج للطبرسيّ، زيارة آل يس، وفي مقدّم ذلك نُقل عن الإمام
المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف قوله: "إذا أردتم التوجّه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ6"... ثمّ أورد الزيارة.


244


ومن خلال هذا النصّ يتبيّن أنّ هذه الزيارة تهدف إلى تلبية حاجتين, الأولى: التواصل مع الله، والثانية: التواصل مع وليّه، ولعلّها تبيّن أنّهما متلازمان وكأنَّ إحداهما مرتبطة بالأخرى، بل لعلّ كلاًّ منهما في طول الأخرى لا في عرضها.

وممّا تُلفت إليه هذه الجملة، أنّ من يريد التواصل مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته وإدامة الرابطة معه، والتواصل ولنيل الأماني، عليه أن يَلِجَ إلى أمانيه وحاجاته، بل واجباته هذه من خلال هذه الزيارة، التي يبدو أنّ لها آثاراً كبيرة في تعزيز الرابطة القلبيّة مع الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي كذلك وسيلة لرباط القلب بفنائه عجل الله تعالى فرجه الشريف. ويمكن لنا من متن الزيارة أن نستفيد تفاصيل ما يُنميِّ ويُربيِّ هذا الشعور بالائتمام بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف وهي لا على سبيل الحصر:

1- الإحساس بحياته ووجوده وفاعليّة وجوده عجل الله تعالى فرجه الشريف:
وذلك من خلال أمور وردت في نصّ الزيارة فهو حيٌ موجود وبركاتُ وجوده موجودة ومتواصلة. وحياته إيجابيّة ليس فيها انعزال عن المسؤوليّات، وإنّما كأجداده يقوم بأعباء الإمامة ولو لم يتسنَّم مقام السلطة الظاهريّة، سواء ما يتعلّق منها بالدّين أو الكتاب أو العبادات، فهو ربانيّ الآيات أي مُظهِرُها وهو خليفة الله، وهو الناصر لحَقّه، وهو الحجّة والدليل، وهو أيضاً تَرجُمان الآيات، وهو يمارس حياته العباديّة: فمن تلاوة الكتاب "السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه...".


245


1- إلى الصلاة: "السلام عليك حين تُصلّي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد، السلام عليك حين تُهلّل وتُكبّر، السلام عليك حين تَحمد وتستغفر".

وهو مرافق لحركة الزمان: "السلام عليك في آناء ليلك، وأطراف نهارك" ولذا فهو يُصبح ويُمسي "السلام عليك حين تُصبح وتُمسي" وبالتالي فاحتجابه لا تمنع من تدخلاته التدبيريّة.

2- الشعور برقابته: ومن تجليّات ذلك أن نُشهده على عقائدنا: "أُشهدك يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله..." إلى أن ينتهي إلى الأئمّة جميعاً وبعض تفاصيل العقيدة، ما يتعلّق منها بالموت والبعث والقيامة...

3- المعايشة الشعوريّة والعمليّة لحتميّة الانتصار، وبَسط العدل: فما يحكي عن ذلك في زيارة آل يس: "السلام عليك يا وعد الله الذي ضَمِنه.... وعداً غير مكذوب".

ومنها وإن جاء على سبيل عرض المعتقد فيه، وفي قضيّته ما ورد فيها وهو: "وأنّ رجعتَكم حقٌ لا ريب فيها، يوم لا ينفع نفساً إيمانها، لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً".

وبالتالي هذا يفترض المؤانسة له في غربته، وإدخال السرور على قلبه، المتجلّي بحيازة الجهوزيّة لنصرته، حيث في الزيارة يُعلّمنا عجل الله تعالى فرجه الشريف أن نقول: "فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له


246


وبرسوله، وبأمير المؤمنين، وبكم يا مولاي أوّلكم وآخركم".

وهذا الشرط العقائديّ للنصرة له عجل الله تعالى فرجه الشريف. ثمّ "ونصرتي معدّة لكم" إخبار له عجل الله تعالى فرجه الشريف بأنّ الزائر جاهزٌ للنصرة ولا يكون جاهزاً إن لم يحقّق الكفاءات العلميّة والعمليّة التي تُعين الإمام، في نهضته ودولته.

خاتمة: إخلاص المودّة له عجل الله تعالى فرجه الشريف:

"ومودّتي خالصة لكم.."
فالمودّة التي هي نحوٌ من التعاطف والميلان القلبيّ نحوَ من نودُّ ونحبّ الذي يختلف عن المعرفة العلميّة العقليّة، التي قد لا تستتبع انقياداً واقتداءً، فالمودّة تستتبع عملاً وانسجاماً سلوكيّاً، وبالتالي تستتبع الاقتداء والعمل والطاعة له عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهذه هي العدّة النفسيّة للنصرة، وهذه المودّة خالصة بلا إشراك أيّ نوازع.

ولذا يَختم كما يُفترض أن يختمَ الموحّدون بالطلب من الله التوفيق لذلك بالقول "آمين آمين".


247


هوامش
1- مفاتيح الجنان.
2- ميزان الحكمة، ج‏1 ص‏114.
3- ميزان الحكمة، ج‏1 ص118.
4- سورة الأنبياء، الآية: 105.
5- ميزان الحكمة, ج‏1 باب الإمام.
6- مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، المقام الثاني في آداب السرداب الطاهر.