المحاضرة الأولى: دروس من عاشوراء (2)

الهدف:
عرض بعض المفاهيم العاشورائيّة التي يمكن استفادة الدروس والعبر المتعدّدة منها.

تصدير الموضوع:
إنّ كلّ ما عندنا من عاشوراء.1


105


محاور الموضوع
1- حسن العاقبة وسوء العاقبة:

هناك أشخاص نالوا في كربلاء حسن العاقبة وهناك آخرون نالوا سوء العاقبة.
ممّن نال حسن العاقبة الحرّ بن يزيد الرياحيّ, وكذلك زهير بن القين الذي قيل إنّه لم يكن موالياً لأهل البيت عليهم السلام .

وممّن نال سوء العاقبة عمر بن سعد, وقصّته معروفة. وكذلك عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ, ذاك الشخص الذي أتاه الإمام الحسين عليه السلام  حين نزل في قصر بني مقاتل فإذا هو بفسطاط مضروب، ورمح نصوب، وسيف معلّق، وفرس واقف على مذوده، فقال الحسين عليه السلام: "لمن هذا الفسطاط؟" فقيل: لرجل يقال له عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ. فأرسل الحسين عليه السلام  برجل من أصحابه يقال له الحجّاج بن مسروق الجعفيّ. فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه فسلّم عليه، فردّ عليه السلام ، ثمّ قال: ما وراءك؟ فقال الحجّاج: والله! ورائي يا بن الحرّ! والله! قد أهدى الله إليك كرامة إن قبلتها! قال: وما ذاك؟ فقال: هذا الحسين بن عليّ عليهما السلام  يدعوك إلى نصرته، فإن قاتلت بين يديه أجرت، وإن متّ فإنّك استشهدت! فقال له عبيد الله: والله! ما خرجت من الكوفة إلّا مخافة أن يدخلها الحسين بن عليّ عليهما السلام وأنا فيها فلا


106


أنصره، لأنّه ليس في الكوفة شيعة ولا أنصار إلّا وقد مالوا إلى الدنيا إلّا من عصم الله منهم، فارجع إليه وخبِّره بذاك. فأقبل الحجّاج إلى الحسين عليه السلام  فخبَّره بذلك، فقام الحسين عليه السلام  ثمّ صار إليه في جماعة من إخوانه، فلمّا دخل وسلّم وثب عبيد الله بن الحرّ من صدر المجلس، وجلس الحسين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "أمّا بعد، يا بن الحرّ! فإنّ مصركم هذه كتبوا إليّ وخبروني أنّهم مجتمعون على نصرتي، وأن يقوموا دوني ويقاتلوا عدوّي، وأنّهم سألوني القدوم عليهم، فقدمت، ولست أدري القوم على ما زعموا، لأنّهم قد أعانوا على قتل ابن عمّي مسلم بن عقيل رحمه الله وشيعته.

وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد يبايعني ليزيد بن معاوية، وأنت يا ابن الحرّ فاعلم أن الله عزَّ وجلّ مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيّام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت، فإن أعطينا حقّنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقّنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحقّ". فقال عبيد الله بن الحرّ: والله! يا بن بنت رسول الله! لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدّهم على عدوّك، ولكنّي رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفاً من بني أميّة ومن سيوفهم، فأنشدك بالله أن تطلب منّي هذه المنزلة! وأنا أواسيك بكلّ ما أقدر عليه وهذه فرسي


107


ملجمة، والله ما طلبت عليها شيئاً إلّا أذقته حياض الموت، ولا طلبت وأنا عليها فلحقت، وخذ سيفي هذا، فوالله ما ضربت به إلّا قطعت. فقال له الحسين عليه السلام: "يا بن الحرّ! ما جئناك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك، ولم أكن بالذي أتخذ المضلّين عضداً، لأنّي قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي، ولم ينصرهم على حقّهم إلّا أكبّه الله على وجهه في النّار". ثمّ سار الحسين عليه السلام  من عنده ورجع إلى رحله2.

ثمّ تداخله الندم - بعد قتل الحسين عليه السلام  - حتّى كادت نفسه تفيض، فقال:

فيا لك حسرة ما دمت حيّا
حسين حين يطلب بذل نُصري
غداةَ يقول لي بالقصر قولاً
ولو أنّي أواسيه بنفسي
تردّد بين صدري والتراقي
على أهل الضلالة والنفاق
أتتركنا وتزمع بالفراق؟
لنلت كرامةً يوم التلاق

108


مع ابن المصطفى روحي فداه
فلو فلق التلهّف قلب حيٍّ
فقد فاز الأولى نصروا حسيناً
تولّى ثمّ ودّع بانطلاق
لهمّ اليوم قلبي بانفلاق
وخاب الآخرون ذوو النفاق
3

2- الاهتمام بالصلاة:
ففي اليوم التاسع من المحرّم طلب الإمام عليه السلام من أخيه العبّاس قائلاً: "ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار"4.

ويوم العاشر من المحرّم روي أنّ أبا ثمامة الصيداويّ قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتّى أقتل دونك, وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: "ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين، نعم هذا أوّل وقتها", ثمّ قال: "سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي..".


109


وروي: أنّ سعيد بن عبد الله الحنفيّ تقدّم أمام الحسين، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين عليه السلام  يميناً وشمالاً، قام بين يديه، فما زال يرمى به حتّى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود، اللهمّ أبلغ نبيّك السلام عنّي وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت بذلك نصرة ذرّيّة نبيّك ثمّ مات رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح5.

3- الطمأنينة واليقين:

كان أصحاب الإمام الحسين عليه السلام مطمئنّين مسرورين, حتّى إنّهم كانوا يمزحون مع بعضهم, فقد هازل برير عبد الرحمن الأنصاريّ, فقال له عبد الرحمن: دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل! فقال له برير: والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّاً ولا كهلاً ولكن والله إنّي لمستبشر بما نحن لاقون, والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددْت أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم6.

ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسديّ، فقال له يزيد بن خضير الهمدانيّ - وكان يقال له سيّد القرّاء -: يا أخي ليس هذه بساعة ضحك، قال: فأيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟! والله ما هو إلّا


110


أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين7.

4- الإخلاص والعمل في سبيل الله:

كان معسكر الإمام الحسين عليه السلام عبارة عن عدد محدود من الأشخاص 73 شخصاً على المشهور, ويكاد لا يوجد في الدنيا حرب فيها مثل هذا العدد, وارتكب فيها أبشع أنواع القتل بوحشيّة لا مثيل لها, أصابت حتّى الأطفال الرضّع, وبلغت جراحات الإمام في بدنه عدداً كبيراً وكانت جميعها في مقدَّمه لأنّه كان لا يولي ظهره, وبعد القتل رفع رأسه على الرمح ووطئ جسده بحوافر الخيول, وسبي عياله ونساؤه إلى غير ذلك, وكلّ هذا كان محوره الإخلاص والعمل لله تعالى.

وعن الإمام الحسين8 عليه السلام: "اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنّتك وأحكامك"9.

5- توضيح الهدف والسير على بصيرة:

منذ أن تحرّك الإمام الحسين عليه السلام  كان يخبر بشهادته وقتله وقد فعل ذلك مراراً وفي أماكن عديدة, وكان يخبر أصحابه بقتلهم


111


وشهادتهم, وإلى أين هم ذاهبون, ولا يوجد جيش في العالم يعطي رخصة في الحرب وساحة المعركة كما فعل الإمام عليه السلام مع أصحابه وأنصاره, حيث قال لهم: "أمّا بعد, فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا أخير من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً, ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً, وإنّي قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام, هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه (جملاً), وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعاً خيراً ثمّ تفرّقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرج الله, فإنّ القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري"10.

فالإمام الحسين عليه السلام لا يستفيد من رجل غافل لا يدري ماذا يفعل وما هو مصيره.

6- توعية المجتمع:

الحرب لا تمنع من توعية الناس, وإذا نظرنا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمفي حروبه وكذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام كم ألقيا من خطبة وكلمة وموعظة, وكم صنعوا من أشياء في أدائهم لربط العديد من المفاهيم في أذهان الناس كي لا تنسى. وعلى سبيل المثال: الكساء الذي غطّى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته عليهم السلام , فقد كان


112


يستطيع أن يدعو لهم دونه, ولكنّها حركة غريبة يراد منها ربط الناس بالحادثة. وكذلك مسألة تغيير القبلة أثناء الصلاة في المكان المعروف بمسجد القبلتين, فقد كان بالإمكان تغيير القبلة بعد الصلاة ولكنّها لا تكون حركة غريبة تبقى في الأذهان وتشعر الناس بأهميّتها.

والتوعية التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام  في كربلاء كانت أيضاً سبباً رئيسيّاً لندم الكثير من الناس بعد قتل الحسين عليه السلام , سواء كان ذلك في خطبه, التي لم ييأس الإمام من طرحها عليهم رغم أنّهم لم يكونوا يرغبون بسماعها, حيث تقول الرواية إنّه لمّا أتى الإمام عليه السلام  الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتّى قال لهم: "ويلكم, ما عليكم أن تنصتوا إليّ فتسمعوا قولي، وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلّكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟", فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا: أنصتوا له11, أو في بعض الحركات في الأداء التي وجّهت الأنظار بعد ذلك إلى موقفه في ذلك اليوم. وعلى سبيل المثال: خروجه بأهله وعياله وأطفاله, وسقيه الماء للأعداء, وطلبه من أصحابه وأنصاره أن يرحلوا ويتركوه وحيداً, ورميه للدم إلى


113


السماء, وبكاؤه, وعطشه, وجراحاته, ووحدته, إلى غير ذلك من أمور يصعب جمعها وإحصاؤها.

7- القلّة في مسيرة الحقّ:

لقد مدح القرآن الكريم القلّة, فقال تعالى:
﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ12, وقال سبحانه: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ13. وقال عزَّ من قائل: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ 14. إلى غيرها من الآيات الكريمة.

ونبيّ الله إبراهيم عليه السلام  كان لوحده ولكن وصفه الله تعالى:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً15.
وهكذا أصحاب الكهف كان عددهم محدوداً.

ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام: "أيّها الناس, لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل"16.

وفي كربلاء كان أصحاب الإمام الحسين قلّة مقابل ذلك الجيش الجرّار الذي روي أنّه كان ثلاثين ألفاً, ومع ذلك لم يأبهوا


114


بقلّتهم وقاتلوهم حتّى الشهادة.

8- الوحدة والتعاون:

تفرّد هذا الجيش في معسكر الإمام عليه السلام أنّه من نسيج متفاوت, ففيه الصغار والكبار, والنساء والرجال, والعربيّ والعجميّ, والحرّ والعبد, ولكنّه كان منسجماً في نفس الوقت ومتعاوناً ومتحداً في وجه الأعداء.


115


هوامش

1- الإمام الخميني قدس سره .
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 443- 444.
3- ذوب النضار ص 72- 73.
4- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 474.
5- بحار الأنوار ج 45 ص 21.
6- تاريخ الطبري ج 4 ص 321.
7- اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي ج 1 ص 293.
8- وروي ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً وكلّهم نور واحد.
9- بحار الأنوار ج 97 ص 80- 81.
10- الكامل في التاريخ ج 4 ص 57- 58.
11- بحار الأنوار ج 45 ص 8.
12- سورة سبأ الآية 13.
13- سورة هود الآية 40.
14- سورة البقرة الآية 249.
15- سورة النحل الآية 120.
16- نهج البلاغة الخطبة 201.