المحاضرة الثانية: مخاطر الظلم وآثاره

الهدف:
بيان خطورة الظلم والجور وتحذير الناس منه وحثّ الناس على إفشاء العدل فيما بينهم.

تصدير الموضوع:

عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة"1.


59


المقدمة:
من أكبر ما يعظّمه الإسلام على الإنسان من الذنوب ظلم الناس والعدوان على الآخرين، وذلك اتباعاً لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم واستنكاره، مثل قوله تعالى:
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ2. وقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما يبلغ الغاية في بشاعة الظلم والتنفير منه، كقوله: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت"3. وهذا غاية ما يمكن أن يتصوّره الإنسان في التعفّف عن الظلم والحذر من الجور, أن لا يظلم نملة في قشرة شعيرة وإن أعطي الأقاليم السبعة, فكيف حال من يلغ في دماء المسلمين وينهب أموال الناس ويستهين أعراضهم وكراماتهم؟.

محاور الموضوع
1- مخاطر الظلم:
أ - عداوة الله تعالى:
عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "من ظلم عباد الله كان خصمه الله في الدنيا والآخرة, ويوم الظالم


60


الدنيا فقط وهي تنقطع، ويوم المظلوم الدنيا والآخرة والمنتقم هو الله تعالى والله عزيز ذو انتقام".وعنه عليه السلام: "من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده"4.

ب- خراب القلوب:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إيّاكم والظلم فإنّه يخرب قلوبكم"5.
ج - أكبر المعاصي: عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "إيّاك والظلم فإنّه أكبر المعاصي, وإنّ الظالم لمعاقب يوم القيامة بظلمه"6.

د - أعظم الجرائم وأكبر المآثم:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "ابعدوا عن الظلم فإنّه أعظم الجرائم وأكبر المآثم".
هـ - أسوأ الزاد: عن الإمام عليّ عليه السلام: "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد"7.

2- أنواع الظلم:

أ - الظلم ثلاثة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "ألا وإنّ الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب. فأمّا الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وأمّا الظلم الذي يغفر فظلم العبد


61


 نفسه عند بعض الهنات. وأمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضاً"8.

ب- أسوأ الظلم:
من وصيّة الإمام عليّ عليه السلام لولده الحسن عليه السلام قال: "ظلم الضعيف أفحش الظلم"9.
ج- أخطر الظلم: عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "لمّا حضر عليّ بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمّني إلى صدره, ثمّ قال: يا بني, أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به, قال: يا بني, إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله"10.

3- عاقبة الظلم:

أ- غضب الله تعالى: روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "العبد إذا ظلم فلم ينتصر ولم يكن له من ينصره رفع طرفه إلى السماء فدعا الله تعالى قال جلّ جلاله: لبيك عبدي أنصرك عاجلاً وآجلاً، اشتدّ غضبي على من ظلم أحداً لا يجد ناصراً غيري"11.

وحكي أنّ ظالماً ظلم على ضعيف أعواماً، قال المظلوم للظالم


62


يوماً: إنّ ظلمك عليّ قد طاب بأربعة أشياء: أنّ الموت يعمّنا، والقبر يضمّنا، والقيامة تجمعنا، والديّان يحكم بيننا12.

ب- إعانة الظالم ظلم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة وأعوانهم؟ من لاق لهم دواة أو ربط لهم كيساً أو مدّ لهم مدّة قلم فاحشروهم معهم"13.

وعن ابن أبي يعفور قال: كنت عند الصادق عليه السلام ، فدخل عليه رجل من أصحابنا، فقال له: أصلحك الله تعالى، إنّه ربّما أصاب الرجل منّا الضيق والشدّة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: "ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء، وأنّ لي ما بين لابتيها، لا ولا مدّة بقلم, إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النّار حتّى يحكم الله عزَّ وجلّ بين العباد".

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قال: "من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنه ونار جهنّم وبئس المصير، ومن خفّ لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النّار، ومن دلّ سلطاناً على الجور قرن مع هامان، وكان هو والسلطان من أشدّ أهل النّار عذاباً ومن عظم صاحب دنياه وأحبّه لطمع دنياه سخط الله عليه، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل


63


من النّار، ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها الله حيّة طولها سبعون ألف ذراع، فيسلّطه الله عليه في نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً، ومن سعى بأخيه إلى سلطان ولم ينله منه سوء ولا مكروه أحبط الله عمله وإن وصل منه إليه سوء ومكروه أو أذى جعله الله في طبقة مع هامان في جهنّم"14

4- آثار الظلم:
أ- زوال النعم الإلهيّة:
عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "الظلم يزلّ القدم, ويسلب النعم, ويهلك الأمم"15.
ب- كما تدين تُدان: عن أبي جعفر عليه السلام قال: "ما من أحد يظلم بمظلمة إلّا أخذه الله بها في نفسه وماله, وأمّا الظلم الذي بينه وبين الله فإذا تاب غفر الله له"16.

وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام مبتدئاً: "من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه"، قلت: هو يظلم فيسلّط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟! فقال: "إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول:
﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا17"18.


64


ج- الزوال والفناء: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكّاً"19.
د- ظلمة يوم القيامة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة"20.

5- قصّة وعبرة:

عن صفوان بن مهران الجمّال قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام، فقال لي: "يا صفوان، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً"، فقلت: جعلت فداك، أيّ شيء؟ قال: "إكراؤك جمالك هذا الرجل"- يعني هارون - قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا لصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكّة، ولا أتولّاه بنفسي، ولكنّي أبعث معه غلماني. فقال لي: "يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟" قلت: نعم، جعلت فداك. فقال لي: "أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟" قلت: نعم, قال: "من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النّار". قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها. فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان، بلغني أنّك بعت جمالك، قلت: نعم. قال: ولم؟ قلت: أنا شيخ كبير وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال. فقال: هيهات هيهات، إنّي لأعلم من


65


أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى ابن جعفر, فقلت: ما لي ولموسى بن جعفر! فقال: دع هذا عنك، فو الله لولا حسن صحبتك لقتلتك21.

6- من مشاهد الظلم في كربلاء ونتائجه:

عندما ضعف الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء عن القتال وقف مكانه وكلّما أتاه رجل من جيش العدوّ وانتهى إليه انصرف عنه وكره أن يلقى الله بدمه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن نسر فضربه بالسيف على رأسه وكان عليه برنس فقطع البرنس وامتلأ دماً. فقال له الحسين عليه السلام: "لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين"22.

وعندما رجع مالك إلى الكوفة أخذ معه برنس الإمام عليه السلام المضمّخ بدمائه ولمّا أراد غسله من الدم رأته زوجته وعرفت الخبر فعاتبت مالك على فعله وقالت له: "أتسلب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برنسه وتدخل بيتي؟ أخرج عنّي حشى الله قبرك ناراً"23.

وأرسل المختار الثقفيّ أحدهم للقبض على مالك بن نسر فظفر به في القادسيّة فاعتقله وجاء به إلى المختار الذي أمر بقطع يديه ورجليه وتركه ينزف دماً حتّى هلك24.


66


هوامش

1- أصول الكافي ج 2 ص 332.
2- سورة إبراهيم الآية 42.
3- نهج البلاغة خطبة 112.
4- غرر الحكم, الحكمة 644.
5- مشكاة الأنوار ص 543.
6- عيون الحكم والمواعظ ص 97.
7- بحار الأنوار ج 75 ص 309.
8- نهج البلاغة.
9- بحار الأنوار ج 72 ص 321.
10- أصول الكافي ج 2 ص 331.
11- شرح أصول الكافي ج 9 ص 381.
12- شرح أصول الكافي ج 9 ص 381.
13- بحار الأنوار ج 75 ص 372.
14- وسائل الشيعة ج 12 ص 130.
15- ميزان الحكمة ج 2 ص 1770.
16- أصول الكافي ج 2 ص 332.
17- سورة النساء الآية 9.
18- أصول الكافي ج 2 ص 332.
19- سفينة البحار ج 1 ص 339.
20- أصول الكافي ج 2 ص 332.
21- وسائل الشيعة ج 17 ص 182.
22- وقعة الطفّ ص‏250.
23- مقتل الحسين عليه السلام ج ‏2 ص ‏35.
24- تاريخ الأمم والملوك ج ‏3 ص ‏262.