المحاضرة الثالثة: علامات الظهور بين التطبيق والتحليل

الهدف:
التعرّف على أهمّ الخطوط العامّة التي رسمها أهل البيت عليهم السلام في معرفة علامات الظهور وتحديدها وتطبيقها.

تصدير الموضوع

يقول تعالى:
﴿بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ1.


245


المقدّمة:
إنّ علامات الظهور للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف تشكّل في منظومتها الفكريّة بصنفيها المحتومة وغير المحتومة فكراً عقائديّاً عمل الأئمّة المعصومون على ترسيخه في أذهان الناس، وهذا لا يختلف كثيراً عن باقي العقائد الإسلاميّة, بل لا يختلف عن نفس عقيدة الشيعة بأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

غير أنّ فكرة علامات الظهور تخطت كونها مسألة عقائديّة يؤمن بها المسلم, بل كان لها تأثيرها العمليّ في سلوكه الفرديّ الشخصيّ والاجتماعيّ، فبدلاً من أن يكون مؤمناً بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف صار لزاماً عليه أن ينتظر ظهوره ويمهّد الأرضيّة المناسبة لذلك الظهور، ولذا حدّد أهل البيت عليهم السلام الخطوط العامّة التي ينبغي على المسلم أن يتعامل من خلالها مع أحداث ما قبل الظهور، وكيف يمكن له أن يتصرّف حيال تلك العلامات الحتميّة وغير الحتميّة التي تحصل في زمانه.

محاور الموضوع

1- الآثار السلبيّة للتطبيق والفهم الخاطئ لعلامات الظهور:
• توجيه الكذب للمعصوم: إنّ تطبيق علامات الظهور وسرعة الاعتماد عليها قد يؤدّي إلى توجيه تهمة الكذب للمعصومين عليهم السلام وذلك حيث إنّ المعصوم قد حدّد


246


العلامات وبيّن أسبابها وظروفها وأماكن حدوثها, فلو حدث في مكان ما علامات خلفت قول المعصوم أو تقدّمت علامة على أخرى فإنّ ذلك يكون مخالفاً لكلام المعصوم عليه السلام فإمّا أن تكون المشكلة في نفس تحقّق العلامة، وإمّا أن تكون المشكلة في نصّ كلام المعصوم.

• إبطال فكرة الانتظار: لقد أمرنا بالانتظار انتظار الفرج المحتوم، ولكن لو اعتمدنا على علامات غير دقيقة أو أنّها خيِّلت لنا- ولو من خلال التحليل- أنّها هي العلامة المقصودة في
الرواية ثمّ تبيّن خلاف ما حلّلناه فإنّ ذلك سوف ينعكس سلباً على انتظارنا للإمام عليه السلام ، حيث يصبح الإنسان غير مكترث بما سوف يحصل ولا يعدّ نفسه للظهور, بل قد يصل به الأمر إلى مرحلة أنّ العلامة تكون فعلاً قد تحقّقت إلّا أنّه ولكثرة الخطأ الحاصل في فهم وتحليل علامات الظهور ترك الاستعداد فلا يؤمن بتلك العلامة وإن كانت صحيحة.

• تشويش أفكار الناس: إنّ الإسراع في عمليّة تطبيق علامات الظهور، يؤدّي إلى آثار سلبيّة على نفوس الناس وينعكس سلباً على ضعاف الإيمان بالخصوص، فقد تصل المسألة إلى
مرحلة الشكّ، وعند البعض الآخر إلى مرحلة اليأس.

• فتح الباب أمام الكثير من العابثين بالعقيدة المهدويّة: من خلال تشويه صورتها والقول بأنّ هذه الفكرة غير صحيحة،


247


حيث يكثر فيها الكذب والافتراء وأنّ ما يقال بأنّه من علامات المهديّ فلم يتحقّق، وأنّ تلك الأخرى لم تتحقّق فينعكس ذلك على أصل العقيدة ويتمسّك به المنكرون للإمامة ولقضيّة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا المعاصرة، فكثير من الأشخاص المنكرين لقضيّة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يتمسّكون بهذه الأمور ويقولون بأنّ ما تدّعونه من علامات لم تحصل، وما من علامات طبّقت إلّا وبان فساده بعد مدّة, فهذا دليل على بطلان أصل العقيدة المهدويّة.

• إحداث خلل في المسار العامّ لحركة الظهور: حيث إنّ تطبيق كثير من العلامات أو التسرّع في تلقّفها سببه هو عدم الفهم والوضوح لتسلسل علامات الظهور، فقد يؤدّي ذلك إلى تقديم
علامات وتأخير أخرى ممّا يحدث خللاً في المنظومة العامّة لسير علامات الظهور.

2- توصيات الأئمّة المعصومين عليهم السلام بشأن علامات الظهور:
• انتظار الفرج: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلّ انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن..."2.


248


• عدم التوقيت: نهى أهل البيت عليهم السلام عن التوقيت في ظهور المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والتوقيت يتضمّن تطبيق العلامات على أشخاص قد يظنّ الشخص أنّهم هم الذين تحدّثت عنهم الروايات، عن عبد الرحمن بن كثير قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر، متى هو؟ فقال: "يا مهزم, كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون"3.

• عدم الاستعجال في التعاطي مع العلامة غير المحتومة: عن أبي المرهف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "الغبرة على من أثارها، هلك المحاضير", قلت: جعلت فداك وما المحاضير؟ قال: "المستعجلون؛ أما إنّهم لن يريدوا إلّا من يعرض لهم"، ثمّ قال: "يا أبا المرهف, أما إنّهم لم يريدوكم بمجحفة إلّا عرض الله عزَّ وجلّ لهم بشاغل"، ثمّ نكت أبو جعفر عليه السلام في الأرض ثمّ قال: "يا أبا المرهف!" قلت: لبيك, قال: "أترى قوماً حبسوا أنفسهم على الله عزّ ذكره لا يجعل الله لهم فرجاً؟ بلى والله ليجعلنّ الله لهم فرجاً"4.

• ضرورة وعي العلاقة والارتباط بين تحقّق العلامة غير الحتميّة ونظام البداء والقضاء غير المُبرم إلهيّاً: الفضل الكاتب قال:


249


كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال ليس لكتابك جواب, اخرج عنّا, فجعلنا يسارّ بعضنا بعضاً، فقال: "أيّ شيء تسارّون يا فضل؟! إنّ الله عزَّ وجلّ ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولَإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقص أجله" ثمّ قال: "إنّ فلان بن فلان حتّى بلغ السابع من ولد فلان"، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك؟ قال: "لا تبرح الأرض يا فضل حتّى يخرج السفيانيّ فإذا خرج السفيانيّ فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً - وهو من المحتوم"5.

• معرفة العلامة أي معرفة الإمام المهديّ: عن عمر بن أبان قال: سمعتُ أبا عبد الله الإمام جعفر الصادق عليه السلام:يقول: "اعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرّك، تقدّمَ هذا الأمرُ أو تأخّر إنَّ الله عزَّ وجلّ يقول:
﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فمَن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المُنتَظَر عليه السلام "6.

• التحذير من الخفّة والانزلاق وراء أدعياء الإصلاح المواكبين للإصلاح الشامل: جابر الجعفيّ عن أبي جعفر عليه السلام يقول: "إلزم الأرض لا تحرّكنّ يدك ولا رجلك أبداً حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة" - ثمّ ذكر العلامات المحتومة مع تفاصيل


250


كلّ منها -، وقال: "وإيّاك وشذّاذ من آل محمّد عليهم السلام ، ولا تتّبع منهم رجلاً أبداً حتّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه..."7.

• التريّث والانتظار لمعرفة مآل المدّعي أو الشخصيّة التي تظهر عليها تلك العلامة: عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: "والله لا يخرج واحد منّا قبل خروج القائم عليه السلام إلّا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به"8.

• التحذير من ظهور رايات تدّعي الدعوة للمهديّ: عن المفضّل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: سمعته يقول: "إيّاكم والتنويه، أما والله ليغيبنّ إمامكم سنين من دهركم، وليمحّص حتّى يقال مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيدّه بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيّ من أيّ"، قال: فبكيت، فقال لي: "ما يبكيك يا أبا عبد الله؟" فقلت: وكيف لا أبكي وأنت تقول: "ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيّ من أي"، فكيف نصنع؟


251


قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: "يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟"، قلت: نعم، قال: "والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس"9.

• رواية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف واضحة المعالم: كما جاء في الرواية السابقة عن المفضّل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال جابر: وأنت تقول: "ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيّ من أيّ"، فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: "يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟"، قلت: نعم، قال: "والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس"10.

• الاستعجال: قال إبراهيم بن خليل: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، مات أبي على هذا الأمر وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء؟ فقال عليه السلام: "يا أبا إسحاق, أنت تعجل!" فقلت: إي والله أعجل وما لي لا أعجل وقد بلغت من السنّ ما ترى! فقال عليه السلام: "..أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتّى تميزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ.."11.

• إنّ الأمر بيد الله سبحانه وتعالى: وعن أبي جعفر عليه السلام: ".. ما


252


لكم لا تملكون أنفسكم وتصبرون حتّى يجيء الله تبارك وتعالى بالذي تريدون، إنّ هذا الأمر ليس يجيء على ما تريد الناس, إنّما هو أمر الله تبارك وتعالى وقضاؤه والصبر، وإنّما يعجل من يخاف الفوت"12.

• إنّ أمر الظهور له غايته ووقته المحدّد الذي لا يمكن أن يتخلّف عنه: وعن الصادق عليه السلام عند ذكر ملوك بني العبّاس قال: "إنّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إنّ الله لا يعجل لعجلة العباد، إنّ لهذا الأمر غاية يُنتهى إليها فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا"13.

• عدم إذاعة وقت الظهور: عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "يا أبا إسحاق، إنّ هذا الأمر قد أخّر مرّتين"14.

قصّة وعبرة:

عن الصادق عليه السلام: "وأمّا إبطاء نوح عليه السلام ، فإنّه لمّا استنزلت العقوبة على قومه من السماء بعث الله عزَّ وجلّ الروح الأمين عليه السلام بسبع نويّات، فقال: يا نبيّ الله, إنّ الله تبارك وتعالى يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي ولست


253


 أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإنّي مُثيبك عليه، واغرس هذه النوى فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين، فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت وتغصّنت وأثمرت وَزَهَا الثمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله سبحانه وتعالى العِدَة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكّد الحجّة على قومه.

فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقّاً لما وقع في وعد ربّه خُلف.
ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرّات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدّ منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلاً، فأوحى الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه، وقال: يا نوح, الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرّح الحقّ عن محضه وصُفِّي من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة، فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوّتك بأن أستخلفهم في الأرض وأمكّن لهم دينهم وأبدل خوفهم بالأمن


254


لكي تَخْلُص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة، فلو أنّهم تسنّموا منّي الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لَنشقُوا روائح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم وتأبّدت حبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرّد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدّين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا.

قال الصادق عليه السلام: وكذلك القائم فإنّه تمتدّ أيّام غيبته ليصرّح الحقّ عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف"15.


255


هوامش

1- سورة هود الآية 86.
2- الخصال ص 616.
3- أصول الكافي ج 1 ص 368.
4- فروع الكافي ج 8 ص 274.
5- فروع الكافي ج 8 ص 274.
6- أصول الكافي ج 1 ص 372.
7- تفسير العياشي ج 1 ص 64.
8- فروع الكافي ج 8 ص 264.
9- كمال الدّين وتمام النعمة ص347.
10- كمال الدّين وتمام النعمة ص347.
11- غيبة النعمانيّ ص 111.
12- قرب الإسناد ص 381.
13- أصول الكافي ج 1 ص 369.
14- غيبة النعمانيّ ص 303.
15- كمال الدّين وتمام النعمة ص 355.