المحاضرة السادسة: مقام الشهادة (2)

تصدير الموضوع:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه "1

الهدف:

بيان تقدير الموت والشهادة في حياة الإنسان ومن لهم حكم الشهداء في الإسلام.


231


المقدّمة
أبى الله للمؤمن إلّا أن تكون له الحياة الكريمة، ورفض له أيّ لون من ألوان القهر والذلّ، بل اعتبر أنّ الرضا بهذه الحياة خروج عن الإيمان والطاعة لله تعالى، لما هو واضح أنّ من عبد الله حقّاً كان أعزّ الناس وأكرمهم، وأبى على نفسه كلّ ما لا يتناسب مع هذه العزّة الإلهيّة حتّى ولو كلّفه ذلك حياته، بل إنّ جمال الحياة وسعادتها في العيش بكرامة الإيمان، وذلّ الحياة وشقاوتها في العيش تحت رحمة البغاة الظالمين، وهذا ما صرّح به الإمام الحسين عليه السلام - في مسيره إلى كربلاء -: "إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً"2.

محاور الموضوع
تقدير الشهادة والموت

يردّ القرآن الكريم على الذين يتوهمّون أنّ الجهاد يضع حدّاً لآجال الناس، وأنّ ترك الجهاد يزيد في أعمارهم فيقول


232


تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ3.

وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ4.

من لهم حكم الشهداء

الموت على الولاية: فالثبات على الولاية بمعناها السياسيّ وعدم التبرّؤ من أهل بيت العصمة على مستوى الفعل والسلوك يرفع الإنسان عند وفاته إلى منزلة الشهداء، فعن الإمام الحسين عليه السلام: "ما من شيعتنا إلّا صدّيق شهيد"، - قال زيد بن أرقم: - قلت: "أنّى يكون ذلك وهم يموتون على فرشهم"؟ فقال: أما تتلو كتاب الله:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ ثمّ قال عليه السلام: "لو لم تكن الشهادة إلّا لمن قتل بالسيف لأقلّ الله الشهداء"5.


233


ونفس المعنى نقرأه عن الإمام الصادق عليه السلام - "لأبي بصير -: يا أبا محمّد! إنّ الميت على هذا الأمر (أي ولاية أهل البيت) شهيد، قلت: جعلت فداك وإن مات على فراشه؟ قال: وإن مات على فراشه، فإنّه حيٌّ يرزق"6.

ويعبّر عن ذلك الإمام عليّ عليه السلام بمعرفة الحقّ بقوله: "من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النيّة مقام إصلاته لسيفه"7.

وهذه الولاية استخدم لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفظ الحبّ تماماً بنفس المعنى الذي استخدمه الله تعالى في كتابه حين أمرنا بالمودّة لأهل بيت العصمة عليه السلام، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً"8. الإمام عليّ عليه السلام: "المؤمن على أيّ حال مات، وفي أي ساعة قبض، فهو شهيد"9.

الموت دون ماله: وهذا لا يعني أهميّة المال على النفس، بل يعني مواجهة الظالم الذي يريد مصادرة المال، كما يعني كرامة النفس عن الخنوع لغير ذات الله، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أريد ماله بغير حقّ فقاتل فقُتل فهو شهيد"10.


234


الموت دون أهله وماله وجاره: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قُتل دون أهله ظلماً فهو شهيد، ومن قُتل دون ماله ظلماً فهو شهيد، ومن قُتل دون جاره ظلماً فهو شهيد، ومن قتل في ذات الله عزَّ وجلَّ فهو شهيد"11. وكأنّ الحديث ناظر إلى عدوٍّ ظالم يدخل بيتك أو قريتك أو مدينتك فإنّه والحال هذه يجب الدفاع عن كلّ ذلك، وأنّ المقتول دون ذلك له مرتبة الشهداء.

الموت دفاعاً عن النفس:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قاتل دون نفسه حتى يُقتل فهو شهيد"12. وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطي للإنسان مشروعيّة الدفاع عن نفسه فيما لو حاول أحد النيل منه، وبكلمةٍ أخرى فإنّ الدفاع عن النفس ممّا


235


أجازه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشكلٍ مطلق.

الموت دون حقّه:
كأن يموت المرء دون أرضه وممتلكاته التي يريد الظالم غصبها، أو يموت دفاعاً عن قضيّةٍ عادلة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قُتل دون مظلمته فهو شهيد"13. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم الميتة أن يموت الرجل دون حقّه"14.

الشهادة في عصر الغيبة

ولها أجرٌ مضاعف كما أنّ الجهد والعمل الذي يبذله المرء في عصر الغيبة تمهيداً لظهور القائم له أجرٌ مضاعف، عن الإمام الصادق عليه السلام: "من مات منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله"15.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "من مات على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد"16.


236


فالقتال بين يدي النبيّ أو الإمام قتال مع ظهور الشمس وبيانها للعيان، وأمّا القتال في عصر الغيبة فهو قتال على نور الشمس التي ظلّلها السحاب، فهو بحاجةٍ لوعي وبصيرة وثبات قد لا يحتاج إليها الجهاد بين يدي المعصوم. نعم استثنى علماؤنا من هذ القاعدة شهداء كربلاء الذين وصفهم الإمام الصادق بقوله: "مصارع عشّاق لم يسبقهم أحد ولم يلحق بهم أحد".

وفي الختام نستحضر ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام - من دعائه لمّا عزم على لقاء القوم بصفين -: "اللهمّ ربّ السقف المرفوع... إن أظهرتنا على عدوّنا فجنبنا البغي وسددنا للحقّ، وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنة"17.


237


هوامش

1- نهج البلاغة, خطب الإمام علي, ج2, ص4.
2- تحف العقول، ص 245.
3- آل عمران ، 154.
4- آل عمران ، 156.
5- ميزان الحكمة، ج2، ص 1517.
6- ميزان الحكمة، ج2، ص 1517.
7- المصدر نفسه، ج2، ص 1517.
8- م.ن، ج2، ص 1517.
9- م.ن، ج2، ص 1517.
10- م.ن، ج2، ص 1516.
11- ميزان الحكمة، ج2، ص 1516.
12- المصدر نفسه، ج2، ص 1516.
13- م.ن، ج2، ص 1516.
14- م.ن، ج2، ص 1516.
15- فضائل الشيعة ، ص37.
16- كمال الدين وتمام النعمة ، ص323.
17- نهج البلاغة، ج2، ص 84.