الليلة الثالثة

 المحاضرة الأولى: كيف انتصر الإمام الحسين عليه السلام


v الهدف

بيان معنى مفهوم النصر في الإسلام مقارنة بغيره من الثقافات، ومقاربة ذلك بثورة الإمام الحسين عليه السلام وكيف تجلّى النصر في كربلاء.


v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ1.


v معنى النصر

النصر لا يعني بالضرورة الغلبة العسكريّة في ميدان القتال، بل المراد بالنصر هو غلبة المبادئ والقيم التي تمثّلها الرسالة.


53


v حتميّة النصر في القرآن

قال تعالى:﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ2.

قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ3.

وهذا النصر إنّما يكون في الدنيا والآخرة. قال تعالى:﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ4.


v الشهادة انتصار الفرد

والقرآن الكريم يعتبر الشهادة إحدى الحسنيين وتوأم النصر ليؤكّد أنّ المؤمنين منتصرون على كلّ حال. قال تعالى:﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ5. وليؤكّد أنّ الكافرين مهزومون على كلّ حال، إمّا بأيدي المؤمنين في الدنيا وإمّا بعذاب الله في الآخرة.

قال تعالى:
﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ6.


54


قول الإمام عليّ عليه السلام لحظة ضربه بالسيف تلك الضربة التي استشهد بها: "فزّت وربّ الكعبة"7.


v تجلّي النصر في كربلاء

1- انكشاف المحنة:
قال الإمام الحسين عليه السلام لمّا نظر إلى جموع الأعداء: "....كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ......ففرّجته وكشفته"8. معتبراً أنّ ما جرى في كربلاء فرج وانكشاف للغمّة عن الأمّة.

إن كان دين محمّد لم يستقم       إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني


2- استمراريّة النهج:
رغم كلّ محاولات إقصاء هذا النهج عن الواقع السياسيّ للأمّة فقد استمر هذا النهج، وما ننعم به اليوم إنّما هو من بركات استمراريّة النهج الحسينيّ.

قال الإمام الخمينيّ قدس سره: كلّ ما لدينا إنّما هو من عاشوراء الإمام الحسين.

3- الانتصار بالفتح:
قال الحسين عليه السلام: ألا ومن لحق بي فقد استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح9.


55


وهذا يعني أنّ شهادة الحسين عليه السلام وأهل بيته والأصحاب كانت سبيلاً إلى الفتح وانتصار الأمّة، ومن الخطأ عدم التمييز بين حسابات الفرد وحسابات الأمّة، إذ لا سبيل لانتصار الأمّة إلّا بشهادة الأفراد.

ولهذا اختار الإمام الحسين عليه السلام الشهادة على الغلبة في أرض المعركة، لأنّه رأى أنّ الشهادة هي التي تحقّق له النصر بمعنى تحقيق الأهداف، أي غلبة المبادئ والقيم التي أراد الإمام عليه السلام تحقيقها بخروجه على يزيد..فكان يرى نصره في لقاء الله تعالى.. فعن أبي جعفر عليه السلام قال: "أنزل الله تعالى النصر على الحسين عليه السلام حتى كان ما بين السماء والأرض ثمّ خيّر: النصر، أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالى"10.


56

 

المحاضرة الثانية: جمع المال بين الحلال والحرام


v الهدف

توجيه الناس إلى سبل الحلال في جمع المال والابتعاد عن مسالك الحرام وانعكاساته على التربية ومخاطره على آخرتهم.


v تصدير الموضوع

قال تعالى:﴿وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون11.


v ضوابط طلب الرزق

ممّا ورد في دعاء مكارم الأخلاق المروي عن الإمام السجّاد: "اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد، واكفني مؤونة الاكتساب


57


وارزقني من غير احتساب، فلا أشتغل عن عبادتك بالطلب، ولا أحتمل إصر تبعات المكسب"12.

1- الإيمان أنّ الرزق من الله:
قال تعالى:
﴿اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ13.

عن الإمام عليّ عليه السلام: لا يملك إمساك الأرزاق وإدرارها إلّا الرزَّاق14.


2- طلب زيادة الرزق:
ومن الأمور التي تساهم في زيادة الرزق:

أ- التقوى:
قال تعالى:
﴿..... وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ15.

ب- الشكر:
قال تعالى:
﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ16.

وفي دعاء مكارم الأخلاق: "وصن وجهي باليسار ولا تبتذل جاهي بالإقتار"17.


3- عدم الانشغال بالرزق عن العبادة:
قال تعالى:﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ18.


58


عن الإمام العسكري عليه السلام: لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض19.

روى أبو ذرّ الغفاريّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يوصي أحدهم: واقنع بما أوتيته يخفّ عليك الحساب، ولا تتشاغل بما فرض عليك بما قد ضمن لك، فإنّه ليس بفائتك ما قد قسم لك، ولست بلاحقٍ ما قد زوي عنك
20.


4- تحمّل مسؤوليّة الرزق المكتسب:
ذكر أمير المؤمنين عليه السلام أنّ عدم الاهتمام بمصدر المال وعدم التدقيق بحليّته كأن يحصل من موارد فيها شبهة هو من الأمور التي يذكرها الإنسان عند سكرة الموت، فعنه عليه السلام: "يتذكّر أموالاً جمعها أغمض في مطالبها وأخذها من مصرَّحاتها، ومتشابهاتها، قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه، ينعمون فيها، ويتمتّعون بها، فيكون المهنأ لغيره، والعبء على ظهره"
21.

فعن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من لم يبالِ من أين اكتسب المال لم يبالِ الله من أين أدخله النّار"
22.

"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع:... وعن ماله من أين اكتسبه؟!"
23.


59


v مسؤوليّة المال العامّ

وممّا كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الأشعث بن قيس عامله على أذربيجان مبيِّناً قواعد النظر إلى المال العامّ: "وإنّ عملك ليس لك بطُعمة، ولكنّه في عنقك أمانة، وأنت مسترعى لمن فوقك.. وفي يديك مال من مال الله عزّ وجلّ، وأنت خزّانه حتّى تسلِّمه إليّ"
24.

خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنّي أستعمل الرجل منكم على العمل ممّا ولّاني الله فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت إليّ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمّه حتّى تأتيه هديّته إن كان صادقاً!؟. والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقّه إلّا لقي الله عزّ وجلّ بحمله يوم القيامة"
25.

وأحداث التاريخ تعلّمنا أن ندقّق في المال الذي نكتسبه والجهة التي تنفقه علينا، ففي نهضة الإمام الحسين عليه السلام نرى توزيع المال الحرام وأثره في تغيير مسار الأحداث،كما حدث مع أهل الكوفة الذين بايعوا سفير الحسين عليه السلام، ثمّ تراهم بعدما أغدق ابن زياد المال على وجهائهم وقادتهم ينسلّون عن مسلم ابن عقيل ويلتحقون بيزيد.


60


المحاضرة الثالثة: المعاملة الحسنة بين الناس


v الهدف

التركيز على ضرورة التعامل بالحسنى ومكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع وأهميّة ذلك في نشر أواصر المحبّة بين الناس.


v تصدير الموضوع

لمّا كان الإنسان كائن اجتماعيّ قامت الشريعة بوضع أسس لعلاقة الإنسان مع أخيه الإنسان وتحديد بعض الضوابط والمعايير التي تحفظ هذه العلاقة وتجعلها قويّة ومتينة ومؤهّلة للبقاء والاستمرار، بل للرهان عليها إزاء التحديّات التي تواجهه حتّى جعلها أمير المؤمنين عليه السلام جوهر الدين بقوله:"الدين المعاملة"
26.


61


 فمن حديث للإمام الباقر عليه السلام: " إنّ لله جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة، رجل حكم على نفسه بالحقّ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله"27.


v مظاهر المعاملة الحسنة

1- الإلفة والمودّة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " خير المؤمنين من كان مألفه المؤمنين ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف"
28.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن قلب الظمآن إلى الماء البارد"
29.


2- الإقبال على المؤمن بوجه طلق:
ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه"
30.

فعن الإمام الصادق عليه السلام: "وتبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة"
31.


3- إفشاء السلام وآثاره:

أ- السلام حقّ:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنّ للمسلم على أخيه


62


من حقّ أن يسلّم عليه إذا لقيه"32.

ب- نشر المحبّة:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أفلا أدلّكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا رسول، قال: أفشوا السلام بينكم"
33.

ج- زيادة الحسنات:
فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "سلِّم على من لقيت من أمّتي يزيد الله في حسناتك"
34.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: " للسلام سبعون حسنة، تسع وستون للمبتدئ وواحد للرادّ"
35.

د- علامة التواضع:
فعن الإمام الصادق عليه السلام:"من التواضع أن تسلِّم على من لقيت"
36.

وورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:"وإنّ أبخل الناس من بخل بالسلام"
37.

4- المصافحة وآثارها:
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار"
38.

ففي رواية: "تصافحوا فإنّ المصافحة تذهب بالشحناء"
39.


63


5- التعارف: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا آخى أحدكم رجلاً فليسأله عن اسمه واسم أبيه وقبيلته ومنزله، فإنّه من واجب الحقّ وصافي الإخاء، وإلّا فهي مودّة حمقاء40.

6- حسن الخلق:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"أحسن خلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحب من الناس"
41.

7- اختيار القول الحسن:
قال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ42. وبيّن الله السبب فقال:﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ 43 ليغري العداوة والبغضاء ويشحن الصدور غيظاً. إنّ الله أمرنا أن نقول للمؤمنين التي هي أحسن بل لكلّ الناس، قال تعالى:﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً44.

وقال الإمام الباقر عليه السلام: "قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم"45.

8- إكرام الصديق:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إكرام الصديق إكرام لله"46.

9- حفظك أخيك في غيبته:
عن الإمام الصادق عليه السلام:


64


"كن له ظهراً فإنّه لك ظهر، إذا غاب عنك فاحفظه في غيبته فإذا شهد فزره وأهله، وأكرمه فإنّه منك وأنت منه"47.

ومن نماذج إكرام الأخ ما نجده في كربلاء عند العبّاس عليه السلام وأخيه الإمام الحسين عليه السلام حينما آثره على نفسه وفداه به، ولم يشرب الماء والحسين عليه السلام عطشان

يا نفس من بعد الحسين هوني         وبعده لا كنت أو تكوني


65


هوامش

1- محمّد، 7.
2 - الروم، 47.
 3- المجادلة 21.
4- غافر، 51.
 5- التوبة، 52.
6- التوبة، 111.
 7- شرح أصول الكافي، ج11، ص255.
8- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص96.
 9- مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحليّ، ص6.
10- أصول الكافي، الكلينيّ، ج 1 ص 260.
11- الذاريات، 22.
12 - الصحيفة السجاديّة، ص115.
 13- العنكبوت، 62.
14 - ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج2، ص1066.
15 - الطلاق، 2و3.
16 - إبراهيم، 7.
17 - الصحيفة السجّاديّة، ص115.
 18- الجمعة 11.
 19 - الأنوار البهيّة، الشيخ عبّاس القميّ، ص318.
20 - مستدرك سفينة البحار، ج10، ص382.
21- منازل الآخرة والمطالب الفاخرة، الشيخ القميّ، ص 108.
22 - وسائل الشيعة، ج16، ص98.
 23- الخصال، الشيخ الصدوق، ص253.
 24- نهج البلاغة، الكتب والرسائل رقم 5.
25 - صحيح البخاريّ، ج.8، ص66.
26- موسوعة المصطفى والعترة، الشاكريّ، ج10، ص525.
27- مشكاة الأنوار، الطبرسيّ، ص364.
 28- الأمالي، الطوسيّ، ص462.
29- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2، ص247.
30- نهج البلاغة، ج4، ص78.
31- الكافي، ج2، ص188.
32- مستدرك الوسائل، ج16، ص236.
 33- كنز العمّال، المتّقي الهنديّ، ج15، ص892.
34- نفس المصدر، ج15، ص909.
 35- جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص588.
36- الحدائق الناضرة، المحقّق البحرانيّ، ج9، ص81.
37- روضة الواعظين، النيسابوريّ، ص459.
38- الكافي، ج2، ص181.
 39- كنز العمّال، ج9، ص134.
40- مستدرك سفينة البحار، ج1، ص69.
41 - مستدرك سفينة البحار، ج3، ص175.
 42 - الإسراء 53.
 43- الإسراء 53.
44 - البقرة 83.
45- الكافي، ج2، ص165.
 46- أدب الضيافة، جعفر البياتيّ، ص64.
 47- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2، ص170.