المحاضرة الثانية: دور العفاف والابتذال في الكمال

الهدف:
التعرّف إلى قيمة العفّة وأهميّتها في تهذيب السلوك وتقويمه، وتحصين المجتمع من الابتذال.

تصدير الموضوع:
جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً، يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد"1.


87


المقدّمة:
العفّة والابتذال: تقع "العفّة" في النقطة المقابلة لـ "شهوة البطن والفرج", والمستفاد من آيات القرآن الكريم والروايات الإسلاميّة أنّ العفّة تعدّ من أعظم الفضائل الأخلاقيّة والإنسانيّة، ولا يمكن لأيّ شخص أن يسير نحو الكمال الإلهيّ من دون التحلّي بها ونجد في حياتنا الدنيويّة أنّ كرامة الإنسان وشخصيّته وسمعته رهينة بالتحلّي بهذه الفضيلة الأخلاقيّة2. قال الله تعالى
﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ3.

محاور الموضوع
1- مفهوم العفّة:

تحدّث اللغويّون في معنى العفّة كثيراً، وخلاصتها أنّ العفّة حصول حالة للنفس تمتنع بها من غلبة الشهوة، وتحفظها من الميول والشهوات النفسانيّة، وعلى هذا فالعفّة صفة باطنيّة، وقد ذكر علماء الأخلاق في تعريف العفّة أنّها الحدّ الوسط بين الشهوة والخمود.


88


2- قيمة العفّة في الإسلام:
تحدّثت الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عن قيمة العفّة، وكونها صفة إنسانيّة وخلقيّة ينبغي أن يهتمّ بها الإنسان في تربيته لنفسه، وسلوكه مع الآخرين، وذلك لما يترتّب على سجيّة العفّة من الآثار حتّى وضعت العفيف بمنزلة الملائكة، ووصف العفاف بأنّه أفضل من العبادة. عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "أفضل العبادة العفاف"4، وعنه عليه السلام في وصيّته لمحمّد بن أبي بكر لمّا ولاه مصر: "يا محمّد بن أبي بكر، اعلم أن أفضل العفّة الورع في دين الله والعمل بطاعته..."5.

وعنه أيضاً: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة"6. "العفاف أفضل شيمة"7، وعنه عليه السلام: "العفّة أفضل الفتوّة"، والعفاف زينة الفقر، وعنه عليه السلام: "زكاة الجمال العفاف"8.

3- الحثّ على عفّة البطن والفرج:

قال الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا


89


مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ9.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّ العفاف إلى الله تعالى عفاف البطن والفرج"10.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج"11.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا أراد الله بعبد خيراً أعفّ بطنه وفرجه"12.

3- العفاف صفة يحبّها الله:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يحبّ الحيي المتعفّف، ويبغض البذيّ السائل الملحف"13. وعن الإمام عليّ عليه السلام في صفة المتّقين: "حاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة"14.

ولهذا كان الإمام الصادق عليه السلام يدعو: "اللهمّ إنّي أسألك الهُدى والتُقى والعفّة والغنى"15.

4- شعب العفاف وآثاره:
للعفاف العديد من الشُّعب:


90


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا العفاف: فيتشعّب منه الرضا، والاستكانة، والحظّ، والراحة، والتفقّد، والخشوع، والتذكّر، والتفكّر، والجود، والسخاء، فهذا ما يتشعّب للعاقل بعفافه رضى بالله وبقسمه"16.

وأمّا من ناحية الآثار فللعفّة آثار عديدة منها:
• القناعة: القناعة أحد أهمّ أصول العفاف، عن الإمام عليّ عليه السلام: "على قدر العفّة تكون القناعة"17, وعنه عليه السلام: "ثمرة العفّة القناعة"18
• الغيرة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "دليل غيرة الرجل عفّته"19.

• الصبر على الشهوات: وعنه عليه السلام: "الصبر عن الشهوة عفّة، وعن الغضب نجدة"20, وعنه عليه السلام: "العفّة تضعف الشهوة"21.
• زكاة الأعمال: وعنه عليه السلام: "بالعفاف تزكو الأعمال"22.

5- العفّة والابتذال:

العفّة برنامج حياة وخلق يجب أن يتحلّى بها من أراد السموّ


91


والمروءة, وإنّ من أسباب تماسك المجتمعات والأسر هو وجود العفّة قويّة وراسخة, وإنّ من أسباب تفكّك المجتمعات والأسر هو تضيبع ذلك المجتمع العفّة وضعفها، وأكثر ما يؤدّي إلى الابتذال وضعف العفّة أو عدم وجود العفاف:
• وسائل الإعلام وما تقدّمه من سموم عبر شاشاتها المختلفة.
• حملة الإفساد الموجّهة للمرأة، وتزيين الفاحشة لها، وذلك بالدعوة للتبرّج والسفور، وترك الحجاب.

• تأخّر الزواج عند الشباب، وذلك بسبب صعوبة المعيشة وارتفاع المهور.
• قلّة الورع، وقلّة الأمانة، وعدم المبالاة بالحلال والحرام.

• وبناءً على هذا لا بدّ من التذكير بما يحصّن النفس، ويصحّح السلوك ويقوّمه من خلال أمور:
• الحرص على عفّة الجوارح: المسلم يعفّ يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام فلا تغلبه شهواته، وقد أمر الله كلّ مسلم أن يعفّ نفسه ويحفظ فرجه, قال تعالى:
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ23

• الحرص على عفّة الجسد: فعلى المسلم أن يستر ما بين سرّته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب، لأن شيمتها العفّة والوقار، قال الله - تبارك وتعالى-:
﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ


92


عَلَى جُيُوبِهِنَّ24, وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا25.

وحرَّم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبيّة، وأمر الله المسلمين أن يغضّوا أبصارهم، فقال:
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ26, وقال تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ27.

• العفّة عن أموال الغير وعفّة المأكل والمشرب:
المسلم عفيف عن أموال غيره لا يأخذها بغير حقّ, ويمتنع عن وضع اللقمة الحرام في جوفه، وكل لحم نبت من حرام فالنّار أولى به، يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ28.

6- العفاف الزينبيّ:

ممّا خاطبت به الحوراء عليها السلام يزيد في الشام حينما جاؤوا بركب الحسين سبايا, قالت: "أمن العدل يا بن الطلقاء؟! تخديرك حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد


93


هُتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدوا بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، وتستشرفهنّ المناقل ويتبرّزن لأهل المناهل ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والغائب والشهيد، والشريف والوضيع، والدنيّ والرفيع ليس معهنّ من رجالهن وليّ، ولا من حُماتهنّ حميّ، عتوَّاً منك على الله وجحوداً لرسول الله، ودفعاً لما جاء به من عند الله، ولا غرو منك ولا عجب من فعلك، وأنّى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ونبت لحمه بدماء السعداء ونصب الحرب لسيّد الأنبياء، وجمع الأحزاب، وشهر الحراب، وهزّ السيوف في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أشدّ العرب جحوداً، وأنكرهم له رسولاً، وأظهرهم له عدواناً، وأعتاهم على الربّ كفراً وطغياناً"29.


94


هوامش

1- نهج البلاغة ج 3 ص 70.
2- الأخلاق في القرآن الكريم ج 1، بتصرف.
3- سورة البقرة الآية 273.
4- أصول الكافي ج2 ص 79.
5- بحار الأنوار ج 77 ص 390.
6- نهج البلاغة: الحكمة 474.
7- ميزان الحكمة ج 3 ص 2006.
8- غرر الحكم ص 729.
9- سورة المعارج الآية 29-30.
10- تنبيه الخواطر ج 2 ص 30.
11- أصول الكافي ج 2 ص 79.
12- غرر الحكم ص 4114.
13- أمالي الطوسيّ ص 39/43.
14- نهج البلاغة:الخطبة 193، والكتاب 31.
15- الصحيفة الصادقيّة ص 242.
16- تحف العقول ص 17.
17- غرر الحكم ص 6179.
18- ن.م ص 7646.
19- غرر الحكم ص 5104.
20- غرر الحكم ص 7646.
21- ن.م ص 5104.
22- ن.م. ص 4238.
23- سورة النور الآية 33.
24- سورة النور الآية 31.
25- سورة الأحزاب الآية 59.
26- سورة النـور الآية 30.
27- سورة النور الآية 31.
28- سورة البقرة الآية 172.
29- الاحتجاج ج 2 ص 36.