المحاضرة الثانية: أساليب جهاد النفس وأسلحته

تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى1.

الهدف:
بيان بعض أساليب جهاد النفس وأهمّ أسلحة هذه المواجهة والآثار والبركات المترتّبة عليها.


21


المقدَّمة
إنّ الجهاد الأكبر تماماً كالجهاد الأصغر له ثغوره التي ينبغي المرابطة عليها والحضور فيها بشكلٍ دائم، كما له تكتيكاته الخاصّة وأساليبه المختلفة التي تتنوّع بحسب الزمان والمكان والشخص والظروف المحيطة وغير ذلك، وكذلك له مواقعه المهمّة والاستراتيجيّة التي بفقدانها تشكل خطراً حقيقيّاً على كثير من الفرائض والواجبات ومكارم الأخلاق، وله تلاله المنخفضة التي لا ينبغي التهاون في المحافظة عليها، كما لهذه المواجهة أسلحتها الخاصّة وذخائرها المناسبة لها، وقبل ذلك كلّه فهي المعركة الواجبة التي تجب المواجهة فيها ويجب الإنتصار في نهايتها، كما قال الإمام الكاظم عليه السلام: "جاهد نفسك لتردّها عن هواها، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوك"2.

محاور الموضوع
كيفيّة مجاهدة النفس

تبيّن النصوص بعض أساليب جهاد النفس وتزكيتها من


22


خلال النقاط الآتية:
1- الثبات وعدم الانقياد لها: يقول الإمام عليّ عليه السلام: "إذا صعبت عليك نفسك فأصعب لها تَذِلّ لك، وخادع نفسك عن نفسك تنقد لك"3.
فعلى الإنسان أن لا ينهزم بسرعة أمام صعوبة المعركة كما لو صعبت عليها بعض المستحبّات أو الفرائض فعلى الإنسان أن يقوم بهذه المستحبّات حتّى يرضخ نفسه، لا أن يستجيب لميولها، وبصموده تنهزم أهواء النفس وتنهار ذليلة خانعة، وبوعيه يفوّت الفرصة على الإغراءات ويخدعها.

2- الإدبار عنها: يقول الإمام عليّ عليه السلام: "أقبِلْ على نفسك بالإدبار عنها"4. وذلك أنّ الإقبال على النفس بالاستجابة لرغباتها مهلك للإنسان ونفسه، بينما التعامل مع النفس بالتنكّر لأهوائها هو لمصلحة النفس..

3- الحمية عن لذّات الدنيا: عن عليّ عليه السلام: "دواء النفس


23


 الصوم عن الهوى والحمية عن لذّات الدنيا"5. وبكلمةٍ أوضح، فكلَّما خفّف المرء من مؤونة جسده، كلّما سهل عليه تزكية نفسه، ولذلك يقول الإمام عليّ عليه السلام: "خدمة الجسد إعطاؤه ما يطلبه من الملاذّ والشهوات والمقتنيات، وفي ذلك هلاك النفس"6.

4- قمعها ومنعها عن رغباتها: ففي وصيّة قدمها إلى شريح بن هاني يقول الإمام عليّ عليه السلام: "اتَّق الله في كلّ صباحٍ ومساء، وخَفْ على نفسك الدنيا الغَرور، ولا تأمنها على حال، واعلم أنّك إن لم تردع نفسك عن كثير ممّا تحبّ، مخافة مكروه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعاً رادعاً، ولنزوتك عند الحفيظة واقماً 7قامعا"ً.

5- إكراهها على فعل الخير: ذلك أنّ النفس قد تضعف عن فعل الخيرات، والحال أنّ تعويدها هذه المنقبة من أهمّ الأمور التي تزيد في تزكيتها، يقول الإمام عليّ عليه السلام:


24


"أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه، لأنّ مخالفتها أهمّ من ذات العمل، لأنّها تكسب المرء ملكة تحدّي النفس وإرغامها على صالح الأعمال" 8، ويؤكّد الإمام عليّ عليه السلام الدور الحاسم لذات الإنسان في مقاومة نفسه فيقول عليه السلام: "واعلموا أنّه من لم يُعِنْ على نفسه حتّى يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن له من غيرها لا زاجر ولا واعظ"9.

6- معاملتها على أنّها عدوّ: إذ قد يغيب عن ذهن الإنسان أنّها عدوّ، بل أنّها أعظم الأعداء، فيحاول أن يسوِّغ لها بدل أن يحاسبها ويسائلها بل ويعاقبها على أيّ سوءٍ أقدمت عليه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "اجعل نفسك عدوّاً تجاهده وعارية تردّها، فإنّك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية الصحة وبُيِّنَ لك الداء ودُلِلْتَ على الدواء، فانظر قيامك على نفسك"10.


25


وعن الإمام عليّ عليه السلام: "جاهد نفسك على طاعة الله مجاهدة العدوِّ عدوَّه، وغالبها مغالبة الضدِّ ضدَّه، فإنّ أقوى الناس من قوي على نفسه"11.

7- المحاسبة: أي أن يقف المرء على أفعاله ليقيمّها ويَزِنَها بميزان العدل والشرع ولا يتهاون في حسابها قبل يوم الحساب، عن الإمام الصادق عليه السلام: "جاهد نفسَك وحاسبها محاسبة الشريك شريكه، وطالبها بحقوق الله مطالبة الخصم خصمه"12.
وفي الحديث: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا".

آثار جهاد النفس وبركاتُه
1- الفوز بالجنّة: يقول الله تعالى:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى. والخوف من الله يعني إظهار تمام العبوديّة له، ونهي النفس عن الهوى يعني عدم سلوك أيّ سبيل لا يقع في طاعة الله ورضاه.

2- أجر الشهداء: لأنّ فرعون النفس ونمرودها أشدّ من فراعنة


26


الزمان، فمن استطاع أن يتغلّب على فرعون نفسه هان عليه فرعون زمانه، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ المجاهد نفسه على طاعة الله وعن معاصيه عند الله سبحانه بمنزلة برّ شهيد"13.

3- كمال التقوى: أي الوصول إلى أعلى مراتب التقوى والإيمان، عن عليّ عليه السلام: "من جاهد نفسه أكمل التقى"14.
4- الشعور بحلاوة الإيمان: وهذا الشعور من أهم ما يوجد الحافزيّة عند الإنسان في الاستمرار بهذا الطريق، إذ يجد جمال ما يصنع ويتذوّق حلاوة ما يقوم به، فعن عليّ عليه السلام: "صابروا أنفسكم على فعل الطاعات، وصونوها عن دنس السيّئات، تجدوا حلاوة الإيمان"15.

5- الحكمة: فالإنسان الذي يطرد إبليس من نفسه من الطبيعيّ أن تخترق قلبه أنوار الهداية والحكمة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "جاهدوا أنفسكم على شهواتكم تحلّ قلوبكم الحكمة"16.


27


6- فرار الشيطان وحلول الملائكة: والتعبير بالفرار والحلول يوضح أنّ الإنسان إنّما يخوض معركةً حقيقية بجهاده نفسه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "جاهدوا أنفسكم بقلّة الطعام والشراب، تظلّكم الملائكة ويفرّ عنكم الشيطان"17.

7- الأمن يوم القيامة: وأيّ فوز بعد هذا الأمان يوم تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت؟ يقول الإمام عليّ عليه السلام: "وإنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى لتأتي آمنه يوم الخوف الأكبر"18.

8- علوّ الدرجات ومضاعفة الحسنات: فجهاد النفس لا يعني مجرّد الفلاح يوم القيامة، بل يستلزم رفيع الدرجات وعلوّ المقامات جزاءً لهذا الإنتصار الكبير الذي سطّره الإنسان على نفسه، فعن عليّ عليه السلام: "ردع النفس وجهادها عن أهويتها يرفع الدرجات ويضاعف الحسنات"19.

9- التغلّب على العادات السيّئة: وما أكثرها في مجتمعاتنا اليوم! حتّى عند بعض أهل الإيمان، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:


28


"بالمجاهدة يغلب سوء العادة"20.
وعنه عليه السلام: "جاهد شهوتك وغالب غضبك وخالف سوء عادتك، تزكِّ نفسَك ويكمل عقلك وتستكمل ثواب ربّك"21.

10- إدراك الأهداف السامية: فمعالي الأمور وعظائمها لا تُدركها النفوس الضعيفة التي ليس لا حظّ من التزكية والترويض، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "ذروة الغايات لا ينالها إلّا ذوو التهذيب والمجاهدات"22.

11 - التحرّر: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من ترك الشهوات كان حرّاً"23.


29


هوامش

1- النازعات 40 ـ 41.
2- ميزان الحكمة، ج1، ص 452.
3- ميزان الحكمة، ج4، ص 3333.
4- المصدر نفسه، ج4، ص 3333.
5- م.ن، ج4، ص 3334.
6- م.ن، ج4، ص 3335.
7- نهج البلاغة، ج3، ص 113.
8- المصدر نفسه، ج3، ص 55.
9- ميزان الحكمة، ج4، ص 3360.
10- المصدر نفسه، ج1، ص 454.
11- م.ن، ج1، ص 454.
12- ميزان الحكمة، ج1، ص 454.
13- المصدر نفسه، ج1، ص 452.
14- م.ن، ج1، ص 455.
15- ميزان الحكمة، ج1، ص 458.
16- المصدر نفسه، ج1، ص 455.
17- م.ن، ج1، ص 455.
18- نهج البلاغة، ج3، ص 71.
19- ميزان الحكمة، ج1، ص 454.
20- ميزان الحكمة، ج1، ص 454.
21- المصدر نفسه، ج1، ص 455.
22- م.ن، ج1، ص 455.
23- موسوعة أحاديث أهل البيت ، ج1 ، ص331.