المحاضرة الثالثة: الجهاد في سبيل الله: شرائط وضوابط

الهدف:
حثّ المؤمنين على الجهاد في سبيل الله ومقاومة الظلم وردّ المعتدين عن المسلمين ومقدّساتهم.

تصدير الموضوع:

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ1.


301


المقدّمة:
يعتبر الجهاد في سبيل الله من المقامات الرفيعة والشامخة والتي قد لا تتسنّى لأيّ كان من الناس, كيف وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة الجهاد المعروفة: "إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه"؟ فما لم يحمل الإنسان المؤهّلات والكفاءات التي تتيح له أن يكون في عداد المجاهدين الأولياء فلن يوفّق لنيل هذه الكرامة والدرجة الخاصّة التي أعدّها الله تعالى, وهذا يتطلّب مزيداً من المعرفة والوعي والانتباه إلى القواعد الخاصّة لهذه الطاعة.

محاور الموضوع
1- شرائط لا بدّ منها في الجهاد:

• أهميّة الصدق في إرادة الجهاد: يقول تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ2.
• الوعي والبصيرة في القتال: يقول تعالى:
﴿سَتَجِدُونَ


302


آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا3.

• الالتزام بقواعد القتال: يقول تعالى:
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ4.

2- أهداف الجهاد:

• اجتثاث الفتنة والشرك: يقول تعالى:
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ5.
• إخافة أعداء الله وأعداء المسلمين: يقول تعالى:
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ6.
• حفظ المعابد الدينيّة والمقدّسات: يقول تعالى:
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا7.
• العذاب والخزي على المعتدين: يقول تعالى:
﴿قَاتِلُوهُمْ


303


يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ8.

3- ضوابط عامّة في الجهاد:

ذكر الله تعالى ستّةً من الضوابط والقوانين لا بدّ من مراعاتها في الجهاد جاء ذلك في ثلاث آيات من سورة الأنفال يحدّد الله فيها قوانين النصر على الأعداء في جبهات القتال وهي:
• الثبات: يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ.
• ذكر الله: يقول تعالى:
﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ.
• إطاعة الله ورسوله: يقول تعالى:
﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ.
• اجتناب التنازع: يقول تعالى:
﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.
• الصبر: يقول تعالى:
﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
• اجتناب الغرور والرياء: يقول تعالى:
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ9.


304


4- آثار الجهاد في سبيل الله وفضله:
أ- صلاح الدّين والدنيا: عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله فرض الجهاد وعظمه, والله ما صلحت دنيا ولا دين إلّا به"10.
ب- محو للذنوب وعلوّ للدرجات: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من خرج مرابطاً في سبيل الله تعالى أو مجاهداً فله بكلّ خطوة سبعمائة ألف حسنة ويمحى عنه سبعمائة ألف سيّئة ويرفع له سبعمائة ألف درجة"11.

ج- استجابة الدعاء: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ثلاثة دعوتهم مستجابة: الحاجّ فانظروا بما تخلفونه, والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه, والمريض فلا تعرّضوه"12.

د- الشفاعة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ثلاثة يشفعون إلى الله عزَّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشهداء"13.
هـ - دخول الجنّة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا إنّ الله عزَّ وجلّ ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنّة: عامل


305


الخشبة والمقوّي به في سبيل الله، والرامي به في سبيل الله"14.

5- قصّة وعبرة:

قال خيثمة أبو سعد بن خيثمة: يا رسول الله إنّ قريشاً مكثت حولاً تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها... وعسى الله أن يظفرنا بهم، فتلك عادة الله عندنا، أو يكون الأخرى فهي الشهادة، لقد أخطأتني وقعة بدر، وقد كنت عليها حريصاً، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنّة وأنهارها، وهو يقول: الحق بنا ترافقنا في الجنّة فقد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقاً إلى مرافقته في الجنّة وقد كبرت سنّي ورقّ عظمي وأحببت لقاء ربّي، فادع الله أن يرزقني الشهادة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقتل بأحد شهيد15.

6- من صور الجهاد في كربلاء:

بعد أحداث الكوفة التحق عابس بسيّد الشهداء عليه السلام وفي يوم عاشوراء وبعد استشهاد غلامه شوذب تقدّم نحو


306


الإمام عليه السلام وقال له: "يا أبا عبد الله، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريبٌ ولا بعيدٌ أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك".

ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم وكان شجاعاً إلى الحدّ الذي لم يجرؤ أحدٌ من القوم أن يبرز إليه ليقاتله وجهاً لوجه فنادى عمر بن سعد: ويلكم أرضخوه بالحجارة, فرمي بالحجارة من كلّ جانب فلمّا رأى ذلك ألقى درعه وخوذته خلفه وبرز بقميصه نحو جيش ابن سعد ثمّ استشهد16 (رضوان الله عليه).


307


هوامش

1- سورة الحجّ الآية 39/40.
2- سورة البقرة الآية 246.
3- سورة النساء الآية 91.
4- سورة البقرة الآية 190.
5- سورة الأنفال الآية 39.
6- سورة الأنفال الآية 60.
7- سورة الحجّ الآية 40.
8- سورة التوبة الآية 14.
9- سورة الأنفال الآية 45-47.
10- وسائل الشيعة ج 11 ص 9.
11- ثواب الأعمال ص 293.
12- بحار الأنوار ج 81 ص 225.
13- الخصال ص 156.
14- وسائل الشيعة ج 15 ص 140.
15- بحار الأنوار ج 20 ص 125.
16- وقعة الطفّ، ص‏100.