المحاضرة الثانية: خدمة النّاس

الهدف:
بيان فضيلة قضاء حوائج النّاس وخدمتهم والحثّ على السعي في قضاء الحوائج.

تصدير الموضوع:

سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اتباع سرور المسلم" قيل: يا رسول الله وما اتباع سرور الإسلام؟ قال: "شبعة جوعه وتنفيس كربته وقضاء دينه"1.


131


مقدّمة: الانتماء إلى الإسلام مسؤوليّة:
إنّ من أركان الاجتماع الإنسانيّ الصالح تلك الوحدة بين أبناء هذا المجتمع، ومن مظاهر وحقائق هذه الوحدة هو الارتباط الشعوريّ بين الأفراد حيث يتجلّى ذلك في بعض نواحيه بالشعور بآلام الأفراد بعضهم ببعض واهتمامهم بذلك وحمل الهمّ، ولأنّ الله ورسوله يريدان من مجتمع المسلمين أن يكون مجتمعاً مترابطاً موحّداً كان التركيز على الرابطة الأخويّة بين أفراد الأمّة التي تنعكس في العاطفة والعمل وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"2.

حيث سلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن من لا يحمل هم أبناء أمّته من المسلمين جدارة الاتصاف بصفة المسلم.

وهذا يعني أن من ما يرتّبه الانتماء إلى الإسلام الانتماء إلى جماعة المسلمين والأمّة الإسلاميّة ويعني ذلك أن يتحمّل كلّ مسلم ومؤمن مسؤوليّته اتّجاه الأمّة وأبناءها، ابتداءً من الشعور والعاطفة إلى ميادين العمل والحركة.

فأن يكون الإنسان منتمياً إلى جماعة ما حقيقة الانتماء، يعني عليه القيام بدوره الاجتماعيّ بما هو متاح له، ومن جهة أخرى عليه مشاركة أبناء الأمّة آلامهم وآمالهم إضافة إلى تمنّي


132


الخير لهم والعمل على إيصال الخير لهم والسير لعزّهم ومجدهم وسؤددهم.

محاور الموضوع
الآثار الفرديّة والاجتماعيّة لخدمة النّاس:

إنّ لخدمة النّاس آثاراً في المجتمع وفي الفرد الذي يقوم بهذا التكليف.
فمن آثارها الاجتماعيّة، المحبّة وسيطرة روح التعاون، وتوثيق عرى الوحدة، والإلفة والمحبّة والتكافل والتضامن التي تشكّل بمجموعها روح الجماعة في مقابل صخور الأنانيّة والعصبيّة، هذا على صعيد الجماعة والمجتمع.

وعلى صعيد الفرد المسلم فإنّ خدمة النّاس لها أثر في بناء فضائل هي من أسمى الفضائل الفرديّة وذات البعد الإنسانيّ، فالخدمة تنمّي روحيّة التواضع وتقمع الكبر تلك الموبقة المهلكة، وكذلك تنمّي في الإنسان صفات كالسخاء والإيثار، وتساعد الإنسان على الخروج من أنانيّته الفرديّة.

وإذا دقّقنا أكثر فإنّ خدمة النّاس من العناصر التي تبني النفوس القويّة والمجتمعات القويّة المتماسكة المتعاضدة المتضامنة التي تملك الحصانة بوجه الآفات والأعداء وهذا قد يفضي بل هو كذلك إلى رقيّ المجتمعات وتنظيمها.


133


منزلة وثواب قضاء الحوائج وخدمة النّاس:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن جندب: "يا بن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة وقاضي حاجته كالمتشحّط  بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد وما عذب الله أمّة إلّا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم"3.

فالرواية هذه تقول إنّ نفس السعي في حاجة المؤمن لها ثواب سواء قضيت أم لا, وهو نفس ثواب السعي بين الصفا والمروة، وأمّا إذا ما قضاها فثوابه هو ثواب أوائل شهداء الجهاد في سبيل الله في الإسلام, ودماؤهم في منزلة كبرى من الشرف والقداسة, فما يبذله الإنسان من جهد لقضاء حاجة المؤمن فينجح يعادل جهد جهاد ودماء شهداء تلك الملحمة الخالدة.
وفي المقابل فإنّ الرواية ذكرت أمراً في الترهيب بعد الترغيب وهو أنّ الاستخفاف بحقوق المؤمنين الفقراء موجب لنزول العذاب وفيه كذلك إشارة إلى أثر آخر من السعي في قضاء الحوائج وهو تأخير نزول العذاب ومنعه.

ومن الروايات المرويّة عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:
"احرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم ودفع المكروه عنهم فإنّه ليس من الأعمال عند الله عزَّ وجلّ بعد


134


الإيمان أفضل من إدخال السرور على المؤمنين"4.

لقد رفعت هذه الرواية الثواب على قضاء الحوائج وخدمة المؤمنين من خلال أثرها وهو إدخال السرور على المؤمن إلى منزلة لا يقاربها فيه عمل إذ جعلتها في الرتبة والدرجة والمنزلة والأجر كذلك تلي الإيمان.

وهذا تنبيه منهم عليهم السلام إلى ضرورة عدم خلوّ المجتمع من هذه الصفة، بل إنّ بعض الروايات جعلت السعي في الخدمة وقضاء الحوائج مقدّماً حتّى على الطواف بالكعبة ولو كان طواف الفريضة - أي الواجب وليس المستحب -، وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "والله لقضاء حاجة المؤمن خير من صيام شهر واعتكافه"5.

آداب خدمة النّاس:

إنّ لخدمة النّاس آداباً إذا راعاها الإنسان كانت أكمل وأفضل وأبعد أثراً في النفس والمجتمع ومنها:
1- إخلاص النيّة فيها لوجه الله تعالى:
كما حكى الله ذلك عن أهل البيت عليهم السلام:
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا6.


135


2- المبادرة إلى قضاء الحاجة والخدمة:
ومعنى ذلك أن لا ننتظر من المؤمن والمحتاج إلى الخدمة أن يطلبها منّا بل أن نبادر إلى قضائها قبل طلبه ذلك، وإن طلب وسأل الحاجة الإسراع في قضائها فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الرجل ليسألني الحاجة فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها فلا يجد لها موقعاً إذا جاءته"7.

وربّما يكون من هذا القبيل معنى الحديث القائل: "كن خادماً ولا تستخدم".

3- الحرص على كرامة المحتاج والمخدوم:

قال تعالى:
﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى8.

فإن كان الله قد وفّقنا لخدمة إنسان ما علينا أن لا نجعل ذلك وسيلة لمذلّته واستعباده، وإهانته من خلال إذاعة ذلك أمام الملأ والمنّ عليه.

خاتمة: المعاناة في خدمة النّاس:

ممّا روي أنّه عندما قتل الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء كان على جسده أثران، أثر الجراح، وأثر الجراب تقول الرواية: وجد على ظهر الحسين بن عليّ عليه السلام يوم الطفّ أثر فسألوا زين العابدين عليه السلام عن ذلك فقال: "هذا ممّا كان ينقل الجراب


136


على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين"9.

ونفس الإمام السجّاد وجد على جسده يوم وفاته وشهادته ثلاثة آثار, آثر الثفنات من كثرة العبادة والسجود، أثر الجامعة التي وضعت حول عنقه من السبي، وكذلك أثر الجراب الذي كان ينقل فيه الطعام للمحتاجين والفقراء.

والمستفاد من ذلك أمران أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يعيشون في تلك الجامعيّة بين عبادة الله وخدمة النّاس في دينهم ودنياهم. وكانوا يتفانون ويعانون في كلّ ألوان الخدمة لدرجة أن تحفر آثارها على أجسادهم.

فعلينا تأسّياً بهم أن لا نستكثر جهداً نبذله في خدمة الخلق وخدمة الحقّ بل علينا أن نوطّن أنفسنا على التعب والمعاناة الشديدين في ذلك.

أليس أفضل الأعمال أحمزها.


137


هوامش
1- بحار الأنوار, ج 71 ص 283.
2- الكافي, ج2 ص163.
3- تحف العقول, ص 291.
4- بحار الأنوار, ج 71 ص 313.
5- بحار الأنوار, ج 71 ص 285.
6- سورة الإنسان, الآية: 9.
7- بحار الأنوار, ج 71 ص 286.
8- سورة البقرة, الآية: 264.
9- مناقب ابن شهرآشوب, ج 3 ص222.