المحاضرة الثالثة: ذكر الموت

تصدير الموضوع:
الإمام عليّ عليه السلام: "اذكروا هادم اللّذّات، ومنغّص الشهوات، وداعي الشتات، اذكروا مفرّق الجماعات، ومباعد الأمنيّات، ومدنّي المنيّات، والمؤذن بالبين والشتات"1.

الهدف:

التأكيد على ذكر الموت وعدم الغفلة عنه في مجالسنا وسهراتنا ولقاءاتنا.


259


المقدّمة
ورد في الدعاء عن الإمام السجّاد عليه السلام: "اللهمّ إنّ ذكر الموت وأهوال المطلع والوقوف بين يديك نغصّني مطعمي ومشربي وأغصّني بريقي وأقلقني عن وسادي ومنعني رقادي، كيف ينام من يخاف ملك الموت في طوارق الليل وطوارق النهار؟! بل كيف ينام العاقل وملك الموت لا ينام لا بالليل ولا بالنهار ويطلب روحه بالبيات وفي آناء الساعات"2؟!

وكان عليه السلام يسجد بعد هذا الدعاء ويلصق خده بالتراب ويقول: "أسألك الروح والراحة عند الموت والعفو عنّي حين ألقاك"3.

محاور الموضوع
ضرورة ذكر الموت

عن الإمام عليّ عليه السلام - لابنه الحسن عليه السلام-: "يا بنيّ أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت


260


إليه، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك" 4.

فكثرة ذكر الموت تجعل من الإنسان دائم الإستعداد للموت، مجانباً للغفلة والسهو واللعب والضحك واللّامبالاة، وقد جاء في الرواية أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرّ بمجلس وهم يضحكون فقال -: "أكثروا ذكر هادم اللذّات، أحسبه قال: فإنّه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلّا وسّعه، ولا في سعة إلّا ضيّقه عليه"5.

وعن الإمام علي عليه السلام: "أوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه، وكيف غفلتكم عما ليس يغفلكم، وطمعكم فيمن ليس يمهلكم! فكفى واعظا بموتى عاينتموهم"6.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثروا من ذكر هادم اللذات، فقيل: يا رسول الله فما هادم اللذات ؟ قال: الموت، فإن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأشدُّهم له استعداداً"7.


261


ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأل أصحابه عن ذكرهم للموت كما كان يوصيهم بأيّ منقبةٍ أخرى، ومن كان قليل الذكر للموت كان الرسول يُسقطه من عينه كما في بعض الروايات.

بركات ذكر الموت

1- محور الفضائل: فلذكر الموت فضائل جمّة لا تُعَدّ ولا تحصى، فعن أبي عبد الله عليه السلام: "ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد الله ويرقّ الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا"8.

2- محبّة الله: لأنّ ذكر الموت يجعلك قريباً من الله مدركاً لحضورك بين يديه، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: أنّه قال: "أفطر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشيّة خميس في مسجد قبا فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعسلٍ مخيض بعسل، فلمّا وضعه على فيه نحّاه، ثمّ قال: شرابان يُكتفى بأحدهما عن صاحبه، لا أشربه ولا


262


أحرّمه، ولكن أتواضع لله، فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر حفظه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبّه الله"9.

3- المسارعة إلى الخيرات:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أديموا ذكر هادم اللذّات قالوا يا رسول الله وما هادم اللذات، قال الموت فإنه من أكثر ذكر الموت سلى عن الشهوات ومن سلى عن الشهوات هانت عليه المصيبات ومن هانت عليه المصيبات سارع في الخيرات"10.

4- حائلٌ دون الشهوات:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "أكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات وكفى بالموت واعظاً"11، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ما يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول: "أكثروا ذكر الموت، فإنّه هادم اللذّات حائل بينكم وبين الشهوات"12.

5- الرضا والقناعة:
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال "أكثروا ذكر


263


هادم اللذّات، فما ذكر في كثير إلّا قلّله، ولا في قليل إلّا كثّره"13، ومعنى ذلك أنه متى ذكر الموت في قليل من الرزق استكثره الإنسان لاستقلال ما بقي من عمره، ومتى ذكره في كثير قلّله لأنّ كثير الدنيا إذا علم انقطاعه بالموت قلّ عنده.

وعن عليّ عليه السلام: "من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا بالكفاف"14.

6- الزهد في الدنيا:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أكثروا ذكر الموت، فإنّه ما أكثر ذكر الموت إنسان إلّا زهد في الدنيا"15.
والزهد في الدنيا يستلزم الإعراض وعدم الرغبة بها، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "من أكثر من ذكر الموت قلّت في الدنيا رغبته"16. وعنه عليه السلام: "من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير"17.

وعنه عليه السلام: "أكثروا من ذكر الموت فإنّه يمحق


264


الذنوب ويزهّد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم"18.

7- عدم اللّهو واللّعب:
عن عليّ عليه السلام في حديثٍ له عن عمرو بن العاص: "أما والله إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت. وإنه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة"19.
فذكر الموت يجعل من الإنسان إنساناً مسؤولاً، كما أنّ نسيانه ونسيان الآخرة من بعده يحرف الإنسان عن جادّة الحقّ إلى جادّة الضلالة والعمى.

8- أفضل الطاعات:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكّر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنّة"20.

9- الحشر مع الشهداء:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما سئل هل يحشر مع الشهداء أحد: "نعم من يذكر الموت في اليوم


265


والليلة عشرين مرة"21.

فذاكر الموت يُشارك الشهداء في الإرتباط الدائم بالساحة القدسيّة لله تبارك وتعالى، ولذلك كان معهم وفي درجتهم يوم القيامة.

10- حياة القلوب
: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثروا ذكر الموت، فما من عبد أكثر ذكره إلّا أحيى الله قلبه وهوّن عليه الموت"22.

11- هوان المصائب: عن الإمام عليّ عليه السلام: "أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يدي الله عزَّ وجلَّ، تهون عليكم المصائب"23.
ولذلك نرى أنّ قراءة عزاء أبي عبد الله عليه السلام من أكثر الأمور التي تساعد المرء على التخفيف من مصابه وتسلّيه عن مأساته. عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثر ذكر الموت يسلك عمّا سواه"24.


266


هوامش

1- ميزان الحكمة، ج4، ص 2964.
2- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 133.
3- المصدر نفسه، الشيخ الطوسي، ص 133.
4- نهج البلاغة، ج3، ص 49.
5- ميزان الحكمة، ج4، ص 2965.
6- المصدر نفسه، ج4، ص 2965.
7- م.ن، ج4، ص 2965.
8- ميزان الحكمة، ج4، ص 2964.
9- المصدر نفسه، ج4، ص 3558.
10- مسند زيد بن علي، ص 386.
11- ميزان الحكمة، ج4، ص 2965.
12- المصدر نفسه، ج4، ص 2965.
13- تذكرة الفقهاء، ج1، ص 336.
14- ميزان الحكمة، ج4، ص 2966.
15- المصدر نفسه، ج4، ص 2965.
16- م.ن، ج4، ص 2965.
17- م.ن، ج4، ص 2965.
18- م.ن، ج4، ص 2965.
19- نهج البلاغة، ج1، ص 147.
20- ميزان الحكمة، ج4، ص 2964.
21- المصدر نفسه، ج4، ص 2965.
22- م.ن، ج4، ص 2965.
23- م.ن، ج4، ص 2965.
24- م.ن، ج4، ص 2965.