الليلة الخامسة


المحاضرة الأولى:

معايير المجتمع المتخاذل (المجتمع الكوفيّ)

v الهدف

إبراز أهمّ مساوئ المجتمع المتخاذل والأمراض الأخلاقيّة التي تتفشّى فيه حتّى يتمّ معالجتها والتغلّب عليها.


v تصدير الموضوع

في خطبة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: "ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته, أو مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة؟" فأخذوا لا يكلّمونه, فنادى:"يا شبث بن ربعيّ, ويا حجّار بن أبجر, ويا قيس بن الأشعث, ويا يزيد ابن الحارث, ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار, واخضرّ الجناب, وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة؟ فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما


87


 تقول, ولكن انزل على حكم بني عمّك, فإنّهم لن يروك الّا ما تحبّ, فقال له الحسين عليه السلام: لا والله, لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار (أقرّ إقرار ) العبيد 1.


من المناسب الإطلالة على مساوئ المجتمع والأمّة التي أقدمت على قتل ابن بنت نبيّها لمعرفة أهمّ المشاكل التي كانت تعانيها، وبالتالي ضرورة التنبّه إلى هذه المشاكل التي إن أصابت أيّ أمّةٍ من الأمم فإنّها تقوم بما قام به المجتمع الكوفيّ في عصر الإمام الحسين عليه السلام ، ومن أهمّ هذه المشاكل والأمراض نستعرض الأمور التالية:



1- التناقض بين القول والفعل

التقى الإمام الحسين عليه السلام بالفرزدق أثناء مسيره إلى الكوفة وسأله عن أهلها, فقال له: خلّفت قلوب الناس معك وسيوفهم عليك 2.

قول الإمام زين العابدين عليه السلام: إنّ هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟!3.


88


2- الغدر والمراوغة

وقد وصفهم الإمام عليّ عليه السلام بقوله: أسودُ الشرى في الدّعة، وثعالبُ روّاغة4.

وقد غدروا بالإمام الحسين بعد أن بايعوه وأرسلوا له الكتب والمواثيق تدعوه إلى الخروج، كما نكثوا مع زيد بن عليّ بعد أن أحصى ديوانه خمسة عشر ألفاً كانوا قد بايعوه على النصرة، ولمّا أعلن الثورة لم يلتحق معه إلّا مائتين وثمّانية عشر رجلاً5.


3- التمرّد على الولاة

دعوة الإمام الحسين عليه السلام عليهم يوم عاشوراء "ولا يرضي الولاة عنكم أبداً"6.


4- الروح الانهزاميّة

فهم يبدون المناصرة والولاء لكن تراهم عند الشدائد ينهزمون ويفرّون، وهذا دأبهم مع الإمام الحسين عليه السلام ومسلم بن عقيل وزيد بن عليّ.


5- الأخلاق الرذيلة

وقد وصفهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "إن أُهملتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن جئتم إلى مشاقّة نكصتم"7.


89


6- الجشع والطمع

استمالة ابن زياد وجوه أهل الكوفة وأشرافها بالأموال فتخلّوا عن رسول الحسين عليه السلام ونكثوا عهدهم معه، بل إنّ جشعهم وطمعهم أخرجهم إلى حرب الحسين بعد أن أقسموا له الأيمان المغلّظة على نصرته.


7- التأثّر بالدعايات

إنّ الأمويّين أشاعوا في جيش الإمام الحسن عليه السلام فكرة صلحه مع معاوية، فانطلت الخدعة على أنصار الإمام الحسن عليه السلام ، فعمدوا إلى أمتعته فنهبوها وإلى شخصه فطعنوه في فخذه قبل أن يتحقّقوا من الأمر.

وعندما حاصر مسلم بن عقيل ابن زياد وأعوانه في قصر الإمارة أشاعوا بينهم خبر قدوم جيش الشام، فانطلت عليهم وتفرّقوا عن مسلم وتركوه وحيداً.


90


المحاضرة الثانية:

الكلمة الطيّبة

v الهدف

إشاعة جوّ المحبّة والتسامح بين الناس من خلال الابتعاد عن المشاحنات اللفظيّة والالتزام بجميل الكلام وآدابه وأثر ذلك على الالفة والوئام.


v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا
8.


91


v الإعراض عن الجهل واللغو

قال تعالى:
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا9.

قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ10.

قال تعالى:
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا11.


v أفضل الكلام

وتحرص الشريعة على التأنّي في الكلام وعدم التحدّث جزافاً أو الإكثار من الكلام بلا طائل أو الدخول في أيّ حديث والمشاركة بأيّ موضوع كيفما كان دون التنبّه إلى محاذيره وعواقبه.

قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا12.

وممّا ورد في صفات المتّقين عن الإمام عليّ عليه السلام:
"منطقهم الصواب"13.


92


v فضيلة الكلمة الطيّبة

1- تجعل العدوّ صديقاً:
فللكلمة أثر ساحر في التأثير بالآخرين، قال تعالى:
﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
14.
وقال تعالى:
﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى 15. لأنّ قول المعروف ينشر المحبّة بينما الأذى ينشر الضغينة حتّى لو سبقه إنفاق وصدقة.

2- قبولها عند الله:
بمعنى أنّ الله يجزي صاحبها جزيل الثواب في الآخرة، قال تعالى:
﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ16.

3- محور الفضائل:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: القول الحسن يثري المال، وينمّي الرزق، وينّسىء في الأجل، ويحبّب إلى الأهل ويدخل الجنّة17.

4- أحبّ النفقات إلى الله:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده ما أنفق الناس نفقة أحبّ من قول الخير18.

5- من أبواب البرّ:
عن الإمام عليّ عليه السلام: ثلاثة من أبواب البرّ: سخاء النفس، وطيب الكلام، والصبر على الأذى19.


93


v مصاديق الكلمة الطيّبة

فمن الضروريّ تعويد أنفسنا على جميل الكلام من إلقاء التحيّة والتحدّث على قاعدة احترام الآخر وعدم إيذائه أو إيذاء مشاعره أو السخرية من قوله، واستخدام الكلمات والمصطلحات المؤدّبة وعدم التكبّر أو التعالي أثناء الحديث، ومقابلة السيّئة بالحسنة، والإكثار من العفو والتسامح، والاعتذار عن أيّ إساءة مهما كانت بسيطة، وعدم المنّ في المعاملة.

ولم يترك الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه استخدام الكلمة الطيّبة والموعظة الحسنة حتّى مع أعدائهم الذين احتشدوا على سفك دمائهم فتراهم يتقدّمون ليعظوهم ويذكّروهم الآخرة وشأن الحسين وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحجم الجريمة التي سيقدمون عليها.

فهذا الإمام الحسين عليه السلام يتقدّم يوم العاشر من الأعداء ليقول لهم: أيّها الناس, اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ 20.


94


 المحاضرة الثالثة:

قضاء حوائج المؤمنين

v الهدف

تعزيز ثقافة مساعدة الناس والسعي في قضاء حوائجهم وبيان آثار ذلك في الدنيا وثواب هذه الفضيلة في الآخرة.


v تصدير الموضوع

عن الإمام الصادق عليه السلام: قال في قول الله عزّ وجلّ:
﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ، قال: نفّاعاً21.


v فضل قضاء حوائج المؤمنين

1- أشرف الأعمال:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: قضاء حقوق


95


الإخوان أشرف أعمال المتّقين22.

2- إفاضة الخير من الله:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله على حوائج الناس23.

3- عون الله لعبده:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ الله لا يزال في عون عبده ما دام العبد في عون أخيه24.

4- محبّة الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على بيتٍ سروراً 25.

عن الإمام الصادق عليه السلام: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أحبّ الناس إلى الله ؟ قال: أنفع الناس للناس26.


v ثواب قضاء حوائج الإخوان

عن الإمام الصادق عليه السلام:..... من مشى مع أخيه المسلم في قضاء حاجته كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة27.

عن أبي المعتمر قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّما مسلمٍٍ خدم قوماً من المسلمين إلّا أعطاه الله مثل عددهم خدّاماً في الجنّة28.


96


عن معمّر بن خلّاد قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة، ومن أدخل على مؤمن سروراً فرّح الله قلبه يوم القيامة29.

عن الإمام الصادق عليه السلام: ما من مؤمن يمشي لأخيه في حاجة إلّا كتب الله عزّ وجلّ له بكلّ خطوة حسنة، وحطّ عنه سيئة، ورفع له بها درجة وزيد عشر حسنات وشفع في عشر حاجات30.
 


v بين العبادة وخدمة الناس

عن إسماعيل الخثعميّ قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّا إذا قدمنا مكّة ذهب أصحابي يطوفون ويتركوني أحفظ أمتعتهم، قال عليه السلام: أنت أعظمهم أجراً31.

وعن مرازم بن حكيم قال: زاملت محمّد بن مصادف، فلمّا دخلنا المدينة اعتللت، وكان يمضي إلى المسجد ويدعني وحدي، فشكوت ذلك إلى مصادف فأخبر به أبا عبد الله عليه السلام ، فأرسل إليّ: قعودك عنده أفضل من صلاتك في المسجد 32.


97


عن الإمام الصادق عليه السلام: لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحبّ إلى الله من عشرين حجّة، كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف33.

وعنه عليه السلام: قضاء حاجة المؤمن المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف حتّى بلغ عشراً34.

عن الإمام الصادق عليه السلام: من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن أدخله على رسول الله فقد وصل ذلك إلى الله وكذلك من أدخل كرباً 35.

وكثيرةٌ هي الشواهد في كربلاء على قضاء حوائج المؤمنين، لكن لعلّ أبرزها عندما طلب الإمام الحسين عليه السلام من أخيه العبّاس أن يأتي بالماء إلى الأطفال والنساء، في حين أنّ المعركة شارفت على نهايتها وقريب ما ينتقل الإمام الحسين عليه السلام وأخوه العبّاس إلى رضوان الله، لكن إنّما أراد الإمام أن يؤكّد أنّ خدمة الناس لا تسقط حتّى في أحلك الظروف وأشدّها بل تقوى أهميّتها ويكبر ثوابها وترفع منزلة صاحبها يوم القيامة.


98


هوامش

1 - لواعج الأشجان, السيّد محسن الأمين ص 128.
2 - الإرشاد، الشيخ المفيد, ج2 ، ص67.
3 -كشف الغمّة، الاردبيليّ، ج2، ص263.
4- الاختصاص، الشيخ المفيد، ص153.
5 - تاريخ الأمم والملوك، ج6 ، ص157.
6 - حياة الإمام الحسين عليه السلام، الشيخ باقر شريف القرشيّ، ج2، ص427.
7 - تاريخ الأمم والملوك ، ج6 ، ص84.
8 - إبراهيم 24.
 9 - الفرقان 63.
10- القصص ، 55.
11- الفرقان 72.
12- الأحزاب 70
13- نهج البلاغة ج2، ص160. 
14- فصّلت 34.
15- البقرة 263.
16- فاطر 10.
17- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص49.
18- وسائل الشيعة، ج16، ص123.
19- وسائل الشيعة، ج12، ص125.
20- تاريخ النهضة الحسينيّة - ص195.
21 - الكافي، ج2 ص165. 
22- ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج1، ص49.
23- الدر المنثور، السيوطيّ، ج6، ص197.
24- مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج12، ص429.
25- الكافي ، ج2، ص164.
26- الكافي ، ج2 ، ص164.
27- الكافي، ج4 ، ص415.
28- الكافي، ج2 ، ص207.
29- الكافي، ج2 ، ص196.
30- شرح أصول الكافي، المازندارانيّ، ج2 ، ص198.
31- وسائل الشيعة، ج13 ، ص313 ، ب11 ، طواف ، ح1.
32- ن.م. ج13، ص313 ، باب 11 ، طواف ، ح2.
33- جامع السعادات، ج2 ، ص229.
34- جامع السعادات، ج2 ، ص229.
35- الكافي، ج2 ، ص192.