الليلة التاسعة

إتقان العمل كمال في الفرد وخير للمجتمع

- الهدف:
حث الناس على إتقان ما يوكل إليهم من عمل، من حيث هو أمانة لا تبرأ ذمتهم إلا بأدائها تامة متقنة، كما وأن فيه ضماناً لتقدم المجمع وازدهاره، ولمزيد من القوة والبقاء له.

- تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾1.

وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ2.


58


- محاور الموضوع:

الاحتياج المتبادل:
فما من إنسان إلا وهو بحاجة إلى الآخر في الكثير من أموره التي لا يحسن صنيعها والتي لا غنى له عنها، لذا فإن المجتمع الإنساني قائم على تبادل الخدمات، بما في ذلك الشأن المعنوي، كالأمن وحفظ النظام العام، فضلاً عن سائر الأمور المادية من حِرَف وغيرها.

- قال تعالى:
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ3.

العمل هو الأصل:
والعمل هو بذل الجهد لإنجاز أمر معين يبرع فيه العامل، وذلك إما مجاناً من أجل النفس ومن تقوله، أو بعوض نقدي أو عيني يدفع من طالب ذلك العمل عند حاجه إليه، بحيث تعظم قيمته ونفعه كلما كان متقناً


59


ومستكملاً لشروطه ومحققاً لرغبات طالبه.

- قال الإمام الرضا عليه السلام: "الذي يطلب من فضل الله ما كيف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله عز وجل"4.

الإتقان كمال ووفاء:
فإن المؤمن لا يتصدى لعمل ما لم يكن كفواً له، وما لم يكن بارعاً فيه، لأنه ناصح لأخيه، فلا يغشه، ووفي له فلا يخونه، ولأنه يعيش الكمال في نفسه فلا تطيعه يداه على عمل ناقص مشوه، ويخشى مراقبة الله تعالى فيقوى ضميره المهني إخلاصاً وورعاً.

- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن"5.

- وقال علي عليه السلام: "إن الله يحب المحترف الأمين"6.

الزمن الرديء:
هو هذا الزمن الذي فشا فيه الغش والخداع، حتى


60


 قيل: إنك لا بد أن تقف قرب العامل كي يتقن عمله، وهو أمر مؤسف يؤكد على فقدان الثقة، وتصدى غير الأكفاء، فيشيع القلق والاختلاف، بل وأكل المال بالباطل والإثم.

- قال علي عليه السلام: "لا تخن من إئتمنك وإن خانك ولا تذع سره وإن أذاع سرك"7.

حي على خير العمل
لقد كان أنصار الحسين في كربلاء من أصحاب السمعة الطيبة و السير الحسنة على السن الناس و كانوا من أهل العمل والكد والسعي قد كفوا وجوههم ووجوه عيالهم عن الناس و على رأس هؤلاء كان حبيب ابن مظاهر وزهير بن القين و لكن هؤلاء العظام كانوا يدركون تكليفهم الشرعي الذي فرضته المرحلة التي عاشوها فتركوا أموالهم وعيالهم وتجارتهم ومضوا يسطرون ملاحم الوفاء الكربلائي بخير عمل على الاطلاق.

فها هو الحسين عليه السلام يرى حبيباً يبكي قيقول له: لعلك تذكرت الأهل والعيال؟ فيجبه: سيدي لقد استبدلت عن أهلي أهلا وعن صبيتي صبية".


61


و ها هو زهير لا يغادر مخيمه حتى يطلق زوجته، فيخلد الحسين عليه السلام موقفه يوم العاشر و هو بنادي اصحابه الصرعى على رمضاء كربلاء:" ألم تطلقوا حلائلكم لأجلي ".

المقاومون الأبطال تجار الآخرة وطلابها

لقد قدمت المقاومة الإسلامية من بين نماذجها الكربلائية شهداء بسطت الدنيا لهم ذراعيها فأبوا إلا أن يكونوا على منهاج مولى المتقين عليه السلام فطلقوها ثلاثاً و مضوا إلى حيث الواجب الأهم والأكبر فكانوا مثالاً يحتذى:

بأبي من شروا لقاء حسين    بفراق النفوس والارواح


62


هوامش

1- الملك،15.
2- النساء،29.
3- الزخرف،32.
4- الكافي، ج5، ص88.
5- الكافي، ج3، ص362.
6- ج71، ص32.
7- ميزان الحكمة، ج3، ص412.