المحاضرة الأولى: نصرة المظلوم

الهدف:
بيان الظلم وعواقبه ووجوب نصرة المظلوم وتناصر أبناء الأمّة, وعدم حواز الركون للظالم.

تصدير الموضوع:
من نداءات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء: "هل من ناصر ينصرنا..."1.


17


مقدّمة: قبح الظلم والإعانة عليه
إنّ من أهمّ ملامح عاشوراء هو تلك المظلوميّة لأبي الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ولصحبه ولأهل بيته، ولعلّ هذه المظلوميّة من أسباب استدرار الدموع وتحرّك المشاعر عبر الأجيال مع تلك النهضة وأبطالها. وتفاعلها معها والظلم في بعض معانيه تجاوز شخص ما أو جهة ما على حقّ أو حقوق شخص أو جهة أو فئة، ومن مصاديقه إنقاص حقّ لشخص عن نصابه، ومنه عدم إعطاء صاحب الحقّ حقّه في وقته الملائم ومكانه المناسب أو المعيّن، بل اعتبر أهل اللغة أنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به، وعند العرف وفي زماننا كلّ تعدٍّ على إنسان ونيل منه ومن حقوقه وأمواله يعتبر ظلماً, ومن بديهيّات التكوين النفسيّ عند النّاس إدراك الإنسان بنفسه قبح الظلم وبشاعته وكذلك حسن العدل. وكلّما كان المظلوم أشدّ ضعفاً وألصق بالبراءة كالأطفال والنساء والمعوّقين كان أشدّ إثارة للمشاعر الإنسانيّة وللاستنكار.

بل إنّ القبيح بنظر النّاس تتوسّع دائرته ليشمل ليس فقط الظالم بل المعين له الممالئ المداهن له بل حتّى الساكت عنه.


18


محاور الموضوع
وجوب نصرة المظلوم:

وممّا جاء مؤيّداً لما سبق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يقول الله عزَّ وجلّ: وعزّتي وجلالي لأنتقمنّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمنّ ممّن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره"2.

فالإسلام يريد بذلك تربية نفوس أبناء الأمّة على ما فطر الله عليه البشر من حبّ العدل وبغض الظلم، بل ما تدعو إليه الإنسانيّة السليمة من وجوب مساعدة ومناصرة المظلومين ليرفعوا عن أنفسهم الظلم.

ولذا كانت وصيّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب لولديه الحسن والحسين عليه السلام "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"3.

فلا يمكننا أن نكون مع المظلوم ما لم نقف لنواجه الظالم، فنصرة المظلوم لها شقّان, الأوّل: عدم ترك المظلوم وحيداً يستفرد به الظالم كما يستفرد الوحش بفريسته، والثاني: خوض معارك رفع الظلم والنزول إلى ساحات وميدان المواجهة مع الظالمين ولأنّ مجرّد التعاطف مع المظلوم دون إعانته بما يستطاع يلامس الإثم, فإنّ الإمام السجّاد عليه السلام يعلّمنا في دعائه أن نعتذر إلى الله


19


عن عدم نصرة المظلوم حيث قال عليه السلام: "اللهمّ إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره..."4.

وهذا يعني أنّه كما أنّه تجب نصرة المظلوم وإعانته كذلك يحرم خذلانه، ولأنّ الجزاء وفق الجرم فإنّ عقوبة الخذلان هي الخذلان, وقد روي في ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام: "وما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة"5.

الأمّة المتناصرة:

لقد أرسى الإسلام بتعاليمه الرائعة عناصر الوحدة في الأمّة فاعتبر الرابطة بين أبنائها هي رابطة الأخوّة، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...
6.

وقال كذلك: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا
7.


20


فثمّة قاعدة قرّرها الإسلام وهي أنّ أبناءه جماعة موحّدة تسود بينهم روح الأخوّة، وهذا ما يرتّب لكلّ فرد حقوقاً وواجبات, ومن هذه الواجبات والحقوق التناصر. فالنصرة واجبة من كلّ مسلم تجاه كلّ مسلم مهما كان لونه وعرقه ولغته.

بل إنّ من مصاديق التناصر ليس فقط دفع الظلم عن المسلم المظلوم وتقديم المساعدة له ليرفعه وإنّما أيضاً منعه من أن يظلم غيره فقد جاء أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً", فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إن كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم فإنّ ذلك نصره"8.

من هو الذي يظلم؟

إنّ الجواب على هذا السؤال له علاقة بفهم الإنسان وتكوينه النفسيّ إضافة إلى أبعاده الاجتماعيّة والفرديّة، وبعبارة أخرى إن كان حبّ العدل وبغض الظلم من الفطرة الإنسانيّة فلماذا نرى الظلم يسود المجتمعات الإنسانيّة؟

والجواب يتلخّص بالقول: إنّ الظلم راجع إلى جهة من جهات النقص في الإنسان، فإمّا أن يظلم الإنسان لأنّه جاهل بالعدل والظلم من جهة المصاديق فتلتبس عليه الأمور وتختلط نتيجة


21


التعليم والتربية والصحبة فتنعكس الموازين عنده فيحسب الظلم عدلاً والعدل ظلماً, ويكون مصداقاً لقوله تعالى:﴿يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا9.

أو لضعفه أمام شهواته وغرائزه وميوله وأهوائه كالعصبيّة وحبّ الجاه والسلطة أو لاستعجاله النتائج وعدم صبره على الأمور, وهذا ما أشار إليه الإمام زين العابدين عليه السلام في الدعاء التالي: "وإنّما يعجل من يخاف الفوت وإنّما يحتاج إلى الظلم الضعيف"10.

لا تكن ظالماً:

إنّ نصرة المظلوم وإعانته ومواجهة ظالميه مهمّة ولكن الأولى أن لا نظلم نحن ولا يصدر منّا الظلم وإذا دار الأمر بين أن نظلم أو نُظلم فلنكن من المظلومين لا من الظالمين، وثمّة أمر نشارك به الظالم ظلمه وهو أن نكون من أعوان الظالمين, حيث ورد إنّ النداء يوم القيامة سيكون ليس فقط للظالمين وإنّما لأعوانهم ومن ساعدهم ولو بأدنى درجات المساعدة، ومعونة الظالم إمّا بتكثير الحشد حوله بما يشعره بالقوّة أو بخذلان الحقّ وأهله، وفي كربلاء كان هناك نوعان نوع كثّر الجمع على الحسين عليه السلام وصحبه وأهل بيته وأغرى ابن زياد وابن سعد بالكثرة, وقسم خذل


22


الحسين عليه السلام ولم يلبّ نداءه وجلس على التلّ منتظراً نتيجة المعركة, وربّما ذرف دموعه وأسالها على خدوده جرّاء ما رأى وسمع.

خاتمة: رسالة إلى المظلومين:

إنّ على المظلوم أن يعمل ويتحرّك لرفع الظلم عن نفسه, وعلى الشعوب والأمم المظلومة أن تواجه مضطهديها لرفع اضطهادهم عنها، فكما أنّ المظلوم بالحقّ الشخصيّ لا يؤجر على مظلوميّته إن كان قادراً لرفعها عنه، فكذلك الشعوب والأمم المضطهدة والمقهورة والمظلومة قد لا تؤجر على مظلوميّتها إن كانت قادرة على المواجهة والمقاومة لرفع الظلم وإزالة الجور.

ولذا نرى نوحاً عليه السلام لم يقل في دعائه: إنّي مظلوم فانتصر, بل إنّ النصّ القرآنيّ هو: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ11، والمغلوب هو المظلوم الذي سلب وقهره ظالموه وغلبوه على أمره فأصبح غير قادر على رفع الظلم والخروج من سلطان الظالمين.


23


هوامش

1- شجرة طوبى ج 2 ص 215.
2- كنز العمّال, ج 3, ص 505.
3- بحار الأنوار, ج 42, ص 245.
4 - الصحيفة السجّاديّة دعاؤه في الاعتذار من العباد.
5 - وسائل الشيعة, ج 12 ص 268.
6 - سورة الحجرات, الآية: 10
7 - سورة آل عمران, الآية: 103.
8- كنز العمّال, ج 3 ص 414.
9 - سورة الكهف الآية: 104.
10 - الصحيفة السجّاديّة, دعاء في دفع كيد الأعداء ص 284.
11 - سورة القمر, الآية: 10.