الليلة الخامسة

مصدر البلاء

الهدف:
بيان أن الله تعالى لا يتقصد استهداف عباده بألوان الأذى والشرور ليرى مدى قدرتهم على الصبر والثبات على الحق.

- تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ1.


34


- محاور الموضوع:

أ ـ تحديد المعاني:
البلاء: اسم لما يقع على الإنسان من حوادث مؤسفة، كالمرض والحرب والفقر وجار السوء والولد العاق ونحو ذلك.

والابتلاء: بمعنى الاختبار والامتحان، وهو فعل مطاوعة يوصف به انفعال من وقع عليه الحدث... خيراً أو شراً.

ب ـ مصدر البلاء:
يقع البلاء بتأثير مختلف الأسباب المؤثرة، وذلك وفقاً لقانون الأسباب والنتائج الذي يحكم هذا الوجود، فالسبب المباشر هو ما يقتضيه طبع كل شيء، وإنما نسب إلى الله تعالى لا من حيث إنه المباشر، فحاشاه أن يتعمد ايقاع الشرور والأذى بعباده، وهو الرؤوف الرحيم، بل من حيث إنه العلة الأولى، كمثل قوله تعالى على لسان إبراهيم:
﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ*وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ2.


35


ج ـ استثناء لا قاعدة:
أما ما صرح بتقصد ايقاعه من الله تعالى، عقوبة أو امتحاناً، فما كنا لنعلم به لولا أن الله تعالى أخبرنا به، إذ كنا قد جرينلا على ما هو الظاهر من خضوعه لأسبابه كغيره من الأحداث، وذلك مثل: مرض أيوب عليه السلام، ومثل: خرق العبد الصالح للسفينة وقتله للغلام خلال رحلته مع النبي موسى عليه السلام، ومثل: عقاب الأمم السابقة.

د ـ زيادة البلاء بزيادة الإيمان:
فإن ما ورد من أن أشد الناس بلاءً الأمثل فالأمثل من الناس، لا يراد به أن الله تعالى يتقصد ايقاعه بالعبد الذي يحبه أكثر، بل يراد به أن الأشد إيماناً سيكون دائماً في مواجهة مع قوى الشر، وكلما عظمت مواجهته لهم كلما استهدفوه أكثر، وذلك في نفسه وماله وكرامته، بل هو سيكون عرضة للفقر والمرض أكثر لشدة معاناته وعجز جسده عن تحمل عناء المواجهة.

هـ ـ ضرورة تصحيح الفهم الخاطئ:
فإن المرتكز في أذهان الناس هو أن الله تعالى


36


يتقصد ايقاع الأذى والشر بالناس، فترانا نضطر لبيان معنى القضاء والقدر تارة، ولبيان معنى العدل الإلهي تارة أخرى، ولفلسفة هذا الابتلاء وفوائده لنقنع أنفسنا بأنه شر يتضمن خيراً... تارة ثالثة، في حين أن الأمر كما بيناه، وأن حضور الله في ذلك هو كحضوره في كل شيء، وذلك من خلال ما أودعه من قوانين في طبائع الأشياء وكينونتها، دون أن يكون هو المباشر لما يجري... تبارك وتعالى.

وـ صبر الحسين على الأذى في جنب الله:
لقد جسد الحسين عليه السلام من خلال صبره و تضحياته التي فاقت حدود العقل البشري انموذجاً راقياً في التسليم لقضاء الله والرضا به فقدم الأهل والمال و الولد و النفس في سبيله و هو في كل ذلك حريص على أن يبلغ مراده من تحقيق رضا لله تعالى فكان موقف يوم العاشر وهويحمل رضيعه والدم يشخب من عنقه الشريف:" ارضيت يارب، خذ حتى ترضى ".


37


و كان موقفه وهو يجمع يقاسي الم الجراحات في ذلك اليوم:" رضاً بقضائك و صبراً على بلائك يا غياث المستغيثين"

و كان موقفه و هو يرى اصحابه و اهل بيته يسقطون صرعى الواحد تلو الاخر:

الهي تركت الخلق طراً في هواك     و ايتمت العيال لكــــــــــــــــي اراك
فلو قطعتني في الحب اربـــــــــا       لما مال الفؤاد الى ســــــــــــــــواك


و ـ المقاومة الإسلامية مدرسة الصبر
قدمت المقاومة الاسلامية في عصرنا هذا بمجاهديها وجرحاها و شهدائها و عوائلهم الانموذج الراقي في الصبر على البلاء وتحمل الاذى في جنب الله فذكرت الامة جمعاء بمواقف اهل بيت رسول الله و اصحابه المنتجبين في الصدر الاول من الاسلام وبمواقف الحسين عليه السلام و اصحابه في يوم العاشر،


38


فلم تكن البوت المهدمة والاطفال المذبوحة الاشلاء المقطعة ومعاناة التهجير و الحرمان الا سطراً صغيراً في سجل الوفاء الكربلائي والشعار ابداً: " يا ليتنا كنا نعكم فنفوز فوزاً عظيماً".


39


هوامش

1- البقرة،155 ـ 157.
2- الشعراء،79 ـ 80.