المحاضرة الأولى: التشويه الإعلاميّ والفكريّ للثورة الحسينيّة

الهدف:
التعرّف على طبيعة المواجهة الفكريّة والإعلاميّة التي حاول بها أعداء الإمام الحسين عليه السلام تشويه ثورته ونهضته, وموقف أهل البيت عليهم السلام منها.

تصدير الموضوع:
ع
ن الإمام الحسين عليه السلام : "وألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً, فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً"1.


285


المقدّمة:
وجهت للإمام الحسين عليه السلام العديد من التهم والأفكار التي استغلّها أصحابها باسم الدّين لتشويه صورة الإمام عليه السلام وحركته المباركة في أذهان الناس, وهذا الأمر لا يقتصر على حركته عليه السلام فقط بل نلاحظ عبر التاريخ أنّ كلّ حركات الحقّ وخصوصاً حركات التغيير الكبرى كانت تواجه بالتشويه والتكفير والدسّ والتزوير ونحو ذلك, ممّا يتطلّب الوقوف عند هذه التهم وكيفيّة مواجهتها بغية استفادة الدروس والعبر منها.

محاور الموضوع

وُجِّهت إلى الإمام الحسين عليه السلام ونهضته عدد من الاتهامات التي حاول الأمويّون عبر التاريخ ترويجها لتسويغ حربهم على الإمام الحسين عليه السلام , نشير إلى بعض منها:
1- التفرقة والخروج عن الجماعة:
إنّ ابن زياد قال: إيه يا بن عقيل أتيت الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة لتشتّتهم وتفرّق كلمتهم وتحمل بعضهم على بعض؟! قال: كلّا لست لذلك أتيت ولكن أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى


286


وقيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى حكم الكتاب2.

عن عقبة بن سمعان قال: لمّا خرج الحسين من مكّة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد, فقالوا له: انصرف أين تذهب, فأبى عليهم ومضى, وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط ثمّ إنّ الحسين وأصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويّاً ومضى الحسين عليه السلام على وجهه فنادوه: يا حسين ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمّة؟ فتأوّل حسين قول الله عزَّ وجلّ:
﴿لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ3.

2- الخروج عن الدّين:

سمع عمرو بن الحجّاج حين دنا من أصحاب الحسين يقول: يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدّين وخالف الإمام, فقال له الحسين يا عمرو بن الحجّاج: أعليّ تحرّض الناس؟! أنحن مرقنا وأنتم ثبتّم عليه؟! أما والله, لتعلمنّ لو قد قبضت أرواحكم ومتّم على أعمالكم أيّنا مرق من الدّين ومن هو أولى بصلي النّار4.

عن فاطمة بنت الحسين عليهما السلام أنّها قالت: لمّا جلسنا بين يدي


287


يزيد رقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية - يعنيني - وكنت جارية وضيئة فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون. فقالت عمّتي للشاميّ: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقال: كذبت، إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت. قالت: كلّا والله ما جعل الله لك ذلك إلّا أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها. فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدّين أبوك وأخوك. قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلماً. قال: كذبت يا عدوّة الله. قالت له: أنت أمير، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك، فكأنّه استحيا وسكت. فعاد الشاميّ فقال: هب لي هذه الجارية. فقال له يزيد: اغرب، وَهَبَ الله لك حتفاً قاضي5.

3- معصية الحاكم والخروج على طاعته:

فقد روى الذهبيّ عن أبي إسحاق قال: كان شمر يصلّي معنا، ثمّ يقول: اللهمّ إنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي. قلت: كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: ويحك! فكيف نصنع؟ إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم


288


نخالفهم، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر السقاة. قلت: إنّ هذا لعذر قبيح، فإنّما الطاعة في المعروف6.

وهذا مسرف بن عقبة (واسمه في الأصل مسلم ولكنّه سمّي بذلك لكثرة إسرافه في سفك دماء المسلمين) الذي قتل من المسلمين أحد عشر ألف مسلم وفيهم من بقيّة الصحابة والتابعين واغتصب جيشه النساء وافتض الأبكار ونهب المدينة, ورمى الكعبة المشرّفة بالمنجنيق فأحرقها يقول: اللهمّ إنّي لم أعمل عملاً قطّ بعد شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله أحبّ ولا أرجى عندي في الآخرة, وفي لفظ ابن كثير: أحبّ إليّ من قتل أهل المدينة وأجزى عندي في الآخرة وإن دخلت النّار بعد ذلك إنّي لشقيّ! ثمّ مات, وفي تاريخ اليعقوبيّ، قال: اللهمّ إن عذّبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل أهل الحرّة فإنّي إذاً لشقيّ, وفي فتوح ابن أعثم أنّ مسلم بن عقبة قال في وصيّته للحصين بن نمير: فانظر أن تفعل في أهل مكّة وفي عبد الله بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة. ثمّ جعل يقول: اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم أعص خليفة قطّ، اللهمّ إنّي لا أعمل عملاً أرجو به النجاة إلّا ما فعلت بأهل المدينة7.

وكان كعب بن جابر ممّن حضر قتال الحسين في كربلاء يقول:


289


يا ربّ, إنّا قد وفينا فلا تجعلنا يا ربّ كمن غدر8, يقصد بمن غدر من خالف الخليفة وعصى أمره.

وهو الذي شارك في قتل برير من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام , ولمّا رجع من القتال قالت له امرأته أو أخته النوار بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد القرّاء, لقد أتيت عظيماً من الأمر, والله لا أكلّمك من رأسي كلمة أبداً..

وكان يقول في شعره:
فأبلغ عبيد الله إمّا لقيتَه    بأنّي مطيعٌ للخليفة سامع
9

والموقف الحسينيّ كان معروفاً ومعلوماً من كلمات سيّد الشهداء عليه السلام , فقد روي أنّه قال في بعض خطبه: "أيّها الناس, إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله, ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيَّر"10.


290


4- مخالفة مشيئة الله تعالى:
ففي الكوفة في قصر الإمارة لمّا أدخلوا السبايا أقبل عبيد الله بن زياد على العقيلة زينب عليها السلام فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فقالت: إنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا، فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: ما رأيت إلّا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذٍ ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة11.

وروي: أنّ يزيد لمّا رأى رأس الحسين قال: أتدرون من أين أتى ابن فاطمة؟ وما الحامل له على ما فعل؟ وما الذي أوقعه فيما وقع فيه؟ قالوا: لا! قال: يزعم أنّ أباه خير من أبي، وأمّه فاطمة بنت رسول الله خير من أمّي، وجدّه رسول الله خير من جدّي، وأنّه خير منّي وأحقّ بهذا الأمر منّي، فأمّا قوله أبوه خير من أبي فقد حاجّ أبي أباه إلى الله عزَّ وجلّ، وعلم الناس أيّهما حكم له، وأمّا قوله أمّه خير من أمي فلعمري إنّ فاطمة بنت رسول الله خير من أمّي، وأمّا قوله جدّه رسول الله خير من جدّي، فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى أنّ لرسول الله فينا عِدلاً ولا نِدّاً، ولكنّه إنّما أتى من قلّة فقهه لم يقرأ:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ


291


 الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء الآية12, وقوله تعالى: ﴿وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء13, 14.

5- وضع الأحاديث:

عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ: أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام : يا بن رسول الله فكيف سمّت العامّة يوم عاشورا يوم بركة ؟ فبكى عليه السلام ثمّ قال: لمّا قُتل الحسين عليه السلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد، فوضعوا له الأخبار وأخذوا عليها الجوائز من الأموال، فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم، وأنّه يوم بركة، ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن، إلى الفرح والسرور والتبرّك والاستعداد فيه، حكم الله بيننا وبينهم15.


292


هوامش

1- مثير الأحزان ص 31.
2- تاريخ الطبري ج 4 ص 282.
3- تاريخ الطبري ج 4 ص 289.
4- تاريخ الطبري ج 4 ص 331.
5- الإرشاد ج 2 ص 121.
6- ميزان الاعتدال ج 2 ص 280.
7- معالم المدرستين ج 3 ص 192.
8- تاريخ الطبري ج 4 ص 330.
9- تاريخ الطبري ج 4 ص 329.
10- تاريخ الطبري ج 4 ص 304.
11- بحار الأنوار ج 45 ص 115- 116.
12- سورة آل عمران الآية 26.
13- سورة البقرة الآية 247.
14- البداية والنهاية ج 8 ص 212.
15- بحار الأنوار ج 44 ص 270.