الليلة العاشرة


المحاضرة الأولى:

مظاهر العبادة في كربلاء

v الهدف

الإضاءة على بعض مظاهر العبادة التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه في كربلاء وما بعدها، والتأكيد على أهميّتها وسموّ معانيها في اللحظات الصعبة.


v تصدير الموضوع

نُقل عن تاريخ ابن أعثم الكوفيّ: أنّه ما نام الحسين عليه السلام في تلك الليلة وأصحابه وأعوانه إلى الصبح، وكذلك النسوة والصبيان وأهل البيت كلّهم يدعون ويوادعون بعضهم بعضاً1.


159


1- الدعاء: ففي الخبر أنّه عندما نظر إلى جموعهم كأنّها السيل المنحدر دعا بمصحفٍ فنشره على رأسه وأقبل على الله يدعوه ويتضرّع إليه قائلاً: اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقّة وعدّة2.

2- المناجاة:
ويكشف مدى ارتباط الإمام الحسين عليه السلام بالله تبارك وتعالى في أشدّ الظروف وأصعبها حتّى في اللحظة التي كان يجود بها بنفسه، فقد ورد عنه: لمّا اشتدّ به الحال رفع طرفه الى السماء قائلاً: اللهم متعالي المكان, عظيم الجبروت, شديد المحال, غني عن الخلائق, عريض الكبرياء, قادر على ما تشاء, قريب الرحمة, صادق الوعد, سابغ النعمة, حسن البلاء, قريب إذا دعيت, محيط بما خلقت, قابل التوبة لمن تاب إليك, قادر على ما أردت, تدرك ما طلبت, شكور إذا شكرت, ذكور إذا ذكرت, أدعوك محتاجاً, وأرغب إليك فقيراً, وأفزع إليك خائفاً, وأبكي مكروباً, وأستعين بك ضعيفاً, وأتوكّل عليك كافياً...3.

3- الصلاة:
وهي من أهمّ المظاهر العباديّة التي تجلّت في كربلاء, لا سيّما صلاة الظهر يوم العاشر من المحرّم حيث


160


أدّى الإمام الحسين عليه السلام صلاة الظهر بين عشرات الآلاف من الأعداء وذلك أنّه تقدّم أبو ثمامة الصائديّ من الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: نفسي لنفسك الفداء، أرى أنّ هؤلاء قد اقتربوا منك والله لا تقتل حتّى أقتل دونك، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها، فقال له الحسين عليه السلام: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين4.

وأثناء مسيرة السبي، ورغم أنواع العذاب التي كانت تتعرّض لها هذه المسيرة فإنّ الحوراء زينب عليها السلام لم تترك إحياء الليل، وروي أنّ الإمام السجّاد دخل عليها ليلة في بعض المنازل ما بين الكوفة والشام فكانت تصلّي من جلوس، فسألها عن سبب ذلك، فقالت عليها السلام: أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال5.

4- المباهلة:
كالذي جرى بين برير ابن خضير ويزيد ابن معقل عندما قال لبرير: "أشهد أنّك من الضالّين", فدعاه برير إلى المباهلة فرفعا أيديهما إلى الله سبحانه وتعالى يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله، ثمّ تضاربا فضربه برير على رأسه ضربة قدّت المخفر والدماغ فخرّ كأنّما هو من شاهق6.

5- الذكر وقراءة القرآن:
ففي الرواية أنّه عندما طلب الإمام


161


الحسين عليه السلام من العبّاس عليه السلام أن يستمهل القوم إلى صبيحة يوم العاشر, قال له: ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشيّة إلى غدٍ, لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره, فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والإستغفار7.

وفي اللهوف أنّ الإمام الحسين عليه السلام قام الليل كلّه يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع, وقام أصحابه كذلك يصلّون ويستغفرون، فباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل بين قائمٍ وقاعدٍ وراكعٍ وساجدٍ وقارىء للقرآن8.


162


المحاضرة الثانية:

ترشيد الاستهلاك

v الهدف

أهميّة ضبط الإنفاق وبيان فوائده ومفاسد التبذير والهدر على المستوى الفرديّ والعامّ، وتوعية الناس على المراقبة الدائمة لسياسات صرف المال لا سيّما فيما يرتبط بالشأن العامّ.


v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا
9.

تلا الإمام الصادق عليه السلام هذه الآية فأخذ قبضةً من حصى وقبضها بيده فقال: هذا الإقتار الذي ذكره الله عزّ وجلّ في كتابه، ثمّ قبض قبضةً أخرى فأرخى كفّه كلّها، ثمّ قال: هذا


163


الإسراف، ثمّ أخذ قبضةً أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال: هذا القوام10.


v ذم السرف

ترشيد الإنفاق من الأمور التي تحتاج إلى توعية دائمة للفرد والأسرة والمتصدّين للشأن العامّ لما يشكّل من ركيزة مهمّة على مستوى استقرار المجتمع واكتفائه واستغنائه عن الآخرين من خلال دراسة الأولويّات والحاجات الضروريّة، فقد ورد عن عبد الله بن عمر: مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسعد وهو يتوضّأ، فقال لا تسرف، ما هذا السرف يا سعد، قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم, وإن كنت على نهرٍ جار11. ليؤكّد أنّ مسألة الإنفاق ليست مرتبطة بالوفرة وعدمها بل بروحيّة التدبير وعدم السرف.

واعتبرت الشريعة الإسراف صفةً للطغاة والجبابرة كما هو الحال الذي نراه عند الحكّام والأمراء والملوك في العالم. قال تعالى:
﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ12.


v موقف الشريعة من الإسراف وعدم الترشيد

حثّت الشريعة على ضرورة ضبط الإنفاق وترشيده حفظاً


164


لمقدّرات الأمّة من الضياع وصوناً للمجتمع من الفقر والعوز، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إيّاكم والسرف في المال والنفقة، وعليكم بالاقتصاد، فما افتقر قوم قطّ اقتصدوا 13.

وعن الإمام العسكريّ عليه السلام: عليك بالاقتصاد، وإيّاك والإسراف، فإنّه من فعل الشيطنة
14.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أخاف على أمّتي الفقر ولكن أخاف عليهم سوء التدبير
15.


v مجالات ترشيد الاستهلاك

1- ترشيد الإنفاق عل المستوى الفرديّ:
كصرف المال في الملاهي والأمور العبثيّة وتمضية الوقت بلا طائل كالسهرات الفارغة والرحلات غير الموجّهة دون التفكير في تدبير المستقبل من قضايا الزواج والأسرة وطلب العلم.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام: سبب التدمير سوء التدبير
16.

2- ترشيد الإنفاق على مستوى الأسرة:

ويتجلّى في الترشيد في الملبس، كما جاء في صفات المتّقين عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ملبسهم الاقتصاد" والمأكل، قال تعالى: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
17.


165


وحاجات الأثاث والمقتنيات الضروريّة للمنزل، فعن الإمام الصادق عليه السلام: للمسرف ثلاث علامات: يشتري ما ليس له، ويلبس ما ليس له، ويأكل ما ليس له18.

ووضع سياسة تتوازن بين الراتب وموارد الصرف وفي الانتباه للمسائل الصحيّة والعلميّة، فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف
19.

وعنه عليه السلام: حسن التدبير ينمّي قليل المال، وسوء التدبير يفني كثيره
20.

3- ترشيد الإنفاق على مستوى المجتمع:
ويتجلّى في عدم التفريط بالمال العامّ لأمور شخصيّة، وصرف هذا المال في الموارد التي هي حاجة الناس الضروريّة والإبتعاد عن مظاهر الترف عند المسؤولين، كما يتطلّب من الفرد التعاون في ترشيد استهلاك الطاقة والمياه وكافّة مقدّرات البلاد.

عن الإمام الصادق عليه السلام: إنّ القصد أمر يحبّه الله عزّ وجلّ، وإنّ السرف يبغضه الله حتّى طرحك للنواة فإنّها تصلح لشيء، وحتّى صبّك شرابك.

إنّ من أبرز آثار ونتائج عدم ترشيد الإنفاق ما نراه اليوم من تفاوت كبير بين طبقات المجتمع, ففي حين ترى فئات من


166


الناس تنعم بكافّة وسائل الراحة ترى هناك الكثيرين ممن يرزحون تحت خطّ الفقر ويتوسّلون أبسط مقدّرات الحياة.

وهذا الموضوع يقودنا إلى الحوراء زينب عليها السلام أثناء مسيرة السبي وكيف كانت توزّع الطعام والماء على الأطفال والنساء بالمقدار الذي يكفيهم لتجاوز محنتهم.


167


المحاضرة الثالثة:

زهد القائد

v الهدف

التعريف ببعض جوانب شخصيّة القائد وأنّه القدوة والأسوة في حياته الخاصّة.


v تصدير الموضوع

عن الإمام عليّ عليه السلام: وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر
21.


تعريف الزهد:
عن الإمام الصادق عليه السلام: ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال أو تحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا


169


تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله عزّ وجلّ.


v شرائط الزهد

ذكر العلماء للزهد ثلاثة شرائط:

1-
أن يكون الزهد ملكة عنده ومن طبعه لا أن يكون أمراً عارضاً، كالإنسان المريض الذي لا يملك رغبةً في الأكل والشرب، لكن ذلك بسبب مرض طارىء وليس من طباعه.

2-
أن يكون متمكّناً من تحصيل الأمور الماديّة، فقد ورد في خطبة المتّقين:"أرادتهم الدنيا فلم يريدوها"
22.

وقال تعالى:
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ23.

3-
أن يصرف الأمور الماديّة والماليّة التي يملكها في طاعة الله وفي سبيل أهداف سامية لا في مشتهيات الدنيا وزخرفها.


v الإمام عليّ عليه السلام القائد القدوة

1- العزوف عن الدنيا:
عن الإمام عليّ عليه السلام: لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل ولُباب هذا القمح ونسائج هذا القزّ
24.

2- الترشيد وعدم اتباع الهوى: "لكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة"
25.

3- التأسّي بأفقر الناس: "ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا


170


طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع"26.

4- القائد حامل همّ الأمّة: "أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى"
27.

5- القيادة والمشاركة في المكاره: "أأقنع من نفسي أن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر"
28.

6- القيادة أسوة: "أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش".

7- عدم الانشغال باللذائذ والمشتهيات: "فما خُلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها"
29.


v زهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وعن الإمام عليّ عليه السلام: ولقد كان (أي رسول الله ) يأكل على الأرض, ويجلس جلسة العبد, ويخصف بيده نعله, ويرقع بيده ثوبه, ويركب الحمار العاري, ويردف خلفه, ويكون الستر على باب بيته ويكون فيه التصاوير, فيقول: يا فلانة -لإحدى زوجاته- غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها30.


v زهد النبيّ عيسى عليه السلام

ويصف الإمام عليّ عليه السلام زهد النبيّ عيسى فيقول: فلقد كان يتوسّد الحجر، ويلبس الخشن، ويأكل الجشب، وكان إدامه


171


الجوع، وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم يكن له زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذلّه، دابته رجلاه وخادمه يداه31

وقد كان أصحاب الحسين عليه السلام من أزهد الناس, حيث تركوا كلّ شيء وراءهم ولم تغرّهم الحياة الدنيا وزينتها..تركوا المال والأهل والأوطان فداءً لأبي عبد الله الحسين عليه السلام.


172


هوامش

1- الشيخ فضل عليّ القزوينيّ ، الإمام الحسين وأصحابه، ص262.
 2- باقر شريف القرشيّ، حياة الإمام الحسين، ج3 ، ص 180.
3 - عبد الرزاق المقرّم ، مقتل الحسين ، ص282.
4- باقر شريف القرشيّ، حياة الإمام الحسين  عليه السلام ، ج3 ، ص
218.
5- الشيخ جعفر النقديّ ، زينب الكبرى ، ص62.
6- عبد الرزاق المقرّم ، مقتل الحسين ، ص249.
7- عبد الرزاق المقرّم ، مقتل الحسين ، ص211.
 8- ابن طاووس ، اللهوف في قتلى الطفوف ، ص41.
9- الفرقان ، 67.
10- وسائل الشيعة ، الحرّ العامليّ، ج 21، ص 560.
11- عوائد الأيام، المحقّق النراقيّ، ص619.
12- يونس ، 83.
 13-كنز العمّال، المتّقي الهنديّ، ك3، ص53.
14- مستدرك سفينة البحار، الشيخ عليّ الشهروديّ، ج5، ص23.
15- عوالي اللئالي، الاحسائيّ، ج4، ص29.
 16 - ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج2ـ ص1233.
17 - الأعراف ، 31.
18- الخصال، الشيخ الصدوق، ص121.
 19- مستدرك سفينة البحار، الشيخ عليّ الشهروديّ، ج3، ص255.
20-عيون الحكم والمواعظ، عليّ بن محمّد الليثيّ الواسطيّ، ص228.20
21 - نهج البلاغة قسم الكتب الرقم 45.
22 - نهج البلاغة، ج2، ج2، ص161.
23 - الحشر ، 9.
24 - نهج البلاغة، ج3، ص71.
25 - نهج البلاغة، ج3، ص71.
26 - نهج البلاغة، خطبة 45.
 27- نهج البلاغة، ج3، ص71.
 28 - نهج البلاغة، ج3، ص71.
29 - روائع نهج البلاغة، ص83.
30 - شرح أصول الكافي، ج8، ص380.
31 - نهج البلاغة، ج2، ص58.