المحاضرة الثانية: الشباب أهميّته وخطورته

الهدف:
التعرّف على أهميّة مرحلة الشباب وما تكتنفه من مخاطر وتحدّيات, وما تشكّله من فرصة لا تتوفّر للإنسان مرّة أخرى.

تصدير الموضوع:

قال تعالى في كتابه الكريم:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ1.


267


المقدّمة:
تعتبر مرحلة الشباب من أهمّ مراحل حياة الإنسان, حيث إنّها مرحلة تكون قد تفتّحت فيها قواه وغرائزه, ويستطيع أن ينجز فيها ما لا ينجزه في مرحلة أخرى, فهي مرحلة البناء التي تحدّد مستقبله في الدنيا, وقد تكون أيضاً التي تحدّد مصيره في الآخرة.

محاور الموضوع
1- أهميّة مرحلة الشباب:

أ- الاستعداد القويّ: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته"2.
ب- نعمة إلهيّة لا يعرفها إلّا من فقدها: وعنه عليه السلام: "شيئان لا يعرف فضلهما إلّا من فقدهما: الشباب والعافية"3.

وفي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: "يا عليّ, بادِر بأربعٍ قبل أربعٍ: شبابِك قبل هرمِك, وصحّتِك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وحياتِك قبل موتك"4.

ولذلك فإنّ الإنسان يسأل عنها يوم القيامة: فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتّى يسأل عن


268


أربع: عن عُمُره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن حبّنا أهل البيت"5.

ج- الشباب هم عنوان المجتمع ورموزه: وعن الإمام الباقر عليه السلام: "كان أبي زين العابدين عليه السلام إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم, أدناهم إليه وقال: مرحباً بكم, أنتم ودائع العلم, ويوشِك إذ أنتم صغار قومٍ أن تصبحوا كبار آخرين"6.

هـ- المهديّ عليه السلام وأصحابه شباب: عن أبي الصلت الهرويّ قال: قلت للرضا عليه السلام: ما علامات القائم منكم إذا خرج؟ قال: "علامته أن يكون شيخ السنّ شابّ المنظر, حتّى إنّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها"7.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أصحاب المهديّ شباب لا كهول فيهم إلّا مثل كُحل العين والملح في الزاد, وأقلّ الزاد الملح"8.

2- فرصة الشباب:

إنّ تكوين شخصيّة الإنسان وتحديد مستقبله يبدأ في هذه المرحلة, فعلى الإنسان أن يستغلّها ليكون إنساناً ناجحاً في الدنيا


269


وسعيداً في الآخرة. ونلفت هنا إلى أمرين مهمّين لا بدّ أن يتحلّى بهما في هذه المرحلة:
أ- العلم:
عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه لولده الحسن عليه السلام: "ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نيّة سليمة ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره"9.

وعن الباقر والصادق عليهما السلام: "لو أُتيت بشابّ من شباب الشيعة لا يتفقّه في الدّين لأدّبته"10.

ب- العبادة:

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى يحبّ الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله تعالى"11.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي"12.


270


عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عزَّ وجلّ مع السفرة الكرام البررة, وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة"13.

3- فتنة الشباب:

وحيث كانت مرحلة الشباب مرحلة تفتّح الغرائز والشهوات فإنّ الإنسان قد يقع فريسة الفتن المختلفة التي يقوى طلبها في هذه المرحلة. ونشير هنا إلى بعض ما يجب التنبّه له بالنسبة إلى الشابّ:

أ- الجنس الآخر:

عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "يُؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها, فتقول: يا ربِّ حسَّنت خَلقي حتّى لقيت ما لقيت, فيجاء بمريم عليها السلام فيُقال: أنت أحسن أو هذه؟ قد حسَّنّاها فلم تفتتن, ويُجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حُسنه, فيقول: يا ربِّ حَسَّنت خَلقي حتّى لقيت من النساء ما لقيت, فيُجاء بيوسف عليه السلام فيُقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسَّنّاه فلم يفتتن.."14.


271


ب- الرفقة:
فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يُخالل"15.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير إخوانك من أعانك على طاعة الله, وصدَّك عن معاصيه, وأمرك برضاه"16.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير إخوانكم من أهدى إليكم عيوبكم"17.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير الإخوان من كانت في الله مودّته"18.
وعنه عليه السلام: "للأخلاء ندامة إلّا المتّقين"19. إشارة إلى قوله تعالى:
﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ20.

ج- طلب المال:

قال تعالى:
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى21.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "المال مادّة الشهوات"22.

ولكن هذا لا يعني أن يكون كلّاً على الناس, فعن أبي عبد


272


الله عليه السلام يقول: "لا خير في من لا يحبّ جمع المال من حلال يكفّ به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه"23.
وعن أبي عبد الله عليه السلام يقول: "استعينوا ببعض هذه على هذه ولا تكونوا كلولاً على الناس"24.

بل عليه أن يتخذ الدنيا وسيلة لعمارة الآخرة, فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "نعم العون الدنيا على الآخرة"25.
وعن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: والله إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتاها فقال: "تحبّ أن تصنع بها ماذا؟" قال: أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها وأتصدّق بها وأحجّ وأعتمر, فقال عليه السلام: "ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة"26.

أحلى ما خلق الله:

عن ابن أبي ليلى أنّه قال للصادق عليه السلام: "أيّ شيء أحلى ممّا خلق الله عزَّ وجلّ؟ فقال: "الولد الشابّ"، فقال: أيّ شيء أمَرُّ ممّا خلق الله عزَّ وجلّ؟ قال: "فَقْدُه"، فقال: أشهد أنّكم حجج الله على خلقه"27.


273


هوامش

1- سورة الروم الآية 54.
2- نهج البلاغة الوصية رقم 31.
3- ميزان الحكمة ج 2 ص 1400.
4- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص357.
5- الخصال ص 253.
6- الدر النظيم ص 587.
7- كمال الدّين وتمام النعمة ص 652.
8- الغيبة للنعمانيّ ص 330.
9- نهج البلاغة الوصية رقم 31.
10- المحاسن ج 1 ص 228.
11- ميزان الحكمة ج 2 ص 1402.
12- ميزان الحكمة ج 2 ص 1401.
13- أصول الكافي ج 2 ص 603.
14- بحار الأنوار ج 7 ص 285.
15- مستدرك الوسائل ج 8 ص 327.
16- ميزان الحكم ج 1 ص 46.
17- ميزان الحكم ج 1 ص 46.
18- ميزان الحكم ج 1 ص 46.
19- ميزان الحكم ج 2 ص 1586.
20- سورة الزخرف الآية 67.
21- سورة العلق الآيتان 6 و7.
22- نهج البلاغة, الحكم, رقم 58.
23- فروع الكافي ج 5 ص 72.
24- فروع الكافي ج 5 ص 72.
25- فروع الكافي ج 5 ص 73.
26- فروع الكافي ج 5 ص 72.
27- من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 188.