الليلة التاسعة


المحاضرة الأولى:

دور المرأة في كربلاء

v الهدف

ا
لإضاءة على بعض النماذج الكربلائيّة من النساء اللواتي سطّرن أروع صور التفاني والإيثار.


v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ 1.


لقد قامت النسوة في كربلاء بالعديد من الأدوار يمكن تلخيصها ضمن العناوين التالية:


145


1- الثبات: فلقد كانت النسوة في قافلة الإمام الحسين يعلمن تماماً أنّ مصيرهنّ إلى السبي، وقد صرّح الحسين عليه السلام بذلك حين قال لأخيه محمّد بن الحنفيّة: "لقد شاء الله أن يراهنّ سبايا" 2، ومع ذلك لم يصدر منهنّ في كربلاء ولا بعدها أثناء مسيرة السبي أيّ ضعفٍ أو وهنٍ أو موقف ذلّ أو كلمة تعاب عليهن.

2- أداؤها للتكليف:
ورغم صعوبة الموقف تتقدّم عقيلة الهاشميّين وهي تجرّ الجواد لأخيها الحسين عليه السلام وهي تحدّث نفسها: " أيّ أختٍ تقدّم لأخيها جواد المنيّة".
- ومن النماذج المنيرة في كربلاء زوجة جنادة بن الحارث السلمانيّ التي خرجت مع زوجها إلى كربلاء، ولمّا استشهد زوجها أمرت ابنها بالتقدّم والنصرة والدفاع عن الإمام الحسين عليه السلام ، فمنعه الإمام قائلاً: لعلّ أمّه تكره خروجه، فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك".

3- الصبر والتحمّل:
فرغم هول المأساة وفداحة المجازر لم تخرج النسوة عن صبرها, فترى الحوراء زينب بعد استشهاد الإمام تتقدّم بكلّ ثبات وجلال من الجسد الطاهر وتزفّه إلى السماء قائلةً: "اللهم تقبّل منّا هذا القربان".

4- الوعي الدينيّ:
وخير شاهد هنا زوجة زهير بن القين, التي


146


حرّضت زوجها على اللقاء بالإمام الحسين عليه السلام في الطريق وهي تعلم أنّ الإمام سيلقي عليه الحجّة بالنصرة التي سوف ينال من بعدها الشهادة، وبعد عزمه على المضي مع الإمام, قالت له: خار الله لك, وأسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام3.

- ومن النماذج المنيرة أيضاً "أمّ وهب"، ففي الرواية أنّه عندما أعلمها زوجها بنيّته الالتحاق بركب الحسين عليه السلام قالت له: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، افعل واخرجني معك، ولمّا برز زوجها للقتال حملت عاموداً بيدها وتقدّمت للقتال قائلةً: فداك أبي وأمّي، قاتل دون الطيّبين ذريّة محمّد4.

5- تحمّل المسؤوليّة:
بعد كلّ ما جرى يطلب الإمام الحسين من السيّدة زينب أن تحمي السبايا وتُعلم الناس بما جرى في كربلاء فتتحمّل هذه المسؤوليّة بكلّ شجاعة وقوّة.
وقد تحمّلت النساء صنوف العذاب بعد استشهاد الحسين عليه السلام من حرق الخيام وترويع الأطفال وسوقهم كما يُساق سبي الروم والترك من كربلاء إلى الشام على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء5.

6- وقوفها في وجه الطاغية
: ونكتفي بالحوار الذي دار


147


بينها وبين ابن مرجانة حين قال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأبطل أحدوثتكم، فأجابته بشجاعة قلّ نظيرها: الحمد لله الذي أكرمنا بنبّيه وطهّرنا من الرجس تطهيراً، إنّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا يا بن مرجانة6.

وفي موقفٍ آخر عندما سألها مستهزئاً: "كيف رأيت صنع الله بأخيك"، قالت له: ما رأيت إلّا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم7.

7- دفاعها عن الإمامة:
ويتمثّل في مواجهة ابن زياد عندما أمر بقتل الإمام السجّاد عليه السلام فانبرت له السيّدة زينب عليها السلام قائلةً: حسبك يا بن زياد ما سفكت من دمائنا، إنّك لم تبقِ منّا أحداً، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه8.


148


المحاضرة الثانية:

مظاهر الترف والإسراف

v الهدف

تسليط الضوء على سلبيّات الترف والإسراف والتنبيه من آثاره على الفرد والمجتمع.


v تصدير الموضوع

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
9.

عن الإمام زين العابدين عليه السلام - في الدعاء -: وامنعني من السرف، وحصّن رزقي من التلف، ووفّر ملكتي بالبركة فيه، وأصب بي سبيل الهداية للبرّ فيما أنفق منه
10.


149


v موبقات الترف والإسراف

1- مدعاة إلى الفسق:
قال تعالى:
﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا11.

2- عدم القدرة على التغيير:
قال تعالى:
﴿مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون12.

3- البعد عن تزكية النفس: عن الإمام عليّ عليه السلام: ويح المسرف ما أبعده عن صلاح نفسه واستدراك أمره13.

4- من كان له مال فإيّاه والفساد: فعن الإمام عليّ عليه السلام: فإنّ إعطاءك المال في غير وجهه تبذير وإسراف، وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله14.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إيّاك والسرف.. ولو كنت على ضفّة نهرٍ جار15.

5- من صفات الطغاة:
قال تعالى:
﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ16.


150


6- سبب الدمار والهلاك: عن الإمام عليّ عليه السلام: سوء التدبير سبب التدمير17.


v حسن التدبير في العيش

وفي مقابل الإسراف نرى تشديد الشريعة على ضرورة التقدير وحسن التدبير في العيش مهما كانت حال الإنسان، ومعنى حسن التدبير أن يكيّف الإنسان نفسه وفق الظروف الحياتيّة التي يمرّ بها:

1- كمال الإيمان:
عن الإمام الصادق عليه السلام: لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى تكون فيه خصال ثلاث: الفقه في الدين, وحسن التقدير في المعيشة, والصبر على الرزايا18.

2- غزارة العقل:
لأنّ العاقل يحسب لغدر الأيّام, كما قام نبي الله يوسف عليه السلام بتخزين القمح سبع سنين كي لا يُصاب أهل مصر بالجوع أيام القحط.

عن الإمام عليّ عليه السلام: أدلّ شيء على غزارة العقل حسن التدبير19.

3- حسن السياسة:
وعنه عليه السلام: حسن التدبير وتجنّب التبذير من حسن السياسة20.


151


يزيد نموذج من المسرفين

وفي التاريخ نجد أن يزيد قِاتل الإمام الحسين عليه السلام كان من المسرفين والمترفين..


152


المحاضرة الثالثة:

حفظ النظام العامّ

v الهدف

توعية المجتمع على الحقوق العامّة وواجبات الفرد تجاه المصالح العامّة والشأن العامّ، وأنّه ينبغي إعطاؤها أولويّة على الأمور الفرديّة، ونظر الدين في ضرورة احترام القوانين والأنظمة.

v تصدير الموضوع

قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ21.


المحافظة على الأملاك العامّة: وذلك من خلال دفع الرسوم المتوجّبة لشركات الكهرباء والهاتف والمياه, والعقارات


153


والسيارات وما شابه, وعدم التعدّي على حدود هذه المؤسّسات العامّة لما يؤدّي ذلك من ضرر على أفراد المجتمع.

رعاية النظافة العامّة:
كنظافة الطرقات العامّة والحدائق العامّة والساحات المشتركة والغابات ومواقف السيارات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تنظّفوا بكلّ ما استطعتم، فإنّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلّا كلّ نظيف
22.

حسن الأدب مع الجيران:
وعدم إزعاجهم بالأصوات العالية أو التعدّي على حقوقهم، بل ينبغي تحمّل أخطائهم ومساعدتهم قدر المستطاع.

عن الإمام عليّ عليه السلام: ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى23.

وممّا وصّى به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاته كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: الله الله في جيرانكم فإنّه وصية نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم24.

التقيّد بقوانين السير:
أي احترام إشارات المرور وعدم الوقوف في الطرقات العامّة والالتزام بركون السيارات في الأماكن المحدّدة لها.

المحافظة على البيئة:
أي عدم تلويث الهواء والمرافق العامّة


154


كالأنهار والسدود وشواطئ البحار ورؤوس الجبال والغابات العامّة وإبعاد المصانع والمحلّات الصناعيّة عن دور السكن وعدم قطع الأشجار وما شابه.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دخل عبدٌ الجنّة بغصنٍ من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنها25.

احترام حقوق الغير:
وعدم إيذائهم وذلك من خلال احترام آداب المجلس وآداب الحوار والكلام وآداب السوق والبيع والشراء, وآداب المائدة وتنظيم المساحات المشتركة بين الناس، بل ويقع في احترام الحقوق السعي في قضاء حوائج الآخرين ومساعدتهم وإدخال السرور على بيوتهم.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الخلق عيال الله، فأحبُّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله, وأدخل على أهل بيتٍ سروراً26.

v فتاوى الفقهاء

الإمام الخامنئيّ دام ظله: لا فرقَ في وجوب مراعاة احترام مال الغير وفي حرمة التصرّف فيه بغير إذنه بين أملاك الأشخاص وأملاك الدولة مسلمة كانت أو غير مسلمة، ولا بين أن يكون ذلك في بلاد الكفر أو في البلاد الإسلاميّة27.

السيّد الخوئيّ رحمه الله: ليس لأحد أن يضع في الشوارع


155


والطرقات العامّة ما يضرّ بالمارّة ونحوهم، ولا بدّ من منع ذلك بأيّ وسيلة ممكنة ولو بتسجيل عقوبة ماديّة عليه لحفظ المصالح العامّة، وكذا الحال في وضع القذارات فيها، ولا ينبغي لأحد مخالفة النظام العامّ ولا سيّما مع لزوم الإضرار بالجار28.

v الإمام وحفظ النظام

وإنّ إحدى أهمّ الأبعاد التي تذكر عادةً كدور من أدوار الإمام هو حفظ نظام الأمّة بما يخدم أهداف الإسلام, لئلّا يسود الهرج والمرج وتضيع تعاليم الإسلام وأهدافه بأيدي الظلمة وأعوانهم..

وفي بعض كلمات أمير المؤمنين عليه السلام:
"اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان, ولا التماساً من فضول الحطام, ولكن لنُري المعالم من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قَوِيَ الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيّكم. وحسبنا الله وعليه توكّلنا وإليه أنبنا وإليه المصير"29.

وفي هذا السياق ينبغي أن نضع حركة الإمام الحسين عليه السلام في بعض أهدافها.


156


هوامش

1- النحل ، 97.
2- مختصر بصائر الدرجات، الحليّ، ص123
3 - ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص45.
4 - الطبريّ، ج4، ص327.
5 - ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص84.
6- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص115.
 7  - عوالم، الإمام الحسين  عليه السلام، ص383.
 8- عوالم، الإمام الحسين  عليه السلام، ص384.
9 - الأنعام 141.
10 - ميزان الحكمة, الريشهريّ, ج 2 ص 1294.
 11 - الإسراء, 16.
12 - الزخرف، 23.
13 -جامع أحاديث الشيعة، ج17، ص113.
14- تحف العقول، الحرّاني، ص185.
 15 - المبسوط, السرخسيّ ج 1 ص 45.
 16 - يونس 83.
17 - عيون الحكم والمواعظ، ص284.
18 - مستدرك سفينة البحار، ج7، ص507.
19 - عيون الحكم والمواعظ، ص117.
20 - عيون الحكم والمواعظ، ص229.
21  - الرعد ، 17.
22  - ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج4، ص3303.
23  - شرح أصول الكافي، ج11، ص154.
24 - نهج البلاغة، ج3، ص77.
 25 - سفينة البحار ، ج3 ، ص82.
26 - أصول الكافي ، ج2 ، ص164.
27  - أجوبة الإستفتاءات ، ج2 ، ص322.
28  - مجمع المسائل ، ج1 ، ص399 ، م16.
29 - الحرانيّ تحف العقول 239.