الليلة السادسة


المحاضرة الأولى:

أصحاب الإمام الحسين عليه السلام

v الهدف

ا
لإضاءة على أهمّ ما ميّز أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأعطاهم كلّ هذه العظمة في الدنيا والآخرة.


v تصدير الموضوع

قال الإمام الحسين عليه السلام:
أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً1.
 


101


v خصائص خطبة ليلة العاشر

شكّلت خطبة الإمام الحسين عليه السلام ليلة العاشر منعطفاً مهمّاً في فهم مجريات الأحداث في كربلاء وفي فهم شخصيّة الأصحاب نظراً للتغيّر الذي طرأ على التكليف الجديد الذي كلّفهم الحسين عليه السلام به، ويمكن استخلاص ثلاث نقاط أساسيّة في هذا المجال:

1- رفعه وجوب القتال عنهم:
ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام2.

بل لا يوجد في عبارة الإمام ما يشعرهم باستحباب البقاء أو رغبته به، بل أطرق برأسه أرضاً كيلا يشعر أحدهم بأيّ حرج أو خجلٍ.

2- وضع لهم خطّة لمغادرته ونجاتهم: وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرج الله.


3- بيان علّة هذا التدبير الجديد:
فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري.


102


ويبقى السؤال: أنّه ما هو الدافع الذي دفع أصحاب الحسين عليه السلام إلى القتال بعد أن رفع عنهم وجوبه.



v
الجامع المشترك في أجوبة الأصحاب

وللإجابة لا بدّ من الرجوع إلى ردود الأصحاب وأجوبتهم لنقف على الجامع المشترك الذي نراه عند الجميع وهو أنّهم قاتلوا حبّاً وعشقاً وانصهاراً بالحسين عليه السلام ليدرأوا عنه الموت.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ عليه السلام.

ثمّ إنّهم تكلّموا بهذا ونحوه، فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: فما يقول الناس؟؟ يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسديّ فقال: أنحن نخلّي عنك ولمّا نعذر إلى الله في أداء حقّك؟؟ أما والله حتّى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة


103


دونك حتّى أموت معك.

وقال سعيد بن عبد الله الحنفيّ: والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فيك، والله لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيا ثمّ أحرق حيّاًً، ثمّ أذرّ، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.

وقال زهير بن القين: والله, لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت، حتّى أقتل كذا ألف قتلة وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك3.

وتكلّم جماعة من أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً، فقالوا: والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا4.

والمسألة الأهمّ ليست أنّهم قاتلوا بين يديه ليدرأوا عنه الموت، وواقع الحال يشهد أنّهم لن يتمكّنوا من أن يدرأوا عنه الموت وذلك لقلّتهم وكثرة الأعداء من حولهم، وهم يعلمون ذلك علم اليقين أنّ مصيرهم ومصير الحسين عليه السلام إلى الشهادة، وإنّما الأهمّ والميزة الأساسيّة التي ميّزتهم وخلّدتهم أنّهم قاتلوا بين يدي الحسين عليه السلام حبّاً وعشقاً ليدرأوا عنه الموت لساعة


104


أو ساعتين فقط، وهكذا كان بالفعل.

فقد أحبّوا الحسين عليه السلام وأحبّهم لينالوا بذلك محبّة الله تعالى، أولسنا نقرأ في الزيارة: "من أحبّكم فقد أحبّ الله"5.

ولذلك نسلّم عليهم في الزيارة بقولنا: "السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه، السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه"6.

ولذلك قال فيهم الإمام عليّ عليه السلام: "..مصارع عشّاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم"7.


105


المحاضرة الثانية:

اللهو والعبثيّة

v الهدف

تربية الناس على أنّ اللهو وإضاعة الوقت من الأمور المذمومة، وأنّ التحديّات وحجم المؤامرات تفرض علينا الاستفادة القصوى من كلّ إمكاناتنا وعدم التفريط بشيء مهما كان بسيطاً.


v تصدير الموضوع

قال تعالى:﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ8.


v آثار ترك اللهو

إنّ بعض الصبية قالوا لنبيّ الله يحيى عليه السلام - عندما كان


107


صغيراً-: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا، فأنزل الله تعالى:﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا9.



v اللهو عند أهل الإيمان

قال تعالى:﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً10.ورد في تفسير القمّي أنّ اللغو في الآية هو الهزل والكذب.

وقال تعالى:﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ11.وإنّما قال معرضون ولم يقل تاركون في إشارة إلى أنّ الإعراض يستلزم الانشغال بما هو أهمّ، لأنّ الإنسان المؤمن إنّما يعرض عن الأمور التي لا تتناسب مع كرامته وشرافة نفسه، وتتعلّق نفسه بعظائم الأمور وذلك لعلوّ همّته.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: اشتغال النفس بما لا يصحبها بعد الموت من أكبر الوهن12.

وعنه عليه السلام: أيّها الناس, اتقوا الله، فما خلق امرؤ عبثاً فيلهو ولا تُرك سدى فيلغو13.

والإعراض عن اللهو لا يعني أنّ المؤمن ينبغي أن يكون جادّاً وقاسياً بل ورد استحباب مفاكهة الإخوان واستحباب إدخال السرور على المؤمنين.


108


v اللهو عند أهل الدنيا

قال تعالى:﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ14.

وقال تعالى:﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ15.


v مفاسد اللهو واللعب

عن أمير المؤمنين عليه السلام: اللهو يسخط الرحمن ويرضي الشيطان وينسّي القرآن16.

وعنه عليه السلام: مجالس اللهو تفسد الإيمان17.

عن أبي عبد الله عليه السلام:...... فإنّ الملاهي تورّث قساوة القلب وتورّث النفاق18.

ممّا ورد في دعاء إدريس عليه السلام: اللهمّ سل قلبي عن كلّ شيء لا أتزوّده إليك، ولا أنتفع به يوم ألقاك من حلالٍ أو حرام19.

وفي دعاء مكارم الأخلاق: "اللهمّ صلِّ على محمّد وآله واكفني ما يشغلني الاهتمام به، واستعملني بما تسألني غداً عنه، واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له".


109


المحاضرة الثالثة:

أهميّة الأسرة في الإسلام

v الهدف

بيان أهمية الأسرة وأنها أصغر خلايا المجتمع، والتي يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها، وأهميّة تحمّل الزوجين مسؤوليّاتهما في بناء الأسرة.


v تصدير الموضوع

قال تعالى:﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ20.


تكمن أهميّة الأسرة في الإسلام من خلال النقاط التالية:

1- تحقيق النمو الجسديّ والعاطفيّ:
وهذا أهمّ الأبعاد


111


الفرديّة لبناء الأسرة، وهو ضرورة وحاجة عند جميع الناس لما أودعه الله تعالى في الإنسان من حاجات وغرائز فطره عليها.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي21.


2- تحقيق السكن والطمأنينة:
قال تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً22.

الرهان في بناء الأسرة على الرصيد العاطفيّ من المودّة والرحمة على مستوى حفظ هذه العلاقة ونجاحها وعلى مستوى حلّ المشاكل والخلافات بين الزوجين.

3- الإنجاب واستمرار النسل:
التأكيد على أن الزواج الشرعيّ هو السبيل الوحيد لإنجاب الأطفال. قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء23.

وقال تعالى:﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً24.

4- التدريب على تحمّل المسؤوليّات:
سيّما اليوم أمام حجم الغزو الثقافيّ الذي يدخل إلى بيوتنا وأسرنا من العديد


112


من الوسائل التي تُضاعف علينا حجم تحصين عوائلنا وأسرنا.

5- مسؤوليّة إدارة الأسرة بالحسنى:
فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزوجين بقوله: من كانت له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتّى تعينه وترضيه, وإن صامت الدهر وأعتقت الرقاب وأنفقت الأموال في سبيل الله وكانت أوّل من ترد النّار. ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إن كان مؤذياً ظالماً
25.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: لا يكوننّ أهلك وذو ودّك أشقى الناس بك26.

6- مسؤوليّة تربية الأطفال:
وهي من أعظم المسؤوليّات عظمةً وخطورةً لما تشكّل من تهديد أو نعمةٍ في بناء المجتمع.

7- مسؤوليّة بناء علاقات صحيحة وسليمة:
فالأسرة تصبح جزءاً من شبكة علاقات مع الأهل والإخوة والأخوات والجيران والأصدقاء التي ينبغي التراحم والتزاور وأداء الحقوق معهم.

8- اللبنة الأولى لبناء المجتمع:
وكما أنّ لبناء الأسرة بُعداً فرديّاً هناك بعد على مستوى المجتمع وهو أنّ المجتمع مبني من مجموعة أسر وليس مبنيّاً من مجموعة أفراد فقط كما في الغرب والحضارات الماديّة.


113


ومن هنا شدّد الإسلام على كراهة الطلاق باعتباره سبيلاً لتدمير خلايا المجتمع، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أوصاني جبرائيل بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشةٍ مبيّنة27.

وفي حال حصوله شدّد الإسلام على حصوله في إطار تدمير الأسرة على المستوى الفرديّ للزوجين دون المساس بالبعد المجتمعيّ، قال تعالى:
﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ28.


v ثمرة الأسرة الصالحة الولد الصالح


إنّ من أهمّ ما تقدّمه الأسرة الصالحة هو الولد الصالح, كما نجد ذلك في عوائل الشهداء الذين قدّموا فلذات أكبادهم شهداء في سبيل الله.

وهذا ما نجده أيضاً في الأسرة التي بناها أمير المؤمنين عليه السلام في زواجه بأمّ البنين التي أنجبت أربعة أولاد كانوا بأجمعهم شهداء بين يدي الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء..أعظمهم أبو الفضل العبّاس عليه السلام حامل لواء الحسين عليه السلام يوم عاشوراء.


114


هوامش

1- الإرشاد ،ج2،ص91، تاريخ الطبريّ، ج3، ص315. الكامل في التاريخ، ج4، ص57. بحار الأنوار، ج41، ص 295، باب 114 حديث رقم 18.
 2 - تاريخ الطبريّ،ج4، ص317. الإرشاد، ج 2، ص88.
 3- الإرشاد،ج2، ص91-93.
 4- تاريخ الطبريّ ، ج4،ص317- 318. الإرشاد ، ج2، ص91-93.
 5- تهذيب الأحكام ، ج6 ، ص97.
6- ابن المشهديّ: المزار ص 464.
 7- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 41 ص 295.
8- المؤمنون 115.
9- ميزان الحكمة،ج4، ص2804.
 10- الغاشية 11
 11- المؤمنون 3.
 12- ميزان الحكمة، ج4، ص2791.
 13- ميزان الحكمة،ج4، ص2802.
 14- الجمعة 11.
 15-  الزخرف ، 83.
 16 - ميزان الحكمة، ج4، ص2802.
 17 - ميزان الحكمة، ج4، ص2802.
 18- جامع أحاديث الشيعة، ج17، ص303.
 19 - إقبال الأعمال، السيّد ابن طاووس، ج1، ص182.
20- البقرة، 228.
21- ميزان الحكمة، ج4 ، ص271.
 22- الروم، 21.
 23- النساء، 1.
 24- النحل 72.
 25- جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص245.
26 - عيون الحكم والمواعظ، ص521.
27 - جواهر الكلام، الشيخ الجواهريّ، ج31، ص148.
 28 - البقرة 229.