المحاضرة الأولى: مع المجاهدين

الهدف:
بيان حقوق المجاهدين على الأمّة والحثّ على أدائها.

تصدير الموضوع:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ
1.


171


مقدّمة: ضرورة معرفة فضل الجهاد والمجاهدين وتقدير عطاءاتهم:
من أهمّ من لهم في أعناقنا حقوق ولهم علينا الفضل الكثير، أهل الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، الذين ببركة عرقهم ودمائهم وعزمهم نعيش العزّة والمنعة والأمان, ولنا هذه المهابة
في صدور الأعداء، وإنّ من أوجب الواجبات اتّجاههم أن نعرف فضلهم ونقدّر جهودهم بل نقدّسها ونقدّس ذلك العرق وتلك الدماء بل تلك الأنفاس التي كانت لهم في مواطن القتال وسوح المواجهات.

فإذا كان الله كما عبّر في كتابه الكريم:
﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ...
2, فإنّ ذلك يعني أن ينعكس هذا التفضيل الإلهيّ والتنويهات الإلهيّة بالمجاهدين وجهادهم علينا لنتأسّى بهم, فإنّ هذا ممّا يدعونا إلى أن نقدّر جهودهم ونقرّ بفضلهم ونحترمهم وننوّه بهم وبعطاءاتهم, ألا نفهم الثناء على المجاهدين من قوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ3.

وكذلك قوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى


172


نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا4.

وغير ذلك من الآيات لا يتّسع المقام لذكرها كلّها، ولا بدّ من معرفة حقوق المجاهدين علينا لإيفائهم شيئاً من الجميل الذي نؤمن أنّنا مهما بذلنا لهم لا يمكن أن يساوي قطرة من دماء مجاهد وهو يدافع عن الأمّة وعزّتها وشرفها ودينها والمقدّسات.

محاور الموضوع
ومن هذه الحقوق:
1- إعانتهم بالمال وتجهيزهم:

والمقصود هو تقديم العون الماليّ لهم تارة للاستعانة به على تكاليف وأعباء الجهاد ومؤنه، كما جاء عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أعان غازياً بدرهم فله أجر سبعين دراً من درر الجنّة وياقوتها ليست منها حبّة إلّا وهي أفضل من الدنيا"5.

فمسؤوليّة القادرين حالياً دعم الجهاد والمجاهدين بالمال وقد رغّب الله أبناء الأمّة بذلك فجعل إنفاق المال في طرق الجهاد نوعاً من الجهاد وقرنه بالجهاد بالنفس حيث قال من جملة ذلك: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم
6.


173


ومدح المجاهدين بالأنفس والأموال.
ومن وجوه ذلك التجهيز أي أن نقدّم ونؤمّن للمجاهدين من الأعتدة والحاجيّات الهامّة في أداء مهامهم الجهاديّة من أدنى الأشياء إلى أعلاها فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر"7.

وكذلك ورد أنّه من جهز غازياً فقد غزا.

2- إعانة المجاهدين بالمعلومات وحفظ الأسرار:

وذلك أنّه قد يحصل أحياناً أن تصل معلومة ما إلينا فعلينا أن لا ننشرها ونذيعها، بل علينا أن نحملها ونوصلها إلى ذوي الاختصاص القادرين على تحليلها ومعرفة ما يختبئ خلفها من أسرار قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً
8.

إضافة إلى حفظ وكتمان أسرار المجاهدين فمن يطّلع على سرّ من أسرار المجاهدين لا يحقّ له ولا يجوز له أن يحدّث به وينشره فلو فعل فإن تسبّب ذلك بخسائر في العتاد أو الأرواح سيكون بلا شكّ مذيع السرّ شريكاً في الدم المراق والخسائر الناتجة عن ذلك.


174


3- الحفاظ على الروح المعنويّة:
ونقصد بها ما يتعلّق بالأمّة وذلك من خلال نشر الإشاعات والتهويل على النّاس وتخويفهم وهذا ما يجب أن يستفاد من الآية السابقة، ذلك لشدّة الارتباط بين المجاهدين ومجتمعهم, فكلّما كان المجتمع يعيش حالة الاضطراب والخوف سيكون أقلّ قدرة على تحمّل تبعات الجهاد والحرب وهذا ما ربّما يؤثّر في وحدته خلف المجاهدين وبالتالي سيؤثّر ذلك في معنويّات المجاهدين وكذلك ما له علاقة بالمجاهدين مباشرة, وقد نهى الله تعالى عن تخويف المجاهدين من القتل والإرجاف، وتثبيطهم، وتشكيكهم إمّا بالأجر أو بإمكان الانتصار أو بمشروعيّة وحقّانيّة جهادهم بل على العكس من ذلك فقد أمرنا أن ندعوا للمجاهدين في وجوههم لما لذلك من أثر معنويّ كما ورد في دعاء أهل الثغور: "اللهمّ وأيّما مسلم... أو اتبعه في وجهه دعوة... فأجر له مثل أجره وزناً بوزن ومثلاً بمثل..."9.

ومن ذلك بيان الرضا بهم وبعملهم كما ربّما يوصي إلى المجاهدين بذلك عبر حسن الاستقبال لهم كما جاء في الحديث الشريف: "من قال لغازٍ مرحباً وأهلاً... حيّاه الله يوم القيامة واستقبلته الملائكة بالترحيب والتسليم"10.


175


ومن الدعم المعنويّ تشجيعه على العمل الجهاديّ وتقوية همّته ورغبته وحماسته لذلك.

4- الاهتمام بعوائلهم في غيابهم:
وقد جاء في دعاء أهل الثغور: "اللهمّ وأيّما مسلم خلف غازياً أو مرابطاً في داره، أو تعهّد خالفيه في غيبته أو أعانه (لطائفة) بطائفة من ما له..."11.

5- إيصال رسالة المجاهدين:

جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من بلّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبة وهو شريكه في ثواب غزوته"12.

من المحتمل أن يكون المقصود نتيجة كون المسلمين الأوائل ونتيجة ضعف وبطئ وسائل الاتصال وكون مواطن الجهاد والثغور بعيدة جدّاً عن الأوطان فإنّهم يحتاجون إلى من يوصل رسائلهم إلى عوائلهم.

وربّما يستفيد البعض منها هو إيصال رسالة الجهاد أي ما يشمل العمل الإعلاميّ بالانتصار للمجاهدين والعمل إعلاميّاً على بيان حقّانيّة قضاياهم ومواكبة جهادهم وإذاعة أنباء انتصاراتهم وغير ذلك.


176


6- الدعاء لهم:
حيث نجد ما أثر عن النبيّ وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم من أدعية في حقّ المجاهدين ومن تلك الأدعية الدعاء الوارد في الصحيفة السجّاديّة بعنوان دعاء أهل الثغور.

فمن المفروغ منه مطلوبيّة الدعاء للمجاهدين، واستحبابه لما لذلك من بركات على الداعين وعلى المدعوّ لهم.

وإذا سألنا بماذا ندعو للمجاهدين نقول إنّ الوارد في دعاء أهل الثغور لم يترك ناحية لها علاقة بالمجاهدين، من توفّر المؤن إلى الصبر والثبات إلى الإخلاص في النيّة إلى التوفيق للنصر إلى الدعاء على الأعداء إلى غير ذلك الكثير.

إلّا أنّ أفضل الدعاء هو الدعاء بالمأثور وأرقى هذه الأدعية دعاء الإمام زين العابدين الموسوم بدعاء أهل الثغور.

خاتمة: المواكبة الشعوريّة للمجاهدين:

إنّ من أهمّ حقوق المجاهدين علينا أن لا ندّخر جهداً يصبّ في نجاح عملهم الجهاديّ ولكن من أهمّ ذلك هو أن نحمل همّهم ونهتمّ لأمرهم, ففي دعاء أهل الثغور نجد هذا بادياً من الاهتمام بعدّتهم وعديدهم، إلى مؤنهم إلى تأييدهم بالصبر والنصر إلى وحدة صفوفهم وحماية أمكنة وجودهم إلى الروح المعنويّة العالية من خلال جعل الله الجنّة نصب أعينهم، إلى غير ذلك ممّا يتعلّق بالعدوّ.

وهذا يوصلنا إلى القول إنّ ثمّة رسالة يؤدّيها إلينا ذلك كلّه


177


إضافة إلى الاهتمام وحمل همّ الجهاد والمجاهدين، وهو هذا الاهتمام التفصيليّ بهم إلى درجة تصل إلى أنّنا نواكب حركتهم وأعمالهم وسكناتهم بمشاعرنا ومع خلجات قلوبنا.


178


هوامش
1- سورة الصف, الآية: 4.
2- سورة النساء, الآية: 95.
3- سورة آل عمران, الآية: 173.
4- سورة الأحزاب, الآية: 23.
5- مستدرك الوسائل، ج 11، ص 24.
6- سورة التوبة, الآية: 111.
7- مستدرك الوسائل، ج 11، ص 24.
8- سورة النساء, الآية: 83.
9- الصحيفة السجّاديّة، الإمام زين العابدين عليه السلام، من دعائه عليه السلام لأهل الثغور.
10- مستدرك الوسائل، ج 11، ص 24.
11- الصحيفة السجّاديّة، الإمام زين العابدين عليه السلام، من دعائه عليه السلام لأهل الثغور.
12- الكافي، ج 5، ص 8.