المحاضرة الثانية: الإسلام والإرهاب

الهدف:
بيان الفرق بين الجهاد والإرهاب, والردّ على دعوات الجهاد المنحرف.

تصدير الموضوع:

عن الإمام الصادق عليه السلام:
"أما علمت أنّ إمارة بني أميّة كانت بالسيف والعسف والجور، وأنّ إمامتنا بالرفق والتآلف والوقار والتقيّة ومن الخلطة والورع والاجتهاد"
1.


179


مقدّمة: معنى الإرهاب:
من الأمور التي يحمل لواءها الغرب وأمريكا ويشيعونها وهي وسم الإسلام بالإرهاب ويعضدهم في ذلك ممارسات بعض من ينتحلون الإسلام، وقد وصل بأولئك إلى درجة أنّهم يعملون على إقناع العالم بأنّ القرآن مملوء بآيات الجهاد ووجود مثل هذه الآيات هو بحدّ ذاته أمر إرهابيّ، وقد دعوا إلى الضغط على المسلمين من أجل حذف هذه الآيات من القرآن الكريم وإزالة شيء اسمه جهاد من الشريعة والفقه الإسلاميّ.

وإذا أردنا أن نفهم ما هو الإرهاب سنجد أنّ المجتمع الدوليّ لا يزال في حالة جدال كبير حول تحديد مفهوم الإرهاب وإلى الآن لم يرس على معنى يتّفق عليه.

والواضح في المعنى اللغويّ أنّ الإرهاب مساوق للرعب والخوف، والقيام بما يهيج الخوف والرعب ويدخلهما في النفوس، ففي المعنى اللغويّ الإرهاب ليس شيئاً مذموماً من جهة ومن جهة أخرى لا يعني الإرهاب استخدام القوّة العسكريّة بشكل دائم، فقد لا يكون الإرهاب مذموماً إن كان استخداماً للقوّة من قبل المظلوم أو المضطهد لمواجهة الظالم والطاغية أو الجهات التي تظلمه وتسلبه حقوقه، وقد يكون للإرهاب من جهة أخرى وجوه غير العنف والقتال، كما قد يحصل بواسطة الإعلام، والحملات الإعلاميّة والحرب النفسيّة وحتّى في الجوانب الاقتصاديّة. وغيرها.


180


محاور الموضوع
لماذا يُتّهم الإسلام بالإرهاب؟

إنّ من أسباب اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب جملة من الأمور منها الممارسات الخاطئة لبعض المسلمين للجهاد والفهم الخاطئ له الذي يصوّرونه بتصرّفاتهم مساوقاً ومساوياً للعنف والوحشيّة والإسراف في القتل, ومن الأسباب الدعاية الغربيّة النابعة من العداء للإسلام, والثالث الصهيونيّة التي تريد أن تغطّي على إرهابها باتهام وإشاعة وصف الإسلام والمسلمين بالإرهاب ولكي تبرّر إرهابها ضدّ الشعوب العربيّة لا سيّما الفلسطينيّين. ولعلّ حجّة البعض ورود اشتقاقات لكلمة إرهاب في بعض آيات القرآن كما في الأمر بإعداد القوّة ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ
2.

ولعلّ أحد أهمّ وأخطر أسباب إلباس الإسلام لبوس الإرهاب بمعناه السلبيّ وهو القتل والعنف والقسوة والوحشيّة هو ما سبق أن ذكرناه أوّلاً وهو الممارسات الخاطئة لبعض المسلمين ماضياً وحاضراً باسم الجهاد.


181


الردّ على تهمة الإرهاب:
ولذلك يمكن لنا أن ندفع هذه التهمة الملصقة بالدّين الإسلاميّ بأمور منها:
1- الإسلام ينهى عن القتال العدوانيّ:
فبالرغم من وجود آيات كثيرة تحثّ على جهاد الكفّار والأعداء وقتالهم والغلظة في قتالهم إلّا أنّ هناك آية قرآنيّة شديدة الوضوح في النهي عن القتال عدواناً وبغياً على النّاس حيث قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
3. فقد اعتبر بعض المفكّرين أنّ هذه الآية نصّ يقيّد باقي الآيات القرآنيّة التي دعت إلى القتال والجهاد, وإذا ضممنا إليها قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ4.

في الآية الأولى صفة لمن أمر الله بقتالهم وهي كونهم من المقاتلين للمسلمين, وفي الثانية نفي النهي عن العلاقات السلميّة مع غير المقاتلين من غير المسلمين يتّضح تماماً ما أردناه من كون الإسلام ينهى عن القتال العدوانيّ بل إنّ أصل تشريع القتال في أوائل الآيات النازلة فيه وهي قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ


182


ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ5.

وافتتاح الآية بالإذن مع إيراد أسباب الإذن وعلّله وهو إخراجهم من ديارهم وقتالهم لتديّنهم دليل على أنّ تشريع القتال بما توحيه هذه الصيغة كأنّه إجراء استثنائيّ وليس إجراءً أوليّاً ابتدائيّاً.

2- الصفات القرآنيّة للمجاهدين:

جاء في رواية غاية في التعبير عن الصفات الحقيقيّة للمجاهدين عن الإمام السجّاد عليه السلام حينما كان متوجّهاً إلى الحجّ حيث التقى به عبّاد البصريّ فقال له: يا عليّ بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحجّ ولينه إنّ الله تعالى يقول:
﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. فقال له الإمام عليّ بن الحسين:


183


"إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحجّ"6.

فالإمام عليه السلام يقول بصراحة ووضوح إنّ للمجاهدين الممدوحين قرآنيّاً الذين يصحّ وصفهم بالمجاهدين لهم صفاتهم القرآنيّة ذكرتها الآية 112 من سورة التوبة بعضها لها علاقة بعبادتهم وأخرى بحفظ الحدود ومن جملة تلك الحدود حدود القتال وأحكامه وقد ذكرنا شيئاً منها والتي أجملناها بعدم كون القتال عدوانيّاً.

3- معنى كون النبيّ منصوراً بالرعب:

من جملة ما يتمسّك به البعض لاتهام الإسلام بالإرهاب أنّ هناك نصوصاً تشير إلى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد نصر بالرعب، وربّما منهم بعض المسلمين من مدّعي الجهاد من هذا العصر أنّ عليهم أن يقوموا بما يدخل الرعب إلى نفوس الآخرين, ولذلك منهم قد ابتدعوا أو قلّ نبشوا تاريخ الجاهليّة والجاهليّين والشعوب المتوحّشة وأخذوا عنها كلّ عمل يمكن أن يثير الرعب وينشر الخوف إلّا أنّ المسألة لها بعد غيبيّ وهو أنّ الله أيّد رسوله في حالات المواجهات الحربيّة والعسكريّة بإلقاء الرعب في قلوب أعدائه سواء عبر أمر الملائكة بذلك كما ورد في آيات القتال فيما يخصّ معركة بدر أو غيرها أو منه تعالى, فليس المقصود هو أن


184


يبتكر الإنسان المسلم كلّ ألوان الوحشيّة في قتال الأعداء إذ أن سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نفسها تكذّب ذلك.

4- معنى ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم:

وردت هذه العبارة في قوله تعالى:
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ7.

ربّما يأخذ البعض هذه الآية ليقول إنّ الإسلام يدعو إلى استخدام القوّة للإرهاب, والجواب أيضاً باختصار: هو أنّ لسان الآية هو أنّ إعداد القوّة هو إجراء وقائيّ له بعدان أحدها إيجاد الجهوزيّة عند أبناء الأمّة الإسلاميّة لتحمل أعباء الجهاد والقتال واكتساب الأعتدة, وكذلك المهارات التي لها مدخليّة في صناعة القوّة, واحترازيّ لاحتمال الابتلاء باعتداء من أعداء معروفين فكأنّ الآية تريد القول: أيّها المسلمون, حافظوا على درجة عالية من الجهوزيّة، وبيّنت الآية المنفعة المترتّبة على ذلك وهي إيجاد حالة من الخوف عند الأعداء المعلومين والمجهولين يجعلهم حذرين ومتردّدين من الإقدام على الاعتداء والهجوم.


185


فلسان الآية لسان وقائيّ دفاعيّ وليس هجوميّ وما يدلّ عليه بوضوح هو نفس استخدام عبارة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ.

خاتمة: الحسين عليه السلام يعلّمنا مواجهة الإرهاب لا الفرار منه:

لقد أعطانا الإمام الحسين عليه السلام في ثورته دروساً في مواجهة مشكلة الإرهاب فلقد كانت ثورته ثورة أخلاق وقيم ابتداءً, ممّا جاء عن سفيره الشهيد مسلم بن عقيل الذي رفض الفتك بابن زياد قائلاً: "الإسلام قيد الفتك" وصولاً إلى تقديم الإمام الحسين عليه السلام الحوار على القتال مع جيش ابن سعد بل رفضه أن يبدأ وأصحابه المعركة حيث قال: "أكره أن أبدأهم القتال"8.

وأعظم هذه المواقف هو رفض الرضوخ للإرهاب والصمود في وجهه والإصرار على الحقّ وطلب الحقّ والسعي لإحقاق الحقّ, فبالرّغم من ضيق الخيارات وصعوبتها ومرارة وصعوبة النتائج المترتّبة على عدم الخضوع قالها للتاريخ: "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله..."9.


186


هوامش
1- وسائل الشيعة, ج 16 ص 156.
2- سورة الأنفال, الآية: 60.
3- سورة البقرة, الآية: 190.
4- سورة الممتحنة, الآية:8.
5- سورة الحجّ, الآيتان:39 - 40.
6- سورة التوبة, الآية: 111- 112.
7- سورة الأنفال, الآية: 60- 61.
8- بحار الأنوار, ج 45 ص 5.
9- تحف العقول, ص 242.