المحاضرة الأولى: قيادات كربلائيّة

الهدف:
ذكر بعض النماذج الكربلائيّة غير المعصومة علّها تكون قدوة لمجتمعنا.

تصدير الموضوع:
عن الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي, فجزاكم الله عنّي خيراً..."1.


227


المقدّمة:
من الملاحظ تنوّع القدوات في كربلاء، ففيها الإمام (القائد) وأهل بيته والرجال والشباب والنساء والأطفال والأبيض والأسود والفقير والغني وصاحب الجاه ومن لا جاه له والمتزوج والأعزب، لقد كانت كربلاء مجتمعاً مقاوماً مصغّراً، فيها دروس لمجتمعنا المقاوم.

محاور الموضوع
نماذج كربلائيّة
1- النموذج النسائيّ

• أمّ وهب:
عندما قرر زوجها الخروج لنصرة الإمام الحسين عليه السلام أصرّت على اصطحابها معه. فالتحقت بأنصار الإمام عليه السلام في كربلاء, برز زوجها يوم العاشر من المحرّم لقتال الأعداء، فأخذت عموداً بيدها وأسرعت إلى ساحة القتال إلّا أنّ الإمام الحسين عليه السلام منعها من ذلك معتبراً أنّ الجهاد غير واجب على النساء، بعد شهادة زوجه, أسرعت إليه وأخذت تمسح وجهه, فأسرع إليها أحد الأعداء فضربها، فقضت شهيدة.

• أمّ خلف:
هي زوجة مسلم بن عوسجة، من النساء الفاضلات ومن


228


أتباع سيّد الشهداء المخلصات. جهّزت ابنها "خلف" للحرب إلى جانب الإمام عليه السلام بعد شهادة زوجها "مسلم". استشهد ابنها خلف بعد أن استبسل في القتال.

2- النموذج الرجاليّ

• زهير بن القين:
وكان زهير بن القين قد سافر في العام 60 هـ.مع عائلته لأداء فريضة الحجّ, وعند العودة إلى الكوفة نصب خيمته في "زرود" فأرسل إليه الإمام الحسين عليه السلام قائلاً له: "أن القني أكلّمك"2، فأبى أن يلقاه وكان مع زهير زوجته (وهذه قدوة نسائيّة مهمّة في تثبيت وتشجيع أزواجهنَّ) فقالت له: سبحان الله يبعث إليك ابن رسول الله فلا تجيبه؟ فقام إلى الحسين عليه السلام فلم يلبث أن انصرف وقد أشرق وجهه! فأمر بفسطاطه فقلع، وضرب إلى لزق فسطاط الحسين عليه السلام ولحق به.

• الحرّ بن يزيد الرياحيّ:

الحرّ من العائلات العراقيّة المشهورة وهو من كبار أهل الكوفة. دعاه ابن زياد لقتال الإمام الحسين عليه السلام وولّاه قيادة ألف فارس. قيل إنّه عندما خرج من دار الإمارة بهدف قطع الطريق على الإمام الحسين عليه السلام سمع نداءً يقول له: "يا حرّ أبشر بالجنّة".


229


فقال: ثكلت الحرّ أمّه، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويبشّر بالجنّة. ثمّ تابع المسير مع جيشه لقطع الطريق على الإمام عليه السلام وأصحابه... ثمّ إنّ الإمام أراد الانطلاق بقافلته والاستمرار في مسيره فمنعه الحرّ، فقال له الإمام عليه السلام : "ثكلتك أمّك ما تريد؟" فلم يجب الحرّ لأنّه كان يعرف الإمام عليه السلام ويعرف مقام والدته عليها السلام اقتربت ساعة المواجهة بين الإمام الحسين وأعدائه وكان الحرّ ما زال واقفاً على مفترق طريقي الحقّ والباطل, وفي اللحظة الحسّاسة اختار طريق الحقّ، وقيل إنّه أراد تقديم الماء لفرسه فهرب إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام وهكذا يكون الحرّ قد خرج من وادي الظلمة إلى جنّة الهداية. طلب إذن الإمام ليكون أوّل المبارزين، وفي الأثناء خاطب الأعداء بكلمات مؤثّرة أدّت إلى انصراف البعض عن قتال الإمام الحسين عليه السلام. استشهد الحرّ بعد أن استبسل في الدفاع عن سيّد الشهداء وقد قال الإمام عليه السلام فيه: "أنت حرّ كما سمتّك أمّك وأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة"3.

3- النموذج الشبابيّ
• عليّ بن الحسين عليه السلام قدوة الشباب‏:

هو الابن الأكبر لسيّد الشهداء عليه السلام وأشبه الناس


230


برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان عمره في كربلاء يتراوح بين 18 و28 سنة. عندما طلب من الإمام الحسين عليه السلام السماح له بالمبارزة توجّه الإمام عليه السلام نحو السماء وقال: "اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم, فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمّد خلقاً وخُلقاً ومنطقاً, وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه"4.

4- نموذج الفتيان والأطفال:
• القاسم بن الحسن:
هو فتى لم يبلغ سنّ البلوغ بعد، إلّا أنّه كان في أوج البصيرة والمحبّة والطاعة. أمّا شوقه للشهادة فكان أجمل حادثة سجّلها التاريخ. في ليلة العاشر من المحرّم وعندما كان الجميع يتداولون في ما ستؤول إليه الأحوال في الغد، كان يخاف أن لا يتمكّن من الالتحاق بقافلة العشق والشهادة لذلك سأل عمّه: هل سأستشهد معكم؟ وقد ألقى سؤاله سكوتاً سيطر على الخيمة. سأله الإمام: "كيف الموت عندك؟" فأجاب القاسم بأجمل عبارات وأعذب كلام: "الموت عندي أحلى من العسل"5.

• عبد الله بن الحسين:

استشهد يوم العاشر من المحرّم في حضن أبيه.. وقد دفنه


231


الإمام عليه السلام إلى جانب الخيم. إنّ الحسين لمّا آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلاً له ليودّعه، فجاءته به أخته زينب، فتناوله من يدها ووضعه في حجره، فبينا هو ينظر إليه إذ أتاه سهم فوقع في نحره فذبحه. فأخذ الحسين عليه السلام دمه بكفّه ورمى به إلى السماء وقال: "ربّ إن تك حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين"6.

• عبد الله بن الحسن‏:

فتى في الحادية عشرة من العمر. تقدّم للتضحية دفاعاً عن حريم الولاية. قال الشيخ المفيد: لمّا ضرب مالك بن النسر الكنديّ بسيفه الحسين عليه السلام على رأسه بعد أن شتمه ألقى الحسين عليه السلام قلنسوته ودعا بخرقة وقلنسوة، فشدّ رأسه بالخرقة ولبس القلنسوة واعتمّ عليها، رجع عنه شمر ومن معه إلى مواضعهم، فمكث هنيهة، ثمّ عاد وعادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبد الله بن الحسن من عند النساء وهو غلام لم يراهق، فشدّ حتّى وقف إلى جانب عمّه الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب لتحبسه فأبى، فقال لها الحسين عليه السلام: "احبسيه يا أخيّة"، فامتنع امتناعاً شديداً، وقال: والله لا أفارق عمّي.

وأهوى بحر بن كعب إلى الحسين بالسيف فقال الغلام: ويلك يا بن الخبيثة! أتقتل عمّي؟ فضربه بحر بالسيف، فاتّقاه


232


الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام: يا عمّاه، فأخذه الحسين عليه السلام وضمّه إليه وقال: "يا بن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك خيراً، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين"، ثمّ رفع الحسين عليه السلام يديه إلى السماء وقال: "اللهمّ أمسك عليهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض"7.

5- نموذج الشيوخ
• حبيب بن مظاهر:

كان عمر حبيب في كربلاء 75 عاماً وقد رسم صورة ناصعةً ليلة العاشر من المحرّم تدلّ على ما يحمله من شوق للشهادة والإيثار والتضحية. أدرك حبيب ما يعتري زينب عليها السلام من اضطراب, لذلك جمع الأصحاب وتحدّث فيهم وطلب منهم ألّا يكونوا سبباً لاضطراب أهل البيت عليهم السلام بالأخصّ زينب عليها السلام. وفي اليوم العاشر برز حبيب رغم كهولته وقيل إنّه قتل 62 شخصاً ثمّ التحق بركب الشهداء.


233


هوامش

1- الإرشاد ج 2 ص 91.
2- الأخبار الطوال ص 246.
3- تاريخ الطبري ج 4 ص 325.
4- الأخلاق الحسينيّة ص 120.
5- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 487.
6- تاريخ الطبري ج 4 ص 342.
7- أنظر: مقتل أبو مخنف الأزديّ ص 192.