المحاضرة الثالثة: أبعاد العدالة الاجتماعيّة

الهدف:
بيان الأبعاد الاجتماعيّة المختلفة وحثّ الناس على التقيّد بها وتفعيلها في المجتمع.

تصدير الموضوع:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾¹.

95

المقدّمة
تشكل العدالة الاجتماعيّة في مختلف أبعادها الدينيّة والإيمانيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والعائليّة في المنظومة الفكريّة والعمليّة للإسلام المحور الأساس والقيمة العليا والهدف الرئيس لبعثة الأنبياء عليهم السلام وما كانت وظيفة أتباع الرسل إلّا السير على هذا النهج كي تبقى النبوّة تمدّ الناس بظلّها الظليل حيث قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾², وإنّما يتحقّق العدل بإيصال كلّ حقّ إلى مستحقّه والحكم بمقتضى ما شرع الله من أحكام ويتجنّب الهوى بالقسمة بين الناس بالسويّة ومن هنا نجد الحثّ الشديد في الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة الواردة عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام على الالتزام بها والعمل بمقتضاها.

محاور الموضوع
1- مفهوم العدالة
العدل في اللغة بمعنى السويّة. وفى العرف العامّ استعمل بمعنى رعاية حقوق الآخرين، "إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه",

96

ولكن أحيانا يعرف "وضع الشيء في موضعه", وعلى وفق هذا التعريف، يكون العدل مرادفاً للحكمة، والفعل العادل مساوياً للفعل الحكيم.

2- أهميّة العدالة:
العدالة عامل نجاة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ثلاث منجيات: خوف الله في السر والعلانية, والعدل في الغضب والرضا, والقصد في الغنى والفقر..."³.

أقرب الطرق إلى التقوى: يقول تعالى: ﴿اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾⁴.

فضل العدل على الإحسان والكرم: سُئل الإمام عليّ عليه السلام: أيّهما أفضل العدل أو الجود؟ فقال عليه السلام: "العدل يضع الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها, والعدل سائس عامّ، والجود عارض خاصّ, فالعدل أشرفهما وأفضلهما"⁵.

فضل العدل على الشجاعة: "عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "العدل أفضل من الشجاعة، لأنّ الناس لو استعملوا العدل عموماً في جميعهم لاستغنوا عن الشجاعة"⁶.

97

3- موارد العدالة:
العدل في الحكم: يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾⁷, ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾⁸.
العدالة في الإصلاح بين المتخاصمين: يقول تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾⁹.

العدل في الشهادة: يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ﴾¹⁰.
العدالة في القول: يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾¹¹. عن أبي مالك قال: قلت لعليّ بن الحسين عليهما السلام: أخبرني بجميع شرايع الدّين؟ قال عليه السلام: "قول الحقّ, والحكم بالعدل, والوفاء بالعهد"¹².

العدالة في الوصيّة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنّة سبعين سنة فيحيف في وصيّته فيختم له

98

بعمل أهل النّار، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل النّار سبعين سنة فيعدل في وصيّته فيختم له بعمل أهل الجنّة", ثمّ قرأ: "﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ﴾", وقال: "تلك حدود الله"¹³.

العدل في الكيل والوزن: يقول تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾¹⁴. ويقول في آية أخرى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾¹⁵.
العدالة بين الزوجات: يقول تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً﴾¹⁶.

العدالة بين الأبناء: وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أنّه نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "فهلّا ساويت بينهما؟"¹⁷. وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "اعدلوا بين أولادكم كما تحبّون أن يعدلوا بينكم"¹⁸.

العدالة مع الآخرين: من وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: "يا عليّ, ما كرهته لنفسك فاكره لغيرك وما أحببته لنفسك فأحبّه لأخيك، تكن عادلاً في حكمك، مقسطاً في عدلك، محبّاً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض، احفظ وصيّتي

99

إن شاء الله تعالى"¹⁹.

رعاية العدالة حتّى مع الأعداء: يقول تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾²⁰. ومن وصيّة الإمام عليّ عليه السلام قبيل شهادته "... ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي, انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثّل بالرجل فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور"²¹.

4- آثار العدالة:
حياة الأحكام: عن الإمام عليّ عليه السلام انه قال: "العدل حياة الأحكام"²².
صلاح البريّة: وعنه عليه السلام: "العدل يصلح البريّة"²³.

دوام النعمة: عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "استعمال العدل والإحسان مؤذن بدوام النعمة"²⁴.
الرحمة لأهل الأرض: عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إنّ أهل الأرض لمرحومون ما تحابّوا وأدّوا الأمانة، وعملوا بالحقّ"²⁵.

100

5- قصّة وعبرة:
روى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولّى أبا الأسود الدؤليّ القضاء ثمّ عزله, فقال له: لم عزلتني وما جنيت وما خنت؟! فقال عليه السلام: "إنّي رأيت كلامك يعلو على كلام الخصم"²⁶.

101

هوامش

1- سورة النحل الآية 90.
2- سورة الحديد الآية 25.
3- وسائل الشيعة ج 1 ص 98.
4- سورة المائدة الآية 8.
5- نهج البلاغة ص 109.
6- شرح ابن أبي الحديد ج 20 ص 333.
7- سورة النساء الآية 58.
8- سورة المائدة الآية 42.
9- سورة الحجرات الآية 9.
10- سورة المائدة الآية 8.
11- سورة الأنعام الآية 152.
12- بحار الأنوار ج 72 ص 92.
13- بحار الأنوار ج 100 ص 200.
14- سورة الأنعام الآية 152.
15- سورة الإسراء الآية 35.
16- سورة النساء الآية 3.
17- مكارم الأخلاق ص 220.
18- بحار الأنوار ج 23 ص 113.
19- تحف العقول ص 14.
20- سورة الممتحنة الآية 8.
21- نهج البلاغة ص 78.
22- غرر الحكم ج 1 ص 17.
23- غرر الحكم ج 1 ص 28.
24- بحار الأنوار ج 72 ص 26.
25- بحار الأنوار ج 72 ص 117.
26- عوالي اللئالي ج 2 ص 343.