البلاغات السياسيّة

إيضاح

الإسلام هو دين ذو بعد سياسيّ قويّ جدّاً، فالأحكام ذات الجنبة السياسيّة والاجتماعيّة، ودور مسؤوليّة الفرد المسلم الملقاة على عاتقه إزاء قضايا الحقّ والباطل، وكذلك أهميّة مسألة الحكومة والقيادة، وتدخّل الأمّة في مصيرها الإجتماعيّ، ونظارتها على طريقة عمل الحكّام والمسؤولين، كلّ ذلك يمثّل زاوية من هذا البعد السياسيّ للإسلام.

ولقد تجسّدت فلسفة الإسلام السياسيّة، ومنهجه في إدارة المجتمع في صورة "الولاية".

إنّ معايير الدين الإسلاميّ في مسألة أولياء الأمور ملاكات إلهيّة قيّمة، فالحكومة في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعصور الأئمّة عليهم السلام هي لهم صلوات الله عليهم أجمعين، وهي في عصر الغيبة حقّ "الوليّ الفقيه" النائب عن المعصوم عليه السلام، ومبنى التصدّي للحكومة هو الجدارة العلمّية ولياقة القوى لا القوّة والقهر، والحكّام كذلك إنّما يمارسون إدارة أمور الأمّة في إطار أحكام "دين الله".

من خلال هذه المقدّمة، نرى أنّ "عاشوراء" حركة ثوريّة ضد الانحراف السياسيّ والدينيّ للحكّام الطغاة المستبدّين، وأنّ نهضة سيّد الشهداء عليه السلام مليئة بالمعاني والحقائق السياسيّة، إذ إنّ وقوع الأمّة في أسر مخالب الحكومة الظالمة، والسعي من أجل استنقاذها من ذلك، وتسليم قيادة الأمور بيد "الإمام الصالح" لنشر الحقّ والعدل في المجتمع، يكشف عن زاوية من هذا البعد، كما أنَّ حركة الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأنصاره لأجل توعية جماهير الأمّة، ورسم معالم شخصيّة القائد اللائق الجدير،


227


وفضح صورة وحقيقة الولاة والحكّام عبّاد الدنيا الظالمين غير الملتزمين بالدين، تكشف عن زاوية أخرى من هذا البعد السياسيّ أيضاً.

من هنا، فإنّ لنهضة عاشوراء بلاغاً ورسالة إلى جميع أولئك الذين يطلبون الحقّ، ويريدون العدالة، والمقاومين والمدافعين عن المظلوم، والمجاهدين في سبيل الله، وطلّاب الشهادة، والمصلحين الاجتماعيّين، والمتحرّرين، وأحرار الفكر، وبشهادة التأريخ فإنّ كيان كثير من الثورات ضدّ الظلم، والانتفاضات في وجه التجاوز والعدوان، والحركات من أجل إقامة وتشكيل الحكومة الإسلاميّة كان قد قام واستحكم على هدي دروس عاشوراء.

وإذا ما عُرضت واتّضحت ماهيّة نهضة عاشوراء السياسيّة والنضاليّة لجميع أبناء هذا العالم بأفضل صورة ممكنة كما ينبغي، فسيكون لها كثير من المؤيّدين والأتباع في أوساط النّاس الأحرار، والأمم المستضعَفة والمستعبَدة، وطلّاب الحريّة ودعاتها.

إنّ "عاشوراء" جواب وافٍ لمثل هذه الأسئلة: من هو الحاكم اللّائق؟ ما هي الصفات اللازم توفّرها في قائد المسلمين؟ ما هي واجبات وتكاليف الحكومة إزاء الرعيّة؟ ما هي حقوق وواجبات النّاس في المجتمع الإسلاميّ؟ كيف يجب التعامل مع نظام الجور؟ ما هي الممهّدات اللازمة لنهضة الأمّة؟

ما هي حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ما هي معايير ومباني الكيان السياسيّ للمجتمع؟ لمن تجب البيعة والولاية؟... وغيرها من المسائل.


228


الولاية والقيادة

إنّ "الولاية" من أهمّ أصول الإسلام، وهي بمعنى التسليم التامّ لقيادة الإمام الإلهي، والاعتقاد بأنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لهم الولاية على النّاس من قبل الله تبارك وتعالى، فالنظام السياسيّ في الإسلام ومنهج الحكومة الدينيّة قائم على أساس الولاية، و"وليّ الله" هو الحاكم الإلهيّ على النّاس، وإطاعته بعنوان أحد "أولي الأمر" واجبة على الأمّة.

و"الولاية" كما هي مسألة عاطفيّة ووجدانيّة من حيث ارتباطها بأصل وجوب المودّة لأهل البيت عليهم السلام، كذلك هي مسألة إعتقاديّة من حيث الإيمان بأنّ إمامة الأئمّة المعصومين وولايتهم من قبل الله تعالى، وأنّهم أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه، كما أنّها أيضاً موضوع سياسيّ، يعني أنّ منهج ونظام الحكم الإسلاميّ في عصر الحضور وولاية الأمر بعهدة الأئمّة عليهم السلام، وفي عصر الغيبة بعهدة فقهاء الشيعة العدول.

وترتكز الولاية في الإسلام على أساس الجدارة والصلاحيّة، وأصلح أفراد المجتمع الإسلامي لتسنّم زعامة وقيادة المسلمين هم الأئمّة المعصومون، ولهم عليهم السلام تصريحات متظافرة في صدد هذه الحقيقة، فالإمام الحسين عليه السلام مثلاً يقول:

"ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم..."1.

والعقيدة بهذه الولاية تجعل الإنسان الموالي في خطّ قيادة "وليّ الله"، فهو إنْ يعشق


229


فإنّما يعشق الوليّ الصالح، إذا سلّم أمره وأطاع فلهذا الوليّ، وإذا كانت عنده نصرة ومؤازرة يبذلها فإنّما يبذلها هديّة لهذا القائد الربّانيّ، وإذا قاتل فإنّما يقاتل تحت لواء حجّة الله وبأمره، وهذه موهبة إلهيّة لا يؤتاها أولئك الذين لا يؤمنون أساساً بهذه العقيدة، أو الذين مع اعتقادهم بولاية أئمّة أهل البيت عليهم السلام يتهرّبون على صعيد العمل من أداء التكليف القائم على أساس "قبول الولاية"، أو الذين في العمل ينقادون لولاية الظالمين.

جاء في الرسالة التي كتبها الإمام الحسين عليه السلام إلى أشراف البصرة وأهلها: "أمّا بعدُ، فإنّ الله اصطفى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم على خلقه، وأكرمه بنبيّه، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أُرسل به صلى الله عليه وآله وسلم، وكُنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلمُ أنّا أحقُّ بذلك الحقّ المستحقِّ علينا ممّن تولّاه... وقد بعثت برسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ السُنّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله"2.

وممّا قاله عليه السلام في خطابه بعد أن التقى جيش الحرّ بن يزيد الرياحيّ:

".. فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله..."3.

والإمام عليه السلام لاعتقاده بأنّ "الولاية" حقّ له فقد دعا النّاس إليها واحتجّ عليهم بها.

بعد موت معاوية حينما أراد والي المدينة أن يأخذ البيعة ليزيد من الإمام عليه السلام بأمر من يزيد، رفض الإمام عليه السلام ذلك، وأخبر عبد الله بن الزبير بأنّه لن يبايع ليزيد أبداً وعلّل ذلك قائلاً: "لأنّ الأمر إنّما كان لي من بعد أخي الحسن عليه السلام "4.


230


وفي بعض متون الزيارات يستعمل تعبير"مولى" في مخاطبة الإمام الحسين عليه السلام.

إنّ استمرار هذه الولاية في عصور ما بعد عاشوراء يتمثّل في الانقياد إلى الزعامة الربّانيّة والتسليم لأولياء الله عليهم السلام ولنوّابهم، ويجب أن يضع هذا الاعتقاد جميع جهود ومساعي الإنسان ومواقفه وولاءاته في مسار خطّ "الولاية"، وتكون حركة الإنسان الموالي مرتكزة على محور الولاية.

من الذخائر المهمّة الكامنة في حركة عاشوراء تعريف "القائد الصالح" إلى الأمّة الإسلاميّة، وفضح عدم جدارة أدعياء القيادة، إذ إنّ الفلسفة السياسيّة في الإسلام قائمة على هذا المحور وهو أنّ زعامة المجتمع وقيادته تعهد إلى الرجل المتوفّرة فيه الكفاءة العلميّة، واللياقة الأخلاقيّة، وأهليّة الحسب والنسب، والقدرة الإداريّة، والقاطعيّة في الموقف والقرار.

ومن الصعب معرفة هذه الكفاءات واللياقات وتشخيصها بالنسبة إلى أكثر النّاس، وغالباً ما يؤثّر الهوى والهوس والميول الخاصّة في أحكام النّاس، لذا فإنّ التعيين والاختيار الإلهيّ هو أفضل الانتخاب، وقد عيّن الله تبارك وتعالى الأئمّة المعصومين عليهم السلام لقيادة المجتمع الإسلاميّ خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك لأنّهم أفضل البشر، والمتقدّمون عليهم في جميع الكمالات اللازمة والجهات والخصائص المطلوبة في "الإنسان القدوة"، وهم "معصومون" أيضاً.

إنّ هذا الخطّ السياسيّ في مسألة القيادة من نقاط القوّة والامتياز عند الشيعة، إذ يعتقدون بوجوب توفّر صفات خاصّة في "القائد"، سواء أكان هذا القائد أحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام، أو أحد الفقهاء العدول الذين تعهد إليهم ولاية الأمر في عصر الغيبة5.


231


التولّي والتبرّي

إنّ الولاية والبراءة من فروع الدين ومن الواجبات العمليّة في الإسلام، أي الموالاة لأولياء الله ومعاداة أعدائه والبراءة والتنفّر منهم.

و"الموالاة" و"الولاية" و"التولّي" جميعها من أصل واحد، ولها مفهوم واحد، وهي دالّة على الالتحام المنهجيّ والفكريّ والسياسيّ للإنسان المسلم مع القادة الربّانيّين وأئمّة الحقّ عليهم السلام، فالمسلم الموالي هو الذي يتّخذ الله ورسوله والإمام "وليّاً" له، ويتقرّب إلى الله ورسوله وأوليائه بالطاعة والتقوى والعمل الصالح، ويربط نفسه وحياته بهم، فالعمل الصالح والورع قوام الولاية، كما يقول الإمام الباقر عليه السلام:"لا تُنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع"6.

فالحياة الإيمانيّة للإنسان المسلم توجب عليه أنّ يشخّص ويحدّد خطّه الفكريّ والسياسيّ في المجتمع، وموقفه إزاء قضايا الحقّ والباطل، وألّا يبقى حيالها محايداً لا إلى الحقّ ولا إلى الباطل، بل يتّبع الحقّ ويمتثل أمر "وليّ الله"، ويكون خصماً وعدوّاً لأعداء الدين والإمامة والزعامة الصالحة.

إنّ الارتباط بأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وموالاتهم ومودّتهم تكليف إلهيّ، والبراءة من أعدائهم أمر واجب، لا عند حدّ الشعار والقول فقط، بل في السلوك والعمل، وهذه البراءة والولاية ربّما قادت المسلم الملتزم إلى ميدان الجهاد، وإلى الشهادة أيضاً، ولا خوف عليه لأنّ ذلك في سبيل الله، وله الثواب الجزيل عند الله تبارك وتعالى.


232


يقول الإمام الرضا عليه السلام:"كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدوّنا"7.

وقيل للإمام الصادق عليه السلام:إنّ فلاناً يواليكم إلّا أنّه يضعف عن البراءة من عدوّكم! فقال: "هيهات! كذب من ادّعى محبّتنا ولم يتبرّأ من عدوّنا"8.

وفي عصر الإمام الحسين عليه السلام كان قد تجلّى الحقّ في وجوده عليه السلام، وتمثّل الباطل في شخص يزيد، وكان من الواجب على كلّ مسلم ملتزم أن "يتولّى" الإمام الحسين عليه السلام و"يتبرّأ" من أعدائه، كما صنع أنصار الإمام (قدّس سرّهم)، إذ وقفوا معه للدفاع عنه ولنصرته بشجاعة لا نظير لها، وتبرّأوا من يزيد وابن زياد وأعوانهم، وقد كشفت عن هذه الحقيقة أشعارهم وأقوالهم فضلاً عن مواقفهم: فمّما ارتجز به أبو الشعثاء الكنديّ (رضوان الله عليه) يوم عاشوراء، قوله:

يا ربّ إنّي للحسين ناصرٌ            ولابن سعد تاركٌ وهاجرٌ
9

وممّا قاله برير بن خضير (رضوان الله عليه):
"اللّهمّ إنّي أبرأُ إليك من فعال هؤلاء القوم..."10.

وفي ليلة عاشوراء لمّا أظهر أصحاب الإمام عليه السلام عزمهم على البقاء معه وعلى عدم التخلّي عنه، وقف نافع بن هلال (رضوان الله عليه) بين يدي الإمام عليه السلام وقال:

"نوالي من والاك ونُعادي من عاداك..."
11.

إنّ خطّ التولّي والتبرّي لا ينتهي بانتهاء عصر الإمام الحسين عليه السلام، ذلك لأنّ خطّ أبي عبد الله الحسين عليه السلام مستمرٌّ دائمٌ بلا انقطاع على هذه الأرض من بعده، وتقتضي موالاته عليه السلام والبراءة من أعدائه أن يوالي الإنسان المؤمن أنصاره والسائرين على نهجه ويتبرّأ من أعدائهم على مدى التأريخ.

في متون زيارات المعصومين عليهم السلام عامّة، وزيارات الإمام الحسين عليه السلام خاصّة، يرد ذكر موضوع التولّي والتبرّي كراراً كأحد الاعتقادات والأعمال التي يتقرَّب بها إلى


233


الله تعالى، نقرأ مثلاً في زيارة الإمام الحسين عليه السلام في النصف من رجب: "إنّي أتقرّب إلى الله بزيارتكم وبمحبّتكم، وأبرأ إلى الله من أعدائكم"12.

وجميع التحيّات وإظهار المحبّة والمودّة هو وارد في متون زيارات الإمام الحسين وبقيّة الأئمّة عليهم السلام علامةٌ لهذا "التولّي"، وجميع اللعنات والدعاء على أعدائهم وظالميهم وإظهار السخط عليهم شهادة على "التبرّي" منهم، وتموج متون الزيارات بالسلام والتحيّات الزاكيات على الأئمّة عليهم السلام وأنصارهم ومواليهم، وتموج كذلك باللعنات على أعدائهم ومخالفيهم، بل حتّى على الراضين بفعلهم، لأنّهم بالفعل منهم، نقرأ مثلاً في أحد متون زيارات الحسين عليه السلام:

"لعن الله قاتلك، ولعن الله خاذلك، ولعن الله من رماك، ولعن الله من طعنك، ولعن الله المعينين عليك، ولعن الله السائرين إليك... ولعن الله أعوانهم وأتباعهم وأشياعهم وأنصارهم ومحبّيهم..."
13.

وهذه ذروة البراءة وغاية الشمول في التبرّي...

ونقرأ في الزيارة الجامعة، وزيارات أخرى منها زيارة أبي الفضل العبّاس عليه السلام:
"فمعكم معكم، لا مع عدوّكم، إنّي بكم مؤمن، وبإيابكم من المؤمنين، وبمن خالفكم وقتلكم من الكافرين..."14.

لقد استوجب أن يكبّ على منخريه في نار جهنّم كلّ من سمع واعية الإمام الحسين عليه السلام واستغاثته ولم ينصره، وهذه الصرخة والاستغاثة: "هل من ناصر..." لم تزل تطنُّ في الآذان مدى الأجيال.

وبلاغ عاشوراء هو أن لا تكونوا غير مبالين بما يجري في ميادين الصراع بين الحقّ والباطل في كلّ زمان وكلّ مكان، بل انهضوا لنصرة الحقّ ولموالاة وليّ الله، وتبرّأوا من أتباع الباطل المخالفين لأئمّة الحقّ، حتّى تكون الشهادة التي تعطونها في زيارة الأربعين شهادة حقّ وصدق لا شهادة شعار وكذب: "اللّهمّ إنّي أُشهدك أنّي


234


وليٌّ لمن والاه، وعدوّ لمن عاداه..."15.

يقول إمام الأمّة (قدس) بصدد استمرار هذا الخطّ في كلّ العصور:

"مع أنّ بني أميّة انقرضوا وأُلقوا في جهنّم لكنّ لعنهم وصرخة التظلّم من جورهم هي صرخة في وجوه جميع ظلمة العالم، وحفظ هذه الصرخة حيّة يحطّم الظلم"16.


235


الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إنّ حياة المجتمع الإسلاميّ رهينة استمرار رعاية الأمّة لأحكام الله وحرصها على تنفيذها وإجرائها، ورقابتها العامّة على سلوك وتصرّفات وعمل أولياء الأمور والمسؤولين والنّاس عامّة، ويطلق على هذه المسألة الاجتماعيّة المهمّة في الاصطلاح الإسلاميّ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهو من أهمّ الواجبات الدينيّة الملقاة على عاتق جميع المسلمين.

و"المعروف" هو كلّ عمل صالح وحسن يرضاه الله تبارك وتعالى وقد أمر به في الإسلام، و"المنكر" هو كلّ عمل سيّء طالح غير مرضيّ يدعو إليه الشيطان، وهذه الحسنات والسيّئات، والصالحات والطالحات، منها ما يتعلّق بالحياة الفرديّة، ومنها ما يرتبط بالحياة الاجتماعيّة.

ولقد ورد في القرآن الكريم وفي الأحاديث تأكيدات كثيرة على أهميّة هاتين الفريضتين وعلى أثرهما ودورهما الإصلاحيّ، وعلى خطورة الأضرار والمفاسد المترتّبة على تركهما، وقد عدّت فريضة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أفضل الفرائض التي أمر بها الإسلام، ذلك لأنّ قوام واستمرار الأحكام الإلهيّة الأخرى في ظلّ قيام وحياة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي صدر الإسلام بعد رحلة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، تراخى المسلمون في أدائهم لهذا التكليف المهمّ حتّى تفشّى الضعف فيهم إلى درجة أن قصّر أكثرهم في حقّ هذا الواجب المقدّس، فلم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر لا في قول ولا في


236


عمل، بسبب الخوف على ما في أيديهم وعلى أنفسهم، أو طمعاً بما ليس في أيديهم، حتّى آل أمرهم إلى تسلُّط الفاسقين عليهم.

ولقد أشار الإمام الحسين عليه السلام إلى هذه الفريضة المهمّة في عرضه لدوافع نهضته المقدّسة قائلاً: "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"17.

إنّ أحد الدروس الكامنة في هذا التصريح الشريف هو أنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تنحصر في الوعظ والتذكير حيال بعض الذنوب الجزئيّة التي تصدر عن أفراد عاديّين، بل تشمل القيام والثورة ضدّ حكومة الظلم والجور، والسعي لإصلاح الكيان السياسيّ والاجتماعيّ للأمّة، وتشكيل حكومة على أساس الحقّ والقرآن، تماماً كما اعتبر الإمام الحسين عليه السلام ملحمة عاشوراء التي صنعها من مصاديق أداء التكليف على صعيد فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولهذه الفريضة المقدّسة ثلاث مراحل، مرحلة القلب، ومرحلة اللسان، ومرحلة اليد، فمرحلة القلب هي أن يكون الإنسان في قلبه محبّاً للمعروف والصالحات، ومبغضاً للمفاسد والمنكرات، فإذا جرى هذا الإحساس والشعور من قلبه على لسانه يكون قد دخل في المرحلة الثانية، فإذا عمل من أجل إقامة الحقّ والمعروف، ودحض الباطل والمنكر، فقد دخل في مرحلة اليد.

وقد أشار الإمام الحسين عليه السلام إلى مرحلة القلب في دعائه عند قبر جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قُبيل خروجه من المدينة، حيث قال: "... اللّهمّ وإنّي أُحبّ المعروف وأكره المنكر..."18.

أمّا في مرحلة اللسان، فإنّ تصريحات وبيانات الإمام الحسين عليه السلام التي فضح فيها حقيقة يزيد وأتباعه دالّة على أدائه التامّ لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مرحلة القول، كان عليه السلام قد صرّح في أكثر من مناسبة - بل حتّى في رسائله الاحتجاجيّة على معاوية- أنّ يزيد غلام شارب للخمر، فاسق، قاتل للنفس المحترمة، وأنّ أتباعه قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأنّ الحكّام الأمويّين


237


 أحلّوا حرام الله، وحرّموا حلال الله، وأحيوا البدعة وأماتوا السنّة، ومع وجود هذه المنكرات المعلنة غير المستورة في السلطة الحاكمة فإنّ القيام والانتفاضة ضدّ يزيد تحت عنوان النهي عن المنكر تكليف وواجب إلهيّ.

وعلى رغم الألسن ووسائل الإعلام التابعة لقصور الخلفاء والسلاطين الظلمة التي اتّهمت "الحركة الدينيّة" التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام بأنّها خروج على الخليفة، وشقّ لعصا المسلمين، وتمرّدٌ وعصيان، فتستحقّ أن تحبط ويقضى عليها ويقضى على القائمين بها... ينبغي على وارثي منهج الشهادة وأتباع هذا الخطّ ألّا ينسوا دماء شهداء كربلاء، فالتأكيدات المتكرّرة الواردة في متون زيارة الإمام الحسين عليه السلام على شهادة الزائر بالقول: "... أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر..."19 إنّما جاءت من أجل تبيين وتجلية فلسفة نهضة الإمام عليه السلام حتّى لا تتمكّن غوغاء وسائل إعلام الأعداء من تشويه الهويّة الدينيّة الخالصة لهذه النهضة المقدّسة أو التعمية عليها.

إنّ أتباع خطّ عاشوراء مع دوام الاستلهام من هذه الملحمة الخالدة هم القلب النابض لحركة الأمور والوضع الفكريّ والسياسيّ لهذا المجتمع، وبحضورهم الفعّال الدائم في ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضيّقون الخناق على المفسدين في عرصات حياة هذا المجتمع، ذلك لأنّ سكوتهم وتراجعهم في هذه الجبهة عن أداء هذا التكليف المقدّس يعني تقدّم أعداء الحقّ والمفسدين في المجتمع وتجاسرهم أكثر على نشر الفساد.

إنّ "مرحلة الأمر والنهي باللسان" هي الحدّ الأدنى للعمل والقيام بأداء هذه الفريضة المقدّسة في مثل هذه الظروف، وإذا ما تُركت هذه الفريضة أو نُسيت، تعطّلت الحدود الإلهيّة وصارت أحكام الله عرضة للاستهزاء والسخرية والتحقير.

يقول الإمام الحسين عليه السلام في إحدى خطبه في منزل (البيضة) من منازل مسيره إلى العراق:

"أيّها النّاس! إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعمل في عباد الله بالإثم


238


والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله!..."20.

وكان عليه السلام قد خطب قبل هذا في منزل (ذي حسم)، وكان من خطبته:

"...إنّه قد نزل من الأمر ما ترون! وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت حذاء فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء! وخسيس عيش كالمرعى الوبيل! ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة (سعادة) ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً"21.

إنّ السكوت إزاء الظلم والبدعة والانحراف كان من أخطر المنكرات التي راجت في ذلك العصر، حيث كان النّاس لا يعترضون على أصرح المنكرات التي ترتكب في المستويات العليا لمجتمعهم، كلّ ذلك خوفاً على أنفسهم، أو تحاشياً من التعرّض للخطر والضرّر، أو طمعاً في الدنيا وفي الحصول على الذهب والفضّة!

وقد فتحت نهضة كربلاء طريق "انتقاد حكومة الجور" و"الاعتراض على الظلم" و"الثورة على الطاغوت"، ومنذ ذلك الحين استلهم الكثيرون من دماء شهداء كربلاء تكليفهم وخطّ سيرهم، وأقاموا جهادهم ومقاومتهم استناداً إلى النهضة الحسينيّة.
 


239


الدعوة إلى العدالة

كان ظلم النّاس وعدم الاهتمام بحقوقهم من أبرز مفاسد الحكم الأمويّ وكانت العدالة ومقارعة الظلم من أبرز محاور نهضة عاشوراء أيضاً.

والعدل ممّا أمر به الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويشمل العدل في نطاقه جميع أمور الحياة ومجالاتها، حتّى معاملة الوالدين العادلة مع أبنائهم، ولكنّ أبرز وأهمّ مصاديق العدل هو العدالة الاجتماعيّة ومراعاة حقوق الأفراد من قبل الحكومات.

والأمويّون كما ظلموا أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كذلك ظلموا النّاس وعاملوهم معاملة ظالمة قائمة على أساس الطغيان والعدوان، والتكليف الشرعيّ لكلّ مسلم يوجب مقارعة الظلم والقيام ضدّه، خصوصاً إذا كان المسلم رجلاً مثل الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي هو سيّد هذه الأمّة و"إمام الحقّ" فيها، فتكليفه الشرعيّ في مواجهة الظلم ومقارعته والعمل على تحقيق العدالة هو التكليف الأثقل والأكبر.

في خطبته التي خطبها عليه السلام في منزل البيضة من منازل طريقه إلى العراق والتي ذكر فيها حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو: "من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله!" قال عليه السلام مشيراً إلى ظلم بني أميّة وإفسادهم في الأرض، وإلى تكليفه الأكبر والأثقل في التغيير والإصلاح: "... ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله،


240


وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيَّر..."22، وروي أنّه عليه السلام قال للفرزدق: "... وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا"23.

وفي كلام آخر يقول عليه السلام:"وتعدّت بنو أميّة علينا"24.

وفي رسالته إلى وجهاء الكوفة يقول عليه السلام:"فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الله، الحابس نفسه على ذات الله"25.

ويقول عليه السلام في كلام آخر: "... الّلهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك..."26.

وهدف تحقيق العدالة صرّح به أيضاً أنصار الإمام الحسين عليه السلام، فهذا مسلم بن عقيل عليه السلام مثلاً، لمّا قال له ابن زياد: "إيهٍ يا ابن عقيل! أتيت النّاس وهم جميعٌ فشتّت بينهم، فرّقت كلمتهم، وحملت بعضهم على بعضٍ؟!

قال: كلّا، لستُ لذلك أتيتُ، ولكنّ أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتينا لنأمر بالعدل، وندعو إلى حكم الكتاب..."
27.

ونقرأ في زيارة الإمام الحسين عليه السلام أيضاً: "... أشهدُ أنّك قد أمرتَ بالقسط والعدل ودعوت إليهما..."28.

إنّ عنصر الدعوة إلى العدالة والسعي إلى تحقيقها في نهضة عاشوراء، وجهاد الإمام الحسين عليه السلام ضدّ الظلم ومقارعته إيّاه، كان أحد الأصول التي استلهمتها أمّتنا


241


من نهضة عاشوراء في قيامها ضدّ الطاغوت في إيران.

وكان قد صرّح الإمام الخمينيّ مشيراً إلى الأصل المهمّ من أصول نهضة سيّد الشهداء عليه السلام قائلاً:

"منذ ذلك اليوم الأوّل الذي قام فيه سيّد الشهداء سلام الله عليه، كان قيامه من أجل إقامة العدل، كان دافعه إقامة العدل..."
29.

"سيّد الشهداء سلام الله عليه كان قد بذل كلّ عمره وكلّ حياته من أجل إزالة المنكر، والوقوف في وجه حكومة الظلم، ومنع المفاسد التي أوجدتها الحكومات، لقد أنفق جميع عمره، وأنفق جميع حياته في هذا الأمر، وهو أن تنتهي هذه الحكومة، حكومة الجور، وتزول من الوجود"
30.

العدالة بمعنى أن يتمتّع الجميع بالحقوق الإنسانيّة والإسلاميّة، وأن يرعى الحقّ بين الجميع بالتساوي، وينظر إلى الجميع بعين واحدة في الحقّ، كانت أيضاً قد تجلّت في نهضة عاشوراء.

كان الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء يحضر مصارع جميع الشهداء، فلا يفرّق بين ابنه الشابّ وبين غلامه، أو بين المولى وبين الخادم، لقد حظي جميع الشهداء في ذلك اليوم العصيب بشرف حضوره عليه السلام عند مصارعهم.

ومن جملة ما كانت مولاتنا زينب الكبرى عليها السلام قد وبّخت به يزيد بن معاوية مجافاته العدل عمداً وإصراره على الظلم قصداً، حيث قالت: "...أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا... ؟! "31.

فبلاغ عاشوراء دعوة البشريّة إلى السعي من أجل إقامة العدل والقسط، إذ بدون الحياة الاجتماعيّة القائمة على العدل تضيع جميع القيم الإنسانيّة، وتنشأ أسباب موت القوانين الدينيّة والأنظمة الإلهيّة، يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"العدل حياة الأحكام"32.


242


مقارعة الباطل

الصراع بين "الحقّ" و"الباطل" ممتدّ في التأريخ البشريّ وتأريخ الأديان الإلهيّة على امتداد حياة الإنسان على هذه الأرض، والباطل سواء على صعيد الأفكار والعقائد، أو على صعيد السلوك والأخلاق، أو على الصعيد الاجتماعيّ والسياسيّ، هو الشيء الذي كان جميع الأنبياء والأوصياء والأئمّة عليهم السلام قد قارعوه وخاضوا الجهاد ضدّه. وكان من السنن الإلهيّة أيضاً أنّ الله تبارك وتعالى دائماً يدمغ الباطل ويزهقه بقوّة الحقّ:
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ33.

إنّ الله هو الحقّ، والشرك والشركاء باطل، والإسلام هو الحقّ، والكفر والنفاق باطل، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام حقٌّ وأهل الحقّ، ومخالفوهم باطل وأهل الباطل، والعدل والصدق حقّ، والظلم والخداع باطل، والحكومة الإسلاميّة حقّ، وحكومة الطاغوت باطل.

وكان الإمام الحسين عليه السلام في زمانه أَمَامَ باطلٍ صريحٍ وعلنيّ متمثّل في "حكومة يزيد"، وكان تكليفه المقاومة والجهاد ضدّ هذه الحكومة الفاسدة وتصرّفاتها الباطلة في المجتمع، وقد أعلن سيّد الشهداء عليه السلام أنّ أحد دواعي نهضته هو: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقّاً حقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما"34.


243


و"البدعة" مصداق آخر للباطل، يعني أنّ الشيء الذي هو ليس من الدين يُروَّجُ له في المجتمع على أنّه من الدين ويعمل به على أساس ذلك، وكان الخطّ الذي يتنبّاه الحكم الأمويّ هو إماتة السنّة وإحياء البدعة، ولذا فمن أجل مقارعة هذا الباطل كان الإمام الحسين عليه السلام قد اختار طريق الجهاد والشهادة، ذلك لأنّه رأى أنّ السنّة قد أميتت والبدعة قد أحييت، وقد صرّح بهذا الداعي للنهضة في رسالته إلى إشراف البصرة، حيث قال عليه السلام:"فإنّ السُنّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت"35، وكان عليه السلام قد صرّح قبل ذلك أيضاً أمام والي المدينة:

"... ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله..."
36.

إنّ أساس الصراع بين أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبين آل أميّة هو التضادّ بين الحقّ والباطل، والإيمان والكفر، لا الخصومة الشخصيّة والعائليّة، يقول الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام:"نحن وبنو أميّة اختصمنا في الله عزَّ وجلَّ، قلنا: صدق الله، وقالوا: كذب الله، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة"37.

وكان سعي أهل البيت عليهم السلام لإعادة الخلافة الإسلاميّة وحاكميّة الإسلام إلى مجراها الحقّ والأصيل، وللقضاء على سلطة الباطل الجائرة، صفحة أخرى من صفحات هذا الجهاد لمقاومة ومقارعة الباطل، يقول الإمام الحسين عليه السلام مشيراً إلى حقّانيّة جهاده وأحقيّته بالخلافة، وضرورة خلع الأمّة لحكومة الأمويّين الباطلة: "ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدَّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان"38.

وفي الخطبة المهمّة التي ألقاها الإمام الحسين عليه السلام في منزل البيضة والتي طبّق فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله!"39 على حكومة


244


يزيد، حيث قال عليه السلام بعد ذلك: "ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله..."40، كان عليه السلام بهذا قد أوضح بجلاء تكليف "مقاومة الباطل" بصورة كليّة ودائميّة، وهو أنّ على المسلمين قبال قوى الباطل ألّا يسكتوا ولا يداهنوا.


245


الجهاد

"الجهاد" من تكاليف المسلمين المهمّة في الحفاظ على الدين، والذود عن كيانهم، وفي مواجهة الأعداء، وهو بذل غاية الجهد من كلّ جهة وعلى جميع الأصعدة بما يتناسب مع الظروف الزمانيّة والمكانيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة وما سواها، من أجل دفع تجاوزات الأعداء، أو الدفاع عن المظلومين، أو حفظ الإسلام وأرواح المسلمين وأموالهم.

وهذه الفريضة التي هي من "فروع الدين" كانت ولا تزال سبب عزّة المسلمين، ولقد كانت واقعة عاشوراء أحد مظاهر العمل بهذا التكليف الدينيّ، فالجهاد ربّما كان ضدّ المتجاوزين والأعداء من الخارج، وربّما كان ضدّ المتمرّدين وأهل البغي والفساد في الداخل، وربّما كان مقاومة ومقارعة لحكومة ظالمة تسعى جاهدة لهدم الإسلام، ولقد ورد في الروايات أنّ من "الجهاد" قول كلمة حقّ أمام إمام ظالم.

ولقد كان النّاس في عصر الإمام الحسين عليه السلام قد ابتلوا بحكومة ظالمة وفاسدة لا ترعى أيَّ حرمة للإسلام والمقدّسات الدينيّة ونواميس المسلمين، وكان الإسلام في ظلّ هكذا حكومة عرضة للزوال، فكان تكليف الجهاد ضدّ الحكومة الظالمة هو الذي دفع الإمام الحسين عليه السلام للخروج على يزيد والإعلان عن نهضته المقدّسة، وقد اتّخذ عليه السلام هذا الموقف استناداً إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:"من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله


246


مدخله"41.

لقد رأى الإمام الحسين عليه السلام أنّ من الواجب القيام والنهضة ضدّ مثل هذه الحكومة، فامتنع عن البيعة ليزيد، وأعلن عن نهضته، وتوجّه إلى مكّة، ومنها تحرّك نحو الكوفة ليقود الشيعة في الجهاد ضدّ الظلم.

وكان الشيعة في الكوفة قد كتبوا الرسائل الكثيرة جدّاً إلى الإمام عليه السلام وهو في مكّة، يدعونه فيها إلى الكوفة ليخرجوا تحت رايته على السلطة الأمويّة.

إذن فجهاد الحسين بن عليّ عليهما السلام  كان من أجل إحياء الدين والدفاع عن الحقّ والعدالة، وكان عليه السلام وأنصاره (قدّس سرّهم) أيضاً على أتمّ الاستعداد للاستشهاد في هذا السبيل ثمناً لرفضهم حكومة الظلم، لقد كان جهاده عليه السلام من نوع الجهاد ضدّ "البغي الداخليّ".

في لقائه مع الفرزدق في أحد منازل الطريق إلى الكوفة، قال عليه السلام له: "يا فرزدق! إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين، وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا"42.

وخلافاً لإعلام أعداء أهل البيت عليهم السلام وتبليغاتهم التي سعوا من خلالها إلى إيهام الأمّة بأنّ خروج الإمام الحسين عليه السلام نوع من التمرّد والعصيان ضدّ الخليفة، ليجوّزوا بهذا قتله وقتل أنصاره، كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام يصرّون ويركّزون على أنّ قيام عاشوراء جهاد في سبيل الله، وأنّ الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره مجاهدون محقّون وشهداء، قاموا لله، من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن دين الله، ومكافحة البدع، ونقرأ في متون الأخبار والزيارات الكثيرة الواردة عنهم عليهم السلام كثيراً من قبيل هذه التعريفات والمعاني، ففي حقّ الإمام الحسين عليه السلام نقرأ مثلاً: "الزاهد الذائد المجاهد، جاهد فيك المنافقين والكفّار، جاهدت في سبيل الله، جاهدت


247


الملحدين، جاهدت عدوّك، جاهدت في الله حقّ جهاده، و...."43، وفي حقّ أنصاره عليهم السلام نقرأ مثلاً: "جاهدتم في سبيله، أشهد أنّكم جاهدتم في سبيل الله، الذابّون عن توحيد الله و..."44.

إنّ أعلى مراحل الجهاد تلك التي يقوم المؤمن فيها لله مخلصاً بكلّ قوته واستطاعته ليقاتل أعداء الله حتّى آخر نفس، باللسان وبالسلاح، ببذل الدّم والروح حتّى الشهادة، ولقد بلغ الإمام الحسين عليه السلام وجميع المستشهدين بين يديه وفي سبيله في نهضة عاشوراء هذا المستوى الجهاديّ الكامل، ولذا نقرأ في زيارة الحسين عليه السلام، وزيارة مسلم بن عقيل عليه السلام، وبقيّة الشهداء هذا التعبير: "... جاهدت في الله حقّ جهاده...".

لقد كانت عاشوراء ميدان تجلّي هذا التكليف الدينيّ، ووجوب الجهاد ضدّ الكفّار وأعداء الإسلام أيضاً فرضٌ ديني على الجميع وفي جميع العصور وضدّ جميع الأعداء.

وكان علماء الدين على طول القرون سبّاقين دائماً إلى الجهاد ضدّ أعداء الإسلام والطامعين بالتسلّط على المسلمين.

وكان الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) يرى أنّ دروس عاشوراء في الجهاد والشهادة للجميع ولكلّ العصور: "عاشوراء ثورة الداعين إلى العدل، كانت قد قامت بعددٍ قليل وإيمان وعشق عظيم لمواجهة الظالمين سكّان القصور والمستكبرين اللصوص، وقانونها هو أن يكون هذا النهج عنوان حياة الأمّة في كلّ زمان وكلّ أرض.

إنّ الأيّام التي مرّت بنا كانت عاشوراء، فالميادين والشوارع والأزقّة والأحياء التي سالت فيها دماء أبناء الإسلام كانت كربلاء"
45.

إن هذا الجهاد الدينيّ الضامن لترقّي الأمّة الإسلاميّة واسع جدّاً، ولا ينال المسلمون العزّة إلّا في ظلال الجهاد، يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام:"فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك... والجهاد عزّاً للإسلام..."46، ويقول إمام الأمّة في


248


شمول هذا الإيمان الباعث على العزّة: "حربنا حرب العقيدة، وهي لا تعرف الحدود والحواجز الجغرافيّة، ويجب علينا في حربنا العقائديّة أن نعبّئ لها التعبئة العظيمة من جنود الإسلام في العالم"47.


249


الإختبار

المقصود من الاختبار هنا هو امتحان الأنصار واختبار الأصحاب في الحركة الانقلابيّة والإصلاحيّة، فإنّ الدخول في ميدان العمل الجهاديّ لا يوفّق ولا يحقّق الأهداف المنشودة إلّا بأنصار وأصحاب خاضوا امتحانات هذا الطريق ونجحوا فيها.

إنّ انتخاب قائد الحركة لأعوانه، وتصفية القوّة الذاتيّة لحركته من الأتباع غير الخالصين- الذين لا يحملون هموم ودوافع الحركة، أو التحقوا بها طمعاً في مكاسب دنيويّة، أو الذين يفتقرون إلى الهمّة العالية الكافية لمواصلة السير في خطّ الحركة إلى نهاية المطاف- من شروط نجاح الحركة في تحقيق أهدافها المنشودة.

والأمر الذي يشكّل محور هذا الاختبار هو الاعتقاد الواقعيّ والإيمان القويّ لأفراد قوى الحركة بخطّ وأهداف هذه الحركة، وإطاعة القيادة في المحبوب والمكروه بلا مناقشة أو اعتراض، والتقيّد والالتزام بالتكاليف وببرامج الحركة، وتوفّر الإخلاص والصدق فيهم، والقدرات الجسميّة والقتاليّة في الحرب، والروحيَّة القويّة اللازمة للثبات والاستقامة حتّى نهاية المطاف.

ولقد عرّض الإمام الحسين عليه السلام من خرج معه من مكّة ومن التحق به أثناء الطريق للاختبار مرّات عديدة ليخلّص قوّته الحقيقية من القوى العالقة بها لأيّ سبب من الأسباب الخارجة عن دوافعه وأهدافه، وذلك من خلال إخبار من كان في ركبه بمجريات أحداث الكوفة ومستجدّاتها، أو إخبارهم بأنّ هذا الركب سائر


250


إلى الشهادة، وأنّه عليه السلام سوف يُقتل ويُقتل أنصاره، وفعلاً فقد تفرّق عنه نتيجة هذه الإخبارات كثيرون كانوا لا يحملون دوافعه ولا يعيشون أهدافه، ولم يعقدوا النيّة والعزم على إطاعته، وآخرون صحبوه طمعاً في الدنيا وغنائمها، وآخرون لم تسمح أنفسهم بعد بالموت، فلم يبق معه إلّا عشّاق الشهادة الخالصون المخلصون في الإطاعة والتضحية، "وإنّما فعل ذلك لأنّه إنّما تبعه الأعراب لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون علام يقدمون، وقد علم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلّا من يريد مواساته والموت معه"48.

وقد أكّد القرآن أيضاً على هذه السُنّة الحركيّة في اختبار القوّة الذاتيّة في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى:
﴿مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ49.

في منزل "زبالة" قرأ الإمام الحسين عليه السلام على من حوله في ركبه هذا الكتاب:

"بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فإنّه قد أتانا خبرٌ فظيع، قُتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير حرجٍ ليس عليه ذمام" فتفرّق النّاس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفرٍ يسير ممّن انضووا إليه...50، وفي نقل السيّد ابن طاووس: "فتفرّق عنه أهل الأطماع والارتياب، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب"51، وفي نقل الدينوريّ: "ولم يبق معه إلّا خاصّته"52 وفي نقل القندوزيّ أنّه عليه السلام كان قد قال للنّاس حينذاك: "أيّها النّاس! فمن كان منكم يصبر على حدّ السيف وطعن الأسنّة فليقم معنا وإلّا فلينصرف عنّا"53.

وكان عليه السلام قد ذكر أيضاً مثل هذا القول في آخر خطبة له بمكّة، حيث قال:


251


"... من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا..."54.

وفي ليلة عاشوراء في خطبة الإمام المعروفة بين أصحابه بعد أن أثنى عليهم ثناءه الخالد، وشكرهم وجزّاهم خيراً، قال عليه السلام:"... يا أهلي وشيعتي! اتّخذوا هذا الليل (جملاً لكم) وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكّروا فيكم، فانجوا رحمكم الله، وأنتم في حلّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني"55، لكنّ أحداً من أنصاره لم ينصرف عنه تلك الليلة56، حتّى أنّ القاسم بن الحسن عليهما السلام  لمّا سأل عمّه: وأنا فيمن يُقتل؟ لم يجبه الإمام عليه السلام ابتداءً بل سأله: يا بنيّ كيف الموت عندك؟ قال القاسم عليه السلام:يا عمّ! أحلى من العسل! حينذاك وبعد أن امتحنه فوُفِّقَ في الامتحان بشرّه بالشهادة57.

ولقد كانت مولاتنا زينب عليها السلام ليلة عاشوراء منتبهةً إلى هذه النكتة المهمّة التي تعتبر من الأصول الحربيّة، فحينما جاء الإمام عليه السلام إلى خيمتها وجلسا يتحدّثان، كان نافع بن هلال (رضوان الله عليه) واقفاً خارج الخيمة، فسمع زينب عليها السلام تسأل أخاها قائلة: هل استعلمتَ من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخشى أن يسلموك عند الوثبة! فقال عليه السلام لها: "والله لقد بلوتهم فما وجدتُ فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استيناس الطفل إلى محالب أمّه!"58


252


الإصلاح

حينما يتباعد المجتمع عن معايير الدين الأصيلة وموازين القيم والأخلاق، يمدُّ الفساد آنذاك في كيان هذا المجتمع جذوره، وتُبتلى الروابط الإنسانيّة والعلاقات الاجتماعيّة والصلة بين الحاكم والأمّة بالانحراف عن الصراط القويم، وما انتشار عدم الالتزام والانفلات واللامبالاة ورواج الظلم وهيمنة الأغنياء والحيف على الفقراء وخيانة بيت مال المسلمين والتعرّض الجائر لأموال وحياة وأرواح المسلمين وفقدان الأمن والعدل، إلّا بعض من زوايا هذا "الفساد الاجتماعيّ".

وطريق إزالة الفساد يتمثّل في إجراءات إصلاحيّة لإقالة المسؤولين عن الإفساد من الحكّام وأعوانهم ولتطبيق العدل والتنفيذ الدقيق للقانون والعمل بالكتاب والسنّة.

وهذا نوع من الحركة الإصلاحيّة التي كان الإمام الحسين عليه السلام يسعى إلى تحقيقها في نهضته المقدّسة، إذ لم يكن يقرّ بصحّة فوضى الأوضاع الاجتماعيّة السيّئة، ولم يكن ليطبق الفم ساكتاً عنها.

ولقد أشار سيّد الشهداء عليه السلام إلى هذا الهدف الإصلاحيّ في وصيّته التي كتبها إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة، في قوله عليه السلام:"... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي..."59.

ويقول عليه السلام أيضاً في خطبته التي انتقد فيها العلماء المتواطئين مع السلطان الظالم: "... اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول


253


 الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك..."60.

وهذا العمل الإصلاحيّ كما يتعرّض لتغيير أساليب سلوك الحكومة الجائرة والمسؤولين، يتعرّض كذلك لإصلاح الخصال الاجتماعيّة وتصرّفات وسلوك الأمّة.

من الملفت للانتباه أنّنا نقرأ في بعض خطب الإمام الحسين عليه السلام ترغيبه في التضحية والجهاد والحثّ عليهما مقترناً برسم صورة للأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة التي تعيشها الأمّة يومذاك، فمن خطبته التي خطبها في منزل (ذي حسم) مثلاً قال عليه السلام:"... وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت حذاء، فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة (سعادة) ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما"61.

إنّ النهضة الإصلاحيّة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام قد استمدّت جذورها من النهضات الإصلاحيّة للأنبياء عليهم السلام، إذ هو وارث الأنبياء في خطّ صلاحهم وخطّ إصلاحهم، وقد بذل عليه السلام مهجته في هذا السبيل من أجل القضاء على المفاسد، لنقرأ هذا المعنى الكريم عن لسان الإمام الخمينيّ  (قدس سره) :

"لقد أتى جميع الأنبياء من أجل إصلاح المجتمع، وجميعهم كانوا على إيمان بهذه المسألة: وهي أنّ الفرد يجب أن يكون فداءً للمجتمع... ولقد تحرّك سيّد الشهداء عليه السلام حسب هذا الميزان، فضحّى بنفسه وبأنصاره، إذ إنَّ الفرد يجب أن يكون فداءً للمجتمع، يجب أن يصلح المجتمع"62.

كان إمام الأمّة (قدس) يرى أنّ نهضته على نفس هذا النهج، وبالاستلهام من نهضة عاشوراء ثار على الطغيان والطاغوت والمفاسد الاجتماعيّة وفوضى الأمور، يقول (رضوان الله عليه) مشيراً إلى ارتباط هذه النهضة بنهضة عاشوراء:

"حينما يرى سيّد الشهداء عليه السلام أنّ حاكماً ظالماً جائراً يحكم النّاس، ويظلم


254


 النّاس، فعليه أن يقف بوجهه ويمنعه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. فقام عليه السلام بمجموعة من الأفراد، بعدّة من الأفراد، وهم لا يُحسب لهم حساب قبال ذلك الجيش الجرّار، لكنّ التكليف كان آنذاك أنّ على الإمام عليه السلام أن يثور ويبذل دمه حتّى يصلح هذه الأمّة، حتّى يُسقط راية يزيد، وهكذا صنع الإمام عليه السلام فعلاً، وتمَّ الأمر... لقد ضحّى عليه السلام بكلّ ما لديه من أجل الإسلام. أفنحن، أفدماؤنا أعزّ من دم سيّد الشهداء؟! لِمَ إذن نخاف من أن نجود بدمائنا، أو نجود بأرواحنا؟! "63.

إنّ إصلاح المجتمع من زاوية المبانيّ الاعتقاديّة، والخصال الأخلاقيّة، وتحكيم المعايير القيّمة، وترويج الثقافة الدينيّة، ومكافحة الخرافات والبدع والظلم، تندرج بنحو ما ضمن مفهوم "مكافحة البدعة" وبلاغ "الإحياء" أيضاً، حيث تحظى هناك بدقّة وتحقيق أكثر، وقد أقام الإمام الحسين عليه السلام بعداً من أبعاد طلبه الإصلاح في أمّة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم على مبنى إحياء الكتاب والسنّة وإزالة البدعة والجاهليّة عن أفكار وأعمال النّاس64.


255


انتصار الدم على السيف!

إنَّ الفتح لا يعني النصر العسكريّ دائماً، فربّما كان سلاح المظلوميّة أنجح وأقوى من سلاح الحديد والنّار، وربّما أدّى دم الشهداء في مواجهة من مواجهات الحقّ ضدّ الباطل إلى إضعاف ركائز السلطة الجائرة، ومهّد ليقظة الأمّة ووعيها، ثمّ أشعل فتيل ثورتها وأجّج نارها، فانهزم الجبابرة الظالمون بعد افتضاحهم وخزيهم وأُبيدوا، وهذا هو مفهوم انتصار الدم على السيف.

ولأنّ نهضة عاشوراء قامت على أساس الإيمان والإخلاص والدعوة إلى الحقّ، وضحّى شهداؤها بأرواحهم أداءً للتكليف الإلهيّ ولنصرة حجّة الله على الخلق، فقد أفاض الله تبارك وتعالى على هذه النهضة بركاتٍ وآثاراً كثيرة ومتواصلة ما بقيت الأرض والسماء، وكان أبطال ملحمة عاشوراء في الواقع هم المنتصرين، إذ لم يزل ولا يزال ذكرهم وشرف شهادتهم وعزّهم يتعاظم يوماً بعد يوم، أمّا الأمويّون فقد بادوا ونُسوا ولم تبق لهم إلّا اللعنات المتواصلة ما عَنَّ ذكرهم.

لمّا عاد الإمام السجّاد عليه السلام ببقيّة الركب الحسينيّ إلى المدينة المنوّرة بعد واقعة عاشوراء ورحلة الشام، جاء إليه إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال: من الغالب؟ فقال عليه السلام:"إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف من الغالب"65.

وهذا دليل على نوع آخر من الفتح والانتصار هو أعلى وأفضل من الفتح العسكريّ، وهو بقاء وخلود وانتصار فكر ورأي ومنهج ومنطق الإنسان الذي ضحّى بنفسه


256


وبأنصاره وبكلّ ما لديه فداءً للإسلام.

إنّ التأثير الذي تركته شهادة الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره على أفكار وعواطف وضمائر النّاس في ذلك العصر بلغ من السعة والعمق والشمول إلى الحدّ الذي أثّرت هذه الفاجعة حتّى على عائلة يزيد وعوائل أتباعه، وهذا دليل على انتصار شهادة المظلومين على أسلحة الظالمين66.

نقرأ هذا الخطاب الشريف في زيارة الإمام الحسين عليه السلام:

"أَشهدُ أنّك قُتلت ولم تَمُت بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك، وبضياء نورك اهتدى الطالبون إليك، وأشهد أنّك نور الله الذي لم يُطفأ ولا يُطفأُ أبداً،... وأشهد أنَّ هذه التربة تربتك، وهذا الحرم حرمك، وهذا المصرع مصرع بدنك، لا ذليل والله معزُّك، ولا مغلوب والله ناصرك..."
67.

كما أنّ ما نقرأه في متون زيارات شهداء كربلاء عليهم السلام في مخاطبتهم بالفائزين الذين فازوا فوزاً عظيماً هو مظهر آخر من مظاهر هذا النوع من انتصار الدم على السيف، نقرأ مثلاً: "أشهدُ أنّكم الشهداء والسعداء وأنّكم الفائزون في درجات العُلى..."68.

ونقرأ عن لسان الإمام الحسين عليه السلام في هذا البُعد أيضاً أنّ الشهادة تكريم له من الله وهوان لأعدائه، فمن أقواله عليه السلام في يوم عاشوراء: "... وأيمُ الله إنّي لأرجو أن يُكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون..."69، وقوله عليه السلام لعمر بن سعد في يوم عاشوراء أيضاً: "أما والله لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم"70.


257


ولقد صار هذا المنطق عنوان ثورات الشيعة على الطواغيت، وفي الثورة الإسلاميّة في إيران لم تكن الأمّة ليمتلكها خوف من بذل الدماء وتقديم الشهداء ذلك لأنّها كانت تعلم أنّ هذا هو الممهّد للانتصار النهائيّ على الطاغوت، وإمام الأمّة الذي هو سمّى شهر المحرّم شهر انتصار الدم على السيف، كان يقول بصدد هذا الشهر الدامي في ضوء هذه الرؤية والعقيدة:

"الشهر الذي انتصر فيه الدم على السيف، الشهر الذي دحضت فيه قوّة الحقّ الباطل إلى الأبد، وختمت بوصم (البطلان) على جباه الظالمين والحكومات الشيطانيّة، الشهر الذي علّم الأجيال على طول التأريخ طريق الانتصار على الرماح... الشهر الذي يجب أن تنتصر فيه قبضات دعاة الحريّة والمنادون بالاستقلال والناطقون بالحقّ على الدبّابات والرشّاشات وجنود إبليس، وتمحو كلمة الحقّ فيه الباطل..."71.

ويقول  (قدس سره)  بصدد هذه التضحيات الدامية التي تحقّق السعادة للأمّة: "إنّ طريق ونهج الشهادة لا يُمكن أن يُعمَّى عليه، وهذه الأمم والأجيال القادمة هي التي سوف تقتدي بطريق الشهداء، وستكون تربة الشهداء الطاهرة هذه إلى يوم القيامة مزاراً للعاشقين والعارفين ودار الشفاء للأحرار"72.


258


التأسّي والإقتداء

يتأثّر النّاس بسلوك وتصرّفات الأشخاص ويقتدون بها أكثر ممّا يتأثّرون بأقوالهم وكتاباتهم، فالتأثير الذي تتركه حادثة ما أو السلوك القدوة على أفكار النّاس وأعمالهم أكبر بكثير ممّا تتركه الأقوال من تأثير.

من هنا عرّف القرآن الكريم أُناساً بعنوان "الأسوة" ليقتدي النّاس ويتأسّوا بهم في الإيمان والعمل، وما ورد في القرآن أيضاً من وقائع سير ومواقف من حياة أُناسٍ وأُمَمٍ من القرون السالفة، خصوصاً ما يتعلّق منها بأعمالٍ صالحة وإيمان وصبر ومجاهدات وطاعات وإيثار الصلحاء والحكماء، إنّما ورد ذكره للتعريف بـ"الأسوات".

ولقد كان تأريخ الإسلام والشخصيّات الإسلاميّة المرموقة "أُسوة" أيضاً للمسلمين في كلّ العصور، ولقد أوصى أيضاً أئمّتنا عليهم السلام وأمرت تعاليم ديننا بأن نتأسّى ونقتدي بالنماذج من النماذج السامية المرموقة على صعيد الكمالات الشرعيّة والروحيّة والأخلاقيّة.
ومن بين الحوادث التأريخيّة تتمتّع "ملحمة عاشوراء" و"كوكبة شهداء كربلاء" بمكانة سامية خاصّة في أفق معنى "الأسوة" و"التأسّي"، فلقد كانت ولا تزال هذه الملحمة الخالدة المقدّسة إلى قيام الساعة مشهداً من مشاهدها، وبطلاً من أبطالها، أُسوة وقدوة لجميع طُلّاب الحقّ والدعاة إليه، المقارعين للظُلم والجور.

ومن نافلة القول أن نذكّر هنا أيضاً أنّ "أهل البيت عليهم السلام " عامّة أُسوات لنا في حياتهم ومماتهم، وفي أخلاقهم وجهادهم، وفي كمالاتهم الإنسانيّة، وفي كلّ شيء هو


259


ممّا ينبغي التأسّي بهم فيه، إذ إنّ من دعائنا الدائم:
"اللّهمّ اجعل محياي محيا محمّد وآل محمّد، ومماتي ممات محمّد وآل محمّد"73.

والإمام الحسين عليه السلام في نهضته وقيامه ضدّ طاغوت عصره أُسوة للآخرين حيث يقول عليه السلام في خطبته التي خطبها في منزل (البيضة): "فلكم فيَّ أُسوة"74.

ونهضة عاشوراء ليست بدعاً من الأمر، إنّها مُستلَهَمةٌ من سيرة الأنبياء عليهم السلام وملاحم طلاّب الحقّ ودعاته الماضين من الأوصياء والربانّيين، ومن العلائم على هذا التأسّي مثلاً استشهاده عليه السلام بقول موسى عليه السلام حينما خرج من المدينة خائفاً من سلطة فرعون متوجّهاً إلى مدين، حيث قرأ الإمام عليه السلام حين خروجه من المدينة متوجّهاً إلى مكّة قوله تعالى:
﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ75.

وفي الوصيّة التي كتبها عليه السلام لأخيه محمّد بن الحنفيّة قبل خروجه من المدينة، وذكر فيها أسباب نهضته المقدّسة، كان ممّا ذكره عليه السلام فيها أنّه يستهدي في هذه النهضة بهدي وسيرة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه عليه السلام، وأنّ ما يقوم به امتداد لخطّ تلك السيرة المقدّسة، حيث قال عليه السلام:"... وأسيرُ بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب..."76، وهذا النهج ضمانة صحّة سير واختيار الإنسان المجاهد المتأسّي بمحمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم القدوات المعصومة وحجّة شرعيّة لعمله.

ويقول عليه السلام في كلام آخر مخاطباً أُخته زينب عليها السلام:"... أبي خيرٌ منّي، وأمّي خير منّي، وأخي خيرٌ منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أُسوة"77.

ولقد عرّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبطيه الحسن والحسين عليهما السلام  قائلاً: "إبناي هذان إمامان، قاما أو قعدا"78.


260


إذن فنهضة عاشوراء كانت على نفس هذا الخطّ أيضاً، خطّ كون الإمام الحسين عليه السلام إماماً وأُسوة وقدوة، وأنّ عمله عليه السلام أسوة ونهج للأمّة، ومستند شرعيّ لأتباع مذهب الإمامة للاشتراك في النهضة ضدّ حكومة يزيد، تلك النهضة التي هي امتداد لجهاد جميع أنبياء الله عليهم السلام، ولجميع الحروب المقدّسة التي خاضها المسلمون في صدر الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

نقرأ في زيارة مسلم بن عقيل عليه السلام:"... أشهدُ أنّك مضيت على ما مضى عليه البدريّون، المجاهدون في سبيل الله، المبالغون في جهاد أعدائه ونصرة أوليائه..."79.

وهذه العبارة تدلّ على أنّ "شهداء بدر" أُسوة، وأنّ شهداء نهضة الإمام الحسين عليه السلام ضرّجوا بدمائهم تأسّياً بشهداء بدر.

ونقرأ في زيارة أنصار الإمام عليه السلام شهداء الطفّ: "السلام عليكم أيّها الربّانيّون ورحمة الله وبركاته، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع وأنصار"80.

إنّ وحدة الخطّ وغاية الجهاد بين المجاهدين الإسلاميّين وبين الأُسوات التي ارتضاها الله تعالى وعرّفها الدّين للناس تمنح المشروعيّة لجهاد المتأسّين بتلكم الأُسوات وتضفي عليه القداسة.

ولأنّ نهضة عاشوراء كانت "أسوة"، فقد غصّ بالحسرة والتأسّف أولئك الذين لم يشتركوا بتلك النهضة لسبب من الأسباب، كما انضمّ المقصّرون عن نصرة الإمام عليه السلام إلى حركة التوّابين أملاً في جبران ما كان من تقصيرهم، وهذا دليل على سموّ وامتياز نهضة الإمام عليه السلام.

وفي تاريخ الإسلام هناك أيضاً الكثير من الثورات ضدّ الظلم والنهضات الداعية إلى الحريّة كانت قد تكوّنت وحقّقت أهدافها بالاستلهام من نهضة عاشوراء صانعة العزّة والإباء، حتّى أنّ النضال من أجل استقلال الهند الذي قاده المهاتما غاندي كان ثمرة من ثمرات التأسّي بعاشوراء، يقول غاندي: "لقد قرأت بدقّة حياة الإمام الحسين


261


عليه السلام ذلك الشهيد العظيم، واهتممتُ اهتماماً كافياً بتأريخ واقعة كربلاء، واتّضح لي أنّ الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين عليه السلام "81.

ويقول الزعيم الباكستاني محمّد عليّ جناح أيضاً: "لا يوجد في العالم أيّ نموذج للشجاعة أفضل من تلك التي أبداها الإمام الحسين عليه السلام من حيث التضحية والمغامرة، وفي عقيدتي أنّ على جميع المسلمين أن يقتدوا بهذا الشهيد الذي ضحّى بنفسه في أرض العراق"82.

فعاشوراء إذن كما تنادي بهذا البلاغ: وهو أنّه ينبغي الإقتداء والتأسّي بهذه "الأسوة" التي هي المثل الأعلى في جميع المجالات، مثل: الشجاعة، والإيثار، والإخلاص، والمقاومة، والبصيرة، ومقارعة الظلم، ومعرفة العدوّ، والتضحية، وإطاعة الإمام، وعشق الشهادة والحياة الخالدة، و... تعلن كذلك أنّ ماهيّة نفس نهضة عاشوراء مستلهمة ومستوحاة من سيرة أنبياء الله وأوليائه عليهم السلام ونهج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليّ عليه السلام. وتؤكّد كذلك بشهادة التأريخ أنّ نفس واقعة عاشوراء كانت ولم تزل أهمّ أُسوة في المواجهات بين أهل الحقّ وأتباع الباطل.

ومن أبرز الأمثلة على هذا الصعيد الثورة الإسلاميّة في إيران حيث كانت دروس عاشوراء ومُثُلها العليا أقوى رأسمال لجهاد الأمّة ضدّ الطاغوت، ولدفاع أبطال الإسلام في جبهة الحرب المفروضة على إيران مدى ثماني سنوات.

إنّ جهاد المظلوم واستشهاده من أجل فضح الظالم، وأداء التكليف في أشدّ حالات الوحدة حيث لا ناصر ولا معين، وعدم التخلّي عن الهدف والغاية حتّى مع قلّة العدّة والعدد ومع شهادة الأنصار، كلّ ذلك من ثمرات التأسّي بعاشوراء.

ويمكن الاستلهام من عاشوراء أيضاً حتّى على صعيد التخطيط، وفنون القتال، وكيفيّة المواجهة، وتنظيم القوّات وخطّ سير الحرب، وكثير من الموضوعات الأخرى، يقول الإمام الخمينيّ  (قدس سره)  في هذا الصدد:

"لقد علّمنا سيّد الشهداء بعمله كيف ينبغي أن يكون الموقف في الميدان،


262


وكيف يكون الموقف خارج الميدان، وكيف ينبغي أن يقاتل أولئك الذين هم أهل المواجهة المسلّحة، وكيف ينبغي أن يبلّغ أولئك الذين هم خلف الجبهة كيفيّة المواجهة، كيف ينبغي أن يكون القتال بين عدد قليل وجيش كبير، كيف ينبغي أن يكون القيام والثورة بعدّة معدودة ضدّ حكومة متجبّرة مسيطرة على كلّ شيء، هذه أشياء كان سيّد الشهداء عليه السلام قد علّمها أُمّتنا..."83.

من الجدير أن يُتأمّل في نهضة عاشوراء مرّات ومرّات، لتتّضح وتتجلّى أكثر فأكثر أساليب المواجهة، وخطوط التبليغ والإعلام الأساسيّة، وأسباب بقاء وخلود حركة إنقلابيّة، واستمرار فوائدها المباركة على مدى سنين متمادية، والدروس التي تبعث الحياة والحركة في الأمم الخامدة، ولتتحوّل عاشوراء إلى "مدرسة" و"جامعة".


263


التدبير والتخطيط

لقد كانت نهضة عاشوراء نهضة متقنة ومعدَّة إعداداً دقيقاً في ضوء خطّة متكاملة، ولم تكن انتفاضة عمياء بلا هدف.

لقد أُعمل لحركة أحداثها لحظة بلحظة ويوماً بيوم ومقطعاً بمقطع تفكيرٌ بعيد وعميق وتدبير دقيق، ولقد أُعدّت لجميع احتمالاتها وصورها المتوقّعة حلولاً وعلاجات ناتجة عن تأمّل محيط ودقيق، ويمكن ملاحظة مثل هذا التدبير والتخطيط سواء فيما يرتبط بما يصدر عن الإمام الحسين عليه السلام وركبه ومعسكره لتنفيذ خطّة النهضة أو فيما يرتبط بالخطط والأعمال التي تصدر عنها الإمام عليه السلام لإبطال مؤامرات العدوّ.

ومن مقوّمات موفقيّة أي حركة نضاليّة تمتّعها بالتّخطيط الناجح، وتُعدُّ نهضة عاشوراء "الأسوة" لهكذا مواجهة وقعت في مركز وقلب قوّة غاشمة مسلّطة باطلة، وفي ظروف محدودة خانقة، وسيطرة محكمة ودقيقة للعدوّ.

وبمرور عابر على حركة أحداث هذه النهضة المقدّسة منذ بدء حركة الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنوّرة إلى ختام هذه النهضة يمكننا ملاحظة نماذج كثيرة لهذا التخطيط والتدبير، منها على سبيل المثال والإشارة لا الحصر والتفصيل:

- استخدام الإمام الحسين عليه السلام ثلاثين رجلاً من شبّان بني هاشم لحراسته وحمايته في لقائه مع الوليد بن عتبة والي المدينة آنذاك.


264


- تعيينه عليه السلام قوّة إستخباراتيّة في المدينة لجمع المعلومات وإيصالها إليه، حيث كلّف أخاه محمّد بن الحنفيّة بهذا الأمر.

- إبطاله عليه السلام لمؤامرة اغتياله في مكّة أثناء الحجّ، والتي كان من المقرّر أن يتمّ تنفيذها بتدبير من عمرو بن سعيد الأشدق والي مكّة.

- جمع المعلومات عن تطوّرات الوضع في الكوفة من العابرين والمسافرين القادمين منها على طول مسير الإمام عليه السلام من مكّة إليها.

- جذب قوّة مناصرة لجبهة الحقّ من خلال دعوته عليه السلام أفراداً كثيرين لنصرته على طول الطريق من مكّة إلى الكوفة، كما حصل في انضمام زهير بن القين إليه عليه السلام.

- تصفية قوّته الحقيقيّة الخالصة من جميع الأفراد العالقين بها طمعاً في مكسب من مكاسب الدنيا، وذلك من خلال الاختبارات المتتابعة.

- كيفيّة صفّه عليه السلام وتنظيمه واستعراضه لقوّته القتالية في كربلاء، وكيفيّة نصب المخيم وحفر الخندق خلفه.

- تنظيمه وتوزيعه عليه السلام لأفراد معسكره لمنع نفوذ الأعداء من خلال خيم معسكر الإمام عليه السلام.

- طلبه عليه السلام يوم تاسوعاء المهلة حتّى صباح عاشوراء، من أجل تقوية أنصاره روحيّاً ومعنويّاً، ولتكون تفاصيل حركة أحداث المعركة ووقائع مظلوميّته عليه السلام ومظلوميّة أهل بيته وأنصاره في وضح النهار، فتكون مكشوفة للجميع ولا يمكن التعمية عليها، وهذا شأن تبليغيّ مهمّ جدّاً.

- اليقظة التامّة والحذر والاحتياط خوفاً من مباغتات العدوّ.

- إستفادة بعض الأفراد من غطاء الانضمام إلى جيش الكوفة من أجل الالتحاق بالإمام عليه السلام في كربلاء.

- القدرة على ابتكار أساليب العمل في كربلاء، من حيث النزول والاستقرار.

- السعي لإيجاد الاختلال في قرارات قادة جيش العدوّ.

- و...


265


وعلى صعيد التخطيط الإعلاميّ والحرب النفسيّة ضدّ تحرّكات جيش الكوفة وحكومة الشام، يمكن الإشارة أيضاً إلى بعض النماذج، التي يمكن اعتبار كلّ منها شكلاً من أشكال "التدبير"، فمثلاً:

- القول بعدم مشروعيّة خلافة يزيد.

- اصطحاب الإمام عليه السلام النساء والأطفال ليكونوا شهود عيان لكثير من تفاصيل الواقعة، وليبلّغوا بذلك فيما بعد.

- الإستفادة من حضور النساء والأطفال للتأثير العاطفيّ على النّاس الآخرين.

- المكاتبات والمراسلات بين الكوفة والبصرة وتوضيح أهداف النهضة.

- التعرّف على التوجّهات الفكريّة والعاطفيّة لأهل الكوفة، وعلى خريطة القوى المؤثّرة فيها، ومدى نفوذ زعاماتها، ذلك من خلال إرسال الإمام عليه السلام ممثّله مسلم بن عقيل عليه السلام إلى الكوفة.

- الإعلان عن مشروعيّة النهضة وذلك بالإستناد إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بوجوب الإنكار على الحاكم الجائر، ووجوب الأمر بالمعروف، ووجوب إصلاح كلّ مواقع الفساد في حياة الأمّة.

- استثمار الإثارة العاطفيّة من خلال التذكير بالنسب الشريف في كونه عليه السلام ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن فاطمة عليها السلام.

- إتمام الحجّة، والتعريف بنفسه المقدّسة، وسحب كلّ ذريعة من يد العدوّ.

- إعداده عليه السلام لأهل بيته وأنصاره روحيّاً ونفسيّاً لمواجهة تفاصيل وقائع المأساة.

- كسب بعض الأنصار من خلال الجذب العاطفيّ والأخلاقيّة السامية كما في سقيه عليه السلام الحرّ وجيشه الماء في أثناء الطريق.

- جبران قلّة عدد الأنصار بالكيفيّة والأهليّة العالية لهم، والاستفادة من الأنصار الشجعان الطالبين للشهادة.

- تقوية البُعد المعنويّ والروحيّ للأنصار بذكر الله وتلاوة القرآن والمناجاة ليلة عاشوراء.

- الخطب المتكرّرة التي ألقاها الإمام عليه السلام وبعض أنصاره المعروفين المرموقين


266


في يوم عاشوراء لزلزلة جيش العدوّ روحيّاً ونفسيّاً وعمليّاً.

- الاستفادة من الرجز والشعر الحماسيّ أثناء القتال وشنّ الحملات.

- الإعلام والتبليغ الذي مارسه أسراء أهل البيت عليهم السلام في الكوفة والشام لفضح العدوّ، ولتبيان مظلوميّة وحقّانيّة أهل البيت.

- إقامة مجالس الحزن والعزاء على شهداء الطفّ بعد العودة إلى المدينة المنوّرة.

- حرص الأئمّة من ذريّة الحسين عليه السلام مدى عصور متوالية على نشر ثقافة عاشوراء، وعلى إقامة العزاء، وعلى زيارة مراقد شهداء كربلاء.

- و...84.

في عالمٍ لا يتمُّ فيه إلقاء الأفكار ونشرها، أو محاربة فكرة ما، أو ترويج ثقافةٍ ما، إلّا من خلال تخطيط دقيق وتدبير عميق، ولا تكون فيه الأعمال الفاقدة للتخطيط والنظر البعيد مثمرة ومؤثّرة كما ينبغي، يكون من الضروريّ فيه الاستلهام من نهضة عاشوراء من أجل الاستفادة من الأساليب والطرق الناجحة في إلقاء ونشر فكر عاشوراء، فإذا عرضت للعالم ثقافة عاشوراء وبلاغها بذكاء ودراية وبرمجة دقيقة أمكن آنذاك جلب النّاس إلى هذا الخطّ النورانيّ بنجاح كبير.


267


الأصول الإنسانيّة

مع أنّ الحرب تكون في العادة مصحوبة بالقتل وسفك الدماء والخسارات في الأموال والأنفس، إلّا أنّ لها مقرّرات وأعرافاً أيضاً، خصوصاً فيما يتعلّق بالمسائل الإنسانيّة التي كانت رعايتها ممّا اتّفق عليه منذ قديم الأزمان، ولم يزل الالتزام بها من المقرّرات الدوليّة والأمور المقبول بها عالميّاً، مثل عدم التعرّض للأطفال والنساء غير العسكريّين، والالتزام بمعاهدات الهدنة والصلح، وعدم الاستفادة من الأسلحة الميكروبيّة والكيمياويّة، وصيانة أرواح الأسرى، و...

وفي الفكر الدينيّ هناك ضوابط سامية لهذه المسألة، ذلك لأنّ "الإنسان" في هذا الفكر الربّانيّ يتمتّع بحرمة وكرامة خاصّة.

ويلاحظ في حركة أحداث واقعة عاشوراء أنّ معسكر الإمام الحسين عليه السلام كان ملتزماً التزاماً كاملاً بهذه الأصول الإنسانيّة وبمراعاتها، بالرغم من أنّ معسكر جيش الكوفة سحق جميع الأصول الإنسانيّة تحت قدميه ولم يعبأ بها، من ذلك مثلاً: شنّ الحملة العامّة على رجل واحد، التعرّض بالسلاح للأطفال والنساء، أسر المرأة المسلمة، الغارة على الخيم، منع الماء عن الإمام الحسين عليه السلام وجميع من معه، قطع رؤوس القتلى والتمثيل بالأجساد، و... كلّ ذلك كان من مظاهر السلوك غير الإنسانيّ والنقض لمقرّرات الحرب من قبل العدوّ.

أمّا الإمام الحسين عليه السلام فقد كان في جميع تفاصيل حركة أحداث نهضته ملتزماً بالأصول الإنسانيّة والأخلاقيّة التزاماً كاملاً ومراعياً لها مراعاة تامّة.


268


ففي أثناء سفره نحو الكوفة، لمّا قام عليه السلام بمصادرة حمولة القافلة العائدة ليزيد، قال لأصحاب الإبل: "لا أُكرهكم، من أحبَّ أن يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته، ومن أحبّ أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض"85، وفعلاً فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقّه، ومن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه.

وفي أثناء سفره هذا أيضاً، كان عليه السلام يخبر من معه في ركبه مراراً بالمصير الصعب الذي ينتظره في العراق حتّى يعلم من كانوا معه على ماذا يقدمون، وذلك حتّى لا يصحبه إلّا من يريد مواساته والموت معه86.

وحينما التقى عليه السلام جيش الحرّ بن يزيد الرياحيّ وقد كاد أن يودّي بهم العطش، أمر عليه السلام أصحابه بسقيهم الماء عن آخرهم فلم يغادر منهم أحداً إلّا روّاه، ثمّ أمر عليه السلام حتّى بسقي خيولهم ودوابّهم87.

وفي يوم عاشوراء، لمّا اقترب شمر بن ذي الجوشن من مخيّم الإمام عليه السلام ورآه قد أُحيط من خلفه بحطب وقصب تضطرم فيه النّار، بادر إلى الإساءة بالقول إلى الإمام عليه السلام، فقال مسلم بن عوسجة (رضوان الله عليه):يا ابن رسول الله! جُعلتُ فداك، ألا أرميه بسهم فإنّه قد أمكنني، وليس يسقط سهم منّي، فالفاسق من أعظم الجبّارين!

فقال له الحسين عليه السلام:"لا ترمه، فإنّي أكره أن أبدأهم!"88

وكان الإمام الحسين عليه السلام قد حضر مصارع جميع الشهداء من أنصاره، حتّى مصرع مولاه ومصرع مولى أبي ذرّ، وكان يؤبّنهم ويبشّرهم ويدعو لهم، ولمّا حضر عليه السلام "جون" مولى أبي ذرّ وكان أسود اللون، وقد ضُرِّج بدمائه، وقف الإمام عليه السلام عليه ودعا له قائلاً: "اللّهمّ بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد"89.


269


وهذا الاحترام للعبد الأسود كان لكونه "إنساناً"، وكان له عليه السلام نفس هذا التعامل السامي مع الغلام التركيّ (رضوان الله عليه) الذي خرج إلى الميدان لقتال القوم وكان قارئاً للقرآن، فجعل يقاتل وقتل جماعة، ثمّ سقط صريعاً، فجاءه الحسين عليه السلام فبكى، ووضع خدَّه على خدّه، ففتح عينيه فرأى الحسين عليه السلام فتبسّم ثمّ صار إلى ربّه رضي الله عنه90.

فعلى عكس تعامل وسلوك أتباع معسكر جبهة الباطل الذين لم يكونوا يرون للإنسان أيّة حرمة أو أيَّ حقّ، كانت نهضة عاشوراء مظهراً رائعاً لاحترام وتقديس الحقوق الإنسانيّة، ولحريّة النّاس وتحرّرهم في اختيار طريقهم، وللتعامل السامي من قبل القائد الربّانيّ مع أنصاره وأعوانه وجميع من كان معه في ركبه.

لقد قبل الإمام الحسين عليه السلام حتّى الحرّ بن يزيد الرياحيّ الذي حاصر الركب الحسينيّ وجعجع به حتّى أنزله في أرض على غير ماء ولا كلأ، ففي يوم عاشوراء لمّا ندم الحرّ على ما فرّط في جنب الإمام عليه السلام وعزم على التوبة والالتحاق بركب الإمام عليه السلام، فأقبل إليه آيساً من النجاة وقبول التوبة، استقبله الإمام عليه السلام بخلقه العظيم وقبل اعتذاره وتوبته، ولمّا صرع الحرّ (رضي الله عنه)، أتاه الإمام عليه السلام ووقف عليه ثمّ جعل رأسه في حجره الشريف وأبّنه.


270


البصيرة

تُطلق البصيرة على المعرفة الواضحة اليقينيّة بالدين، والتكليف، وحجّة الله، والقائد، والطريق، والصديق والعدوّ، والحقّ، والباطل.

وهي من الصفات الحميدة السامية التي يجب أن تتوفّر في الإنسان المسلم في حياته الفرديّة والاجتماعيّة، وتتّضح أكثر ضرورة التوفّر على البصيرة في الفعّاليّات والأنشطة والمواجهات والمواقف السياسيّة والاجتماعيّة، وبدون هذه البصيرة قد تكون جميع أعمال الإنسان عشواء أو عمياء، إذ ربّما قاتل الحقّ وهو يحبّه ويحبّ أهله، وربّما انضمّ إلى خطّ الباطل وهو يحسب أنّه يُحسن صنعاً!

إنّ الاختيار الصحيح مرتبط أيضاً ببصيرة الإنسان ورؤيته الصحيحة، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف حَمَلة الحقّ المستبصرين: "حملوا بصائرهم على أسيافهم..."91.

إنّ أبطال ملحمة عاشوراء لم يأتوا إلى كربلاء عمياناً بلا هدف، لقد كانوا أهل البصائر، كانوا على معرفة يقينيّة بصحّة وحقّانيّة الطريق والقائد، وبأنّ تكليفهم نصرة إمامهم عليه السلام والجهاد بين يديه، وكانوا على معرفة تامّة بموقع الحقّ، وبالباطل وبالعدوّ، ولقد طفحت بحقيقة هذه البصيرة أقوالهم وأشعارهم.

إنّ معرفة الإمام عليه السلام بأنّ خاتمة هذه النهضة هي استشهاده واستشهاد جُلّ من معه، وإخباره أنصاره وجميع من معه بهذه الخاتمة، مؤشّرٌ واضح على امتلاك هذه


271


البصيرة، وعلى بثّ ونشر هذه البصيرة من أجل أن يختار مرافقوه مصائرهم عن وعي وبصيرة.

لقد كان الإمام الحسين عليه السلام يعلم أنّه مقتول لا محالة: "ما أراني إلّا مقتولاً"92، وفي ليلة بعد لقائه مع جيش الحرّ جمع عليه السلام أصحابه وحدّثهم بما هم مقبلون عليه، وكان ممّا قاله لهم: "اعلموا أنّكم خرجتم معي لعلمكم أنّي أقدم على قومٍ بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر لأنّهم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، والآن ليس لهم مقصدٌ إلّا قتلي وقتل من يجاهد بين يديَّ، وسبي حريمي بعد سلبهم، وأخشى أنّكم ما تعلمون، أو تعلمون وتستحيون، والخدع عندنا أهل البيت محرَّم، فمن كره منكم ذلك فلينصرف..."93.

كان هذا من أجل أن يبقى من أراد البقاء معه للشهادة عن وعي وبصيرة، وكان عليه السلام على طول الطريق إلى العراق يُخبر مصاحبيه بمثل هذه الإخبارات، يقول أبو مخنف: "وإنّما فعل ذلك لأنّه إنّما تبعه الأعراب لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون علام يقدمون، وقد علم أنّهم إذا بيَّن لهم لم يصحبه إلّا من يريد مواساته والموت معه!"94.

كان الإمام عليه السلام على علمٍ بغدر النّاس وعدم وفائهم، ومع هذا فقد أصرّ على التوجّه نحو الكوفة ليؤدّي تكليفه، وكان أصحابه أهل معرفة وتشخيص في شؤون ومجريات الحياة، فضلاً عن البصيرة التي توفّروا عليها ببركة كلام الإمام الحسين عليه السلام وتوجيهاته وتنبيهاته على طول المسير نحو العراق، فقد قيل في شأن "أبي ثمامة الصائديّ" مثلاً: "... وكان بصيراً، ومن فرسان العرب، ووجوه الشيعة"95.

وفي ليلة عاشوراء بعد أن خطب الإمام الحسين عليه السلام في أصحابه، وأذن لهم في الانصراف، أبوا إلّا البقاء والموت معه، وأعلنوا عن وفائهم بكلمات رائعة خالدة، وكان ممّا قاله نافع بن هلال الجمليّ (رضوان الله عليه) معرباً عن وفائه: "... فإنّا على نيّاتنا


272


وبصائرنا..."96.

وممّا قاله عابس بن أبي شبيب الشاكريّ (رضوان الله عليه) وهو يستأذن الإمام في قتال اليوم: "... السلام عليك يا أبا عبد الله، أُشهدُ الله أنّي على هديك وهدي أبيك"97.

وممّا قاله برير بن خضير (رضوان الله عليه) في محاورته مع بعض خبثاء جيش الكوفة في كربلاء: "الحمدُ لله الذي زادني فيكم بصيرة..."98.

وفي الكوفة بعد واقعة عاشوراء، لمّا أساء ابن زياد بالقول إلى الإمام الحسين عليه السلام كان عبد الله بن عفيف الأزديّ الصحابي العظيم البصير القلب حاضراً مجلس ابن زياد، فانتفض مدافعاً عن أهل البيت عليهم السلام قائلاً: "يا ابن مرجانة! الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك، والذي ولاّك وأبوه، يا ابن مرجانة! أتقتلون أبناء النبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين؟!"99.

إنّ النماذج المتقدّمة على سبيل المثال دليل على بصيرة أولئك الأفذاذ في اختيار الطريق ومعرفة الأولياء من الأعداء، وبهذا السلاح القاطع من البصيرة النافذة دخلوا ميدان الحرب والمواجهة.

يقول الإمام الصادق عليه السلام في شأن أبي الفضل العبّاس عليه السلام:"كان عمّنا العبّاس بن عليّ نافذ البصيرة صلب الإيمان"100.

ونقرأ في زيارة أبي الفضل العبّاس عليه السلام:"أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل وأنّك مضيتَ على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين..."101، ونقرأ في فقرة سابقة منها: "... أشهدُ وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى عليه البدريّون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذّابون


273


عن أحبّائه..."102.

ونقرأ في زيارة مسلم بن عقيل عليه السلام أيضاً: "أشهد أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البدريّون المجاهدون... وأنّك قد مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين ومتّبعاً للنبيّين..."103.

تعلّمنا عاشوراء أنّ علينا في ميادين الحياة، وفي الإتّباع والدفاع، وفي الولاءات والعداوات، وفي المواقف، أن نعمل على أساس المعرفة العميقة والبصيرة، وأن نخطو على الطريق بيقين تامّ واطمئنان كامل بصحّة العمل، وحقّانيّة المسير، ومعرفة النفس والأعوان، ومعرفة الأباعد والأعداء، والحقّ والباطل.


274


كلّ يوم عاشوراء

من الدروس المهمّة لعاشوراء معرفة التكليف في الدفاع عن الحقّ ومواجهة الباطل والظلم في كلّ مكان وكلّ زمان، والنهضة الحسينيّة لم تكن تكليفاً خاصّاً بالإمام عليه السلام وأنصاره في ذلك المقطع الزمانيّ الخاصّ، لقد كانت تكليفاً دينيّاً اقتضته تلك الظروف آنذاك وقام على أساس دلائل دينيّة محكمة، وهذا التكليف ثابت أيضاً متى ما وأينما تحقّقت نظائر تلك الظروف.

كان الإمام الحسين عليه السلام يرى أنّ حركته ثورة على أولئك الذين استولوا على الحكم ظُلماً، فحرّموا حلال الله وأحلّوا حرامه، ونقضوا عهد الله، وعطّلوا حدود الله، وخالفوا سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أشار في خطبته التي ذكر فيها ذلك إلى أنّ هذه الصفات منطبقة على حكومة يزيد ومتحقّقة فيها، وكان عليه السلام يرى أنّ القيام ضدّ يزيد تكليف إلهيّ، وكان عليه السلام يقول: "فلكم فيَّ أسوة"104، فماهيّة ثورة عاشوراء جارية في كلّ أرض وكلّ زمان، فحيثما كان ظلمٌ وجور ينبغي القيام ضدّه والتضحية على طريق الحريّة والعزّة بالاستلهام من مدرسة عاشوراء.

إنّ عبارة "كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء" حتّى إذا لم تكن حديثاً عن المعصوم، هي حقيقة منتزعة من متن الدين ومن روح عاشوراء، وشعار كاشف عن استمرار وترابط سلسلة مواجهة الحقّ للباطل في كلّ مكان وكلّ زمان. حيث تشكّل واقعة عاشوراء سنة 61هـ.ق أهمّ وأبرز حلقات هذه السلسلة الطويلة الممتدّة في الزمان والمكان وما نقرأه


275


في متون الزيارات مكرّراً من مثل هذه العبارة: "إنّي سلمٌ لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، ووليٌّ لمن والاكم، وعدوّ لمن عاداكم، فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أن... وأن يزقني طلب ثأركم مع إمام هدىً ظاهر ناطق بالحقّ منكم..."105، دليل على استمرار وجود هذه الجبهة وهذا المعسكر على طول التأريخ، وإلّا فإنّ واقعة عاشوراء من حيث هي قد انتهت في حينها، كما أنّ أعداء الإمام الحسين عليه السلام الذين قاتلوه قد ماتوا هم أيضاً، إذن فالعداء لمن؟ والنصرة لأيّ معسكر؟

ونقرأ في زيارة أبي الفضل العبّاس عليه السلام:"وأنا لكم تابع ونصرتي لكم مُعدَّة..."106، وهذا دليل على استمرار عاشوراء إلى الأبد.

إنّ حرب عاشوراء كانت قصيرة جدّاً من حيث الزمان، إلّا أنّها من حيث الامتداد أطول معركة ضدّ الظُلم والباطل، إنّها تمتدّ في الزمان ما رعف الزمان بآملٍ يأمل أن لو كان في كربلاء لينصر الإمام عليه السلام فيستشهد بين يديه، هذا الأمل والشوق الذي كانت ولا تزال الأجيال تقرأه في متون الزيارات: "يا ليتني كنت معكم فأفوز معكم..."107.

يقول الإمام الخمينيّ  (قدس سره)  في صدد مفهوم "كلّ يوم عاشوراء":

"هذه الكلمة - كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء- كلمة عظيمة... كلّ يوم ينبغي أن تعيش أُمّتنا هذا المعنى وهو أنّ اليوم يوم عاشوراء وعلينا أن نقف في وجه الظلم، وها هنا أيضاً كربلاء ويجب أن نحقّق دور كربلاء، فهي لا تنحصر بقطعةٍ من الأرض، ولا تنحصر بمجموعة من الأفراد، لم تكن قضيّة كربلاء منحصرة بجماعة من نيّف وسبعين نفراً وقطعة أرض كربلاء، كلّ الأراضي يجب أن تؤدّي هذا الدور وتفي به..."108.

إنّ الإلهام الذي تلقّاه عن كربلاء جميع مجاهدي طريق الحريّة، والثورات التي كانت قد دعت إلى العدالة وإلى إحياء الدين في تأريخ الإسلام هي حلقات أخرى


276


من مواجهة يوم عاشوراء في كربلاء، وهي دليلٌ على صحّة هذه المقولة المباركة أنّ كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء.

وهذه الجبهة لم تزل مفتوحة إلى الآن، إذ إنّ أتباع الحسين عليه السلام بالاستلهام من هذا الدرس والبلاغ يرون أنّ تكليفهم هو الحضور في كلّ مكان هو ميدان للدفاع عن المظلوم وللقضاء على الظالم.


277


التبليغ

رُبَّ عمل أو حادثٍ وقع في زمانٍ ما، ظلّ محجوباً عن النّاس خلف ستارٍ من التعمية أو الإبهام والغموض، أو نُقل إليهم خبرُه مُحرَّفاً ومُشوَّهاً، أو بقي لا يعلمُ به مَن إذا علمَه كان لعلمه به تأثير، وفي كلّ ذلك خسارة للغاية التي قام من أجلها ذلك العمل أو وقع ذلك الحادث.

فمن أجل أن تكون حركة ثوريّةٌ ما حركةً موفّقة يجب أن يصل "بلاغها" ورسالتها ونداؤها إلى النّاس، ليكون تنوير أذهانهم بمحتوى ندائها ورسالتها سبباً في جذب توجّههم إليها وكسب اهتمامهم بها ونصرتهم لها، أو يتمّ من خلال تبيين وتوضيح هويتها منع تحريف حقيقتها أو كتمانها، ومنع سوء الظنّ بها.

وفي نهضة عاشوراء كان قد استُفيد من عنصر "التبليغ" ذي التأثير المصيريّ أفضل الاستفادة، فقد بلّغ الإمام الحسين عليه السلام برسالة نهضته وغاياتها سواء في وصيّته التي كتبها لأخيه محمّد بن الحنفيّة قُبيل خروجه من المدينة المنوّرة، أو في لقاءاته وخُطبه أيّام إقامته في مكّة، أو أثناء مسيره منها نحو الكوفة، أو في رسائله التي بعث بها إلى وجهاء ورؤساء الكوفة والبصرة، أو من خلال ممثّله الخاصّ إلى الكوفة مسلم بن عقيل عليه السلام، كلّ ذلك من أجل إتمام الحجّة على الجميع، ولكي لا يبقى أحدٌ بلا خبرٍ عن هذه النهضة.

لمّا دخل مسلم بن عقيل عليه السلام الكوفة، واجتمع إليه جماعة من الشيعة، أخرج إليهم كتاب الإمام الحسين عليه السلام فقرأه عليهم، وهم يبكون، وكان مسلم عليه السلام كلّما


278


اجتمع إليه جماعة من الشيعة، أخرج كتاب الإمام عليه السلام وقرأه عليهم109.

وهناك من أنصار الإمام عليه السلام من استشهدوا في سبيل "تبليغ" رسالة الإمام الحسين عليه السلام، منهم قيس بن مسهّر الصيداويّ (رضوان الله عليه) الذي أُلقي القبض عليه في القادسيّة، وبُعث به إلى عبيد بن زياد، فطلب منه كتاب الإمام عليه السلام الذي بعثه معه إلى أهل الكوفة، فأبى قيس وكان قد خرّق الكتاب لكي لا يعلم ابن زياد ما فيه! فأمره ابن زياد أن يصعد المنبر ويسبَّ الإمام، فصعد قيس المنبر فبلّغ النّاس بخبر قدوم الإمام عليه السلام إليهم، ودعاهم إلى إجابته، ولعن ابن زياد وأباه، فأمر ابن زياد به فأُصعد القصر ورمي به من أعلاه فتقطّع ومات 110(رضوان الله عليه).

وللشهيد الآخر الصحابيّ عبد الله بن يقطر قصّة مماثلة في الاستشهاد في سبيل تبليغات ومراسلات نهضة الإمام الحسين عليه السلام111.

أمّا التبليغات التي كانت بعد استشهاد الإمام عليه السلام وأنصاره فهي مرحلة أخرى من رسالة إيصال دماء الشهداء إلى أهدافها المنشودة، وحيث تمَّ خلالها فضح الأعداء، وإيقاظ الأمّة من غفلتها، وإنقاذها من التضليل الإعلاميّ والسياسيّ الأمويّ، وإفشال خطط السلطة الظالمة في التغطية والتعمية على جنايتها العظمى في قتل الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره وسبي أهل بيته.

وقد تجسّد دور أسرى أهل البيت عليهم السلام على صعيد التبليغ برسالة دماء الشهداء بعد واقعة عاشوراء في اللقاءات والمحاورات والمواجهات الفرديّة، وفي المواقف الجريئة الحاسمة التي وقفها أعلام أهل البيت كالإمام السجّاد والعقيلة زينب الكبرى عليهما السلام  في وجه طواغيت بني أميّة كيزيد وابن زياد وابن سعد، سواء في كربلاء أو في الكوفة أو في الشام، حتّى يعلم ويفهم الجميع ماذا جنى الحكم الأمويّ بحقّ ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

في وداعه الأخير لابنه الإمام زين العابدين عليه السلام كان الإمام الحسين عليه السلام قد


279


أخبره بحال الأعداء وكيف استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، كما أخبره بمقتل جميع أنصاره وأهل بيته، ثمّ أوصاه خيراً ببقيّة الركب من الأطفال والنساء، وفي الختام قال له: "يا ولدي! بلّغ شيعتي عنّي السلام فقل لهم: إنّ أبي مات غريباً فاندبوه، ومضى شهيداً فابكوه"112.

وما لدينا اليوم في فكرنا الدينيّ وتراثنا المذهبيّ من برامج واسعة وكثيرة متمثّلة في مجالس العزاء الحسينيّ، والبكاء، والنياحة، وزيارة قبور شهداء الطفّ، والالتزام بقراءة متون زياراتهم من قرب ومن بُعد، وإنشاد الشعر في واقعة عاشوراء ومظلوميّة أهل البيت عليهم السلام، وذكر الإمام الحسين عليه السلام والتسليم عليه عند شرب الماء، وغير ذلك من السنن الدينيّة الأخرى في هذا الصدد، إنّما هو بطريقةٍ ما تبليغ للآخرين برسالة دماء شهداء كربلاء.

ولقد كان أهمّ وأبرز دور ملحميّ قامت به العقيلة زينب الكبرى عليها السلام في كربلاء وما بعدها هو الدور التبليغيّ، ولولا ما قامت به هي والإمام السجّاد عليهما السلام  وبقيّة أهل البيت عليهم السلام من المواقف والخدمات التبليغيّة لما كان من المتيقّن أن تصل واقعة كربلاء إلى هذا المستوى العظيم من التأثير المتواصل الممتدّ، أو أن تحقّق هذا النجاح العظيم الباهر في فضح الأعداء الطغاة الجناة، وتكون السبب الرئيس في سقوط عروشهم وإزالة دولتهم.

وهكذا نهضة تظلُّ خالدة، وتبقى أهدافها حيّة لا تموت ولا تُنسى، وتظلُّ سُنّة إحياء ذكراها أيضاً سبباً في بقاء رسالتها حيّة دافقة ومؤثّرة، إذ لولا مثل هذه المراسم لنُسيت أهداف هذه النهضة، ولتعرّضت هويّتها وماهيّتها للمسخ والتحريف.

يقول الإمام الخمينيّ  (قدس سره)  في صدد ضرورة إحياء وتنظيم هذه الشعائر التي هي السبب في وعي المجتمع ويقظته وحفظ محتوى هذه النهضة على طول التأريخ:

"كلّ مذهب يحتاج إلى ضجّة، ويجب على أتباعه أن يتحمّسوا له، وكلّ مذهب لا يتحمّس له أتباعه ولا يلطمون على صدورهم لا يُحفظ... هذا الدور، هو الدور الذي حفظ الإسلام حيّاً على الدوام، الإسلام تلك الوردة التي يجب أن تُسقى بلا انقطاع من ذلك الماء، إنّ المحافظة على استمرار هذه النياحة وهذا البكاء هي


280


التي حفظت مذهب سيّد الشهداء عليه السلام "113.

إنّ الرسالة الملقاة على عاتق وارثي دماء الشهداء، والجيل المتبقّي من آباء الثورة وأبطالها رسالة ثقيلة، وهي إيصال وتبليغ نداء ورسالة تلك الدماء والمجاهدات والتضحيات إلى أبنائهم وإلى الأمم الأخرى.

"لكلّ ثورة وجهان: دمٌ ورسالة... فكلّ الميادين كربلاء، وكلّ الشهور المحرّم، وكلّ الأيّام عاشوراء، فعلى الإنسان أن يختار: إمّا الدم أو الرسالة، إمّا أن يكون الحسين أو يكون زينب، إمّا ذلك الموت أو ذلك البقاء"114.


281


إحياء الذكرى وتقديسها

إنّ واقعة عاشوراء كانت حدثاً موقظاً للضمائر والوجدان، ودافعاً للناس إلى مقارعة الظلم والقهر، هذا من جانب، وهي من جانب آخر حدث فاضحٌ للحكّام الطواغيت المستغلّين لجهل النّاس وغفلتهم، وكانت سلطتهم باسم الدين سلطة متجبّرة وضدّ الدين.

وكان المظلومون يأخذون عن هذه الملحمة الدرس والبلاغ، أمّا الطغاة الظالمون فكانوا يخافون من ذكر عاشوراء ومن بلاغاتها، ولذا فقد سعى الأمويّون جاهدين إلى التعتيم على حقيقة عاشوراء وإقصائها عن أذهان النّاس وإنسائهم إيّاها، وكانوا واهمين في هذا وخاطئين، أمّا أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقد بذلوا غاية جهدهم في إحياء ذكر عاشوراء وتعظيمها وتقديسها، حتّى تبقى فعّالة ومؤثّرة بصورة مستمرّة. إنّ منهج إحياء ذكرى عاشوراء كان خطّاً مواجهاً لخطّ سياسة السكوت الداعي إلى الانزواء وتحريم إحياء ذكرها الذي كان يعتمده أعداء الحقّ.

وفي نطاق هذه "الذكرى" القائمة على محور عاشوراء وكربلاء تكوّن على مرّ السنين تراث يتضمّن مجموعة من السنن، من قبيل: البكاء على الحسين عليه السلام، إقامة مجالس العزاء الحسينيّ في المحرّم وصفر وعلى مدار السنة، تشكيل هيئات وجمعيات حسينيّة ودينيّة، إنشاء الحسينيّات والتكايا الحسينيّة، وإقامة التشابيه وتمثيل بعض أحداث عاشوراء، إقامة مواقع تقديم الماء والعصير للعطاشى في الطرق والميادين، وإطعام الطعام في مجالس العزاء وفي الطرق لعامّة النّاس،


282


زيارة الإمام الحسين عليه السلام وأنصاره في مناسباتها الخاصّة وعلى مدار السنة من قرب ومن بُعد، تقديس التربة الحسينيّة واستحباب السجود عليها، واستحباب الذكر والتسبيح بمسبحة التربة الحسينيّة، إنشاد الشعر في الحسين عليه السلام وأنصاره وأهل بيته وما جرى عليهم، قراءة المقتل وكتابته، وكتابة البحوث التحليليّة والتحقيقيّة في السيرة الحسينيّة، و... وغير ذلك كثير من هذه المراسم، ولكلّ منها أثر ودور في حفظ تلك الفاجعة حيّة خالدة، وتحويلها إلى فكر وتراث شيعيّ عامّ.

ولقد حرص الأئمّة عليهم السلام على إحياء ذكرى عاشوراء في صور مختلفة من الحزن والبكاء وإقامة مجالس العزاء بإنشاد الشعراء الشعر في الحسين عليه السلام، ورغّبوا النّاس في إحياء هذه الشعائر وأكّدوا على جزيل المثوبة فيها، وحثّوا عليها.

ولقد كان لشعراء عظام مثل: دعبل الخزاعيّ، والكميت، والسيّد الحميريّ، وعبد الله بن كثير، وغيرهم في زمن الأئمّة عليهم السلام، ولمئات الشعراء المرموقين في ما بعد ذلك من العصور، دور كبير في حفظ مشعل "ذكرى عاشوراء" متوهّجاً على الدوام وذلك من خلال أشعارهم التي نظموها في الحسين عليه السلام ونهضته ومصابه، تلك الأشعار التي لا زالت إلى اليوم وإلى قيام الساعة تُلهب قلوب المؤمنين بالتفجّع والتأثّر والحماسة، وتشدّهم إلى أخلاقيّات عاشوراء ومناقبيّاتها.

ويقول الإمام الصادق عليه السلام مخاطباً جعفر بن عفّان الطائيّ وكان من الشعراء المجيدين:

"بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتُجيد. قال: نعم. فأنشده، فبكى ومن حوله حتّى سالت الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال: يا جعفر! والله لقد شهدك ملائكة الله المقرّبون ههنا، يسمعون قولك في الحسين عليه السلام، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر! ولقد أوجب الله لك يا جعفر في ساعتك الجنّة بأسرها وغفر لك. فقال: ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيّدي! قال: ما من أحدٍ قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى به إلّا أوجب الله له الجنّة وغفر له!"
115.


283


إنّ أمثال هذه الأحاديث كثيرة في كتب الشيعة الروائيّة، وهي دليل على ما كان عند الأئمّة عليهم السلام من عناية خاصّة وفائقة باستخدام الشعر والأدب للمحافظة على إبقاء حادثة عاشوراء حيّة مؤثّرة، ذلك لأنّ في حياة هذه الملحمة بناء حياة الآخرين، وبتعبير الإمام الخمينيّ (قدس سره):

"بهذه الضجّة، بهذا البكاء، بهذه النياحة، بهذه القراءة للشعر، بهذه القراءة للنثر، نريد أن نحفظ هذا المذهب كما هو كذلك محفوظ حتّى الآن"
116.

إنّ مجالس العزاء الحسينيّ التي لا تُحصى، كانت السبب في إحياء أمر أهل البيت وحفظ خطّ الأئمّة عليهم السلام وحفظ حقيقة ومحتوى نهضة عاشوراء، بل كان لهذه المجالس ولا يزال بُعدها السياسيّ أيضاً.

يُروى أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال لأحد أصحابه: "بلغني أنّ قوماً يأتونه -أي الحسين عليه السلام - من نواحي الكوفة، وناساً غيرهم، ونساءً يندبنه وذلك في النصف من شعبان، فمن قارئ يقرأ، وقاصّ يقصّ، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي.

فقلتُ له: نعم قد شهدتُ بعض ما تصفه.


فقال: الحمدُ لله الذي جعل في النّاس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا..."117.

ويقول عليه السلام لفضيل: "تجلسون وتحدّثون؟ قال: نعم، جُعِلتُ فداك. قال: إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر!"118.

ويقول الإمام الخمينيّ  (قدس سره)  أيضاً:

"هذه المجالس كانت تُقام على طول التأريخ، وبأمر من الأئمّة عليهم السلام كانت تُقام هذه المجالس... كان الأئمّة عليهم السلام يصرّون كثيراً على أن: اجتمعوا، وابكوا...


284


ذلك لأنّ هذا هو الذي يحفظ كيان مذهبنا"119.

ففي مثل هكذا إحياء لعاشوراء ولعزاء الحسين عليه السلام تتدفّق الدموع تحرس دماء الشهداء، ولتكون شاهداً على شوق وعشق أتباع عاشوراء، ولترسّخ محبّتهم الخالصة لشهداء كربلاء وملحمتهم وتزيدها عمقاً وخلوداً.

وعلاوة على جميع هذه التأكيدات على إحياء ذكرى عاشوراء، كان الأئمّة أنفسهم عليهم السلام من المذكّرين بهذه الفاجعة الأليمة على الدوام، إذ كانوا يبكون لذكرها، وكانوا يقيمون المجالس لأجلها، يقول الإمام الرضا عليه السلام في رواية عالية:

"إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرع لرسول الله حرمة في أمرنا.

إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"
120.

ويوصي الإمام الصادق عليه السلام أصحابه قائلاً:

"تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا"
121.

إنّ الاستفادة من المجالس لإحياء خطّ الأئمّة عليهم السلام كان توصية منهم، وكذلك الذهاب إلى زيارة قبر سيّد الشهداء عليه السلام حيث وردت في ذلك أحاديث كثيرة في الثواب العظيم المترتّب على هذا العمل، ففي ظلّ زيارته عليه السلام يجتمع أهل القلوب الموحّدة في حبّه عليه السلام السائرون على نهج عاشوراء عند قبره الشريف ليعاهدوا دمه المقدّس وطريقه وهدفه على مواصلة المسير والمنهج، وليستلهموا الدروس من حياة وشهادة أولئك الشهداء العظام.

ولم تؤكّد النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام على زيارة قبر من القبور


285


الشريفة كما أكّدت على زيارة قبر الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام  في كربلاء، ولقد ورد في الروايات أنّ ثواب زيارته عليه السلام يعدل عشرات ومئات من الحجج والعمرات، وسرُّ ذلك أنّ زيارته عليه السلام إحياء لمبادئ نهضة عاشوراء، وإحياء لثقافة الشهادة، وتجديد للعهد والميثاق مع الشهداء، يقول الإمام الصادق عليه السلام:

"مَن لم يأت قبر الحسين عليه السلام وهو يزعم أنّه لنا شيعةٌ حتّى يموت، فليس هو لنا بشيعة"
122.

وهناك أدلّة كثيرة على أنّ الحكّام الطواغيت في العصر الأمويّ والعصر العبّاسيّ كانوا قد منعوا النّاس حتّى من زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام، ذلك لأنّ هذه الزيارة علامة على ارتباط الزائرين بنهج وأهداف أبطال ملحمة عاشوراء، وهي أيضاً توحّد جموع الزائرين وتُعّبئهم ضدّ الظالمين، ومن هنا كان الخلفاء العبّاسيّون قد سعوا مراراً لمحو آثار قبر الإمام عليه السلام ونبشه، ولتفريق الزائرين ومنعهم من التجّمع عند القبر الشريف.

في رواية عن القاسم بن أحمد بن معمر الأسديّ الكوفيّ قال: "بلغ المتوكّل جعفر بن المعتصم أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير، فأنفذ قائداً من قوّاده، وضمّ إليه كنفاً من الجند كثيراً ليشعّث (ليشعب خ) قبر الحسين عليه السلام ويمنع النّاس من زيارته والاجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطفّ وعمل ما أُمر، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين، فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه، وقالوا: لو قُتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منّا عن زيارته، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا..."123.

وقد أُخرب قبر الإمام الحسين عليه السلام سبع عشرة مرّة بأمر المتوكّل العبّاسي124.

لقد كانت كربلاء وتربة سيّد الشهداء عليه السلام الدامية والفرات ونهر العلقميّ و...


286


في التأريخ على الدوام منبعاً للإلهام والإمداد الفكريّ والروحيّ عند عشّاق الحريّة والشرف.

وكان لعاشوراء ومزار قبر سيّد الشهداء عليه السلام الأثر العظيم في هذا الشأن125.

كما أنّ السجود على تربة الإمام الحسين عليه السلام يحمل نفس هذا التذكير بعاشوراء وبثقافة الشهادة، كتب الشهيد المطهّري في هذا الصدد يقول:

"قال أئمّتنا: الآن حيث يجب السجود على التراب، فالأفضل أن يكون ذلك التراب من تربة الشهداء إذا كان بإمكانك أن تُهيّئ لنفسك من تراب كربلاء الذي يعبق بعطر الشهيد. أنت حيث تعبد الله، إذا سجدت على أيّ تُراب فصلاتك صحيحة، ولكن إذا سجدت على ذاك التراب الذي له صلة، أو قرابة، أو مجاورة ولو قليلة بالشهيد، ويعبق بعطر الشهيد، فإنّ أجرك وثوابك يصير مائة ضعف ثواب السجود على أيّ تراب"
126.

كان الأئمّة يتّخذون مسبحاتهم من تربة قبر "سيّد الشهداء عليه السلام "127 ويستعملونها في ذكر الله، وكانوا عليهم السلام يوصون بتحنيك المولود بتربة قبر الحسين عليه السلام:"حنّكوا أولادكم بتربة الحسين فإنّها أمان"128، وما ذاك إلّا لهذا التعاهد والارتباط مع الاعتقاد بالشهادة والإيثار، الذي كانت عاشوراء أبرز وأسنى تجلّياته.

إنّ إقامة مواكب العزاء، وقراءة المراثي، والمآتم الحسينيّة التقليديّة، من البرامج المهمّة في إحياء ذكرى عاشوراء.

إنّ عشّاق خطّ "ثار الله" الثوريّ من خلال تشكيلهم المواكب الحسينيّة وهيئات العزاء، وفي ظلّ الأعلام واللّافتات والشعارات الحسينيّة، يعبّرون عن عواطف حبّهم وتعلّقهم الصادق بالحسين عليه السلام ويحافظون بذلك على تلك العواطف حيّة دافقة، وبنشرهم لراية العزاء الحسينيّ يستشعرون حقيقة ولذّة انتمائهم الفكريّ والروحيّ


287


لعاشوراء، وفي ظلّ تلك الراية يخلّدون دروس وبلاغات عاشوراء.

يقول إمام الأمّة (رضوان الله عليه):"يجب أن نحافظ على هذه التقاليد الإسلاميّة، هذه المواكب الإسلاميّة المباركة التي تنتشر في الطرق للعزاء، في عاشوراء، وفي المحرّم وصفر، وفي المناسبات الأخرى التي تقتضي ذلك، علينا أن نؤكّد أنّ على النّاس أن يلتفّوا حولها أكثر فأكثر... إنّ إحياء أمر عاشوراء يتحقّق بنفس وضعه، بنفس ذلك الوضع السابق من قبل العلماء ومن قبل الخطباء، وبنفس ذلك الترتيب السابق من قبل جماهير النّاس حيث تنتشر مواكب المآتم الحسينيّة العظيمة المنظّمة في الشوارع والطرق لإقامة العزاء، يجب أن تعلموا أنّكم إذا أردتم أن تبقى نهضتكم محفوظة فعليكم أن تحفظوا هذه التقاليد"129.

خلاصة الكلام في نفس هذه الجملة الأخيرة، وبلاغ عاشوراء في مجال "الذكرى" لعصرنا الحاضر أيضاً هو هذا بالذات: أن نحافظ بأيّ شكل من الأشكال على ملاحم الشهداء الدامية، الباعثة على الأمل والمحفّزة على التحرّك، فنذكّر بها سواء بالبرامج المدروسة بدقّة، أو من خلال تبيين مباني موضوع الشهادة، الجهاد والمجاهدين، جبهات الحرب، التظاهرات، المواجهات مع الحكم الجائر، الشهداء الأعزّاء، الأسرى الأحرار والمعلولين، العمليّات الجهاديّة، عوائل الشهداء المعظّمة، مزارات قبور الشهداء الكرام، تدوين وتصوير قصص حياتهم وشهاداتهم، الأفلام الحربيّة المتعلّقة بالدفاع المقدّس، والآثار الفنيّة الأخرى المرتبطة بذلك، الرسم، تصميم اللوحات واللّافتات المعبّرة عن مختلف موضوعات هذه القضيّة المقدّسة، وجميع المظاهر المربوطة بثقافة الجهاد والشهادة والإيثار، المستلهمة جميعها من "عاشوراء" حتّى نجعل منها ثقافة جماهيريّة عامّة.

وكما أنّ عاشوراء بجميع مظاهرها ومضامينها احتلّت مكانها في قلوب وأرواح وأذهان وحياة أتباع الإمام الحسين عليه السلام مدى قرون طويلة، وبقيت حتّى اليوم حيّة مؤثّرة من خلال الشعائر المختلفة الكثيرة130، ينبغي علينا كذلك أن نخلّد في ذاكرة


288


التأريخ قيم الشهادة والثورة في تأريخنا المعاصر حتّى تنتقل إلى الأجيال القادمة، وأن نستفيد أيضاً أكثر ما يمكن من نفس هذه المنابع بالذّات منابع الإلهام والفكر والتحريك في تربية جيل مؤمن، شجاع، مقدام، عزيز، أبيّ، وصبور، ومقاوم.


289


هوامش

1- وقعة الطفّ، ص170.
2- تاريخ الطبريّ، ج3، ص280.
3- نفس المصدر، ج3، ص303.
4- مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزميّ، ج1، ص182.
5- راجع أيضاً ما مرّ سابقاً حول موضوع الولاية والقيادة في (البلاغات الاعتقاديّة).
6- وسائل الشيعة، ج11، ص196.
7- بحار الأنوار، ج27، ص58.
8- نفس المصدر.
9- وقعة الطفّ، ص237.
10- مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزميّ، ج1، ص252.
11- عنصر شجاعت، ج1، ص316.
12- راجع: مفاتيح الجنان، ص442، زيارة النصف من رجب.
13- تهذيب الأحكام، ج6، ص72.
14- نفس المصدر، ص76.
15- مفاتيح الجنان، زيارة الأربعين، ص468.
16- صحيفة نور، ج21، ص173.
17- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص291.
18- بحار الأنوار، ج44، ص328.
19- راجع: مفاتيح الجنان في زياراته المطلقة والمخصوصة، ص758 و777 و775 و427 مثلاً.
20- تاريخ الطبريّ، ج3، ص307.
21- نفس المصدر، وفي اللهوف، ص 34: سعادة بدلاً من شهادة، هكذا سائر المصادر.
22- تاريخ الطبريّ، ج3، ص307.
23- تذكرة الخواص، ص217.
24- البحار، ج44، ص383.
25- الإرشاد، ج2، ص39، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام .
26- تحف العقول، ص239.
27- الإرشاد، ج2، ص62.
28- مفاتيح الجنان، ص439، زيارته عليه السلام أوّل رجب.
29- صحيفة نور، ج20، ص189.
30- نفس المصدر، ص190.
31- بحار الأنوار، ج45، ص158.
32- غرر الحكم، ج1، ص104.
33- الأنبياء، 18.
34- بحار الأنوار، ج44، ص381.
35- وقعة الطفّ، ص107.
36- مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزميّ، ج1، ص184.
37- الخصال، ج1، ص42، ح35.
38- وقعة الطفّ، ص170.
39- تاريخ الطبريّ، ج3، ص307.
40- نفس المصدر.
41- تاريخ الطبريّ، ج3، ص307.
42- تذكرة الخواص، ص218.
43- في الزيارات المختلفة، راجع: مفاتيح الجنان، ص418 و423 و425 و441 و444.
44- راجع: نفس المصدر ونفس الصفحات.
45- نفس المصدر، ج9، ص57.
46- نهج البلاغة، نظم صبحي الصالح، ص512، الحكمة رقم 252.
47- صحيفة نور، ج20، ص236.
48- وقعة الطفّ، ص166.
49- آل عمران، 179.
50- الإرشاد، ج2، ص75 و76.
51- اللهوف، ص32.
52- الأخبار الطوال، ص247.
53- ينابيع الموّدة، ص406.
54- مثير الأحزان، ص41.
55- مدينة المعاجز، ج4، ص214، ح295.
56- الإرشاد، ج2، ص91.
57- مدينة المعاجز، ج4، ص214، ح295.
58- مقتل الحسين عليه السلام ، للمقرّم، ص265.
59- المناقب، لابن شهر آشوب، ج4، ص89.
60- تحف العقول، ص239.
61- تاريخ الطبريّ، ج3، ص307، واللهوف، ص34.
62- صحيفة نور، ج15، ص148.
63- نفس المصدر، ج2، ص208.
64- فليراجع القارئ الكريم ذلك القسم من البحث.
65- مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم، ص370.
66- نقرأ في المصادر التأريخيّة وكتب المقاتل أنّ زوجة يزيد أنكرت عليه قتل الحسين عليه السلام وهتك حجاب بنات الرسالة، وكذلك أنكر عليه معاوية ابنه قتل الإمام عليه السلام ، وأنكرت أمّ عبيد الله بن زياد (مرجانة) على ابنها جريمته بقتل الإمام عليه السلام ، وكذلك أنكر عليه فعلته أخوه، وأنكرت زوجة خولّي على زوجها إتيانه برأس الحسين عليه السلام إلى بيتها وأصرّت على فراقه والتخلّص منه، و...
67- مفاتيح الجنان، ص443، زيارة النصف من شعبان.
68- نفس المصدر، ص440، زيارة أوّل رجب.
69- بحار الأنوار، ج45، ص51.
70- أعيان الشيعة، ج1، ص609.
71- صحيفة نور، ج13، ص225.
72- نفس المصدر، ج20، ص239.
73- مفاتيح الجنان، ص457، زيارة عاشوراء.
74- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص361.
75- القصص، 21.
76- بحار الأنوار، ج44، ص329.
77- وقعة الطفّ، ص201.
78- الإرشاد، ج2، ص30.
79- مفاتيح الجنان، ص402.
80- تهذيب الأحكام، ج6، ص76.
81- فرهنك عاشوراء، ص279.
82- فرهنك عاشوراء، ص279.
83- صحيفة نور، ج17، ص60.
84- راجع: هذه النماذج والشواهد بصورةٍ مفصّلة ومستندةٍ في كتاب " فرهنك عاشورا" للمؤلّف، في ذيل المدخل " تاكتيك هاى نظامى تبليغى" .
85- وقعة الطفّ، ص157.
86- نفس المصدر، ص166.
87- نفس المصدر، ص168.
88- راجع: تأريخ الطبريّ، ج3، ص318.
89- راجع: بحار الأنوار، ج45، ص22.
90- راجع: نفس المصدر، ج45، ص30.
91- نهج البلاغة، نظم صبحي الصالح، ص209 (من الخطبة 150).
92- بحار الأنوار، ج45، ص87.
93- ناسخ التواريخ، ج2، ص158.
94- وقعة الطفّ، ص166.
95- الإرشاد، ج2، ص46.
96- عنصر شجاعت، ج1، ص316.
97- وقعة الطفّ، ص237.
98- نفس المصدر، ص266.
99- مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم، ص327، دار الكتاب الإسلاميّ.
100- أعيان الشيعة، ج7، ص430.
101- مفاتيح الجنان، ص435.
102- نفس المصدر، ص435.
103- مفاتيح الجنان، ص403.
104- تاريخ الطبريّ، ج4، ص304، مؤسّسة الأعلميّ ـ بيروت.
105- مفاتيح الجنان، ص457، زيارة عاشوراء.
106- نفس المصدر، ص435.
107- نفس المصدر، ص453، زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة، وص430، الزيارة السابعة من زياراته المطلقة.
108- صحيفة نور، ج9، ص202.
109- راجع: الإرشاد، ج2، ص41.
110- راجع: إبصار العين، ص112 ـ 114.
111- نفس المصدر، ص93.
112- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص486.
113- صحيفة نور، ج8، ص69.
114- ﭙس از شهادت، ص13.
115- وسائل الشيعة، ج10، ص464، باب 104، ح1.
116- صحيفة نور، ج8، ص71.
117- وسائل الشيعة، ج10، ص468، ح7.
118- نفس المهموم، ص42، ح12.
119- صحيفة نور، ج10، ص217.
120- بحار الأنوار، ج44، ص83، ح17.
121- نفس المصدر، ص282.
122- وسائل الشيعة، ج10، ص336.
123- بحار الأنوار، ج45، ص397، ح5.
124- راجع: تتمّة المنتهى، للمحدّث القمّي، ص241.
125- راجع في هذا الصدد: " كربلاء كعبه دلها" للمؤلّف.
126- " شهيد" ضممية " قيام وانقلاب مهدى" ص 127، ولا يخفى على القارئ أنّ الشهيد المطهّري كان ينقل ما ينسبه إلى الأئمّة عليهم السلام بالمعنى لا بالنّص.
127- راجع: بحار الأنوار، ج 82، ص 333، ص 341.
128- وسائل الشيعة، ج 10، ص 410.
129- صحيفة نور، ج15، ص204.
130- راجع: البحث الموسّع حول هذا الموضوع في مجموعة مقالات مهرجان " امام خمينى وفرهنك عاشورا" ، ج1، ص113 مقالة " سنت هاى احيا ﮔرى روشهاى ﭙاسدارى ازحماسه عاشوراء وفرهنگ آن در تاريخ فرهنگاسلامى" .