المحاضرة الثانية: الحبّ والبغض في الله

الهدف:
التعرّف على الحبّ في الله والبغض في الله باعتباره الركيزة الأساسيّة للإيمان.

تصدير الموضوع:

قال تعالى:
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ1.


117


المقدّمة
ذكرت الروايات للحبّ والبغض أهميّة خاصّة حيث عدّته من أوثق عرى الإيمان, فإنّ الذي يجعل ميزان ميوله وتعلّقاته, واختياره لأفعاله هو ما يحبّه الله تعالى, ويترك ما يبغضه, سوف تتمايز الأشياء أمامه إلى نوعين: نوع له علاقة بالله تعالى وأحبّائه, ونوع له علاقة بما يبغضه الله تعالى وبأعدائه.

محاور الموضوع
1- فضل الحبّ والبغض في الله:

أ- كمال الإيمان: عن أبي عبد الله عليه السلام: "من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممّن كمل إيمانه"2.
وعن أبي عبد الله عليه السلام: "لا يمحضُ رجل الإيمان بالله حتّى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمّه وولده وأهله وماله ومن الناس كلّهم"3.

ب- أوثق عرى الإيمان:
عن أبي عبد الله عليه السلام  قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم, وقال بعضهم: الصلاة, وقال بعضهم: الزكاة, وقال بعضهم: الصيام, وقال بعضهم: الحجّ والعمرة, وقال


118


بعضهم: الجهاد, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لكلّ ما قلتم فضل وليس به, ولكن أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله وتوالي أولياء الله والتبرّي من أعداء الله"4.

ج- هل الدّين إلّا الحبّ: وعن الفضيل بن يسار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحبّ والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال عليه السلام: "وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض؟" ثمّ تلا هذه الآية:
﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ5.

عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام  في حديث له قال: "يا زياد, ويحك وهل الدّين إلّا الحبّ؟ ألا ترى إلى قول الله
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ أو لا ترى قول الله لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ, وقال: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ فقال: الدّين هو الحبّ والحبّ هو الدّين"6.

ونحن نقرأ في زيارتهم عليهم السلام: "بأبي أنتم وأمّي ونفسي وأهلي ومالي"7.


119


2- فضل المتحابّين في الله:
عن عليّ بن الحسين عليهما السلام  قال: "إذا جمع الله عزَّ وجلّ الأوّلين والآخرين قام مناد فنادى يسمع الناس فيقول: أين المتحابّون في الله؟ قال: فيقوم عنق من الناس فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنّة بغير حساب, قال: فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنّة بغير حساب, قال: فيقولون: فأيّ ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابّون في الله, قال: فيقولون: وأيّ شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحبّ في الله ونبغض في الله, قال: فيقولون: نعم أجر العاملين"8.

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إنّ المتحابّين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوهم ونور أجسادهم ونور منابرهم كلّ شيء حتّى يعرفوا به، فيقال: هؤلاء المتحابّون في الله"9.

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "لو أنّ رجلاً أحبّ رجلاً لله لأثابه الله على حبّه إيّاه وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النّار, ولو أنّ رجلاً أبغض رجلاً لله لأثابه الله على بغضه إيّاه وإن كان المبغض في علم الله من أهل الجنّة"10.


120


3- عبادة الحبّ:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "(إنّ) العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزَّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد, وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الأُجراء، وقوم عبدوا الله عزَّ وجلّ حبّاً له، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة"11.

4- مسؤوليّة الحبّ في الله:

وقال رجل للإمام زين العابدين عليه السلام: إنّي لأحبّك في الله حبّاً شديداً, فنكَّس عليه السلام رأسه ثمّ قال: "اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أُحبَّ فيك وأنت لي مبغض", ثمّ قال له: "أحبّك للذي تحبّني فيه"12.

5- حشر الإنسان مع من أحبّ:

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاك أن تحبّ أعداء الله وتصفي ودَّك لغير أولياء الله فإنّه من أحبّ قوماً حشر معهم"13.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبّك, وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحبّ"14.


121


عن أنس بن مالك قال: جاء رجل من أهل البادية، وكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, فقال: يا رسول الله متى قيام الساعة؟ فحضرت الصلاة فلمّا قضى صلاته قال: "أين السائل عن الساعة؟" قال: أنا يا رسول الله, قال: "فما أعددت لها؟" فقال: والله ما أعددت لها من كثير عمل لا صلاة ولا صوم, إلّا أنّي أحبّ الله ورسوله, فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء مع من أحبّ", قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد السلام  بشيء أشدّ من فرحهم بهذا15.

6- حبّ النبيّ وأهل بيته عليهم السلام:

وفي خبر آخر: جاء رجل من الأنصار إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول ما أستطيع فراقك، وإنّي لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي، وأقبل حتّى أنظر إليك حبّاً لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنّة، فرفعت في أعلى عليّين، فكيف لي بك يا نبيّ الله؟ فنزل:
﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا16, فدعا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الرجل فقرأها عليه وبشّره بذلك17.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إلزموا مودّتنا أهل البيت, فإنّه من لقي


122


الله وهو يودّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلّا بمعرفة حقّنا"18.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من رزقه الله حبّ الأئمّة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكّنَّ أحد أنّه في الجنّة فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة, عشر منها في الدنيا وعشر منها في الآخرة، أمّا التي في الدنيا فالزهد والحرص على العمل، والورع في الدّين، والرغبة في العبادة، والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس ممّا في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله ونهيه عزَّ وجلّ، والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء".

وأمّا التي في الآخرة فلا يُنشر له ديوان، ولا يُنصب له ميزان، ويعطى كتابه بيمينه، ويُكتب له براءة من النّار، ويُبيضّ وجهه، ويُكسى من حلل الجنّة، ويشفع في مائة من أهل بيته، وينظر الله عزَّ وجلّ إليه بالرحمة ويُتوّج من تيجان الجنّة، والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب فطوبى لمحبّي أهل بيتي"19.

ثواب من دمعت عينه في آل محمّد:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب، غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر"20.


123


هوامش

1- سورة آل عمران الآية 31.
2- الكافي ج 2 ص 124- 125.
3- بحار الأنوار ج 67 ص 24.
4- الكافي ج 2 ص 125.
5- الكافي ج 2 ص 125.
6- بحار الأنوار ج 66 ص 238.
7- زيارة الجامعة الكبيرة, مفاتيح الجنان ص 623.
8- الكافي ج 2 ص 126.
9- الكافي ج 2 ص 125.
10- الكافي ج 2 ص 127.
11- الكافي ج 2 ص 84.
12- تحف العقول ص 282.
13- ميزان الحكمة ج 1 ص 497.
14- الكافي ج 2 ص 126- 127.
15- علل الشرائع ج 1 ص 139.
16- سورة النساء الآية 69.
17- بحار الأنوار ج 71 ص 14.
18- المحاسن ج 1 ص 61.
19- الخصال ص 515.
20- المحاسن ج 1 ص 63.