المحاضرة الثانية: الإستعداد للموت

تصدير الموضوع:
عن عليّ عليه السلام: "بادروا الموت الذي إن هربتم منه أدرككم، وإن أقمتم أخذكم، وإن نسيتموه ذكّركم"1.

الهدف:

بيان مفهوم الاستعداد للموت والمراد منه وكيفيّة القيام به وعلّة الاستخفاف به.


249


المقدّمة
عن الإمام عليّ عليه السلام: "استعدّوا للموت فقد أظلّكم، وكونوا قوماً صِيح بهم فانتبهوا، وعلموا أنّ الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا... وما بين أحدكم وبين الجنّة أو النار إلّا الموت أن ينزل به...2 نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تبطره نعمة، ولا تقصّر به عن طاعة ربّه غاية، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة".

فإنّ من أهمّ ما يوجب على المرء الاستعداد للموت أنّه لحظة الفصل بين السعادة أو الشقاء الأبديّين، وبالتالي فإنّ الاستعداد له ينبغي أن يكون بمستوى أهميّته وخطورته، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحقّ لأفضل العدّة"3.

محاور الموضوع
التأكيد على الاستعداد للموت

أكّدت الروايات على ضرورة الاستعداد للموت وأنّه أمرٌ فطريّ يتناسب مع فطرة الإنسان الذي يستعدّ لأيّ أمر يتوقّع


250


نزوله به، فضلاً عن الأمر الذي يتيقّن حدوثه، ولذلك كان الاستعداد للموت واحداً من هذه الأمور التي لا ينبغي أن يغفل عنها، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إن أمراً لا تعلم متى يفجأك ينبغي أن تستعدّ له قبل أن يغشاك.."4. وعنه عليه السلام: "أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يُدعى بكم"5.

ويؤكّد أمير المؤمنين أنّ الاستعداد للموت من صفات العاقل فيقول عليه السلام: "إنّ العاقل ينبغي أن يحذر الموت في هذه الدار، ويحسن له التأهّب قبل أن يصل إلى دار يتمنّى فيها الموت فلا يجده"6.

تفسير الاستعداد للموت

ولا يعني الاستعداد للموت أن لا ينشغل المرء بأمور حياته ويلبّي حاجاته اليوميّة، بل معناه كما ورد عن الإمام عليّ عليه السلام- لمّا سئل عن الاستعداد للموت -: "أداء الفرائض،


251


واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثمّ لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، والله ما يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه"7.

ومن الصور الجميلة ما يعبّر عنه الإمام زين العابدين عليه السلام - لمّا سئل عن خير الموت -: "أن يكون قد فرغ من أبنيته ودوره وقصوره، قيل: وكيف ذلك؟ قال: أن يكون من ذنوبه تائباً، وعلى الخيرات مقيماً، يرد على الله حبيباً كريماً"8. ولعل المراد بهذا الحديث أن الإنسان إنما يكون خير من استعد للموت إذا انتهى من بناء آخرته.

وعن عليّ عليه السلام يؤكّد على أنّ ترك المعاصي وفعل الخيرات هو خير الاستعداد للموت فيقول عليه السلام: "إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام، وبذل الندى والخير"9.
وعنه عليه السلام: "اعلم أنّ أمامك عقبة كؤوداً المخفّ (أي قليل الذنوب) فيها أحسن حالاً من المثقل (أي كثير الذنوب)،


252


والمبطئ عليها أقبح حالا من المسرع... فارتد لنفسك قبل نزولك، ووطِّئ المنزل قبل حلولك"10.

وإنّ ممّا يساعد في الاستعداد للموت أن يعيش الإنسان فكرة اقتراب الرحيل، فيرى الموت بعين اليقين لا بعين الشاكّ ويتوقّعه في كلّ لحظة، فعن عليّ عليه السلام: "من رأى الموت بعين يقينه رآه قريباً"11.

وعنه عليه السلام: "إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى"12! وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أصلحوا الدنيا واعملوا لآخرتكم كأنّكم تموتون غداً"13.

بركات الاستعداد للموت

1- الموت الهنيء: عن عليّ عليه السلام: "من استعدّ لسفره قرّ عيناً بحضره"14.


253


2- المسارعة إلى فعل الخيرات: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ارتقب الموت سارع في الخيرات" 15.
3- العزوف عن الدنيا: عنه عليه السلام: "ازهد في الدنيا واعزف عنها، وإيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربّك في طلبها فتشقى"16.
4- المبادرة إلى العمل: فعن عليّ عليه السلام: "لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل... يخشى الموت، ولا يبادر الفوت"17. أي لا يبادر بالعمل قبل فوات الأوان.
5- عدم الفجأة: والاستعداد للموت ينفي أهوال موت الفجأة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "موت الفجأة راحة للمؤمن وحسرة للكافر"18.
وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "والله ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلّا كقارب ورد، وطالب وجد، وما عند الله خير للأبرار"19.


254


تمنّي الموت
قال تعالى:
﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ20.
والاستعداد للموت لا يعني تمني الموت وطلبه لضائقةٍ أو بلاءٍ أو ما شابه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يتمنّى أحدكم الموت لضرّ نزل به، فإن كان ولا بدّ فاعلاً فليقل: اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي"21.

وتمني الموت لازمه يقين المرء بحسن ما قدّم وأنه يثق بعمله الذي قدّمه بين يديه وأنه مقبل على مغفرة الله ورحمته، فمن رأى ذلك في نفسه وأمن عذاب الله كان صادقاً فيما يتمنى وراجحاً ما يصبو إليه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت إلا أن يثق بعمله" 22.

وهذا ما أشار إليه الإمام عليّ عليه السلام للحارث الهمذانيّ:


255


"وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت، ولا تتمنّ الموت إلّا بشرط وثيق"23.

وما لم يكن واثقاً بعمله فإنّه والحال هذه يتمنّى الهلاك، فعن الإمام الكاظم عليه السلام يبيّن لأحدهم أنّ تمنّي الموت يعني تمنّي الهلاك الأبديّ فيقول له: "هل بينك وبين الله قرابة يحابيك لها ؟ قال: لا، قال: فهل لك حسنات قدّمتها تزيد على سيّئاتك ؟ قال: لا، قال: فأنت إذاً تتمنّى هلاك الأبد"24.

بل ورد في بعض الروايات تأكيدها على أنّ تمنّي الحياة خيرٌ من تمنّي الموت، فعن الإمام الصادق عليه السلام- لرجل يتمنّى الموت -: "تمنّ الحياة لتطيع لا لتعصي، فلأن تعيش فتطيع خير لك من أن تموت فلا تعصي ولا تطيع"25.

عدم التأهّب للموت

ويستغرب الإمام عليّ عليه السلام ممّن لا يتأهّب للموت قائلاً:


256


"عجبت لمن يرى أنّه ينقص كلّ يوم في نفسه وعمره وهو لا يتأهّب للموت"26.

ويرجع ذلك إلى جملة أسباب، أهمّها:
العجز: أي عجز المرء عن هذا الاستعداد وانجرافه في حبائل الدنيا، فعن عليّ عليه السلام: "إذا كان هجوم الموت لا يؤمن، فمن العجز ترك التأهّب له"27.
ويحذّر من ذلك بقوله عليه السلام: "إيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبق عن ربّك في طلب الدنيا"28.

الغفلة: عنه عليه السلام: "إنّ وراءك طالباً حثيثاً من الموت، فلا تغفل"29.
عنه عليه السلام: "تارك التأهّب للموت واغتنام المهل غافل عن هجوم الأجل"30.


257


هوامش

1- ميزان الحكمة، ج4، ص 2967.
2- المصدر نفسه، ج4، ص 2966.
3- م.ن، ج4، ص 2967.
4- ميزان الحكمة، ج4، ص 2966.
5- المصدر نفسه، ج4، ص 2966.
6- م.ن، ج4، ص 2966.
7- م.ن، ج4، ص 2969.
8- ميزان الحكمة، ج4، ص 2969.
9- المصدر نفسه، ج4، ص 2969.
10- م.ن، ج4، ص 2966.
11- م.ن، ج4، ص 2958.
12- م.ن، ج4، ص 2958.
13- م.ن، ج4، ص 2967.
14- ميزان الحكمة، ج4، ص 2967.
15- المصدر نفسه، ج4، ص 2967.
16- م.ن، ج4، ص 2967.
17- م.ن، ج4، ص 2967.
18- م.ن، ج4، ص 2975.
19- م.ن، ج4، ص 2975.
20- البقرة: 94 ـ 95.
21- ميزان الحكمة، ج4، ص 2970.
22- المصدر نفسه، ج4، ص 2970.
23- نهج البلاغة، ج3، ص 129.
24- ميزان الحكمة، ج4، ص 2971.
25- ميزان الحكمة، ج4، ص 2971.
26- المصدر نفسه، ج4، ص 2979.
27- م.ن، ج4، ص 2966.
28- نهج البلاغة، ج3، ص 131.
29- ميزان الحكمة، ج4، ص 2966.
30- المصدر نفسه، ج4، ص 2966.