المحاضرة الثالثة: مكانة الرضا وثمراته

الهدف:
بيان أهميّة الرضا وحثّ الناس على الاتصاف بهذه الفضيلة العظيمة.

تصدير الموضوع:

قال تعالى في كتابه الكريم:
﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ1.


153


المقدّمة:
إنّ الرضا ثمرة المحبّة لله، من أحبّ شيئاً أحبّ فعله, والمحبّة ثمرة المعرفة، فإنّ من أحبّ شخصاً إنسانيّاً لاشتماله على بعض صفات الكمال أو نعوت الجمال، يزداد حبّه له كلّما زاد به معرفة وله تصورّاً, فمن نظر بعين بصيرته إلى جلال الله تعالى وكماله أحبّه، والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله، ومتى أحبّه استحسن كلّ أثر صادر عنه، وهو يقتضي الرضا2.

محاور الموضوع
1- أهميّة الرضا:

يعتبر الرضا من الفضائل العظيمة للإنسان, بل إليه يرجع مجموع الفضائل وقد نبّه الله على فضله وجعله مقروناً برضاه تعالى وعلامة له فقال:
﴿رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ3, وقال في آية أخرى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ4.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ فيما أوحى الله عزَّ وجلّ إلى موسى بن عمران عليه السلام: يا موسى بن عمران, ما خلقت خلقاً أحبّ إلي من عبدي المؤمن, فإنّي إنّما أبتليه لما هو خير له,


154


وأعافيه لما هو خير له وأزوي عنه ما هو شرّ له لما هو خير له, وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي، إذا عمل برضائي وأطاع أمري"5.

2- مكانة الرضا:

أ- رأس الطاعة: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "رأس طاعة الله الرضا بما صنع الله فيما أحبّ العبد وفيما كره ولم يصنع الله بعبد شيئاً إلّا وهو خير له"6.
ب- نعم القرين: عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "نعم قرين الإيمان الرضا"7.

ج- علامة الإيمان: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "اعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحبّ وكره"8.
د- من حقيقة الإيمان: عن الإمام الباقر عليه السلام: "بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنتم؟ قالوا: نحن مؤمنون


155


يا رسول الله, قال صلى الله عليه وآله وسلم: فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علماء حكماء, كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون"9.

هـ- ثمرة اليقين: وعنه عليه السلام قال: "الرضا ثمرة اليقين"10.
و- أعلى درجات اليقين: عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا"11. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين"12.

3- علامات الرضا:
• سخط النفس: قال لقمان لابنه: "يا بنيّ, من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيراً، ومن لا يسخط نفسه لا يرضى به"13.
• عدم السخط على المولى: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل - لجبرئيل -: "قلت: فما تفسير الرضا؟ قال: جبرئيل:


156


الراضي لا يسخط على سيّده أصاب من الدنيا أم لم يصب، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل"14.

4- ثمار الرضا:

أ- القناعة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من رضي من الدنيا بما يكفيه كان أيسر ما فيها يكفيه"15.
ب- إجابة الدعاء: عن الإمام الحسن عليه السلام قال: "أنا الضامن لمن لا يهجس في قلبه إلّا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له"16.

ج- الاصطفاء: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه"17.
د– الظفر بثواب الله: وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب الله تعالى يوم فقركم والإفلاس"18.

هـ- النجاة يوم القيامة: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمّتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها ويتنعمّون كيف شاؤوا، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب؟ فيقولون:


157


ما رأينا حساباً، فيقولون: هل جزتم الصراط؟ فيقولون؟ ما رأينا صراطاً، فيقولون: هل رأيتم جهنّم؟ فيقولون: ما رأينا شيئاً، فتقول الملائكة: من أمّة من أنتم؟ فيقولون: من أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فيقولون: نشدناكم الله حدّثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا؟ فيقولون: خصلتان كانتا فينا فبلَّغنا الله هذه الدرجة بفضل رحمته، فيقولون: وما هما؟ فيقولون: كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه، ونرضى باليسير ممّا قسم لنا، فتقول الملائكة حقّ لكم هذا"19.

5- قصّة وعبرة:

روي: أنّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ - رضوان الله عليه - ابتلي في آخر عمره بضعف الهرم والعجز، فزاره الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام ، فسأله عن حاله، فقال: أنا في حالة أحبّ فيها الشيخوخة على الشباب، والمرض على الصحّة، والموت على الحياة. فقال الباقر عليه السلام: "أمّا أنا يا جابر، فإن جعلني الله شيخاً أحبّ الشيخوخة، وإن جعلني شاباً أحبّ الشيبوبة، وإن أمرضني أحبّ المرض، وإن شفاني أحبّ الشفاء والصحّة، وإن أماتني أحبّ الموت, وإن أبقاني أحبّ البقاء". فلمّا سمع جابر هذا الكلام منه قبل وجهه، وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّه


158


قال: "ستدرك لي ولداً اسمه اسمي، يبقر العلم بقراً..."20.

الرضا الحسينيّ:

لمّا ذبح طفل الإمام الحسين عليه السلام في حجره تلقّى الحسين دمه فلمّا ملأ كفّيه صبّه في الأرض، ثمّ قال: "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله تعالى، أللهمّ لا يكون أهون عليك من فصيل! إلهي إن كنت حبست عنّا النصر فاجعله لما هو خير منه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل".


159


هوامش

1- سورة الحديد الآية 23.
2- مستفاد من تسلية الفؤاد ص 79.
3- سورة الأنعام الآية 119.
4- سورة التوبة الآية 72.
5- أصول الكافي ج 2 ص 61.
6- وسائل الشيعة ج 3 ص 254.
7- ميزان الحكمة ج 2 ص 1039.
8- فروع الكافي ج 8 ص 8.
9- أصول الكافي ج 2 ص 53.
10- ميزان الحكمة ج 2 ص 1094.
11- وسائل الشيعة ج 3 ص 253.
12- مستدرك الوسائل ج 68 ص 152.
13- بحار الأنوار ج 67 ص 78.
14- معاني الأخبار ص 261.
15- بحار الأنوار ج 74 ص 169.
16- مشكاة الأنوار ص 74.
17- جامع السعادات ج 3 ص 145.
18- بحار الأنوار ج 79 ص 143.
19- بحار الأنوار ج 100 ص 25.
20- مسكّن الفؤاد ص 83.