الليلة الأولى

 المحاضرة الأولى: الحسين عليه السلام في حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

v
الهدف

التعريف بمقام الحسين ومنزلته التي حباه الله بها من خلال أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليه السلام.

v تصدير الموضوع

عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين"1.


21


مقدّمة:

ممّا لا شكّ فيه أنّ المنطلقات التي ينطلق منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مدح شخصٍ أو ذمّه لا علاقة لها بالروابط العائليّة أو القرابة الرحميّة أو الرغبة الشخصيّة لتنافي ذلك مع مبدأ النبوّة، فهو رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى مهما كانت طبيعة هذا الهوى وإنّما هو وحي يوحى.

ثواب حبّ الحسين عليه السلام

إنّ حبّ الحسين من الفضائل التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكونها دليل سلامة الخطّ والمعتقد. فعن حذيفة بن اليمان: رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم آخذاً بيد الحسين بن عليّ عليه السلام وهو يقول: "يا أيّها النّاس هذا الحسين بن عليّ فاعرفوه، فوالّذي نفسي بيده إنّه في الجنّة ومحبّوه في الجنّة ومحبّو محبّيه في الجنّة"2.

وعن عازب بن البراء قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يحمل الحسين وهو يقول: "اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه"3.

وعن أبي ذرٍّ الغفاريّ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحسين بن عليّ وهو يقول: "من أحبّ الحسن والحسين وذرّيتهما


22


 لم تلفح النّار وجهه ولو كانت ذنوبه بعدد رمال عالج إلّا أن يذنب ذنباً يخرجه من الإيمان"4.

مقامه ومنزلته

وبيّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المكانة العالية للحسين عليه السلام فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
"حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط"5.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على بيان إمامته ومنزلته بين الأئمّة، فعن سلمان الفارسيّ قال: كان الحسين على فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقبّله ويقول: " أنت السيّد بن السيّد أبو السادة، والإمام ابن الإمام أبو الأئمّة، أنت الحجّة ابن الحجّة أبو الحجج تسعة من صلبك وتاسعهم قائمهم"6.

ممّا اختصّ الله به الحسين عليه السلام:

نورانيّته وبهاؤه: ففي الرواية: "أنّ الحسين بن عليّ عليه السلام كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيراً ما يقبّل جبينه ونحره"7.


23


/مشروعيّة الجزع والبكاء عليه: عن الإمام الصادق عليه السلام: "كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام "8.

شيعته هم الفائزون: وفي روايةٍ تسأل فيها أمّ سلمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو الله ليدفع القتل عن الحسين عليه السلام فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "قد فعلت، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليّ أنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأنّ له شيعة يشفعون فيشفّعون، وأنّ المهديّ من ولده، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين وشيعته، هم والله الفائزون يوم القيامة"9.


24


المحاضرة الثانية: الاهتمام بقضايا المسلمين

v الهدف

الحثّ على التمتّع بروح المسؤوليّة والتفاعل مع شؤون المسلمين ومعاناتهم ومدّ يد العون ومساعدتهم ما أمكن.

v تصدير الموضوع

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"
10.


25


مقدّمة:

من جوامع الصفات والمعاني الحميدة الباعثة على ملازمة فعل الخير وصنع المعروف العامّ والخاصّ أن يكون المسلم ممّن يهتمّ جهد طاقته بأمور المسلمين، بل يظهر من بعض الروايات لزوم الاتصاف بذلك.

ففي الحديث السابق يظهر أنّ الاهتمام بقضايا المسلمين يدخل في جوهر ثقافة المسلم وبنائه الروحيّ بل ينبغي أن يكون قضيّة يوميّة في حياته وهمّ أساسيّ وليست مسألة عابرة أو هامشيّة على الإطلاق.

مراتب الاهتمام بقضايا المسلمين

وهناك عدّة مراتب لقضيّة الاهتمام بأمور المسلمين تبعاً للقدرة والاستطاعة نذكر منها:

الاهتمام القلبيّ: وذلك عند عدم المقدرة على مدّ يد العون، فعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: "إنّ المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه ولا تكون عنده، فيهتمّ بها قلبه، فيدخله الله تبارك وتعالى بهمّه الجنّة"11.

النصيحة: ومن المصاديق المذكورة لمسألة الاهتمام بقضايا


26


المسلمين أن ينصح لهم ويحسن القول فيهم. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنسك الناس نسكاً أنصحهم حبّاً، وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين"12.

وعن أبي عبد الله عليه السلام: "عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه13.

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه"14.

السعي في قضاء الحوائج: ولا يخفى ما لها من أثر على تماسك المجتمع وتعاضده ووحدته، ولذلك نرى أنّ الله أجزل في الثواب عليها. فعن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: "من قضى لأخيه حاجة، فبحاجة الله بدأ، وقضى الله بها مائة حاجة في إحداهنّ الجنّة، ومن نفّس عن أخيه كربة نفّس الله عنه كرب الدنيا وكرب القيامة بالغاً ما بلغت، ومن أعانه على ظالم له أعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الأقدام"15.

عن سيف بن عميرة قال: حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: "سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحبّ الناس إلى الله؟ قال: أنفع


27


الناس للناس"16.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال في قول الله عزَّ وجَّل: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ قال: نفّاع"17.

مشاركتهم بمعاناتهم: لأنّ في ذلك صلاح النفس وتهذيبها ولجمها عن الشهوات وإلزامها القناعة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع، وما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة"18.

نصرتهم ودرأ الأخطار عنهم: وهي من أهمّ مصاديق الاهتمام لكونها لا تجلب نفعاً فحسب بل تدفع ضرراً سواءً كان هذا الضرر سياسيّاً أو إجتماعيّاً أو عسكريّاً أو سوى ذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ردّ عن قوم من المسلمين عادية [ماء] أو ناراً وجبت له الجنّة"19.

بعض مصاديق الاهتمام بقضايا المسلمين

من صنائع المعروف الراجحة للمؤمن، بل المؤكّد عليه استحبابها: أن يرحم الضعيف المحتاج من إخوانه، ويؤوي اليتيم من أطفال المؤمنين، ويكسو العاري، ويغيث الملهوف، ويعالج


28


المريض، وأن يصلح طريق المسلمين، ويبني القنطرة، وأن يكون الملجأ للفقراء والغرباء، وأن يقضي حاجة أخيه المؤمن ويهتمّ بها ويسعى جهده في قضائها، وأن يشفع له في أمر أو حاجة عند بعض الناس سواء طلب المؤمن منه الشفاعة أم لم يطلب، وسواء نجح في شفاعته أم لم ينجح، والروايات في كلّ أولئك وافرة ظاهرة، وأن يسعى بمقدار طاقته في نفع المؤمنين20.

ففي الخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سرور"21.


29


المحاضرة الثالثة: السعادة والشقاء في الإسلام

v الهدف

شرح مفهومي السعادة والشقاء من وجهة نظر إسلاميّة كونهما من المفاهيم الملتبسة في أذهان الكثيرين من الناس.

v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاءً غيْرَ مَجْذُوذٍ22.


31


مقدّمة:

يرتبط مفهوم الشقاء ومفهوم السعادة ارتباطاً أكيداً بمصير الإنسان في الآخرة وكونه من أهل النعيم أو من أهل العذاب، بل لا يمكن أن تكون الدنيا ساحة سعادة أو شقاء لأحد لأنّها مخلوقة على كون سعادتها مشوبة بالشقاء وشقائها ممزوج بالسعادة بخلاف الآخرة التي هي إمّا شقاء محض أو سعادة محضة.

حقيقة السعادة والشقاء

وإذا كان مفهوم كلّ من السعادة والشقاء له علاقة وثيقة بآخرة المرء فمن الطبيعي أن تكون الطاعة وتزكية النفس سبيل السعادة كما أنّ المعصية سبيل الشقاء.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من أجهد نفسه في إصلاحها سعد، من أهمل نفسه في لذّاتها شقي وبعد"23.

وعنه عليه السلام: "لا يسعد امرؤٌ إلّا بطاعة الله سبحانه، ولا يشقى امرؤٌ إلّا بمعصية الله"24.

وعن الإمام الحسين عليه السلام -في دعاء يوم عرفة-: "اللهم اجعلني أخشاك كأنّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني


32


 بمعصيتك"25.

وفي هذا السياق يتّضح أنّ السعادة والشقاء لا يرتبطان بالموت والحياة كما قد يتوهّم أهل الدنيا بل يرتبطان بأداء المرء لتكليفه في هذه الحياة.

قال الإمام الحسين عليه السلام: "إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برم26.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين"27.

علامات السعادة

حبّ عليّ: أي مودّته وطاعته والولاء له، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -لأمير المؤمنين عليه السلام -: "إنّ السعيد حقّ السعيد من أحبّك وأطاعك"28.

محبّة أهل البيت عليه السلام: عن عليّ عليه السلام: "أسعد الناس من عرف فضلنا، وتقرّب إلى الله بنا، وأخلص حبّنا، وعمل بما إليه ندبنا، وانتهى عمّا عنه نهينا، فذاك منّا وهو في دار المقامة معن"29.


33


إخلاص العمل: فإنّ صفاء النيّة وعدم الشرك فيها ممّا يضفي على المرء سعادة خاصّة ببلوغه هذا المقام الرفيع، فعن عليّ عليه السلام: "إمارات السعادة إخلاص العمل"30.

هداية الآخرين: وإعانتهم على تجاوز مشكلاتهم لا سيّما الثقافيّة والفكريّة، فعن عليّ عليه السلام: "من كمال السعادة السعي في صلاح الجمهور"31.

زيارة الحسين عليه السلام: حيث ورد في الروايات أن من زار الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه-: "وإن كان شقيّاً كتب سعيداً، ولم يزل يخوض في رحمة الله عزَّ وجلَّ32".

الزوجة والولد والرزق: عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة من السعادة: الزوجة المؤاتية، والولد البارّ، والرزق يرزق معيشة يغدو على صلاحها ويروح على عياله"33.

السعي لنيل الآخرة: عن عليّ عليه السلام: "سعادة الرجل في إحراز دينه والعمل لآخرته34".

الشقاء وأشقى الناس

عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: "﴿قَالُوا رَبَّنَا


34


َلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ: بأعمالهم شقو"35.

فالشقاء نتيجة طبيعيّة للأعمال السيّئة والمصير الحتميّ لأهل المعاصي على ما اقترفت أيديهم وجوارحهم
36.

الإمام عليّ عليه السلام -وقد سئل عن أشقى الناس-:
"من باع دينه بدنيا غيره"37.

لإنّه بذلك يكون قد اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

علامات الشقاء

وكما بيّنت النصوص علامات السعادة حتّى يختبر المرء نفسه بها بيّنت كذلك علامات الشقاء حتّى لا تتسلّل إلى قلب المسلم دون أن يشعر بها.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من علامات الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وشدّة الحرص في طلب الرزق، والإصرار على الذنب"38.
39
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "من علامات الشقاء الإساءة إلى الأخيار"39.


35


وأيّ شقاء أكبر من أولئك الذين أقدموا على قتل سبط رسول الله ورائد الأخيار الحسين بن عليّ عليه السلام وسبوا نساءه وحرمه وأنزلوا بهم شتّى صروف العذاب والمآسي.


36


هوامش

1- مناقب آل أبي طالب، ج3، ص228.
2- بحار الأنوار، ج27، ص136.
3- شرح أصول الكافي، ج6، ص184.
4- مناقب آل أبي طالب، ج27، ص226.
5- الإرشاد، ج2، ص127.
6- كامل الزيارات، ص113.
7- مدينة المعاجز، ج4، ص46.
8- جامع أحاديث الشيعة، ج3، ص479.
9- العوالم، الإمام الحسين، ص129.
10- الكافي، ج2، ص164.
11- الكافي، ج2، ص196.
12- الكافي، ج2، ص164.
13- الكافي، ج2، ص164.
14- ميزان الحكمة، ج4، ص3278.
15- جامع أحاديث الشيعة، ج16، ص127.
16- الكافي، ج2، ص164.
17- الكافي، ج2، ص165.
18- وسائل الشيعة، ج12، ص130.
19- الكافي، ج2، ص164.
20- كلمة التقوى - الشيخ محمّد أمين زين الدين - ج 2، ص 328.
21- الكافي، ج2، ص164.
22- هود، آيات: 105- 108.
23- ميزان الحكمة، ج2، ص1303.
24- ميزان الحكمة، ج2، ص1303.
25- مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسيّ، ص270.
26- العوالم، الشيخ عبد الله البحرانيّ، ص67.
27- نهج البلاغة، ج1، ص167.
28- الأمالي، الصدوق، ص466.
29- ميزان الحكمة، ج2، ص1305.
30- عيون الحكم والمواعظ، ص70.
31- ميزان الحكمة، ج2، ص1306.
32- مستدرك الوسائل، ج10، ص310.
33- ميزان الحكمة، ج2، ص1304.
34- ميزان الحكمة، ج2، ص1305.
35- المؤمنون، 106.
36- التوحيد، الصدوق، ص356.
37- الأمالي، الصدوق، ص478.
38- الكافي، ج2، ص290.
39- عيون الحكم والمواعظ، ص468.