الليلة الأولى

 المحاضرة الأولى:

فلسفة البكاء على الإمام الحسين عليه السلام

v
الهدف

الإضاءة على البعد الروحيّ والولائيّ لقضيّة البكاء على الإمام الحسين عليه السلام والتأكيد على مشروعيّتها وثوابها، وأنّها ليست تقليداً أو طقساً اعتباريّاً.


v تصدير الموضوع

روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما من مؤمن ذَكَرَنا أو ذُكرنا عنده يخرج من عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة إلّا بنى الله له بيتاً في الجنّة, وجعل ذلك الدمع حجاباً بينه وبين النّار"
1.


21


v مشروعيّة البكاء على الحسين عليه السلام

قال الإمام الرضا عليه السلام :"يا بن شبيب!.. إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً، ما لهم في الأرض شبيهون, ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعثٌ غبْرٌ إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين.

يا بن شبيب!.. لقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه: أنّه لما قُتل جدّي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر
"
2.

v ثواب البكاء على الحسين عليه السلام

عن الإمام الرضا عليه السلام : "فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"
3 .

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة"
4.

عن الإمام زين العابدين عليه السلام : "… وأيّما مؤمن دمعت


22


 عيناه دمعاً حتّى يسيل على خدّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنّة5 .

يا بن شبيب!.. إن بكيتَ على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيرا"
6.

وعن الإمام محمّد الباقر عليه السلام قال: "كان أبي علي بن الحسين عليه السلام يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام ومن معه حتّى تسيل على خدّيه بوّأه الله في الجنّة غرفاً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتّى يسيل على خدّيه لأذى مسّنا من عدّونا بوأه الله مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى يسيل على خدّيه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عنه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه ومن النّار".

كما ورد أيضاً الحثّ على التباكي، فروي أن أبا ذرّ حدّث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:إذا استطاع أحدكم أن يبكي فليبكِ, ومن لم يستطع فليستشعر قلبه بالحزن وليتباك, فإنّ القلب القاسي بعيد عن الله.

v فلسفة البكاء على الحسين عليه السلام

1- إظهار المحبّة والولاء:
إنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام يعني أنّنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم وعدوّ لمن عاداهم, فالحزن والبكاء عليه هو إعلان الولاء والانتماء


23


 والبيعة له ولأهل البيت عليهم السلام .

2- الإجلال والتعظيم:
إنّ البكاء على الحسين عليه السلام هو تعظيم لقدره وتجليل لمقامه وتبيان لعظيم كرامته أمام جميع الناس، حيث ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: ميّت لا بواكي عليه لا إعزاز له.

وبالتالي فإنّ بكاؤنا هنا هو إعطاء شخصيّة الحسين عليه السلام عظمتها ومكانتها في نفوسنا.

3- تعليم مبادىء ثورة الحسين عليه السلام:
فالبكاء يستهدف التفاعل القلبيّ والروحيّ مع المبادئ التي طرحها الإمام الحسين عليه السلام والانصهار بها، تلك المبادئ التي خلّدت الإسلام كالمطالبة بالحقّ المغصوب، والرفض القاطع للظلم، والتفاني والإيثار، والجهاد بكلّ غالٍ ونفيس، لذلك اعتبر البكاء على الحسين عليه السلام وسيلة لتربية النفس البشريّة.

4- مواساة أهل بيت العصمة عليهم السلام:
إنّ البكاء وإقامة المآتم يعتبران لوناً من ألوان المواساة لأهل البيت عليهم السلام ، والشعائر الحسينيّة هي بمثابة تعزية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بذبح سبطه وولده الحسين عليه السلام وأهل بيته وسبي عياله، وهذه المواساة نتوسّم منها نيل الأجر وعظيم المثوبة، فإنّ من صفات شيعتهم وأتباعهم أنّهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم.

5- إحياء وتزكية الثورة في النفوس:
وللبكاء على الإمام


24


الحسين دلالات يعبّر الإمام الراحل قدس سره عن جانب منها بقوله: "البكاء على مصاب الإمام الحسين عليه السلام هو إحياء للثورة، وإحياء لفكرة وجوب وقوف الجمع القليل بوجه إمبراطوريّة كبيرة".


25


المحاضرة الثانية:

الصراع بين الحقّ والباطل

v الهدف

إنّ عمليّة الصراع بين الحقّ والباطل بدأت مع وجود الإنسان على الأرض، وعلى الإنسان أن يتخذ موقفاً إزاء عمليّة الصراع هذه ولا يجوز أن يكون حياديّاً.

v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿يَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ7.
وقال تعالى:
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ8.

v الحقّ ما ينفع الناس

 قال الله تعالى:
﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ


27


الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ9.

v الحقّ طريق الجنّة

 عن الإمام عليّ عليه السلام : الحقّ طريق الجنّة والباطل طريق النّار، وعلى كلّ طريق داع...
10 .

v سبيل اجتناب الباطل ومعرفة أهل الحقّ

يعلّمنا أمير المؤمنين عليه السلام أن لا سبيل إلى الاتصال بالحقّ والباطل معاً، وأنّ الاتصال بأحدهما يعني الانفصال عن الآخر.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام : كيف ينفصل عن الباطل من لم يتصل بالحقّ
11 .

قال تعالى:
﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ12.

قول الإمام عليّ عليه السلام لأحد المتحيّرين يوم معركة الجمل: اعرف الحقّ تعرف أهله, فإنّ الحقّ والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال
13.
 

v العلاقة مع الحقّ والباطل

يوصينا أمير المؤمنين عليه السلام أن نعرف الحقّ وننصره ونعرف الباطل ونبطله.


28


فعنه عليه السلام وهو يذمّ أصحابه: "لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ"14.

وعنه عليه السلام : فلأنقبنّ الباطل حتّى يخرج الحقّ من خاصرته
15.

وعنه عليه السلام : ما ترك الحقَّ عزيزٌ إلّا ذلّ، ولا أخذَ به ذليلٌ إلّا عزَّ
16.

عن الإمام الصادق عليه السلام : إنّ من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحقّ وإن ضرّك على الباطل وإن نفعك
17.

v لبس الحقّ بالباطل

إنّ أشدّ الابتلاءات اليوم هو أن كلّ الأطروحات والأفكار الثقافيّة تقدّم للناس باسم الحقّ والدين، ولذلك كان لا بد من تنقية الحقّ وتشذيبه من شوائب الباطل، فقد كان الإمام عليّ عليه السلام يقول: "ولو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف".

قال تعالى:
﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ18.

عن أمير المؤمنين عليه السلام : كم من ضلالة زخرفت بآيةٍ من كتاب الله كما يزخرف الدرهم النحاس بالفضّة المموّهة
19.


29


قول الإمام عليّ عليه السلام لأصحابه يوم صفّين عندما رفع أصحاب معاوية المصاحف على رؤوس الرماح: "ويحكم إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل"20.

وما جرى في كربلاء من أعظم شواهد الصراع بين الحقّ والباطل، والذي يرفع فيه الإمام الحسين عليه السلام شعار نصرة الحقّ ومواجهة الباطل حتّى لو أدّى الأمر إلى الشهادة، بل تراه يرفع شعار الشهادة سبيلاً إلى نصرة الحقّ.

قال الإمام الحسين عليه السلام : ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، فليرغب المؤمن محقّاً في لقاء ربّه
21.


30


المحاضرة الثالثة:

تحمّل المسؤوليّة

v الهدف

توعية الناس على تحمّل مسؤوليّاتهم وواجباتهم الفرديّة والعامّة ورفض اللامبالاة والحياديّة السلبيّة.

v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً22.

v النهي عن عدم تحمّل المسؤوليّة

يرّبي الإسلام الإنسان على ضرورة تحمّله للمسؤوليّة في


31


الحياة الدنيا، وذلك من خلال أن يكون صاحب رسالة يحملها بأمانة وهدف يسعى لتحقيقه، وأن لا يكون وجوده في الحياة وجوداً هامشيّاً أو تبعيّاً.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تكن أمّعة: تقولون إنْ أحسن الناس أحسنّا، وإنْ ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم: إنْ أحسن الناس أن تحسنوا وإنْ أساؤوا أنْ لا تظلموا
23.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : إعلموا أنّ الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحقّ، وولاية أهل الحقّ، فإنّ من استبدل بنا هلك، وفاتته الدنيا وخرج منها
24.

v اللاهون عن تحمّل مسؤوليّاتهم

وحذّر القرآن الكريم الناس الذين يلهون عن تحمّل مسؤوليّاتهم وذكّرهم بيوم القيامة، يوم لا ينفع الإنسان إلّا عمله الذي أقدم عليه.

قال تعالى:
﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ25.

وقال تعالى:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ26.


32


v التأكيد على المساءلة يوم القيامة

1- مساءلة الناس والأنبياء
: قال تعالى:
﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ27.

قال تعالى:
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ28.

2- عدم الإستثناء في المساءلة
: قال تعالى:
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ29.

قال تعالى:
﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ30.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا معاشر قرّاء القرآن إتقوا الله عزّ وجلّ فيما حمّلكم من كتابه فإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون، إنّي مسؤول عن تبليغ الرسالة، وأمّا أنتم فتسألون عمّا حملتم من كتاب الله وسنّتي
31.

v تفاوت أنواع المسؤوليّة

فالناس ليسوا كلّهم أمام مسؤوليّةٍ واحدة بل كلٌّ حسب علمه وعمله وشأنه وإمكاناته وعلوّ همّته وطبيعة موقعه والمحيط الذي هو فيه.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيّته، والرجل


33


راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم32.

v تحمّل أهل البيت لمسؤوليّاتهم

أهل البيت جسّدوا المثل الأعلى في تحمّل المسؤوليّة السياسيّة والاجتماعيّة.

الإمام الحسين يحمل مسؤوليّة إصلاح الأمّة رغم قلّة الناصر وعدم وفرة الإمكانات الماديّة، ويقدّم نفسه وأهل بيته وأصحابه شهداء في سبيل الإسلام.

من أهمّ شواهد حمل المسؤوليّة في عاشوراء الدور الذي قامت به السيّدة زينب عليها السلام فإنّها- وبعد كلّ ما عاينته في كربلاء من قتل لإخوتها وأبنائها- يحمّلها الإمام الحسين عليه السلام مسؤوليّة السبايا وإيصال صوت كربلاء إلى كلّ الناس فتحمل مسؤوليّتها بإخلاص وشجاعة وتنجح في أداء مهمّتها.


34


هوامش

1 - الغدير، الشيخ الأمينيّ، ج2، ص 202.
2 - موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، الشيخ هادي النجفيّ، ج2، ص78.
 3- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص191.
4 - عوالم الإمام الحسين عليه السلام، الشيخ البحرانيّ، ص534.
 5- مدينة المعاجز، الشيخ البحرانيّ، ج4، ص152.
6 - عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، ص268.

7 - الشورى ، 24.
 8- الأنبياء ، 18.
9 - الرعد ، 17.
10 - ميزان الحكمة، ج1، ص268.
11  - ميزان الحكمة، ج1، ص268.
12  - يونس ، 32.
13 - أنساب الأشراف، البلاذريّ، ص274.
 14  - ميزان الحكمة، ج1، ص268.
 15  -شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج7، ص116.
16  - تحف العقول، الحّراني، ص489.
17  - الخصال، الشيخ الصدوق، ص53.
18 - البقرة ، 42.
19 - عيون الحكم والمواعظ، ص381.
 20  - شرح أصول الكافي، ج6، ص284.
21  - عوالم الإمام الحسينQ، الشيخ عبد الله البحرانيّ، ص222.
22  - الإسراء ، 36.
23 - ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج3، ص2620.
 24 - الخصال، الشيخ الصدوق، ص626.
25 - الزخرف ، 83.
26 - المؤمنون 115.
27 - الأعراف ، 6.
28  - الصافات ، 34.
29  - الحجر ، 12.
30  - الأنبياء ، 23.
31  - الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2، ص606.
32 - ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج2، ص1212.