المحاضرة الأولى: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

تصدير الموضوع:
عن الإمام علي عليه السلام: "إن في الموت لراحة لمن كان عبد شهوته وأسير أهويته، لأنه كلما طالت حياته كثرت سيئاته وعظمت على نفسه جناياته"1.

الهدف:

بيان حقيقة الموت لا سيّما عند المؤمن والكافر من خلال كلمات المعصومين.


241


المقدّمة
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "لمّا اشتدّ الأمر بالحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم، لأنّهم كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم، وكان الحسين عليه السلام وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم وتهدي جوارحهم وتسكن نفوسهم". فقال بعضهم لبعض: "انظروا لا يبالي بالموت"! فقال لهم الحسين عليه السلام: "صبراً بني الكرام ! فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر"؟2.

محاور الموضوع
الموت في كلمات المعصومين عليه السلام

عن الإمام عليّ عليه السلام: وقد سئل عن تفسير الموت: "على الخبير سقطتم، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه: إمّا بشارة


242


بنعيم الأبد، وإمّا بشارة بعذاب الأبد، وإمّا تحزين وتهويل وأمر مبهم، لا يدري من أيّ الفرق هو..."3

عن الإمام الحسن عليه السلام: - لمّا سئل عن الموت -: "للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفكّ قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح، وأوطأ المراكب، وآنس المنازل، وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها، وأوحش المنازل، وأعظم العذاب".4

وعنه عليه السلام: "أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد"5.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: " للمؤمن كأطيب ريح يشمّه فينعس لطيبه وينقطع التعب والألم كلّه عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب وأشدّ!". قيل: فإنّ قوماً يقولون: "إنّه


243


أشدّ من نشر بالمناشير! وقرض بالمقاريض! ورضخ بالأحجار! وتدوير قطب الأرحية على الأحداق! قال: كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين..."6

وعن الإمام الكاظم عليه السلام- لمّا دخل على رجل قد غرق في سكرات الموت: "الموت هو المصفاة يصفّي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر بقي عليهم، ويصفّي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذّة أو راحة تلحقهم، وهو آخر ثواب حسنة تكون لهم..."7.

وعن الإمام الرضا عليه السلام- في عيادة رجل من أصحابه -: كيف تجدك؟ قال: "لقيت الموت بعدك"! - يريد ما لقيه من شدّة مرضه - فقال: "كيف لقيته"؟ فقال: "أليماً شديداً"، فقال: "ما لقيته، إنّما لقيت ما ينذرك به ويعرّفك بعض حاله..."8

وعن الإمام الجواد عليه السلام- لمّا سئل عن الموت -: "هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة إلّا أنّه طويل مدّته لا ينتبه منه إلّا


244


يوم القيامة، فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره، ومن أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره، فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه؟ هذا هو الموت فاستعدّوا له "9.

وعن الإمام العسكري عليه السلام: دخل عليّ بن محمّد عليهما السلام على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: "يا عبد الله تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت وتقذرت وتأذيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أن الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك"؟ قال: "بلى يا ابن رسول الله"، قال: "فذاك الموت هو ذلك الحمّام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذًى، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح، فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه ومضى لسبيله"10.


245


موت المؤمن
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ11.

وقال تعالى:
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي12.

فالموت ريحانة المؤمن كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه انعتاقٌ له من سجنه الدنيويّ إلى الحريّة الأبديّة في النعيم الإلهيّ، وقد شبّهه رسول الله عليه السلام بخروج الجنين من بطن أمّه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما شبّهت خروج المؤمن من الدنيا إلّا مثل خروج الصبيّ من بطن أمّه من ذلك الغم والظلمة إلى روح الدنيا"13.

عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى، فيقوم وأصحابه لا يدنو منه حتى يبدأه بالتسليم ويبشره بالجنة"14.
وعن الإمام الصادق عليه السلام- في قوله تعالى:
﴿لَهُمُ الْبُشْرَى


246


فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا،: "هو أن يبشّراه بالجنّة عند الموت، يعني محمداً وعلياً عليه السلام"15.

وعنه عليه السلام: "أمّا المؤمن فما يحسّ بخروجها"، وذلك قول الله سبحانه وتعالى:، (يا أيتها النفس...)، "ذلك لمن كان ورعاً مواسياً لإخوانه وصولاً لهم"16.
في حديث المعراج عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة، بيد كل ملك كأس من ماء الكوثر وكأس من الخمر يسقون روحه حتّى تذهب سكرته ومرارته، ويبشّرونه بالبشارة العظمى" ويقولون له: "طبت وطاب مثواك، إنّك تقدم على العزيز الحكيم الحبيب القريب"17.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أوّل ما يبشّر به المؤمن روح وريحان وجنّة نعيم، وأوّل ما يبشّر به المؤمن" أن يُقال له: "أبشر وليّ الله برضاه والجنّة! قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيّعك، واستجاب لمن استغفر لك، وقبل من شهد لك" 18.


247


موت الكافر
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ19.

قال تعالى:
﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ20.

ونكتفي بحديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصف فيه موت الكافر وخروج روحه: "... وإن كان لأوليائنا معادياً، ولأعدائنا موالياً، ولأضدادنا بألقابنا ملقّبا، فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مثّل الله عزَّ وجلَّ لذلك الفاجر سادته الذين اتخذهم أرباباً من دون الله، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه، ولا يزال يصل إليه من حرّ عذابهم ما لا طاقة له به. فيقول له ملك الموت: يا أيّها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه، فاليوم لا يغنون عنك شيئاً، ولا تجد إلى مناص سبيلاً، فيرد عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لأهلكهم"21


248


هوامش

1- ميزان الحكمة، ج4، ص 2962.
2- المصدر نفسه، ج4، ص 2959.
3- ميزان الحكمة، ج4، ص 2959.
4- المصدر نفسه، ج4، ص 2959.
5- م.ن، ج4، ص 2959.
6- م.ن، ج4، ص 2959.
7- ميزان الحكمة، ج4، ص 2960.
8- المصدر نفسه، ج4، ص 2960.
9- م.ن، ج4، ص 2959.
10- م.ن، ج4، ص 2960.
11- النحل 32.
12- الفجر 27 ـ 30.
13- ميزان الحكمة، ج4، ص 2961.
14- المصدر نفسه، ج4، ص 2961.
15- م.ن، ج4، ص 2961.
16- م.ن، ج4، ص 2961.
17- ميزان الحكمة، ج4، ص 2961.
18- المصدر نفسه، ج4، ص 2961.
19- النحل 28.
20- محمد 27.
21- ميزان الحكمة، ج4، ص 2961.