الليلة الثانية

 المحاضرة الأولى:

من أسباب الثورة الحسينيّة

v الهدف

تبيان أهمّ معالم السياسة الأمويّة وخطرها على الإسلام، وأنّ السكوت عليها من شأنه أن يضيع معالم الرسالة السماويّة.


v تصدير الموضوع

قال الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمّد بن الحنفيّة: يا أخي, والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية1.


قام الأمويّون بالعديد من السياسات التي كان لها الخطر الكبير على رسالة الإسلام وتعاليمه، وبرزت في مقابل ذلك


37


عدّة مسؤوليّات جسيمة نذكر منها:

1- المسؤوليّة الدينيّة:
والتي تعني مواجهة القضايا التالية:

أ- حكومة السلطان الجائر:
عن الإمام الحسين عليه السلام: أيّها الناس, إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعمل في عباد الله بالإثمّ والعدوان، فلم يغيّر عليه بقول ولا فعل كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله
2.

ب- محو ذكر أهل البيت عليه السلام:
وذلك من خلال افتعال الأخبار والحطّ من شأنهم، واستخدام أجهزة الدولة لتربية الناس على بغضهم، ومعاقبة من يذكر فضائلهم بأقصى العقوبات، وسبّهم على المنابر والمآذن وخطب الجمعة، ولعلّ ما قالته الحوراء زينب عليها السلام ليزيد أكبر شاهد على حجم الجريمة التي كان يستهدفها بنو أميّة: فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا3.

ج- تدمير القيم الإسلاميّة:
يقول ابن أبي الحديد: "كان معاوية أيّام عثمّان شديد التهتّك موسوماً بكلّ قبيح، وكان في أيّام عمر يستر نفسه قليلاً خوفاً منه"4.

ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنّه كان يشرب الخمر5.


38


واستخفّ بكافّة القيم الدينيّة، ولم يعن بجميع ما جاء به الإسلام من أحكام, فاستعمل أواني الذهب والفضّة وأباح الربا6.

د- ظهور البدع:
فقد ورد في رسالة الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل البصرة: فإنّ السنّة قد أميتت، والبدعة قد أحييت7.

2- المسؤوليّة الاجتماعيّة:
وذلك في مقابل:

أ- المظالم الهائلة على الشيعة:
حيث عانى الشيعة في عهد معاوية صنوف العذاب كإعدام أعلامهم، وصلبهم على جذوع النخل، ودفنهم أحياء، وهدم دورهم، وعدم قبول شهادتهم، وحرمانهم من العطاء، وترويع نسائهم، وإذاعة الذعر والخوف في أوساطهم.

ب- تفكيك المجتمع:
إذ عمد معاوية في سياسته إلى إثارة عناصر التفرقة والعصبيّات القبليّة كالصراع الذي نشب بين قيس ومضر، وأهل اليمن والمدينة، وبين قبائل العراق فيما بينها، وإثارة العنصريّة عند العرب ضدّ المسلمين من غير العرب أي الموالي، وأثار الأحقاد القديمة بين الأوس والخزرج8.

3- المسؤوليّة السياسيّة:
والتي تتمثّل بشكل أساسي بالقضيّة التالية:


39


أ- الدفاع عن أحقيّته بالخلافة: كتب الإمام الحسين عليه السلام في أولى رسائله إلى أهل الكوفة: فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله9.

وفي المقابل يقول عليه السلام: ويزيد رجلٌ فاسق، شارب للخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلنٌ بالفسق10.

4- المسؤوليّة الاقتصاديّة والماليّة:
وذلك لتصحيح المسارات التالية:

أ- التمييز في العطاء:
فقد منح معاوية المال بناءً على الولاء السياسيّ، فأعطى الأموال الهائلة لأسرته ووهبهم الثراء العريض، وأغدق المال على المؤيّدين له فأعطى خراج مصر لابن العاص، وجعله طعمة له ما دام حيّا 11ً.وكلّ هذا معتمداً على سياسة عشوائيّة في جمع الضرائب والأموال من خلال إعفاء مؤيّديه وإرغام معارضيه من محبّي أمير المؤمنين عليه السلام على دفع مبالغ طائلة.

ب- إشاعة الفقر بين معارضيه:
حتّى يبقى أكبر همّهم رفع الجوع والحرمان، فقد أجبر أهل يثرب على بيع أملاكهم واشتراها منهم بأبخس الأثمان12.


40


وقد قام بأعباء هذه المسؤوليّات على أنواعها أبو عبد الله الحسين عليه السلام الذي تكفّلت نهضته تصحيح المسار الذي انحرف عن التعاليم التي جاءت بها رسالة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وصدقت معه الكلمة القائلة "إنّ الإسلام محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء", ولعلّ هذا يكون من أبعاد كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقّ سبطه الحسين عليه السلام: "حسين منّي وأنا من حسين".


41


المحاضرة الثانية:

الالتزام بالتكليف

v الهدف

توضيح معنى التكليف الشرعيّ وكيفيّة تشخيصه بين باقي الخيارات والجهة التي ينبغي أن نأخذ تكليفنا منها.


v تصدير الموضوع

عن الإمام عليّ عليه السلام: اعلموا أنّ ما كلّفتم به يسير، وأنّ ثوابه كثير، ولو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغيّ والعدوان عقاب يخاف لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه13.


43


v خصائص التكليف

1- القدرة عليه:
قال تعالى:﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ14.
 
الإمام الصادق عليه السلام: ما أمرُ العباد إلّا بدون سعتهم، فكلّ شيءٍ أمر الناس بأخذه فهم متّسعون له، وما لا يتّسعون له فهو موضوع عنهم15.

وعنه عليه السلام: ما كلّف الله العباد فوق ما يطيقون - فذكر الفرائض وقال: - إنّما كلّفهم صيام شهر من السنة وهم يطيقون أكثر من ذلك16.

2- براءة الذمّة يوم القيامة:
والمقصود أنّ القيام بالتكليف بعد تشخيصه وحده الذي ينجي الإنسان ويرفع عنه المسؤوليّة يوم القيامة ويثاب على عمله.

3- شموله لكافّة نواحي الحياة
: قال تعالى:﴿تِبْيَانًا لكُلِّ شَيْءٍ17.

فالإلتزام بالتكليف يعني عدم الإقتصار على بعض التشريع وترك بقيّة التشريعات، بل الالتزام بكافّة المسؤوليّات الشرعيّة.


44


قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ18.

ومن الشواهد الخالدة على أداء التكليف موقف المرأة الجليلة طوعة الذي لو وضع عملها بكفّة ميزان ووضع عمل أهل الكوفة بكفّةٍ أخرى لرجح عملها الذي نصرت به رسول الحسين على كافّة أهل الكوفة.


v من يشخّص التكليف

النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أهل البيتعليهم السلام هم الذين عيّنهم الله لمهمّة تشخيص التكليف للناس.

قال تعالى:﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ19.

وقال تعالى:﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا20.

الفقيه الجامع للشرائط هو المعني بتشخيص تكليف الأمّة في عصر الغيبة.

عن الإمام المهدي: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله21.


45


v تشخيص التكليف

لعلّ أهمّ ما في الأمر أن يشخّص الإنسان المسؤوليّة الملقاة على عاتقه تشخيصاً دقيقاً بين جملة الخيارات التي بين يديه.

ففي كربلاء شاهدنا مَنْ ناصر الحسين عليه السلام بماله أو عرض عليه جواده أو قدّم له سيفه, في حين أنّ المسؤوليّة الملقاة على الجميع كانت نصرة الحسين عليه السلام بالدماء والأرواح.

وقبل خروجه عُرض على الإمام الحسين عليه السلام عدّة خيارات كخروجه إلى اليمن أو التوجّه إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين أو عدم الخروج إلى العراق أو عدم اصطحابه النساء والأطفال وتركهم في المدينة، وتعدّدت الآراء من حوله، لكن المطلوب أن يلتزم الجميع قراره بعدما عزم على الخروج لمواجهة السلطة الفاسدة.

وفي لبنان شاهدنا رجال المقاومة الذين شخّصوا تكليفهم بحمل السلاح والمواجهة في حين كان الآخرون يلتزمون مسؤوليّات أخرى, أو يشخّصون المواجهة بأساليب سلميّة أو دبلوماسيّة أو الرجوع إلى المؤسّسات الدوليّة, والتي لا يمكن أن توصل إلى الأهداف المرجوّة.

وكثيراً ما يشخّص الناس أنّ تكليفهم السكوت والصبر والتحمّل بل والولاء للباطل أحياناً بينما يكون تكليفهم الحقيقيّ هو النهوض والاستنكار ومحاولة التغيير.


46


المحاضرة الثالثة:

إصلاح ذات البين

v الهدف

تشجيع الناس على تجاوز خلافاتهم على اختلافها ونشر ثقافة تماسك المجتمع, وبيان مفاسد المجتمع المتفكّك وآثار ذلك على ضعفه والتغلّب عليه.


v تصدير الموضوع

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ22.

وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ23.

شدّدت الشريعة على ضرورة تجلّي العبادات وأداء الفرائض


47


في السلوك العمليّ للإنسان معتبرةً أنّ عدم هذا التجلّي دليل فراغ هذه العبادات من أيّ مضمون روحيّ.

قال تعالى:﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا24.


v فضيلة إصلاح ذات البين

1- أفضل الأعمال بعد أداء الواجبات:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما عمل امرؤ عملاً بعد إقامة الفرائض خيراً من إصلاحٍ بين الناس، يقول خيراً، ويتمنّى خيراً25.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:
إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام26.

2- كمال السعادة:
عن الإمام عليّ عليه السلام: من كمال السعادة السعي في صلاح الجمهور27.

3- الإصلاح صدقة:
عن الإمام الصادق عليه السلام: صدقةٌ يحبّها الله, إصلاحٌ بين الناس إذا تفاسدوا, وتقاربٌ بينهم إذا تباعدوا28.


48


v مساوىء الخصومة

1- السفه والحمق:
عن الإمام عليّ عليه السلام: المخاصمة تبدي سفه الرجل ولا تزيد في حقّه29.

2- الحقد والنفاق:
عن الإمام الصادق عليه السلام: إيّاكم والخصومة فإنّها تشغل القلب وتورث النفاق وتكسب الضغائن30.

3- تفكّك المجتمع:
وعليه فإنّه تجب المبادرة إلى حلّ النزاعات لأنّ تركها وتسويفها من شأنه أن يبعّد القلوب ويراكم الأحقاد ويعثّر الإصلاح.


4- إحباط الأعمال:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟, إصلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة31.


v مراتب الإصلاح

1- الإصلاح بين الأفراد:
أي المبادرة إلى حلّ المشاكل والمشاجرات التي تحصل بين الأفراد، فقد ورد عن مفضّل أنّه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي32.

2- إصلاح المجتمع:
ويتمثّل بضرورة رأب الصدع بين


49


المؤسّسات والجمعيّات التي تشكّل المجتمع المدنيّ, وضرورة تلاحمها وعدم التنازع بينها, لما يشكّل ذلك من تفكّك للمجتمع وإضعاف لقواه الحيّة.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحميّة33.

3- إصلاح الأمّة:
وذلك عندما تتبدّل القيم والمبادئ وتنتشر الرذيلة والفاحشة عند المتصدّين لإدارة الأمّة والممسكين بمقدّراتها، ولعلّ أبرز شاهد على هذا النوع من الإصلاح حركة الإمام الحسين عليه السلام، والتي عبّر عن غاياتها بقوله: إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر34.


50


هوامش

1  - أعيان الشيعة ، ج4 ، القسم الأوّل ، ص186.
2 - وقعة الطف ، 172.
3  - أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، ج1، ص616.
4 - تاريخ النهضة الحسينيّة ، ص17.
5  - مسند أحمد بن حنبل ، ج5 ، ص347.
6  - سنن النسّائي ، ج7 ، ص279.
7  - تاريخ الأمم والملوك ، ج4 ، ص565.
8 - العقد الفريد ، ج2 ، ص260.
9 - تاريخ الأمم والملوك ، ج4 ، ص561.
10  - حياة الإمام الحسين  عليه السلام، الشيخ باقر شريف القرشيّ، ج2، ص 209.
11  - تاريخ النهضة الحسينيّة ، ص15.
12  - تاريخ النهضة الحسينيّة ، ص13.
13 - نهج البلاغة، ج3، ص80.
14 - البقرة 286.
15 - الحدائق الناضرة، المحقّق البحرانيّ، ج4، ص281.
16 - تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسيّ، ج4، ص154.
17  - النحل 89.
 18 - البقرة 85.
 19 - النساء 59.
20  - الحشر 7.
21  -كشف اللثام، الفاضل الهنديّ، ج10، ص29.
22 - الحجرات ، 10.

23  - الأنفال ، 1.
24 - النساء ، 114.
25  ­الأمالي، الشيخ الطوسيّ، ص522.
26   ­ثواب الأعمال الشيخ الصدوق، ص148.
27 - عيون الحكم والمواعظ، ص469.
28  - الكافي ، ج2 ، ص209.

29  - عيون الحكم والمواعظ، ص49.
30- ­جامع أحاديث الشيعة، السيّد البروجرديّ، ج16، ص262.
31  - ميزان الحكمة، ج2، ص1622.
32  - الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2، ص209.
33 - الكافي ، ج2 ، ص166. 
34- عوالم الإمام الحسين  عليه السلام، الشيخ عبد الله البحرانيّ، ص179.