المحاضرة الأولى: مفهوم زيارة الإمام الحسين عليه السلام وأبعادها

الهدف:
الإطلالة على بعض أبعاد زيارة الإمام الحسين عليه السلام وما احتوته من تعاليم تربويّة وعقائديّة وأخلاقيّة وغيرها.

تصدير الموضوع:

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "من أراد أن يكون في جوار نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وجوار عليّ وفاطمة, فلا يدع زيارة الحسين بن عليّ عليهما السلام1".


259


المقدّمة:
أكّد الأئمّة عليهم السلام على زيارة الإمام الحسين عليه السلام, وقاموا هم بزيارته كما قام شيعتهم عبر التاريخ بذلك, فزاروه من أقصى البلاد وأبعدها فضلاً عن القريب منهم, ومن لم يستطع إتيانه كان يزوره عن بعد كما أمر الأئمّة عليهم السلام بذلك.

وهذه الظاهرة الفريدة تستوقف الإنسان للنظر في أبعادها ودلالتها المختلفة:
محاور الموضوع
1- المفاهيم التي اشتملت عليها الزيارة:

أ- الأصول العقائديّة: احتوت نصوص الزيارات على تمجيد الله وتسبيحه وتنزيهه, بما يعزّز ثقافة التوحيد باعتباره الركيزة الأولى لهذا الدّين الإلهيّ, كما احتوت على التوجّه للإمام الحسين عليه السلام من خلال اتصاله برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء السابقين ووراثاتهم, وهو ما يعزّز ثقافة النبوّة, كما تحدّثت الزيارة عنه عليه السلام كإمام قاد الأمّة نحو عزّتها وكرامتها, ينتمي إلى أهل البيت عليهم السلام بما يؤكّد دور الإمامة وثقافتها: "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله, السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله, السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله, السلام عليك يا وارث موسى كليم الله, السلام عليك يا


260


وارث عيسى روح الله, السلام عليك يا وارث محمّد حبيب الله, السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين عليه السلام وليّ الله, السلام عليك يا بن محمّد المصطفى, السلام عليك يا بن عليّ المرتضى, السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء, السلام عليك يا بن خديجة الكبرى, السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور"2.

ب- التولّي والتبرّي: تحدّثت الزيارات عن شهادة الإمام عليه السلام وأصحابه ودورهم الذي قدّموه, وإعلان الزائر الموالاة للإمام عليه السلام الممثّل لخطّ الحقّ والشريعة, والبراءة من أعدائه الذين يمثّلون خطّ الباطل على مرّ العصور: "فلعن الله أمّة قتلتك, ولعن الله أمّة ظلمتك, ولعن الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به"3.

ج- الواجبات والوظائف الدينيّة: "أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتّى أتاك اليقين"4.

2- البعد العبّادي في الزيارة:

الزيارة عمل يُراد من خلاله ربط الزائر بمفاهيم إسلاميّة خاصّة


261


وتذكيره بها وتجديد صلته بها, ولذلك كانت أمراً عباديّاً وليس عملاً ترفيهيّاً. ومن هنا ورد الأجر الكبير والثواب الجزيل لزائر الحسين عليه السلام.

منها ما عن معاوية بن وهب، قال: استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: ادخل، فدخلت، فوجدته في مصلّاه في بيته، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه وهو يقول: "اللهمّ يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا بالشفاعة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوار قبر أبي عبد الله الحسين، الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك. فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك وشديد، وشرّ شياطين الإنس والجنّ، وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم".

"اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيَّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حفرة


262


أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا. اللهمّ إنّي أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس، حتّى توافيهم من الحوض يوم العطش". فما زال يدعو وهو ساجد بهذا الدعاء، فلمّا انصرف قلت: جعلت فداك, لو أنّ هذا الدعاء الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله عزَّ وجلّ لظننت أنّ النّار لا تطعم منه شيئاً أبداً، والله لقد تمنّيت أنّي كنت زرته ولم أحجّ، فقال لي: "ما أقربك منه! فما الذي يمنعك من زيارته؟". ثمّ قال: "يا معاوية, ولم تدع ذلك"، قلت: جعلت فداك, لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه، فقال: "يا معاوية, من يدعو لزواره في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض"5.

3ِ- البعد السياسيّ في الزيارة:

فقد كانت الزيارة أسلوباً من الأساليب التي كان الأئمّة عليهم السلام يوجّهون الناس من خلالها لحفظ الخطّ الحسينيّ الذي يمثّل الإسلام الصحيح, في قبال السلطة الحاكمة التي كانت تمثّل التيّار الفاسد والمنحرف عن خطّ الإسلام.

وقد تنبّهت السلطات آنذاك إلى خطورة هذا الأمر فقامت بمنع


263


الزائرين من الوصول إلى ضريحه المقدّس, وقد تمثّل ذلك من خلال أمرين:
الأمر الأوّل: وضع الشرط والجواسيس على الطرق المؤدّية إلى كربلاء لمنع الزائرين من الوصول إلى مرقده الشريف, وكانوا ينزلون بهم أشدّ ألوان العقوبات من سلب الأموال وقطع الأيدي والقتل..

الأمر الثاني: محاولة إخفاء القبر الشريف من خلال هدمه وإجراء الماء عليه, لتزول معالم الزيارة من رأس.
وهو ما يدلّل على مدى مضايقة السلطة الحاكمة من ظاهرة الزيارة ومدى إحساسها بخطورة هذا التيّار.

وقد كان ذلك في عهد المتوكّل العبّاسيّ الذي كان شديد البغض لشيعة عليّ عليه السلام , يقول أبو الفرج الإصفهانيّ: وبعث برجل من أصحابه يقال له: الديزج، وكان يهوديّاً فأسلم، إلى قبر الحسين، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كلّ ما حوله، فمضى ذلك وخرّب ما حوله، وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلمّا بلغ إلى قبره لم يتقدّم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكّل به مسالح بين كلّ مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلّا أخذوه ووجّهوا به إليه6.


264


4- الحزن في زيارته:
عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: "إذا أردت زيارة الحسين عليه السلام فزره وأنت كئيب حزين مكروب، شعث مغبّر، جائع عطشان، فإنّ الحسين قُتل حزيناً مكروباً شعثاً مغبّراً جائعاً عطشان.."7.


265


هوامش

1- كامل الزيارات ص 260.
2- مصباح المتهجد ص 720.
3- مصباح المتهجد ص 720.
4- مصباح المتهجد ص 720.
5- كامل الزيارات ص 228- 229.
6- مقاتل الطالبيّين ص 395.
7- كامل الزيارات ص 252.