المحاضرة الثالثة: أهل المعروف وفضلهم

الهدف:
الحثّ على عمل المعروف, وضرورة شكر أهله, وحفظ المعروف لهم, وثواب عامله.

تصدير الموضوع:

في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام: "وأمّا حقّ ذي المعروف عليك, فأن تشكره, وتذكر معروفه, وتكسبه المقالة الحسنة, وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزَّ وجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية، ثمّ إن قدرت على


125


مكافأته يوماً كافيته"1.

المقدّمة:

المعروف هو العمل الحسن الذي يستوجب المدح والثناء من العقلاء, والثواب والجزاء من الله تعالى, وعلى هذا الأساس فقد ندبت الشريعة الإسلاميّة إليه, وحثّت عليه, ومدحت أهله, ونوّهت بعامليه, وجعلت لهم الأجر العظيم والثواب الجزيل, ونبّهت على العديد من ضوابطه وشروطه, ودعت إلى إرساء ثقافة المعروف والأمر به في مقابل المنكر والنهي عنه, وسوف نحاول الإطلالة على شيء من الروايات الواردة في ذلك ضمن بعض العناوين التي أشرنا إليها.

محاور الموضوع
1- ثواب أهل المعروف:

أ- هم أهل المعروف في الآخرة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  أنّه قال: "أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: يغفر لهم بالتطوّل منه عليهم, ويدفعون حسناتهم إلى الناس فيدخلون بها الجنّة, فيكونون أهل المعروف في الدنيا والآخرة"2.


126


وعن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث -: "إنّ الله يقول للفقراء يوم القيامة: انظروا وتصفّحوا وجوه الناس، فمن أتى إليكم معروفاً فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة"3.
ب- باب للجنّة اسمه باب المعروف: عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إنّ للجنّة باباً يقال له: باب المعروف فلا يدخله إلّا أهل المعروف"4.

ج- رائحة من الجنّة: عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله فداك آباؤنا وأمّهاتنا، إنّ أهل المعروف في الدنيا عرفوا بمعروفهم، فبم يعرفون في الآخرة؟ فقال: إنّ الله عزَّ وجلّ إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة, أمر ريحاً عَبِقة فلصقت بأهل المعروف، فلا يمرّ أحد منهم بملأ من أهل الجنّة إلّا وجدوا ريحه فقالوا: هذا من أهل المعروف"5.

د- صلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "أيّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "6.

هـ- أحبّ العباد إلى الله: عن أبي حمزة أنّه قال: سمعت أبا


127


جعفر عليه السلام يقول: "إنّ من أحبّ عباد الله إلى الله لمن حبّب إليه المعروف، وحبّب إليه فعاله"7.

و- تدفع ميتة السوء: عن عبد الله بن سليمان أنّه قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "إنّ صنائع المعروف تدفع مصارع السوء"8.

2- المعروف عامّ في المؤمن والكافر:

عن عليّ بن سالم أنّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "آية في كتاب الله مسجّلة، قلت: ما هي؟ قال:
﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ جرت في المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر، من صُنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافاة أن يصنع كما صنع به، بل يرى مع فعله لذلك أنّ له الفضل المبتدأ"9.

وعن محمّد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين عليه السلام قال: مرَّ شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "ما هذا؟" فقالوا: يا أمير المؤمنين نصرانيّ قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه!! أنفقوا عليه من بيت المال"10.


128


وعن عليّ بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن موسى عليه السلام: "كان في بني إسرائيل مؤمن وكان له جار كافر، فكان الكافر يرفق بالمؤمن، ويوليه المعروف في الدنيا، فلمّا أن مات الكافر بنى الله له بيتاً في النّار من طين، وكان يقيه حرّها ويأتيه الرزق من غيرها، وقيل له: هذا ما كنت تدخله على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق، وتوليه من المعروف في الدنيا"11.

3- قاطعو سبيل المعروف:

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "لعن الله قاطعي سبيل المعروف"، قيل: وما قاطعو سبيل المعروف؟ قال: "الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره"12.

4- من شروط المعروف:

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "رأيت المعروف لا يتمّ إلّا بثلاث: تصغيره وستره وتعجيله، فإنّك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تمّمته، وإذا عجّلته هنّأته، وإذا كان غير ذلك سخّفته ونكّدته"13.

وعن أبي الحسن موسى عليه السلام أنّه قال: "لا تبذل لإخوانك


129


من نفسك ما ضرّه عليك أكثر من منفعته لهم"14.

5- شكر المنعم:

أ- شكر المخلوق من شكر الخالق: عن الرضا عليه السلام أنّه قال: "من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزَّ وجلّ"15.
وعن عمّار الدهنيّ أنّه قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: "إنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين، ويحبّ كلّ عبد شكور، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ، فيقول: لم تشكرني إن لم تشكره، ثمّ قال: أشكركم لله أشكركم للناس"16.

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يؤتى العبد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عزَّ وجلّ فيأمر به إلى النّار، فيقول: أي ربّ, أمرت بي إلى النّار وقد قرأت القرآن، فيقول الله: أي عبدي, إنّي قد أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي، فيقول: أي ربّ, أنعمت عليّ بكذا وشكرتك بكذا، وأنعمت عليّ بكذا وشكرتك بكذا، فلا يزال يحصي النعمة ويعدّد الشكر فيقول الله تعالى: صدقت عبدي, إلّا أنّك لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه، وإنّي قد


130


آليت على نفسي أن لا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتّى يشكر من ساقها من خلقي إليه"17.

ب- كيفيّة الثناء على أهل المعروف ومكافاتهم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كفاك بثنائك على أخيك إذا أسدى إليك معروفاً أن تقول له: جزاك الله خيراً، وإذا ذكر وليس هو في المجلس أن تقول: جزاه الله خيراً، فإذا أنت قد كافأته"18.

6- كن من أهل المعروف:

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "اصنع المعروف إلى من هو أهله، وإلى من ليس من أهله، فإن لم يكن هو أهله فكن أنت من أهله"19.

7- النبيّ وأهل البيت عليهم السلام مكفّرون:

والمكفّر هو مجحود النعمة الذي لا يؤدّى شكره, فعن عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكفّراً لا يُشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشيّ والعربيّ والعجميّ، ومن كان أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معروفاً على هذا الخلق؟! وكذلك نحن أهل البيت مكفّرون لا يُشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفّرون لا يُشكر معروفهم"20.


131


هوامش

1 - الخصال ص 568.
2- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 17.
3- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 18.
4- وسائل الشيعة ج 16, باب 4 من أبواب فعل المعروف حديث 8.
5- وسائل الشيعة ج 16, باب 6 من أبواب فعل المعروف حديث 5.
6- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 15.
7- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 4.
8- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 9.
9- وسائل الشيعة ج 16, باب 7 من أبواب فعل المعروف حديث 3.
10- تهذيب الأحكام ج 6 ص 292.
11- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 14.
12- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 1.
13- وسائل الشيعة ج 16, باب 9 من أبواب فعل المعروف حديث 1.
14- وسائل الشيعة ج 16, باب 10 من أبواب فعل المعروف حديث 2.
15- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 15.
16- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 3.
17- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 12.
18- وسائل الشيعة ج 16, باب 7 من أبواب فعل المعروف حديث 7.
19- وسائل الشيعة ج 16, باب 3 من أبواب فعل المعروف حديث 1.
20- وسائل الشيعة ج 16, باب 7 من أبواب فعل المعروف حديث 11.