المحاضرة الثانية: الحرمات في الإسلام

الهدف:
معرفة الحرمات وأنّ واجبنا تجاهها تعظيمها واحترامها والدفاع عنها بكلّ الوسائل.

تصدير الموضوع:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يعذّب الله اللسان بعذابٍ لا يعذّب به شيئاً من الجوارح فيقول: أيْ ربِّ عذّبتني بعذابٍ لم تعذّب به شيئاً! فيُقال له: خرجت منك كلمة، فبلغت مشارق الأرض ومغاربه فسُفِك بها الدم الحرام، وانْتُهِب بها المال الحرام، وانْتُهِك بها الفرج الحرام وعزّتي وجلالي،


293


لأعذّبنّك بعذابٍ لا أعذّب به شيئاً من جوارحك"1.

المقدّمة

الحرمات جمع حرمة وهي ما يُحرّم هتكه ويجب تعظيمه ورعاية جانبه. وقد سلّطت الشريعة الضوء على بعض الأمور المحرّمة، لخطورتها وعِظم أثرها على المجتمع والفرد فجعلتها من أكبر الكبائر التي توجب دخول جهنّم، كما أقامت الحدّ عليها، بل إنّ ارتكابها مانعٌ من قبول بعض الأعمال. وليس ارتكابها فقط موجباً للعذاب، بل إنّ المساهمة، ولو بكلمة، في حصول هذا الأمر، والمساعدة عليه يستوجب العقاب الأليم والعذاب الشديد. ويفهم من الرواية أنّ أعظم وأخطر الحرمات التي أولاها الدّين اهتماماً بالغاً، وعمل على حفظها ورعاية جانبها، هي: الدم الحرام، والمال الحرام، والفرج الحرام.

محاور الموضوع
1- الدم الحرام
أ- عِظَم وخطورة القتل الحرام

• أوّل ما يُقْضَى به يوم القيامة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أوّل ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابنَيْ آدم، فيفصل


294


بينهما، ثمّ الذين يلونهما من أصحاب الدماء، حتّى لا يبقى منهم أحد، ثمّ الناس بعد ذلك، حتّى يأتي المقتول بقاتله، فيتشخّب في دمه وجهه، فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته؟ فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا"2.

• زوال الدنيا أهون عند الله من القتل الحرام: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لزوال الدنيا جميعاً أهون على الله من دمٍ سُفِك بغير حقّ"3.
• أعتى4 الناس: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أعتى الناس على الله عزَّ وجلّ من قتل غير قاتله ومن ضرب من لم يضربه"5.

ب- أثر قتل المؤمن:

• لا يوفّق للتوبة: عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يوفّق قاتل المؤمن متعمّداً للتوبة"6.
• عذاب بلا عدد ولا حساب: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أيّها الناس، أيقتل قتيل وأنا بين أظهركم لا يُعلم من قتله! لو إنّ أهل السماء والأرض اجتمعوا على قتل رجلٍ مسلم،


295


لعذّبهم الله بلا عددٍ ولا حساب"7.

• الخلود في جهنّم: يقول تعالى:
﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا8.

ج- جزاء القتل الحرام

• له قاتل لا يموت: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يغرّنكم رحب الذراعين بالدم فإنّ له عند الله عزَّ وجلّ قاتلاً لا يموت"، قالوا: يا رسول الله، وما قاتل لا يموت؟ فقال: "النّار"9.

• يُقتل مئة ألف قتلة مثلها: عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال: "أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام أنْ يا موسى قلْ للملأ من بني إسرائيل: إيّاكم وقتل النفس الحرام بغير حقّ! فإنّ من قتل منكم نفساً في الدنيا، قتلته مئة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه"10.

• تثبت للقاتل جميع ذنوب المقتول: عن الإمام الباقر عليه السلام: "من قتل مؤمناً متعمّداً، أثبت الله على قاتله جميع الذنوب،


296


وبُرِّئ المقتول منها، وذلك قول الله عزَّ وجلّ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ11"12.

2- المال الحرام

أ- حقّ المال: عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "أمّا حقّ مالك: فأنْ لا تأخذه إلّا من حلِّه، ولا تنفقه إلّا في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربّك، ولا تبخل به، فتبوء بالحسرة والندامة مع السعة"13.

ب- حرمة مال المؤمن كحرمة دمه: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سباب المؤمن فسق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معصية الله، حرمة ماله كحرمة دمه"14.
ج- المال قرّة عين إبليس: عن ابن عبّاس، قال: "إنّ أوّل درهم ودينار ضُربا في الأرض نظر إليهما إبليس، فلمّا عاينهما، أخذهما فوضعهما على عينيه، ثمّ ضمّهما إلى صدره، ثمّ صرخ صرخة، ثمّ ضمّهما إلى صدره، ثمّ قال: أنتما قرّة عيني وثمرة فؤادي، ما أبالي من بني آدم إذا أحبّوكما أن لا يعبدوا وثناً، وحسبي من بني آدم أن يحبوكما"15.


297


د- المال الحرام باب إلى جهنّم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله عزَّ وجلّ: منْ لم يبالِ من أيِّ بابٍ اكتسب الدينار والدرهم، لم أبالِ يوم القيامة من أيّ أبواب النّار أدخلته"16.

هـ- حبس الحقوق: عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم، مشدودة أيديهم إلى أعناقهم، لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة، معهم ملائكة يعيّرونهم تعييراً شديداً، يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خيرٍ كثير، هؤلاء الذين أعطاهم الله، فمنعوا حقّ الله في أموالهم"17.

3- الزنا (الفرج الحرام)
أ- من أكبر الكبائر:

يقول تعالى:
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً18.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله تبارك وتعالى من رجلٍ قتل نبيّاً أو إماماً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله عزَّ وجلّ قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً"19.


298


ب- آثار الزنا ومخاطره:
• يحبس الرزق: عن الإمام الصادق عليه السلام: "الذنوب التي تحبس الرزق، الزنا"20.
• يورث الفقر: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الزنا يورث الفقر، ويدع الديار بلاقع"21.
• يمنع البركة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنّ إلّا خرب، ولم يعمر بالبركة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزنا"22.

ج- الحكمة من تحريم الزنا:

عن الإمام الصادق عليه السلام - في حديث - أنّ زنديقاً قال له: لِمَ حرّم الله الزنا؟ قال: "لما فيه من الفساد وذهاب المواريث، وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها، ولا المولود يعلم من أبوه، ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة"23.

قصّة وعبرة

كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا، عبد الله زماناً من الدهر، حتّى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوذهم فيبرؤون على


299


يده، وإنّه أُتي بامرأة في شرف، قد جنّت، وكان لها إخوة، فأتوه بها، وكانت عنده، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتّى وقع عليها فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشيطان حتّى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب، وأنّه دفنها في مكان كذا، ثمّ أتى بقيّة إخوتها رجلاً رجلا، فذكر ذلك لهم، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: والله، لقد أتاني آت ذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره، فذكره بعضهم لبعض حتّى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك والناس، فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل، فأُمِر به فصُلِب، فلمّا رُفِع على خشبته تمثّل له الشيطان، فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك أخلّصك ممّا أنت فيه؟ قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك، وأنا على هذه الحالة؟ فقال: أكتفي منك بالإيماء، فأومأ له بالسجود، فكفر بالله، وقُتِل الرجل24.


300


هوامش

1- أصول الكافي ج 2 ص 115.
2- فروع الكافي ج 7 ص 271.
3- الترغيب والترهيب ص 293.
4- العاتي: الجبّار.
5- فروع الكافي ج 7 ص 274.
6- م.ن ص 272.
7- ميزان الحكمة ج 3 ص 2498.
8- سورة النساء الآية 93.
9- فروع الكافي ج 7 ص 272.
10- وسائل الشيعة ج 29 ص 15.
11- سورة المائدة الآية 29.
12- وسائل الشيعة ج 29 ص 15.
13- وسائل الشيعة ج 29 ص 15.
14- أصول الكافي ج 2 ص 360.
15- أمالي الشيخ الصدوق ص 269.
16- بحار الأنوار ج 100 ص 11.
17- فروع الكافي ج 3 ص 506.
18- سورة الإسراء الآية 32.
19- من لا يحضره الفقيه ج3 ص 559.
20- وسائل الشيعة ج 16 ص 174.
21- م.ن، ج 20 ص 310.
22- م.ن ج 19 ص 77.
23- وسائل الشيعة ج 20 ص 332.
24- بحار الأنوار ج 14 ص 487.